نص السؤال
كيف يُمكِنُ أن نَثِقَ بأن القراءاتِ القرآنيَّةَ وحيٌ، ولم تَظهَرْ إلا بعد وفاةِ الرسولِ بزمَن؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
ما سببُ تأخُّرِ ظهورِ القراءاتِ القرآنيَّةِ عن عصرِ النبيِّ ﷺ والصحابة؟
الجواب التفصيلي
لم يكن ذلك ظهورًا - كما هي الدعوى - فالقراءاتُ القرآنيَّةُ موجودةٌ مِن عهدِ النبيِّ ﷺ؛ ويتبيَّنُ ذلك مِن خلالِ ما يلي:
أوَّلًا: لقد ورَدَتْ إلينا القراءاتُ القرآنيَّةُ بأسانيدَ صحيحةٍ، عن أئمَّةِ القراءةِ المتَّصِلةِ أسانيدُهم بالنبيِّ ﷺ؛ وقد نَصَّ على تواتُرِها غيرُ واحدٍ مِن الأئمَّة:
أن رسولَ اللهِ ﷺ قال: «إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ؛ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ»،
فقد روى الإمامُ البخاريُّ (4992، 6936، 7550)، ومسلم (818)
وهذا الحديثُ دليلٌ لا يَقبَلُ الشكَّ على أن القراءاتِ المتعدِّدةَ نزَلَتْ مِن عندِ ربِّ العالَمِينَ عزَّ وجلَّ.
وقد حدَثَ أنِ اختلَفَ الصحابةُ في قراءةِ القرآنِ، وعند سؤالِهم النبيَّ ﷺ في ذلك، أقرَّهم على ذلك الاختلافِ في القراءة؛ وذلك بوحيٍ مِن اللهِ سبحانه، وهناك العديدُ مِن الأحاديثِ الصحيحةِ التي تُثبِتُ أن تلك القراءاتِ نزَلَتْ بوحيٍ مِن السماء.
فمَرجِعُ القراءاتِ هو النبيُّ ﷺ؛ بدليلِ أن كلًّا مِن المختلِفِينَ كان يقولُ: «أَقْرَأَنِيها رسولُ الله ﷺ»، وأن النبيَّ ﷺ كان يعقِّبُ على قراءةِ كُلٍّ مِن المختلِفِينَ بقولِهِ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ».
مِن حديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، يقولُ: «سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا - وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ - فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ»، فَقَرَأَ عَلَيْهِ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ»، ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ»، فَقَرَأْتُ القِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ؛ إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ؛ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ».
فقد أخرج البخاريُّ (4992، 6936، 7550)، ومسلم (818)
ثانيًا: قد يتوهَّمُ بعضُهم أن القراءاتِ السَّبْعَ هي نفسُها الأحرُفُ السبعةُ التي نزَلَ بها القرآنُ على رسولِ اللهِ ﷺ؛ والصحيحُ: أنها بعضٌ مِن الأحرُفِ السبعة:
أي: أن القراءاتِ إنما هي في حرفٍ واحدٍ، وهو حرفُ قُريشٍ.
وبدَأتْ شهرةُ وانتشارُ القراءاتِ السَّبْعِ بين الناسِ على رأسِ المِئتَيْنِ الهِجْريَّة؛ وذلك لوجودِ أئمَّةٍ اشتهَرُوا بالعلمِ والورَعِ كانوا ينشُرون تلك القراءاتِ بأسانيدِها المتواتِرة، فأقبَلَ عليهم الناسُ، وكَثُرَ تلاميذُهم الذين انتشَرَتْ على أيديهم بين المسلِمين.
ثالثًا: بعد انتشارِ الصحابةِ في أرجاءِ بلادِ الإسلامِ التي اتَّسَعَتْ نتيجةَ الفتوحاتِ، أخَذُوا يعلِّمون الناسَ القرآنَ بقراءاتٍ مختلِفةٍ؛ فأخَذَ الناسُ عنهم:
ونتيجةَ اختلافِ القراءاتِ، وتمسُّكِ جماعاتٍ مِن الناسِ بقراءةٍ معيَّنةٍ، وتَرْكِ ما سواها: بدأ النزاعُ والاختلافُ يَنشَبُ بين المسلِمين، ولمنعِ تلك الفتنةِ مِن التوسُّعِ، أمَرَ عثمانُ رضيَ اللهُ عنه زيدَ بنَ ثابتٍ - وآخَرِينَ مِن الصحابةِ - بنسخِ الصُّحُفِ التي كُتِبَتْ في عهدِ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه، فقاموا بنسخِها في ستَّةِ مصاحفَ معتمَدةٍ، وتَمَّ إرسالُ خمسةٍ منها إلى خمسةِ أمصارٍ، وأرسَلَ عالِمًا مع كلِّ مصحفٍ؛ ليعلِّمَ الناسَ القراءةَ، وأبقى المصحفَ الإمامَ لنفسِه.
ونتيجةَ اختلافِ لهَجاتِ الناسِ: قام العلماءُ بالتمييزِ بين القراءاتِ الصحيحةِ المعتبَرة، والقراءاتِ الآحاديَّةِ والشاذَّة.
وقد اشترَطَ العلماءُ في صحَّةِ القراءةِ شروطًا لا بدَّ منها، وإلا كانت قراءةً غيرَ صحيحةٍ؛ وهذه الشروطُ هي:
1- أن توافِقَ القراءةُ رسمَ المصحفِ العثمانيِّ، ولو احتمالًا.
2- أن تُنقَلَ بالتواتُرِ؛ لأن القراءاتِ الصحيحةَ لا تثبُتُ إلا بالسنَدِ الصحيحِ المتواتِرِ، حتى ولو وافَقَتْ رسمَ المصحفِ الإمام.
3- أن توافِقَ وجهًا مِن وجوهِ اللغةِ العربيَّة.
فإذا تحقَّقتْ هذه الضوابطُ، تحقَّقتْ صحَّةُ القراءةِ، وإذا اختَلَّ ضابطٌ منها، اختَلَّتِ القراءةُ، وضَعُفَ العملُ بها؛ كما قال ابنُ الجزَريِّ:
فَكُلُّ مَا وَافَقَ وَجْهَ نَحْوِ وَكَانَ لِلرَّسْمِ احْتِمَالًا يَحْوِي
وَصَحَّ إِسْنَادًا هُوَ الْقُرْآنُ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَرْكَانُ
والقراءاتُ القرآنيَّةُ وحيٌ مِن عندِ الله، تلقَّاه الرسولُ ﷺ عن اللهِ بواسطةِ ملَكِ الوحيِ جبريلَ عليه السلامُ، ولقَّنه النبيُّ ﷺ لصحابتِه، وعنه نُقِلَتِ القراءاتُ القرآنيَّةُ بالتواتُر.
والخلاصةُ: أن المسلِمين اهتمُّوا بتأصيلِ القراءاتِ بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ، ولم يَقبَلوا منها إلا ما أجمَعَتِ الأُمَّة على قرآنيَّتِها.
والقراءاتُ القرآنيَّةُ هي اختيارٌ مِن القارئِ لأحرُفٍ موجودةٍ قبله، وليس المقصودُ أنه ينقُلُ كلَّ القراءةِ بسندِه؛ فكلُّ الأحرُفِ شائعةٌ وموجودةٌ مِن الذين قبله، ودَوْرُ القارئِ: هو في اختيارِ ما هو متواتِرٌ ومعروفٌ عند القرَّاءِ والناسِ في عصرِه؛ فلا يُتوهَّمُ أن القارئَ وضَعَ شيئًا جديدًا مِن عندِه.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (40).
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
1- القراءاتُ القرآنيَّةُ وَحْيٌ مِن عندِ اللهِ سبحانه وتعالى؛ فهي موجودةٌ مِن عهدِ النبيِّ ﷺ، ولقد ورَدَتْ إلينا القراءاتُ القرآنيَّةُ بأسانيدَ صحيحةٍ، عن أئمَّةِ القراءةِ المتَّصِلةِ أسانيدُهم بالنبيِّ ﷺ؛ وقد نَصَّ على تواتُرِها غيرُ واحدٍ مِن الأئمَّة.
2- وليس بصوابٍ ما يتوهَّمُهُ بعضُهم مِن أن القراءاتِ السَّبْعَ هي نفسُها الأحرُفُ السبعةُ التي نزَلَ بها القرآنُ على رسولِ اللهِ ﷺ، وإنما الصحيحُ: أن القراءاتِ السبعَ بعضٌ مِن الأحرُفِ السبعة.
3- وأما ما تَمَّ بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ، فهو قيامُ العلماءِ بتأصيلِ تلك القراءاتِ؛ منعًا لانتشارِ الخلافِ والنزاعِ بين المسلِمين، ولم يَقبَلوا منها إلا ما أجمَعَتِ الأُمَّة على قرآنيَّتِها.
والقراءاتُ القرآنيَّةُ هي اختيارٌ مِن القارئِ لأحرُفٍ موجودةٍ قبله، وليس المقصودُ أنه ينقُلُ كلَّ القراءةِ بسندِه؛ فكلُّ الأحرُفِ شائعةٌ وموجودةٌ مِن الذين قبله، ودَوْرُ القارئِ: هو في اختيارِ ما هو متواتِرٌ ومعروفٌ عند القرَّاءِ والناسِ في عصرِه؛ فلا يُتوهَّمُ أن القارئَ وضَعَ شيئًا جديدًا مِن عندِه.
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
1- القراءاتُ القرآنيَّةُ وَحْيٌ مِن عندِ اللهِ سبحانه وتعالى؛ فهي موجودةٌ مِن عهدِ النبيِّ ﷺ، ولقد ورَدَتْ إلينا القراءاتُ القرآنيَّةُ بأسانيدَ صحيحةٍ، عن أئمَّةِ القراءةِ المتَّصِلةِ أسانيدُهم بالنبيِّ ﷺ؛ وقد نَصَّ على تواتُرِها غيرُ واحدٍ مِن الأئمَّة.
2- وليس بصوابٍ ما يتوهَّمُهُ بعضُهم مِن أن القراءاتِ السَّبْعَ هي نفسُها الأحرُفُ السبعةُ التي نزَلَ بها القرآنُ على رسولِ اللهِ ﷺ، وإنما الصحيحُ: أن القراءاتِ السبعَ بعضٌ مِن الأحرُفِ السبعة.
3- وأما ما تَمَّ بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ، فهو قيامُ العلماءِ بتأصيلِ تلك القراءاتِ؛ منعًا لانتشارِ الخلافِ والنزاعِ بين المسلِمين، ولم يَقبَلوا منها إلا ما أجمَعَتِ الأُمَّة على قرآنيَّتِها.
والقراءاتُ القرآنيَّةُ هي اختيارٌ مِن القارئِ لأحرُفٍ موجودةٍ قبله، وليس المقصودُ أنه ينقُلُ كلَّ القراءةِ بسندِه؛ فكلُّ الأحرُفِ شائعةٌ وموجودةٌ مِن الذين قبله، ودَوْرُ القارئِ: هو في اختيارِ ما هو متواتِرٌ ومعروفٌ عند القرَّاءِ والناسِ في عصرِه؛ فلا يُتوهَّمُ أن القارئَ وضَعَ شيئًا جديدًا مِن عندِه.
الجواب التفصيلي
لم يكن ذلك ظهورًا - كما هي الدعوى - فالقراءاتُ القرآنيَّةُ موجودةٌ مِن عهدِ النبيِّ ﷺ؛ ويتبيَّنُ ذلك مِن خلالِ ما يلي:
أوَّلًا: لقد ورَدَتْ إلينا القراءاتُ القرآنيَّةُ بأسانيدَ صحيحةٍ، عن أئمَّةِ القراءةِ المتَّصِلةِ أسانيدُهم بالنبيِّ ﷺ؛ وقد نَصَّ على تواتُرِها غيرُ واحدٍ مِن الأئمَّة:
أن رسولَ اللهِ ﷺ قال: «إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ؛ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ»،
فقد روى الإمامُ البخاريُّ (4992، 6936، 7550)، ومسلم (818)
وهذا الحديثُ دليلٌ لا يَقبَلُ الشكَّ على أن القراءاتِ المتعدِّدةَ نزَلَتْ مِن عندِ ربِّ العالَمِينَ عزَّ وجلَّ.
وقد حدَثَ أنِ اختلَفَ الصحابةُ في قراءةِ القرآنِ، وعند سؤالِهم النبيَّ ﷺ في ذلك، أقرَّهم على ذلك الاختلافِ في القراءة؛ وذلك بوحيٍ مِن اللهِ سبحانه، وهناك العديدُ مِن الأحاديثِ الصحيحةِ التي تُثبِتُ أن تلك القراءاتِ نزَلَتْ بوحيٍ مِن السماء.
فمَرجِعُ القراءاتِ هو النبيُّ ﷺ؛ بدليلِ أن كلًّا مِن المختلِفِينَ كان يقولُ: «أَقْرَأَنِيها رسولُ الله ﷺ»، وأن النبيَّ ﷺ كان يعقِّبُ على قراءةِ كُلٍّ مِن المختلِفِينَ بقولِهِ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ».
مِن حديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، يقولُ: «سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا - وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ - فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ»، فَقَرَأَ عَلَيْهِ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ»، ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ»، فَقَرَأْتُ القِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ؛ إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ؛ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ».
فقد أخرج البخاريُّ (4992، 6936، 7550)، ومسلم (818)
ثانيًا: قد يتوهَّمُ بعضُهم أن القراءاتِ السَّبْعَ هي نفسُها الأحرُفُ السبعةُ التي نزَلَ بها القرآنُ على رسولِ اللهِ ﷺ؛ والصحيحُ: أنها بعضٌ مِن الأحرُفِ السبعة:
أي: أن القراءاتِ إنما هي في حرفٍ واحدٍ، وهو حرفُ قُريشٍ.
وبدَأتْ شهرةُ وانتشارُ القراءاتِ السَّبْعِ بين الناسِ على رأسِ المِئتَيْنِ الهِجْريَّة؛ وذلك لوجودِ أئمَّةٍ اشتهَرُوا بالعلمِ والورَعِ كانوا ينشُرون تلك القراءاتِ بأسانيدِها المتواتِرة، فأقبَلَ عليهم الناسُ، وكَثُرَ تلاميذُهم الذين انتشَرَتْ على أيديهم بين المسلِمين.
ثالثًا: بعد انتشارِ الصحابةِ في أرجاءِ بلادِ الإسلامِ التي اتَّسَعَتْ نتيجةَ الفتوحاتِ، أخَذُوا يعلِّمون الناسَ القرآنَ بقراءاتٍ مختلِفةٍ؛ فأخَذَ الناسُ عنهم:
ونتيجةَ اختلافِ القراءاتِ، وتمسُّكِ جماعاتٍ مِن الناسِ بقراءةٍ معيَّنةٍ، وتَرْكِ ما سواها: بدأ النزاعُ والاختلافُ يَنشَبُ بين المسلِمين، ولمنعِ تلك الفتنةِ مِن التوسُّعِ، أمَرَ عثمانُ رضيَ اللهُ عنه زيدَ بنَ ثابتٍ - وآخَرِينَ مِن الصحابةِ - بنسخِ الصُّحُفِ التي كُتِبَتْ في عهدِ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه، فقاموا بنسخِها في ستَّةِ مصاحفَ معتمَدةٍ، وتَمَّ إرسالُ خمسةٍ منها إلى خمسةِ أمصارٍ، وأرسَلَ عالِمًا مع كلِّ مصحفٍ؛ ليعلِّمَ الناسَ القراءةَ، وأبقى المصحفَ الإمامَ لنفسِه.
ونتيجةَ اختلافِ لهَجاتِ الناسِ: قام العلماءُ بالتمييزِ بين القراءاتِ الصحيحةِ المعتبَرة، والقراءاتِ الآحاديَّةِ والشاذَّة.
وقد اشترَطَ العلماءُ في صحَّةِ القراءةِ شروطًا لا بدَّ منها، وإلا كانت قراءةً غيرَ صحيحةٍ؛ وهذه الشروطُ هي:
1- أن توافِقَ القراءةُ رسمَ المصحفِ العثمانيِّ، ولو احتمالًا.
2- أن تُنقَلَ بالتواتُرِ؛ لأن القراءاتِ الصحيحةَ لا تثبُتُ إلا بالسنَدِ الصحيحِ المتواتِرِ، حتى ولو وافَقَتْ رسمَ المصحفِ الإمام.
3- أن توافِقَ وجهًا مِن وجوهِ اللغةِ العربيَّة.
فإذا تحقَّقتْ هذه الضوابطُ، تحقَّقتْ صحَّةُ القراءةِ، وإذا اختَلَّ ضابطٌ منها، اختَلَّتِ القراءةُ، وضَعُفَ العملُ بها؛ كما قال ابنُ الجزَريِّ:
فَكُلُّ مَا وَافَقَ وَجْهَ نَحْوِ وَكَانَ لِلرَّسْمِ احْتِمَالًا يَحْوِي
وَصَحَّ إِسْنَادًا هُوَ الْقُرْآنُ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَرْكَانُ
والقراءاتُ القرآنيَّةُ وحيٌ مِن عندِ الله، تلقَّاه الرسولُ ﷺ عن اللهِ بواسطةِ ملَكِ الوحيِ جبريلَ عليه السلامُ، ولقَّنه النبيُّ ﷺ لصحابتِه، وعنه نُقِلَتِ القراءاتُ القرآنيَّةُ بالتواتُر.
والخلاصةُ: أن المسلِمين اهتمُّوا بتأصيلِ القراءاتِ بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ، ولم يَقبَلوا منها إلا ما أجمَعَتِ الأُمَّة على قرآنيَّتِها.
والقراءاتُ القرآنيَّةُ هي اختيارٌ مِن القارئِ لأحرُفٍ موجودةٍ قبله، وليس المقصودُ أنه ينقُلُ كلَّ القراءةِ بسندِه؛ فكلُّ الأحرُفِ شائعةٌ وموجودةٌ مِن الذين قبله، ودَوْرُ القارئِ: هو في اختيارِ ما هو متواتِرٌ ومعروفٌ عند القرَّاءِ والناسِ في عصرِه؛ فلا يُتوهَّمُ أن القارئَ وضَعَ شيئًا جديدًا مِن عندِه.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (40).