نص السؤال

ادعاء أن القرآن الكريم يدعو إلى إرهاب غير المسلمين

المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام

المصدر: موسوعة بيان الإسلام

الجواب التفصيلي

ادعاء أن القرآن الكريم يدعو إلى إرهاب غير المسلمين (*) 


مضمون الشبهة: 


يدعي بعض المتوهمين أن القرآن الكريم يدعو المسلمين إلى إرهاب اليهود والنصارى، ويحث على قتالهم، ويقولون: إن كل الآيات التي تدعو إلى التسامح في القرآن الكريم منسوخة بآية السيف، وهي

قوله تعالى:

(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)

(التوبة: 5)

، ومنسوخة بالعديد من الآيات الأخرى،

مثل قوله تعالى:

(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)

(الأنفال: 39)

، وقوله تعالى:

(واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم)

(البقرة: 191)

وقوله تعالى:

(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)

(الأنفال: 60)

مدعين أن الإرهاب صناعة إسلامية يزعم المسلمون أنها بأمر من الله!


وجوه إبطال الشبهة: 


1)  الآيات التي تدعو إلى التسامح مع غير المسلمين كثيرة جدا وهي غير منسوخة، كما يدعي هؤلاء المتوهمون. 
2) آية السيف التي ذكرها هؤلاء جاءت بعد ظلم المشركين للمسلمين، وليس فيها دعوة إلى استمرار القتال مع غير المسلمين. 
3)  فرق القرآن الكريم بين المعتدين من أهل الكتاب وغير المعتدين منهم، فلكل فريق معاملة خاصة. 
4)  الكتاب المقدس مليء بالتعاليم والأوامر الإرهابية التي يرمون بها غيرهم. 
5) فرق كبير بين الإسلام وبين المسلمين، فإن كانت أخطاء بعض الأفراد وممارساتهم غير مقبولة، فالمنهج الإسلامي لا يتحمل تبعات هذه الممارسات الخاطئة. 


التفصيل: 


أولا. الآيات التي تدعو إلى التسامح مع غير المسلمين كثيرة جدا، وهي غير منسوخة، كما يدعي هؤلاء المتوهمون: 


لقد اشتمل القرآن الكريم على العديد من الآيات التي تدعو إلى التسامح مع غير المسلمين؛ لأن الإسلام دين التسامح والرحمة، والمعاملة الحسنة مع غير أهله، ولم لا وهو دين العالم كله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، انظر إلى

قوله تعالى:

(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)

(البقرة: 256)

فالقرآن الكريم يؤكد حرية العباد في اختيار دينهم الذي يؤمنون به، ولكن في مقابل ذلك يكون العبد مسئولا عن اختياره هذا، ويحاسب عليه يوم القيامة، فإن كان خيرا فلنفسه، وإن كان شرا فعليها:

(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (8))

(الزلزلة)

واقتصر دور الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الترغيب والترهيب، والإنذار والبلاغ، ولم يؤمر بإكراه الناس على الدخول في الإسلام، وهذا المعنى واضح في العديد من الآيات الكريمة، ومنها

قوله تعالى:

(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)

(الكهف: 29)

وقوله تعالى:

(فذكر إنما أنت مذكر (21) لست عليهم بمصيطر (22))

(الغاشية)

وقولــه تعالــى:

(فإن أعرضــوا فمــا أرسلنــاك عليهــم حفيظــا)

(الشورى: 48)

والآيات التي تتضمن حرية الاعتقاد في القرآن أكثر من أن تحصى، فأين هذا الإرهاب الذي نزل في القرآن ليجبر الناس على الدخول في الإسلام دون رغبة منهم؟ هذا ادعاء باطل ولا صحة له. 


ثانيا. آية السيف التي ذكرها هؤلاء جاءت بعد ظلم المشركين للمسلمين، وليس فيها دعوة إلى استمرار القتال مع غير المسلمين: 


لم ينظر أصحاب هذا الادعاء إلى الظروف المحيطة التي نزلت فيها آية السيف التي يعتمد عليها هؤلاء،

فالله تعالى يقول:

(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)

(التوبة: 5).

والحقيقة أن هذه الآية جاءت بعد ظلم الكفار للمسلمين، وإخراجهم من ديارهم، وأخذ أموالهم وصب العذاب عليهم، في هذا الوقت لم يأذن الله للمسلمين بصد هذا العدوان الذي كان من قبل الكفار والمشركين، وعندما استفحل الظلم أذن الله تعالى للمسلمين بالقتال:

(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40))

(الحج)

ونصر الله المسلمين بجنود لم يروها؛ لأنهم أصحاب رسالة سماوية، ودين رباني من عند الله تعالى، فأين الدعوة إلى قتل الناس بغير وجه حق، كما يدعي هؤلاء؟!
ويذكر الشيخ محمد الغزالي أن ابن تيمية ألف رسالة صغيرة عن القتال في الإسلام، وتساءل: هل قتال الكفار بسبب كفرهم أم لعدوانهم على المسلمين؟! وذكر رأيين لعلماء المسلمين: 
الأول: يرى أنه بسبب كفرهم. 


 الثاني: يرى أنه بسبب عدوانهم على المسلمين، ورجح ابن تيمية الرأي الثاني، وذكر أنه قول جمهور علماء المسلمين، وهذا الرأي تدل عليه نصوص القرآن والسنة ومعاملة المسلمين لغيرهم،

فقال تعالى:

(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190) واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين (191) فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم (192) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193) الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (194))

(البقرة)

فقوله تعالى:

(الذين يقاتلونكم)

تعليق للحكم بأنهم يقاتلوننا، فهذا دليل على علة الأمر بالقتال، وقال (ولا تعتدوا) فالقتال مقتصر على صد الظلم فقط، ولا يتعداه إلى العدوان والبغي.

وقوله:

(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)

فالفتنة هي تحويل المسلمين عن دينهم قسرا، مثلما كان يفعل الكفار والمشركون بالمستضعفين، فقتال هؤلاء يكون لكسر شوكتهم وإعجازهم عن إحداث الفتنة بين المسلمين، ولم تقل الآية "قاتلوهم حتى يسلموا". 
والسنة المطهرة فيها العديد من الإشارات إلى تحريم العدوان في القتال، فجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه في بعض غزواته مر على امرأة مقتولة، فقال: «ما كانت هذه لتقاتل» [1]. فكره هذا العمل من قبل من قتلها؛ لأنها لن تستطيع القتال، لا سيما وقد جاءت رواية في الصحيحين صريحة في الإنكار،

فقد جاء عن عبد الله بن عمر

«أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم - مقتولة، فأنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل النساء والصبيان»

[2]. 


ويتابع الشيخ محمد الغزالي حديثه عن الادعاء القائل إن آية السيف نسخت كل الآيات التي تدعو إلى حسن معاملة غير المسلمين قائلا: وقد ادعت طائفة أن الآية منسوخة، قال ابن تيمية وهذا رأي ضعيف ودعوى النسخ تحتاج إلى دليل وليس في القرآن ما يناقض الآيات التي ذكرناها، بل فيه ما يوافقها فمن أين يجيء النسخ؟
ثم يقول الشيخ: الدليل الذي يعتمد عليه القائلون بالنسخ ما يسمى بآية السيف، يعنون

قوله تعالى:

(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)

(التوبة: 5)

وفي هذا الكلام تلبيس خطير يجب أن ينكشف لكل ذي لب، فإن كلمة المشركين هنا فسرت في الآيات السابقة والآيات اللاحقة بأنهم قوم تفاحش عدوانهم حتى بلغ حدا لا يطاق، وأنهم جماعة من الفتاك القادرين، تعرفهم عندما تقرأ الآية التي استثنت من تصان دماؤهم من المشركين وهي

قوله تعالى:

(إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا)

(التوبة: 4)

هؤلاء المعتدون هم الذين أعلنت الحرب عليهم في سورة براءة، وأعطوا أربعة أشهر مهلة ليروا ما يصنعون بأنفسهم، فهل هذا الحكم يطابق أم يخالف آية

(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190))

(البقرة)

؟ إن القول بالنسخ - نسخ أنه لا قتال إلا للمعتدين - لا مساغ له أبدا، ولا يدل عليه فقه في القرآن الكريم [3]. 


ثالثا. فرق القرآن الكريم بين المعتدين من أهل الكتاب وغير المعتدين منهم، فلكل معاملة خاصة: 


لقد فرق القرآن الكريم بين نوعين من غير المسلمين: 
الأول: من بينهم وبين المسلمين عهد ويحافظون على هذا العهد. 
الثاني: الذين لا يحافظون على عهودهم مع المسلمين، أو الذين لا عهود لهم مع المسلمين، فلكل فريق منهم معاملة خاصة، فالذين على عهدهم مع المسلمين لا يجوز للمسلمين محاربتهم ما داموا على عهدهم معهم، بل يحرم على المسلمين محاربتهم بدون وجه حق، أما الذين ينقضون عهودهم مع المسلمين، أو ليس لهم عهد مع المسلمين، فإن اعتدوا على المسلمين فيجب على المسلمين رد هذا العدوان بكل قوة،

قال تعالى:

(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون (9))

(الممتحنة)

، فالذين لم يقاتلوا المسلمين لهم حق الأمان على المسلمين، وعدم التعرض لهم ما داموا على عهدهم، أما الذين يعادون المسلمين فليس لهم أية حقوق، بل تجب محاربتهم إن اعتدوا ولكن هذه الحرب لمجرد صد العدوان فقط، وهذا ما تدل عليه العديد من الآيات التي جاءت في القرآن الكريم ويصعب حصرها. 

فأما قوله تعالى:

(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق)

(محمد: 4)

فهذه الآية تصف الحالة التي يجب أن يكون عليها المسلمون في ميدان المعركة، فيجب أن يكونوا شديدي البأس على الكفار الذين بدأوا بالعداء والعدوان، فهذه الآية لا تجمع كل الذين كفروا، بل تخص الذين اعتدوا منهم دون غيرهم من الكفار المسالمين،

ومن ذلك أيضا قوله تعالى:

(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)

(الأنفال: 60)

فالإرهاب الذي في الآية موجه إلى عدو الله وعدوكم الذي بدأ بالعدوان ولا يوجه هنا للمسالمين من غير المسلمين، فيجب أن يفهم السياق الذي وردت فيه الآيات لكي تفسر تفسيرا صحيحا. 
إذن فإرهاب أعداء الله مطلب رباني، ولكن من هم أعداء الله المقصودون؟ إنهم الذين يبدأون بالعداء على المسلمين، أما المسالمون فلا يحق للمسلمين إرهابهم. 
رابعا. الكتاب المقدس مليء بالتعاليم والأوامر الإرهابية التي يرمون بها غيرهم: 
قبل أن يتحدث أصحاب هذا الادعاء عن معاداة المسلمين لغيرهم وإرهابهم، يجب عليهم أن ينظروا - أولا - في كتابهم المقدس وما فيه من نصوص تدعو إلى إرهاب غيرهم، فهي أكثر من أن تحصى في هذا الموضع، ونشير إلى بعض هذه النصوص التي تحض على العدوان على غيرهم. 


ففي سفر التثنية - بعد التحريف - تأتي أوامر الرب - حاشاه تعالى - لموسى - عليه السلام - بقتل جميع ما في المدينة حتى البهائم، والنص يقول: "فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف، وتحرقها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف، تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة، وكل أمتعتها كاملة". (التثنية 13: 15، 16)، ففي هذا النص إشارة واضحة إلى القتل والحرق لكل من في المدينة، حتى البهائم التي لا ذنب لها في شيء. 


وفي السفر نفسه يقول: "وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا. وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة". (التثنية 20: 13 - 16). 


وفي سفر العدد نجد أن النص يقول: "إن موسى - عليه السلام - يقول لشعبه من بني إسرائيل، فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها". (العدد 31: 17). 
كل هذه النصوص نعرف أنها نصوص باطلة ويستحيل أن تصدر عن الله تعالى أو عن نبي من أنبياء الله الكرام، ولكننا نقيم الحجة عليهم بنصوص من الكتاب الذي يؤمنون به، ويزعمون أنه من قبل الله - عز وجل - فهي تدعو إلى قتل الكبار والنساء والأطفال، حتى البهائم التي لا تعقل تقتل مع هؤلاء، فأين السماحة التي تدعو إليها كتبهم المقدسة من السماحة التي يدعو إليها القرآن الكريم والمسلمون بالقول والفعل؟!


خامسا. فرق كبير بين حقائق الإسلام وبين تطبيق المسلمين لهذه الحقائق: 


هناك فرق كبير بين الشرع ومن يطبق الشرع، فإن كان من بين المسلمين من هو فاسد الرأي بعيد عن الفهم الصحيح لنصوص الدين، فلا يعني هذا فساد الإسلام بالضرورة، ولتنظر إلى حديث القرآن عن الأسرى الذي ظهر في ثلاثة محاور هي: 
•    الإحسان إلى الأسرى في النواحي الإنسانية، ومصداق ذلك في القرآن الكريم هو

قوله تعالى:

(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا (9))

(الإنسان)

، وجمعت الآية بين هؤلاء جميعا؛ لأنهم أصحاب أعذار. 
•   الإحسان إلى الأسرى في النواحي المعنوية، وذلك من خلال مواساتهم وتقديم النصح لهم، ولذلك أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بدعوة الأسرى إلى الدين الحق،

فقال تعالى:

(يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم (70))

(الأنفال). 


•   التصرف في الأسرى يكون عن طريق أمرين: إما المن وإما الفداء،

فقال تعالى:

(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها)

(محمد: 4)

، فقد جعل جمهور الفقهاء مصائر الأسرى الحربيين البالغين إلى الإمام؛ إما أن يقتلهم، أو يسترقهم، أو يمن عليهم، أو مفاداتهم بمال أو نفس، أو يمن عليهم بأن يجعلهم أهل ذمة وعليهم الجزية. ويتفق الفقهاء على أن الأصل في السبايا من النساء والصبية أنهم لا يقتلون. 
هذا هو الإسلام وهذا هو الشرع، أما تطبيق المسلمين لهذا الشرع فهو شيء آخر، فقد يكون التطبيق تطبيقا صحيحا، وقد يكون عكس ذلك، فلا نتهم الإسلام والقرآن بغير ما فيه، فأين هذا الإرهاب الذي يزعمون في حق الإسلام، فالإسلام بريء من مثل هذه الدعاوى الباطلة والكاذبة. 


الخلاصة: 


الآيات التي تدعو إلى التسامح من قبل المسلمين مع غيرهم كثيرة، ولا يمكن حصرها، ومن هذه الآيات

قوله تعالى:

(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)

(البقرة: 256)

وغيرها، ونرى أن القتال فرض على المسلمين فرضا، سواء كان مع الوثنيين أم مع الكتابيين واضطر المسلمون لخوضه دفاعا عن أنفسهم وعقيدتهم ووجودهم. 
•   الآية التي قيل بأنها نسخت كل الآيات التي تدعو إلى التسامح مع غير المسلمين، والتي يطلق عليها آية السيف، هذه الآية كانت متعلقة بالظروف والسياق الذي وقعت فيه، حتى يفهم معناها ويزال اللبس والتوهم، والقول بأنها تنسخ ما قبلها قول لا يعتمد على دليل واضح وصادق، فهذا مجرد ادعاء باطل. 
•       معاملة المسلمين لغيرهم ليست واحدة على طول الخط، بل تنقسم قسمين: 
o    الأولى: مع الذين لم يعادوا المسلمين وبينهم وبين المسلمين عهد، فهؤلاء لهم حق الأمان على المسلمين في مقابل دفع الجزية. 
o    والثانية: معاملة المسلمين مع الذين يبدأونهم بالعداء أو الذين ليس بينهم وبين المسلمين عهد فهؤلاء يصد المسلمون عدوانهم فقط، ولا يتعدى هذا الصد حدوده التي حددها الله ورسوله. 
•   قبل الحديث عن دعوى إرهاب المسلمين لغيرهم من اليهود والنصارى يجب أن ننظر إلى نصوص كتابهم المقدس، وما فيه من دعوات صريحة إلى إرهاب الناس وقتلهم، حتى البهائم لم تسلم من هذا العدوان. 
•   فرق كبير بين الإسلام وبين تطبيق المسلمين لقواعده وتشريعاته، فالإسلام رسالة سامية ومبادئ مثالية ودين حق، أما المسلمون فقد يلتزمون هذه المباديء، وقد يهملونها أحيانا، فمخالفتهم لها عيب فيهم لا فيها. 
•   إن من الجهل المخزي أن يتحدث عن الإسلام من لا يعرف إعجازه العقلي وقدرته الذاتية على الانتشار والانتصار. 

المراجع

  1. (*) مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م. [1]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكيين، حديث رباح بن الربيع رضى الله عنه (16035)، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، بـــاب في قتــل النســاء (2671)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2324).
  2. . أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قتل الصبيان في العرب (2851)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، بــاب تحريــم قتـل النسـاء والصبيـان في العـرب (4645).
  3. مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م، ص77 وما بعدها.


الجواب التفصيلي

ادعاء أن القرآن الكريم يدعو إلى إرهاب غير المسلمين (*) 


مضمون الشبهة: 


يدعي بعض المتوهمين أن القرآن الكريم يدعو المسلمين إلى إرهاب اليهود والنصارى، ويحث على قتالهم، ويقولون: إن كل الآيات التي تدعو إلى التسامح في القرآن الكريم منسوخة بآية السيف، وهي

قوله تعالى:

(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)

(التوبة: 5)

، ومنسوخة بالعديد من الآيات الأخرى،

مثل قوله تعالى:

(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)

(الأنفال: 39)

، وقوله تعالى:

(واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم)

(البقرة: 191)

وقوله تعالى:

(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)

(الأنفال: 60)

مدعين أن الإرهاب صناعة إسلامية يزعم المسلمون أنها بأمر من الله!


وجوه إبطال الشبهة: 


1)  الآيات التي تدعو إلى التسامح مع غير المسلمين كثيرة جدا وهي غير منسوخة، كما يدعي هؤلاء المتوهمون. 
2) آية السيف التي ذكرها هؤلاء جاءت بعد ظلم المشركين للمسلمين، وليس فيها دعوة إلى استمرار القتال مع غير المسلمين. 
3)  فرق القرآن الكريم بين المعتدين من أهل الكتاب وغير المعتدين منهم، فلكل فريق معاملة خاصة. 
4)  الكتاب المقدس مليء بالتعاليم والأوامر الإرهابية التي يرمون بها غيرهم. 
5) فرق كبير بين الإسلام وبين المسلمين، فإن كانت أخطاء بعض الأفراد وممارساتهم غير مقبولة، فالمنهج الإسلامي لا يتحمل تبعات هذه الممارسات الخاطئة. 


التفصيل: 


أولا. الآيات التي تدعو إلى التسامح مع غير المسلمين كثيرة جدا، وهي غير منسوخة، كما يدعي هؤلاء المتوهمون: 


لقد اشتمل القرآن الكريم على العديد من الآيات التي تدعو إلى التسامح مع غير المسلمين؛ لأن الإسلام دين التسامح والرحمة، والمعاملة الحسنة مع غير أهله، ولم لا وهو دين العالم كله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، انظر إلى

قوله تعالى:

(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)

(البقرة: 256)

فالقرآن الكريم يؤكد حرية العباد في اختيار دينهم الذي يؤمنون به، ولكن في مقابل ذلك يكون العبد مسئولا عن اختياره هذا، ويحاسب عليه يوم القيامة، فإن كان خيرا فلنفسه، وإن كان شرا فعليها:

(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (8))

(الزلزلة)

واقتصر دور الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الترغيب والترهيب، والإنذار والبلاغ، ولم يؤمر بإكراه الناس على الدخول في الإسلام، وهذا المعنى واضح في العديد من الآيات الكريمة، ومنها

قوله تعالى:

(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)

(الكهف: 29)

وقوله تعالى:

(فذكر إنما أنت مذكر (21) لست عليهم بمصيطر (22))

(الغاشية)

وقولــه تعالــى:

(فإن أعرضــوا فمــا أرسلنــاك عليهــم حفيظــا)

(الشورى: 48)

والآيات التي تتضمن حرية الاعتقاد في القرآن أكثر من أن تحصى، فأين هذا الإرهاب الذي نزل في القرآن ليجبر الناس على الدخول في الإسلام دون رغبة منهم؟ هذا ادعاء باطل ولا صحة له. 


ثانيا. آية السيف التي ذكرها هؤلاء جاءت بعد ظلم المشركين للمسلمين، وليس فيها دعوة إلى استمرار القتال مع غير المسلمين: 


لم ينظر أصحاب هذا الادعاء إلى الظروف المحيطة التي نزلت فيها آية السيف التي يعتمد عليها هؤلاء،

فالله تعالى يقول:

(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)

(التوبة: 5).

والحقيقة أن هذه الآية جاءت بعد ظلم الكفار للمسلمين، وإخراجهم من ديارهم، وأخذ أموالهم وصب العذاب عليهم، في هذا الوقت لم يأذن الله للمسلمين بصد هذا العدوان الذي كان من قبل الكفار والمشركين، وعندما استفحل الظلم أذن الله تعالى للمسلمين بالقتال:

(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40))

(الحج)

ونصر الله المسلمين بجنود لم يروها؛ لأنهم أصحاب رسالة سماوية، ودين رباني من عند الله تعالى، فأين الدعوة إلى قتل الناس بغير وجه حق، كما يدعي هؤلاء؟!
ويذكر الشيخ محمد الغزالي أن ابن تيمية ألف رسالة صغيرة عن القتال في الإسلام، وتساءل: هل قتال الكفار بسبب كفرهم أم لعدوانهم على المسلمين؟! وذكر رأيين لعلماء المسلمين: 
الأول: يرى أنه بسبب كفرهم. 


 الثاني: يرى أنه بسبب عدوانهم على المسلمين، ورجح ابن تيمية الرأي الثاني، وذكر أنه قول جمهور علماء المسلمين، وهذا الرأي تدل عليه نصوص القرآن والسنة ومعاملة المسلمين لغيرهم،

فقال تعالى:

(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190) واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين (191) فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم (192) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193) الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (194))

(البقرة)

فقوله تعالى:

(الذين يقاتلونكم)

تعليق للحكم بأنهم يقاتلوننا، فهذا دليل على علة الأمر بالقتال، وقال (ولا تعتدوا) فالقتال مقتصر على صد الظلم فقط، ولا يتعداه إلى العدوان والبغي.

وقوله:

(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)

فالفتنة هي تحويل المسلمين عن دينهم قسرا، مثلما كان يفعل الكفار والمشركون بالمستضعفين، فقتال هؤلاء يكون لكسر شوكتهم وإعجازهم عن إحداث الفتنة بين المسلمين، ولم تقل الآية "قاتلوهم حتى يسلموا". 
والسنة المطهرة فيها العديد من الإشارات إلى تحريم العدوان في القتال، فجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه في بعض غزواته مر على امرأة مقتولة، فقال: «ما كانت هذه لتقاتل» [1]. فكره هذا العمل من قبل من قتلها؛ لأنها لن تستطيع القتال، لا سيما وقد جاءت رواية في الصحيحين صريحة في الإنكار،

فقد جاء عن عبد الله بن عمر

«أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم - مقتولة، فأنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل النساء والصبيان»

[2]. 


ويتابع الشيخ محمد الغزالي حديثه عن الادعاء القائل إن آية السيف نسخت كل الآيات التي تدعو إلى حسن معاملة غير المسلمين قائلا: وقد ادعت طائفة أن الآية منسوخة، قال ابن تيمية وهذا رأي ضعيف ودعوى النسخ تحتاج إلى دليل وليس في القرآن ما يناقض الآيات التي ذكرناها، بل فيه ما يوافقها فمن أين يجيء النسخ؟
ثم يقول الشيخ: الدليل الذي يعتمد عليه القائلون بالنسخ ما يسمى بآية السيف، يعنون

قوله تعالى:

(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)

(التوبة: 5)

وفي هذا الكلام تلبيس خطير يجب أن ينكشف لكل ذي لب، فإن كلمة المشركين هنا فسرت في الآيات السابقة والآيات اللاحقة بأنهم قوم تفاحش عدوانهم حتى بلغ حدا لا يطاق، وأنهم جماعة من الفتاك القادرين، تعرفهم عندما تقرأ الآية التي استثنت من تصان دماؤهم من المشركين وهي

قوله تعالى:

(إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا)

(التوبة: 4)

هؤلاء المعتدون هم الذين أعلنت الحرب عليهم في سورة براءة، وأعطوا أربعة أشهر مهلة ليروا ما يصنعون بأنفسهم، فهل هذا الحكم يطابق أم يخالف آية

(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190))

(البقرة)

؟ إن القول بالنسخ - نسخ أنه لا قتال إلا للمعتدين - لا مساغ له أبدا، ولا يدل عليه فقه في القرآن الكريم [3]. 


ثالثا. فرق القرآن الكريم بين المعتدين من أهل الكتاب وغير المعتدين منهم، فلكل معاملة خاصة: 


لقد فرق القرآن الكريم بين نوعين من غير المسلمين: 
الأول: من بينهم وبين المسلمين عهد ويحافظون على هذا العهد. 
الثاني: الذين لا يحافظون على عهودهم مع المسلمين، أو الذين لا عهود لهم مع المسلمين، فلكل فريق منهم معاملة خاصة، فالذين على عهدهم مع المسلمين لا يجوز للمسلمين محاربتهم ما داموا على عهدهم معهم، بل يحرم على المسلمين محاربتهم بدون وجه حق، أما الذين ينقضون عهودهم مع المسلمين، أو ليس لهم عهد مع المسلمين، فإن اعتدوا على المسلمين فيجب على المسلمين رد هذا العدوان بكل قوة،

قال تعالى:

(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون (9))

(الممتحنة)

، فالذين لم يقاتلوا المسلمين لهم حق الأمان على المسلمين، وعدم التعرض لهم ما داموا على عهدهم، أما الذين يعادون المسلمين فليس لهم أية حقوق، بل تجب محاربتهم إن اعتدوا ولكن هذه الحرب لمجرد صد العدوان فقط، وهذا ما تدل عليه العديد من الآيات التي جاءت في القرآن الكريم ويصعب حصرها. 

فأما قوله تعالى:

(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق)

(محمد: 4)

فهذه الآية تصف الحالة التي يجب أن يكون عليها المسلمون في ميدان المعركة، فيجب أن يكونوا شديدي البأس على الكفار الذين بدأوا بالعداء والعدوان، فهذه الآية لا تجمع كل الذين كفروا، بل تخص الذين اعتدوا منهم دون غيرهم من الكفار المسالمين،

ومن ذلك أيضا قوله تعالى:

(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)

(الأنفال: 60)

فالإرهاب الذي في الآية موجه إلى عدو الله وعدوكم الذي بدأ بالعدوان ولا يوجه هنا للمسالمين من غير المسلمين، فيجب أن يفهم السياق الذي وردت فيه الآيات لكي تفسر تفسيرا صحيحا. 
إذن فإرهاب أعداء الله مطلب رباني، ولكن من هم أعداء الله المقصودون؟ إنهم الذين يبدأون بالعداء على المسلمين، أما المسالمون فلا يحق للمسلمين إرهابهم. 
رابعا. الكتاب المقدس مليء بالتعاليم والأوامر الإرهابية التي يرمون بها غيرهم: 
قبل أن يتحدث أصحاب هذا الادعاء عن معاداة المسلمين لغيرهم وإرهابهم، يجب عليهم أن ينظروا - أولا - في كتابهم المقدس وما فيه من نصوص تدعو إلى إرهاب غيرهم، فهي أكثر من أن تحصى في هذا الموضع، ونشير إلى بعض هذه النصوص التي تحض على العدوان على غيرهم. 


ففي سفر التثنية - بعد التحريف - تأتي أوامر الرب - حاشاه تعالى - لموسى - عليه السلام - بقتل جميع ما في المدينة حتى البهائم، والنص يقول: "فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف، وتحرقها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف، تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة، وكل أمتعتها كاملة". (التثنية 13: 15، 16)، ففي هذا النص إشارة واضحة إلى القتل والحرق لكل من في المدينة، حتى البهائم التي لا ذنب لها في شيء. 


وفي السفر نفسه يقول: "وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا. وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة". (التثنية 20: 13 - 16). 


وفي سفر العدد نجد أن النص يقول: "إن موسى - عليه السلام - يقول لشعبه من بني إسرائيل، فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها". (العدد 31: 17). 
كل هذه النصوص نعرف أنها نصوص باطلة ويستحيل أن تصدر عن الله تعالى أو عن نبي من أنبياء الله الكرام، ولكننا نقيم الحجة عليهم بنصوص من الكتاب الذي يؤمنون به، ويزعمون أنه من قبل الله - عز وجل - فهي تدعو إلى قتل الكبار والنساء والأطفال، حتى البهائم التي لا تعقل تقتل مع هؤلاء، فأين السماحة التي تدعو إليها كتبهم المقدسة من السماحة التي يدعو إليها القرآن الكريم والمسلمون بالقول والفعل؟!


خامسا. فرق كبير بين حقائق الإسلام وبين تطبيق المسلمين لهذه الحقائق: 


هناك فرق كبير بين الشرع ومن يطبق الشرع، فإن كان من بين المسلمين من هو فاسد الرأي بعيد عن الفهم الصحيح لنصوص الدين، فلا يعني هذا فساد الإسلام بالضرورة، ولتنظر إلى حديث القرآن عن الأسرى الذي ظهر في ثلاثة محاور هي: 
•    الإحسان إلى الأسرى في النواحي الإنسانية، ومصداق ذلك في القرآن الكريم هو

قوله تعالى:

(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا (9))

(الإنسان)

، وجمعت الآية بين هؤلاء جميعا؛ لأنهم أصحاب أعذار. 
•   الإحسان إلى الأسرى في النواحي المعنوية، وذلك من خلال مواساتهم وتقديم النصح لهم، ولذلك أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بدعوة الأسرى إلى الدين الحق،

فقال تعالى:

(يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم (70))

(الأنفال). 


•   التصرف في الأسرى يكون عن طريق أمرين: إما المن وإما الفداء،

فقال تعالى:

(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها)

(محمد: 4)

، فقد جعل جمهور الفقهاء مصائر الأسرى الحربيين البالغين إلى الإمام؛ إما أن يقتلهم، أو يسترقهم، أو يمن عليهم، أو مفاداتهم بمال أو نفس، أو يمن عليهم بأن يجعلهم أهل ذمة وعليهم الجزية. ويتفق الفقهاء على أن الأصل في السبايا من النساء والصبية أنهم لا يقتلون. 
هذا هو الإسلام وهذا هو الشرع، أما تطبيق المسلمين لهذا الشرع فهو شيء آخر، فقد يكون التطبيق تطبيقا صحيحا، وقد يكون عكس ذلك، فلا نتهم الإسلام والقرآن بغير ما فيه، فأين هذا الإرهاب الذي يزعمون في حق الإسلام، فالإسلام بريء من مثل هذه الدعاوى الباطلة والكاذبة. 


الخلاصة: 


الآيات التي تدعو إلى التسامح من قبل المسلمين مع غيرهم كثيرة، ولا يمكن حصرها، ومن هذه الآيات

قوله تعالى:

(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)

(البقرة: 256)

وغيرها، ونرى أن القتال فرض على المسلمين فرضا، سواء كان مع الوثنيين أم مع الكتابيين واضطر المسلمون لخوضه دفاعا عن أنفسهم وعقيدتهم ووجودهم. 
•   الآية التي قيل بأنها نسخت كل الآيات التي تدعو إلى التسامح مع غير المسلمين، والتي يطلق عليها آية السيف، هذه الآية كانت متعلقة بالظروف والسياق الذي وقعت فيه، حتى يفهم معناها ويزال اللبس والتوهم، والقول بأنها تنسخ ما قبلها قول لا يعتمد على دليل واضح وصادق، فهذا مجرد ادعاء باطل. 
•       معاملة المسلمين لغيرهم ليست واحدة على طول الخط، بل تنقسم قسمين: 
o    الأولى: مع الذين لم يعادوا المسلمين وبينهم وبين المسلمين عهد، فهؤلاء لهم حق الأمان على المسلمين في مقابل دفع الجزية. 
o    والثانية: معاملة المسلمين مع الذين يبدأونهم بالعداء أو الذين ليس بينهم وبين المسلمين عهد فهؤلاء يصد المسلمون عدوانهم فقط، ولا يتعدى هذا الصد حدوده التي حددها الله ورسوله. 
•   قبل الحديث عن دعوى إرهاب المسلمين لغيرهم من اليهود والنصارى يجب أن ننظر إلى نصوص كتابهم المقدس، وما فيه من دعوات صريحة إلى إرهاب الناس وقتلهم، حتى البهائم لم تسلم من هذا العدوان. 
•   فرق كبير بين الإسلام وبين تطبيق المسلمين لقواعده وتشريعاته، فالإسلام رسالة سامية ومبادئ مثالية ودين حق، أما المسلمون فقد يلتزمون هذه المباديء، وقد يهملونها أحيانا، فمخالفتهم لها عيب فيهم لا فيها. 
•   إن من الجهل المخزي أن يتحدث عن الإسلام من لا يعرف إعجازه العقلي وقدرته الذاتية على الانتشار والانتصار. 

المراجع

  1. (*) مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م. [1]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكيين، حديث رباح بن الربيع رضى الله عنه (16035)، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، بـــاب في قتــل النســاء (2671)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2324).
  2. . أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قتل الصبيان في العرب (2851)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، بــاب تحريــم قتـل النسـاء والصبيـان في العـرب (4645).
  3. مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م، ص77 وما بعدها.