نص السؤال

ألَا يدُلُّ إثباتُ النسخِ في القرآنِ على أنه مِن وضعِ بَشَرٍ، يَطرَأُ عليهم التغييرُ والتبديل؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

هل النسخُ والتبديلُ دليلٌ على بشَريَّةِ مَصدَرِ القرآنِ الكريم؟

الجواب التفصيلي

وقوعُ النسخِ في القرآنِ ثابتٌ بالأدلَّةِ العقليَّةِ والنقليَّة، ويُمكِنُ تَجلِيَةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن ثلاثةِ أوجُهٍ:

أوَّلًا: ظَنَّ بعضُهم أن النسخَ يعني: البَدَاءَ، وليس كذلك:

والمرادُ بـ «البداءِ»: ظهورُ ما كان خافيًا على المشرِّعِ مِن قبلِ معرفتِهِ وإدراكِه، أي: أن اللهَ سبحانه كان لا يَعلَمُ حين شرَّع وحكَمَ، فلما بدا له الأفضلُ وظهَرَ، قام بتغييرِ أحكامِهِ؛ وهذا لا يقولُ به مؤمِنٌ في حقِّ اللهِ تعالى.

لكنَّنا عندما ننظُرُ إلى معنى «النسخِ» شرعًا، يتبيَّنُ لنا مدى الاختلافِ بينه وبين معنى «البَدَاءِ»؛ فـ «النسخُ» في الشرعِ يعني: رَفْعَ الحُكْمِ الشرعيِّ بدليلٍ شرعيٍّ متأخِّرٍ عنه؛ لحكمةٍ أرادَها اللهُ تعالى.

ومِن الأدلَّةِ العقليَّةِ والحِكَمِ التي تُثبِتُ وقوعَ النسخِ في القرآن:

1- اختلافُ المصالِحِ باختلافِ الأشخاص، وباختلافِ الأزمانِ والأحكامِ كذلك:

فالنظَّارةُ الطِّبِّيَّةُ تَنفَعُ لضعيفِ البصَر، لكنها لا تَنفَعُ الشخصَ السليمَ، وما يكونُ مصلحةً لشخصٍ مَّا في زمَنٍ مَّا، قد لا يكونُ مصلحةً له في زمَنٍ آخَرَ؛ كالدواءِ الذي يَنفَعُ عند المرَض، ولا يَنفَعُ في زمَنِ الصحَّة.

2- الحاجةُ إلى التربيةِ والتهذيب:

حيثُ إن اللهَ تعالى يشرِّعُ مِن الأحكامِ ما شاء، ثم يَنسَخُها بأحكامٍ أنسَبَ؛ فيكونُ الناسُ بالتشريعِ الأوَّلِ قد تربَّوْا وتمرَّنوا على العمَلِ، فيأتي الحُكْمُ الجديدُ وهم على كاملِ الاستعدادِ للعمَلِ به.

3- الحاجةُ إلى التدرُّج:

وهذا مِن أعظمِ ركائزِ الشريعةِ الإسلاميَّةِ، ومِن لُطْفِ اللهِ تعالى ورحمتِهِ بعبادِه؛ حيثُ إنه سبحانه لو باغَتَهم بالحُكْمِ مباشَرةً، فلربما اشتَدَّ عليهم، لكنْ بالتدرُّجِ يكونُ الأمرُ أيسَرَ وأدعى للقَبولِ والالتزامِ بأحكامِ اللهِ تعالى:

قالت عائشةُ رضيَ اللهُ عنه:

«إِنَّمَا نَزَلَ [أَيْ: مِنَ القُرْآنِ] أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ: سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلَامِ، نَزَلَ الحَلَالُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لَا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَى أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ ^ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ»، قَالَ: «فَأَخْرَجَتْ لَهُ المُصْحَفَ، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ»؛

رواه البخاريُّ (4993)، في فضائلِ القرآن، بابِ تأليفِ القرآن.

ثانيًا: مِن الغريبِ أن بعضَ مَن يُثيرُ هذه الشبهةَ ينتسِبُ إلى اليهودِ أو النصارى، وهدَفُ اليهودِ والنصارى مِن إنكارِ النسخِ: هو التملُّصُ مِن نسخِ اللهِ تعالى شَرْعَهم بغيرِه، ونسخِ أحكامِهم بغيرِها:

ولذا نجدُهم يَتَّهِمون شريعتَنا بالافتراءِ على اللهِ؛ لقولِها بالنسخِ، والعجيبُ: أننا نجدُ أنه مِن صُلْبِ عقيدتِهم ما هو مذكورٌ في التوراة: أن كُلَّ رسالةٍ تأتي، يكونُ في أحكامِها ما يَنسَخُ ما قبلها؛ والأدلَّةُ على وجودِ النسخِ عند أهلِ الكتابِ كثيرةٌ، نسوقُ منها على سبيلِ المثال:

- أن اللهَ أمَرَ بقتلِ كلِّ مَن عبَدَ العِجْلَ الذهَبيَّ مِن بني إسرائيلَ بعد عبورِهم البحرَ، فلما أذعَنوا لذلك، غُفِرَ لهم.

- كان مباحًا لنوحٍ عليه السلامُ أكلُ كلِّ الحيواناتِ بعد خروجِهِ مِن السفينةِ، ثم نُسِخَ ذلك بتحريمِ بعضِها.

وقال قَساوِستُهم: إن اللهَ قد فوَّضهم للتحليلِ والتحريمِ، وتغييرِ الأحكامِ؛ فقد جاء في «إنجيلِ مَتَّى»، الإصحاحِ الثامنَ عشَرَ: «الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ، يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تُحِلُّونَهُ عَلَى الْأَرْضِ، يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ»!

ثالثًا: القرآنُ نفسُهُ جاء لنسخِ هيمنةِ الكُتُبِ قبله؛ فجاء شاملًا لكلِّ ما فيه مِن خيرٍ، ومبيِّنًا لما تغيَّر مِن أحكامِها:

والقولُ بالنسخِ لا يكونُ بمجرَّدِ ظنِّ الإنسان، والعلماءُ قد أطالوا الكلامَ في شروطِ النسخِ، ونذكُرُ منها على سبيلِ المثال:

- أن يكونَ الحُكْمُ الناسخُ خِطابًا شرعيًّا (مِن اللهِ، أو رسولِهِ ﷺ)؛ فلا يكونُ بالإجماعِ، ولا بالقياس.

- وأن يكونَ معادِلًا للمنسوخِ في قوَّةِ ثبوتِهِ ودَلالتِه، أو أعلى منه، أو مساوِيًا له، أو أقوى منه في إيجابِ العمل.

- لا يجوزُ نسخُ الأحكامِ التي تدُلُّ على أصولٍ كلِّيَّةٍ؛ كتحريمِ الظلمِ والكذبِ؛ إذِ الكلِّيَّاتُ ثابتةٌ عادةً، وإنما تتغيَّرُ الفروع.

- ولا يجوزُ النسخُ في الأخبارِ؛ كالإخبارِ عن صفاتِ اللهِ تعالى، أو عن وقوعِ شيءٍ في الأممِ الماضيةِ، ونحوِها؛ لأنه يكونُ حينئذٍ تكذيبًا لخبَرِهِ السابق.

وهذا مما يبيِّنُ أن النسخَ جائزٌ عقلًا وشرعًا، وأن النسخَ عند العلماءِ مبنيٌّ على مناهجَ، وليس على هَوًى. ونخلُصُ مما سبَقَ: إلى أن هذه الأدلَّةَ الكثيرةَ على ثبوتِ النسخِ، وجوازِهِ على اللهِ تعالى مراعاةً لمصالحِ العبادِ، وأنه مِيزةٌ، وفَضْلٌ، وخيرٌ للناسِ، كما أنه يتماشى مع قاعدةِ الشريعةِ في التدرُّجِ في الأحكام؛ خاصَّةً لمَن هو حديثُ عهدٍ بالإسلام؛ فما أعظَمَها مِن شريعةٍ! وما أرحَمَ وأرأَفَ وألطَفَ خالقَ الأنام، الحكيمَ المَلِكَ العَلَّام!

مختصر الجواب

مختصَرُ الإجابة:

وقوعُ النسخِ في القرآنِ ثابتٌ بالأدلَّةِ العقليَّةِ والنقليَّةِ، والجوابُ عن هذا الإشكالِ مِن أوجُهٍ:

أوَّلًا: نبيِّنُ أن هذه الشبهةَ إن ورَدتْ على القرآنِ الكريم، فهي واردةٌ على الكُتُبِ السابقةِ للقرآنِ الكريم؛ فقد وقَعَ فيها النَّسْخُ بنوعَيْهِ: نسخٌ داخِلَ الشريعةِ نفسِها، ونسخُ شريعةٍ لاحِقةٍ متأخِّرةٍ لشريعةٍ أخرى سابقةٍ؛ فكلُّ متَّبِعٍ لهذه الأديانِ لا يصلُحُ له الاعتراضُ بهذه الشبهة.

ومِن الغريبِ: أن مَن يُثيرُ هذه الشبهةَ مِن اليهودِ أو النصارى، هدَفُهم مِن إنكارِ النسخِ: هو التملُّصُ مِن نسخِ اللهِ تعالى شَرْعَهم بغيرِه، ونسخِ أحكامِهم بغيرِها.

ثانيًا: افتراضُ أن النسخَ إنما سبَبُهُ البَدَاءُ، أو الجهلُ، أو عدمُ تقديرِ المصلحةِ: هو افتراضٌ خاطئٌ لا دليلَ عليه؛ فتُوجَدُ حِكَمٌ كثيرةٌ وراءَ النسخِ، ولا ضرَرَ في ذلك:

- فإن النسخَ لا يدخُلُ الأخبارَ المحضةَ؛ لأن في نسخِ الخبَرِ تكذيبًا له.

- ولا يدخُلُ أصولَ الشريعةِ؛ كالقواعدِ العامَّةِ في الشريعة.

- ولا يدخُلُ أصولَ الأخلاقِ، ونحوها.

ثالثًا: لامانعَ أن اللهَ تعالى يضَعُ حُكْمًا لحِكْمةٍ، وهو يَعلَمُ أنها ستتغيَّرُ بعد ذلك لتغيُّرِ الظروف، وهو أخَّر تغييرَ الحكمِ حتى تأتيَ تلك الظروفُ؛ فهو ليس مبنيًّا على نقصِ علمٍ حتى يُنكَرَ، ولا قصورٍ في الحكمةِ، والقرآنُ نفسُهُ جاء لنسخِ هيمنةِ الكُتُبِ قبله؛ فجاء شاملًا لكلِّ ما فيه مِن خيرٍ، ومبيِّنًا لما تغيَّر مِن أحكامِها.

مختصر الجواب

مختصَرُ الإجابة:

وقوعُ النسخِ في القرآنِ ثابتٌ بالأدلَّةِ العقليَّةِ والنقليَّةِ، والجوابُ عن هذا الإشكالِ مِن أوجُهٍ:

أوَّلًا: نبيِّنُ أن هذه الشبهةَ إن ورَدتْ على القرآنِ الكريم، فهي واردةٌ على الكُتُبِ السابقةِ للقرآنِ الكريم؛ فقد وقَعَ فيها النَّسْخُ بنوعَيْهِ: نسخٌ داخِلَ الشريعةِ نفسِها، ونسخُ شريعةٍ لاحِقةٍ متأخِّرةٍ لشريعةٍ أخرى سابقةٍ؛ فكلُّ متَّبِعٍ لهذه الأديانِ لا يصلُحُ له الاعتراضُ بهذه الشبهة.

ومِن الغريبِ: أن مَن يُثيرُ هذه الشبهةَ مِن اليهودِ أو النصارى، هدَفُهم مِن إنكارِ النسخِ: هو التملُّصُ مِن نسخِ اللهِ تعالى شَرْعَهم بغيرِه، ونسخِ أحكامِهم بغيرِها.

ثانيًا: افتراضُ أن النسخَ إنما سبَبُهُ البَدَاءُ، أو الجهلُ، أو عدمُ تقديرِ المصلحةِ: هو افتراضٌ خاطئٌ لا دليلَ عليه؛ فتُوجَدُ حِكَمٌ كثيرةٌ وراءَ النسخِ، ولا ضرَرَ في ذلك:

- فإن النسخَ لا يدخُلُ الأخبارَ المحضةَ؛ لأن في نسخِ الخبَرِ تكذيبًا له.

- ولا يدخُلُ أصولَ الشريعةِ؛ كالقواعدِ العامَّةِ في الشريعة.

- ولا يدخُلُ أصولَ الأخلاقِ، ونحوها.

ثالثًا: لامانعَ أن اللهَ تعالى يضَعُ حُكْمًا لحِكْمةٍ، وهو يَعلَمُ أنها ستتغيَّرُ بعد ذلك لتغيُّرِ الظروف، وهو أخَّر تغييرَ الحكمِ حتى تأتيَ تلك الظروفُ؛ فهو ليس مبنيًّا على نقصِ علمٍ حتى يُنكَرَ، ولا قصورٍ في الحكمةِ، والقرآنُ نفسُهُ جاء لنسخِ هيمنةِ الكُتُبِ قبله؛ فجاء شاملًا لكلِّ ما فيه مِن خيرٍ، ومبيِّنًا لما تغيَّر مِن أحكامِها.

الجواب التفصيلي

وقوعُ النسخِ في القرآنِ ثابتٌ بالأدلَّةِ العقليَّةِ والنقليَّة، ويُمكِنُ تَجلِيَةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن ثلاثةِ أوجُهٍ:

أوَّلًا: ظَنَّ بعضُهم أن النسخَ يعني: البَدَاءَ، وليس كذلك:

والمرادُ بـ «البداءِ»: ظهورُ ما كان خافيًا على المشرِّعِ مِن قبلِ معرفتِهِ وإدراكِه، أي: أن اللهَ سبحانه كان لا يَعلَمُ حين شرَّع وحكَمَ، فلما بدا له الأفضلُ وظهَرَ، قام بتغييرِ أحكامِهِ؛ وهذا لا يقولُ به مؤمِنٌ في حقِّ اللهِ تعالى.

لكنَّنا عندما ننظُرُ إلى معنى «النسخِ» شرعًا، يتبيَّنُ لنا مدى الاختلافِ بينه وبين معنى «البَدَاءِ»؛ فـ «النسخُ» في الشرعِ يعني: رَفْعَ الحُكْمِ الشرعيِّ بدليلٍ شرعيٍّ متأخِّرٍ عنه؛ لحكمةٍ أرادَها اللهُ تعالى.

ومِن الأدلَّةِ العقليَّةِ والحِكَمِ التي تُثبِتُ وقوعَ النسخِ في القرآن:

1- اختلافُ المصالِحِ باختلافِ الأشخاص، وباختلافِ الأزمانِ والأحكامِ كذلك:

فالنظَّارةُ الطِّبِّيَّةُ تَنفَعُ لضعيفِ البصَر، لكنها لا تَنفَعُ الشخصَ السليمَ، وما يكونُ مصلحةً لشخصٍ مَّا في زمَنٍ مَّا، قد لا يكونُ مصلحةً له في زمَنٍ آخَرَ؛ كالدواءِ الذي يَنفَعُ عند المرَض، ولا يَنفَعُ في زمَنِ الصحَّة.

2- الحاجةُ إلى التربيةِ والتهذيب:

حيثُ إن اللهَ تعالى يشرِّعُ مِن الأحكامِ ما شاء، ثم يَنسَخُها بأحكامٍ أنسَبَ؛ فيكونُ الناسُ بالتشريعِ الأوَّلِ قد تربَّوْا وتمرَّنوا على العمَلِ، فيأتي الحُكْمُ الجديدُ وهم على كاملِ الاستعدادِ للعمَلِ به.

3- الحاجةُ إلى التدرُّج:

وهذا مِن أعظمِ ركائزِ الشريعةِ الإسلاميَّةِ، ومِن لُطْفِ اللهِ تعالى ورحمتِهِ بعبادِه؛ حيثُ إنه سبحانه لو باغَتَهم بالحُكْمِ مباشَرةً، فلربما اشتَدَّ عليهم، لكنْ بالتدرُّجِ يكونُ الأمرُ أيسَرَ وأدعى للقَبولِ والالتزامِ بأحكامِ اللهِ تعالى:

قالت عائشةُ رضيَ اللهُ عنه:

«إِنَّمَا نَزَلَ [أَيْ: مِنَ القُرْآنِ] أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ: سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلَامِ، نَزَلَ الحَلَالُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لَا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَى أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ ^ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ»، قَالَ: «فَأَخْرَجَتْ لَهُ المُصْحَفَ، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ»؛

رواه البخاريُّ (4993)، في فضائلِ القرآن، بابِ تأليفِ القرآن.

ثانيًا: مِن الغريبِ أن بعضَ مَن يُثيرُ هذه الشبهةَ ينتسِبُ إلى اليهودِ أو النصارى، وهدَفُ اليهودِ والنصارى مِن إنكارِ النسخِ: هو التملُّصُ مِن نسخِ اللهِ تعالى شَرْعَهم بغيرِه، ونسخِ أحكامِهم بغيرِها:

ولذا نجدُهم يَتَّهِمون شريعتَنا بالافتراءِ على اللهِ؛ لقولِها بالنسخِ، والعجيبُ: أننا نجدُ أنه مِن صُلْبِ عقيدتِهم ما هو مذكورٌ في التوراة: أن كُلَّ رسالةٍ تأتي، يكونُ في أحكامِها ما يَنسَخُ ما قبلها؛ والأدلَّةُ على وجودِ النسخِ عند أهلِ الكتابِ كثيرةٌ، نسوقُ منها على سبيلِ المثال:

- أن اللهَ أمَرَ بقتلِ كلِّ مَن عبَدَ العِجْلَ الذهَبيَّ مِن بني إسرائيلَ بعد عبورِهم البحرَ، فلما أذعَنوا لذلك، غُفِرَ لهم.

- كان مباحًا لنوحٍ عليه السلامُ أكلُ كلِّ الحيواناتِ بعد خروجِهِ مِن السفينةِ، ثم نُسِخَ ذلك بتحريمِ بعضِها.

وقال قَساوِستُهم: إن اللهَ قد فوَّضهم للتحليلِ والتحريمِ، وتغييرِ الأحكامِ؛ فقد جاء في «إنجيلِ مَتَّى»، الإصحاحِ الثامنَ عشَرَ: «الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ، يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تُحِلُّونَهُ عَلَى الْأَرْضِ، يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ»!

ثالثًا: القرآنُ نفسُهُ جاء لنسخِ هيمنةِ الكُتُبِ قبله؛ فجاء شاملًا لكلِّ ما فيه مِن خيرٍ، ومبيِّنًا لما تغيَّر مِن أحكامِها:

والقولُ بالنسخِ لا يكونُ بمجرَّدِ ظنِّ الإنسان، والعلماءُ قد أطالوا الكلامَ في شروطِ النسخِ، ونذكُرُ منها على سبيلِ المثال:

- أن يكونَ الحُكْمُ الناسخُ خِطابًا شرعيًّا (مِن اللهِ، أو رسولِهِ ﷺ)؛ فلا يكونُ بالإجماعِ، ولا بالقياس.

- وأن يكونَ معادِلًا للمنسوخِ في قوَّةِ ثبوتِهِ ودَلالتِه، أو أعلى منه، أو مساوِيًا له، أو أقوى منه في إيجابِ العمل.

- لا يجوزُ نسخُ الأحكامِ التي تدُلُّ على أصولٍ كلِّيَّةٍ؛ كتحريمِ الظلمِ والكذبِ؛ إذِ الكلِّيَّاتُ ثابتةٌ عادةً، وإنما تتغيَّرُ الفروع.

- ولا يجوزُ النسخُ في الأخبارِ؛ كالإخبارِ عن صفاتِ اللهِ تعالى، أو عن وقوعِ شيءٍ في الأممِ الماضيةِ، ونحوِها؛ لأنه يكونُ حينئذٍ تكذيبًا لخبَرِهِ السابق.

وهذا مما يبيِّنُ أن النسخَ جائزٌ عقلًا وشرعًا، وأن النسخَ عند العلماءِ مبنيٌّ على مناهجَ، وليس على هَوًى. ونخلُصُ مما سبَقَ: إلى أن هذه الأدلَّةَ الكثيرةَ على ثبوتِ النسخِ، وجوازِهِ على اللهِ تعالى مراعاةً لمصالحِ العبادِ، وأنه مِيزةٌ، وفَضْلٌ، وخيرٌ للناسِ، كما أنه يتماشى مع قاعدةِ الشريعةِ في التدرُّجِ في الأحكام؛ خاصَّةً لمَن هو حديثُ عهدٍ بالإسلام؛ فما أعظَمَها مِن شريعةٍ! وما أرحَمَ وأرأَفَ وألطَفَ خالقَ الأنام، الحكيمَ المَلِكَ العَلَّام!