نص السؤال

الزعم أن التثليث عقيدة التوحيد وأن له صورًا في سلوك المسلمين

المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام

المصدر: موسوعة بيان الإسلام

الجواب التفصيلي

الزعم أن التثليث عقيدة التوحيد وأن له صورا في سلوك المسلمين (*)


مضمون الشبهة: 


يزعم بعض المشككين أن المسيحية دين توحيد، والتثليث فيها لا يعني الكثرة والتعدد، فالمراد بالآب الذات، وبالابن النطق الذي هو قائم بتلك الذات، وبروح القدس الحياة، والثلاثة واحد، ويدعون أن الإسلام يؤمن بهذا الثالثوث، ويستدلون على ذلك

بقوله سبحانه وتعالى:

(إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)

(النساء: 171)،

وأن للتثليث صورا في سلوك المسلمين وكلامهم، فهم يقولون: بسم الله الرحمن الرحيم، والله العظيم ثلاثا، وأحلف بالطلاق ثلاثا. 


وجوه إبطال الشبهة: 


1)  القرآن الكريم صريح في نفي عقيدة التثليث النصرانية وذلك في غير آية من آياته. 
2) ما يزعمونه من شواهد إسلامية تقر عقيدة التثليث أو تدانيها هو زعم متهافت لا يعرفه المسلمون، ولا يحسونه في كلامهم. 
3) عقيدة التوحيد هي دعوة الأنبياء جميعهم، ولقد وجد لها شواهد في العهدين القديم والجديد، على ما حل بهما من تبديل وتغيير. 


التفصيل: 


أولا. استحالة عقيدة التثليث وموقف القرآن منها: 


إن ما حاولوا أن يلتمسوه لعقيدة التثليث من مسوغ عقلي لم يزدها إلا استحالة عقلية، وبعدا عن الواقع، وتعقيدا يعلمه زعماؤهم أكثر من غيرهم. 
فالآب ذات، والابن ذات كذلك بدليل انفصاله عنه ودخوله في جوف أمه مريم، ولا مهرب لهم من هذا، فالمسيح مكث في جوف أمه، ثم خرج منه، ثم عاش بين الناس يأكل الطعام مثل أمه:

(كانا يأكلان الطعام)

(المائدة: 75)،

وتداعيات أكل الطعام كثيرة، كلها تقول إنه إنسان كبقية البشر، إنه مخلوق كبقية الخلق، له متطلباته، له حاجاته كأي واحد منا، ثم تنتهي حياته نهاية مأساوية، حسب اعتقادهم، يقتل ويصلب ولا يدفع عن نفسه ضرا، فأين ألوهيته؟ وأين بنوته للإله؟ وإذا لم يدفع عن نفسه الأذى فكيف يملك الخلاص لغيره؟! ولمن؟ للعالمين؟!! نريد عقولا غير العقول لتصدق ما تقولون!!! وكيف يتحول النطق إلى ذات؟!! أرونا نموذجا واقعيا يصدق ما تقولون، وكيف تكون هذه الثلاثة واحدا؟! إنها ثلاثة: الآب، والابن، والروح القدس، لكل حقيقته، واستقلاليته، وصفاته، وخصائصه، فكيف يكون مجموع الثلاثة واحدا، وإلها واحدا؟!! من أين تأتي بعقل يصدق بهذا؟!


وليس في الإنجيل نص صريح على أن الآب والابن والروح القدس شيء واحد، على الرغم من أننا لا نعترف بأن هذه الأناجيل كتاب موحى به من عند الله، ويشاركنا في ذلك عقلاؤهم غير المتعصبين وكل عاقل منصف، فقد ثبت أن إنجيلهم ليس نصا صحيحا يعتمد عليه، ولا هو مضبوط النقل، ولا يوثق به في الدين. 
والقرآن الكريم ينص صراحة دون أدنى شك على نفي التثليث وكفر معتقده، والنهي عن القول به،

يقول الله سبحانه وتعالى:

(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم (73))

(المائدة).

وقال تعالى:

(ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (91))

(المؤمنون).

وقال عز وجل:

(وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30))

(التوبة). 


والآية التي احتجوا بها وهي

قوله سبحانه وتعالى:

(إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)

(النساء: ١٧١)

حجة عليهم لا لهم؛ فهي تؤكد - كغيرها من آيات كثيرة - على أن عيسى ابن مريم وليس ابن الله، وهي تنص صراحة على أنه رسول الله وليس إلها، ثم هي تنهى صراحة عن التثليث ولو بالقول فضلا عن الاعتقاد

(ولا تقولوا ثلاثة)

(النساء: 171). 


وهي - بعد ذلك - تؤكد النهي عن ذلك القول مرة أخرى:

(انتهوا خيرا لكم)

(النساء: ١٧١)،

وتأمر بالاعتقاد الحق في الله ورسله بمن في ذلك عيسى:

(فآمنوا بالله ورسله)

، فالله أرسلهم وهم مرسلون من قبله، وهي تؤكد أن الله إله واحد وليس كما يدعون،

يقول تعالى:

(إنما الله إله واحد)

(النساء: 171). 


وهي تبرهن على خصائص الألوهية وتنزه أن يكون الإله مخلوقا من المخلوقات، وتطرح هذا الاستفهام التعجبي الاستنكاري، لعل الغافلين يفيقون:

(سبحانه أن يكون له ولد)

(النساء: 171)،

والآية تبرهن على أن من له ملك السماوات والأرض ليس بحاجة أن يتخذ واحدا من خلقه إلها معه أو ابنا له. 
والآية - بعد ذلك كله - تحرر العقل والقلب من التوكل على أي عبد مخلوق من دون الله

(وكفى بالله وكيلا (171))

(النساء)

وقبل ذلك كله تعد الآية هذا الاعتقاد الفاسد، وهو التثليث، غلوا في الدين، وخروجا عن النهج القويم، وتنهى عن هذا الغلو

(يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم)

، كما تنهى عن التقول على الله بغير الحق، وهو هذا الاعتقاد الفاسد الذي يبرأ منه الله ورسوله عيسى - عليه السلام - وأن يلزموا الحق

(ولا تقولوا على الله إلا الحق). 


ثم تأتي الآية التالية لهذه الآية لتعلن أن عيسى عبد الله، ولن يتكبر عن عبادة ربه لا هو ولا الملائكة المقربون:

(لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون)

(النساء: 172).

أبعد هذا كله يبقى وجه للاستدلال بهذه الآية الكريمة على هذه العقيدة الباطلة، عقيدة التثليث، وكل كلمة فيها تنطق ببطلانها وتبرهن على ذلك، وما يتلوها من آيات يؤكد بطلان هذا الزعم؟
فإذا كانت الجمل الآتية في الآية وهي:

(إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)

تدل على التثليث النصراني، فأين الآب في الآية المتمم للثالوث النصراني؟ أهو المسيح؟ هم لا يقولون بذلك، وأين الابن؟ لم تصرح الآية بل تقول الآية:

(إنما المسيح عيسى ابن مريم)

فتذكر المسيح على أنه ابن مريم، بشر من بشر، رسول الله، فهو رسول الله إذن وليس الله، وليس ابنا لله - عز وجل - كما زعم هؤلاء.


ثانيا. محاولات التماس صور التثليث عند المسلمين وتهافتها: 


 التثليث عند من يعتقده هو اعتقاد بأن الإله مجموع ثلاثة كل منهم مستقل عن الآخرين وهذا بعيد كل البعد عن اعتقاد المسلمين جميعا، عوامهم وخواصهم. 
فالتثليث عندهم هو اعتقاد بأن الإله مجموع ثلاثة، وكل واحد من الثلاثة منفصل مستقل عن الآخرين، وهم يقولون: باسم الآب والابن والروح القدس، والعطف يقتضي المغايرة، الآب عندهم يختلف عن الابن، وقد انفصل الابن عن الآب وخاطبه ودعاه، مما يدل على أن الابن غير الآب، وكذلك القول الروح القدس. 


وهذا بعيد كل البعد عن اعتقاد المسلمين جميعا عوامهم وخواصهم كما تقدم القول، فهم يؤمنون بإله واحد

(ليس كمثله شيء)

(الشورى: 11)

، (لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4))

(الإخلاص). 


واستدلالهم على صحة التثليث بالبسملة، فهذا مما لا صحة فيه، فالبسملة توحيد في مقابل تثليث؛ لأن الله تعالى في البسملة ذات موصوفة بصفات الكمال ونعوت الجلال، والرحمن الرحيم وصفان له - عز وجل - باعتبار الخير والإحسان الصادرين عن قدرته، فإن صفات الله تعالى منها: "صفات ذات، وصفات فعل، وضابط صفات الذات هي التي لا تنفك عن الله، وضابط صفات الفعل هي التي تتعلق بالمشيئة والقدرة. 


ومثال صفات الذات: النفس والحياة والقدرة والسمع والبصر والوجه واليد والرجل والملك والعظمة والكبرياء والإصبع والعين والغنى والقدم والرحمة والحكمة والقوة والعزة والوحدانية والجلال، وهي التي لا تنفك عن الله. 
ومثال صفات الفعل: الاستواء والنزول والضحك والمجيء والعجب والفرح والرضى والحب والكره والسخط والإتيان والمقت والأسف، وهذه يقال لها: قديمة النوع حادثة الآحاد، ويصلح أن تقول قبلها: إذا شاء"  [1].


وأين هذه الافتتاحية الربانية الحقة - في البسملة - من هذا الهراء الذي لا يقبله دين قويم ولا عقل سليم، فكيف يلتقي تثليث وتوحيد في عبارة واحدة؟ كيف يكون الثلاثة واحدا؟ كيف يكون الآب والابن والروح القدس - وكل منهم له استقلاليته بحكم سرد الأحداث التي سطرتها أناجيلكم المحرفة - إلها واحدا كما يتردد في شعائركم؟!
ما أبعد الفارق بين التسمية باسم الله الواحد الذي أخص صفاته الرحمة، وبين الافتتاحية بإعلان الوثنية المسروقة من جاهليات موغلة في القدم، لا يقبلها عقل ولا دين!


وأما الاستدلال بما يقوله العامة نحو: والله العظيم ثلاثا، أو أنت طالق ثلاثا وما إلى ذلك، ففي الحق أن هذه حجة مضحكة، يسيء صاحبها إلى نفسه وعقله، ولا يضير المسلمين بذلك في شيء؛ فإن القسم بالله ثلاثا إنما يعني به المقسم ثلاث مرات لا أنه يقسم بثلاثة آلهة. 


وهم يؤكدون بلفظ الثلاثة كما يستعلمون غيره من ألفاظ العدد كالستين والسبعين ونحوهما، وليس العدد ثلاثة "خصوصية في الإسلام، وإنما يشيع في مثل الإيمان والكفارات على سبيل التدريج والإمتهال، أو على سبيل التوكيد والتوثيق، وأما أن هذا أمارة على التثليث النصراني فقول طائش شاذ لا يعرفه المسلمون، ولا يحسونه في كلامهم، ولا يذهب إليه في تحقيقه باحث جاد وإن كان نصرانيا فيما نظن. 


من هذا الزعم دعواهم أنه "من العسير أن تستخلص من القرآن نفسه مذهبا في العقيدة موحدا متجانسا خاليا من المتناقضات؛ فالتوحيد مذهب ينطوي على النقائض العسيرة الفهم، أما التثليث فمذهب واضح في فهم الألوهية [2].


وهذه أحكام مبيتة لا تستند إلى بحث علمي ولا إلى برهان، يكذبها واقع الإسلام وواقع النصرانية، ويشهد لذلك العقلاء من الباحثين المنصفين. 
فالإله في الإسلام واحد لا يعبد سواه؛ لأنه لا يستحق أحد أن يعبد إلا هو عز وجل، فهو وحده الخالق المدبر المهيمن، الذي يرجع الأمر كله إليه. 
وكل معبود من دونه لا يملك من أمر نفسه - فضلا عن غيره - شيئا؛ فكيف يعبد مع الله؟!


والإله الواحد لا يشبه خلقه؛ فللخلق صفات تخصهم، ولا توجد في الإله الحق، وإلا كان الإله الخالق مخلوقا، وللإله الخالق صفات تخصه لا توجد في المخلوق وإلا لكان المخلوق إلها خالقا. 
أين هذا الموضوع من عقيدة التثليث الغامضة المعقدة، التي تقف أمام العقل، ولا يستطيع العاقل أن يجمع بينها وبين عقله، فإما أن يتخلى عنها إذا احترم عقله، وإما أن يتخلى عن عقله إذا تمسك بها؟!

المراجع

  1. (*) التبشير العالمي ضد الإسلام، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة النور، القاهرة، ط1، 1992م. مواجهة صريحة بين الإسلام وخصومه، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، 2005م. حضارة العرب، جوستاف لوبون، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، ط1، 1994م. رد على مفتريات كاهن الكنيسة، محمد عبد اللطيف ابن الخطيب، المطبعة المصرية، القاهرة، ط2، 1399هـ/ 1979م. قناة الحياة. موقع المتنصرين. [1]. الكواشف الجلية عن معاني الواسطية، السلمان، مكتبة الرياض الحديثة، ص429، 430. وللمزيد يرجى مطالعة: شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية، الشيخ محمد الصالح العثيمين، دار ابن الجوزي،الرياض، ط3، 1416هـ، ج1، ص77 وما بعدها. 
  2. [2]. الفكر الاستشراقي: تاريخه وتقويمه، د. محمد الدسوقي، دار الوفاء، المنصورة، طـ1، 1415هـ/ 1995م، ص79.


الجواب التفصيلي

الزعم أن التثليث عقيدة التوحيد وأن له صورا في سلوك المسلمين (*)


مضمون الشبهة: 


يزعم بعض المشككين أن المسيحية دين توحيد، والتثليث فيها لا يعني الكثرة والتعدد، فالمراد بالآب الذات، وبالابن النطق الذي هو قائم بتلك الذات، وبروح القدس الحياة، والثلاثة واحد، ويدعون أن الإسلام يؤمن بهذا الثالثوث، ويستدلون على ذلك

بقوله سبحانه وتعالى:

(إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)

(النساء: 171)،

وأن للتثليث صورا في سلوك المسلمين وكلامهم، فهم يقولون: بسم الله الرحمن الرحيم، والله العظيم ثلاثا، وأحلف بالطلاق ثلاثا. 


وجوه إبطال الشبهة: 


1)  القرآن الكريم صريح في نفي عقيدة التثليث النصرانية وذلك في غير آية من آياته. 
2) ما يزعمونه من شواهد إسلامية تقر عقيدة التثليث أو تدانيها هو زعم متهافت لا يعرفه المسلمون، ولا يحسونه في كلامهم. 
3) عقيدة التوحيد هي دعوة الأنبياء جميعهم، ولقد وجد لها شواهد في العهدين القديم والجديد، على ما حل بهما من تبديل وتغيير. 


التفصيل: 


أولا. استحالة عقيدة التثليث وموقف القرآن منها: 


إن ما حاولوا أن يلتمسوه لعقيدة التثليث من مسوغ عقلي لم يزدها إلا استحالة عقلية، وبعدا عن الواقع، وتعقيدا يعلمه زعماؤهم أكثر من غيرهم. 
فالآب ذات، والابن ذات كذلك بدليل انفصاله عنه ودخوله في جوف أمه مريم، ولا مهرب لهم من هذا، فالمسيح مكث في جوف أمه، ثم خرج منه، ثم عاش بين الناس يأكل الطعام مثل أمه:

(كانا يأكلان الطعام)

(المائدة: 75)،

وتداعيات أكل الطعام كثيرة، كلها تقول إنه إنسان كبقية البشر، إنه مخلوق كبقية الخلق، له متطلباته، له حاجاته كأي واحد منا، ثم تنتهي حياته نهاية مأساوية، حسب اعتقادهم، يقتل ويصلب ولا يدفع عن نفسه ضرا، فأين ألوهيته؟ وأين بنوته للإله؟ وإذا لم يدفع عن نفسه الأذى فكيف يملك الخلاص لغيره؟! ولمن؟ للعالمين؟!! نريد عقولا غير العقول لتصدق ما تقولون!!! وكيف يتحول النطق إلى ذات؟!! أرونا نموذجا واقعيا يصدق ما تقولون، وكيف تكون هذه الثلاثة واحدا؟! إنها ثلاثة: الآب، والابن، والروح القدس، لكل حقيقته، واستقلاليته، وصفاته، وخصائصه، فكيف يكون مجموع الثلاثة واحدا، وإلها واحدا؟!! من أين تأتي بعقل يصدق بهذا؟!


وليس في الإنجيل نص صريح على أن الآب والابن والروح القدس شيء واحد، على الرغم من أننا لا نعترف بأن هذه الأناجيل كتاب موحى به من عند الله، ويشاركنا في ذلك عقلاؤهم غير المتعصبين وكل عاقل منصف، فقد ثبت أن إنجيلهم ليس نصا صحيحا يعتمد عليه، ولا هو مضبوط النقل، ولا يوثق به في الدين. 
والقرآن الكريم ينص صراحة دون أدنى شك على نفي التثليث وكفر معتقده، والنهي عن القول به،

يقول الله سبحانه وتعالى:

(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم (73))

(المائدة).

وقال تعالى:

(ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (91))

(المؤمنون).

وقال عز وجل:

(وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30))

(التوبة). 


والآية التي احتجوا بها وهي

قوله سبحانه وتعالى:

(إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)

(النساء: ١٧١)

حجة عليهم لا لهم؛ فهي تؤكد - كغيرها من آيات كثيرة - على أن عيسى ابن مريم وليس ابن الله، وهي تنص صراحة على أنه رسول الله وليس إلها، ثم هي تنهى صراحة عن التثليث ولو بالقول فضلا عن الاعتقاد

(ولا تقولوا ثلاثة)

(النساء: 171). 


وهي - بعد ذلك - تؤكد النهي عن ذلك القول مرة أخرى:

(انتهوا خيرا لكم)

(النساء: ١٧١)،

وتأمر بالاعتقاد الحق في الله ورسله بمن في ذلك عيسى:

(فآمنوا بالله ورسله)

، فالله أرسلهم وهم مرسلون من قبله، وهي تؤكد أن الله إله واحد وليس كما يدعون،

يقول تعالى:

(إنما الله إله واحد)

(النساء: 171). 


وهي تبرهن على خصائص الألوهية وتنزه أن يكون الإله مخلوقا من المخلوقات، وتطرح هذا الاستفهام التعجبي الاستنكاري، لعل الغافلين يفيقون:

(سبحانه أن يكون له ولد)

(النساء: 171)،

والآية تبرهن على أن من له ملك السماوات والأرض ليس بحاجة أن يتخذ واحدا من خلقه إلها معه أو ابنا له. 
والآية - بعد ذلك كله - تحرر العقل والقلب من التوكل على أي عبد مخلوق من دون الله

(وكفى بالله وكيلا (171))

(النساء)

وقبل ذلك كله تعد الآية هذا الاعتقاد الفاسد، وهو التثليث، غلوا في الدين، وخروجا عن النهج القويم، وتنهى عن هذا الغلو

(يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم)

، كما تنهى عن التقول على الله بغير الحق، وهو هذا الاعتقاد الفاسد الذي يبرأ منه الله ورسوله عيسى - عليه السلام - وأن يلزموا الحق

(ولا تقولوا على الله إلا الحق). 


ثم تأتي الآية التالية لهذه الآية لتعلن أن عيسى عبد الله، ولن يتكبر عن عبادة ربه لا هو ولا الملائكة المقربون:

(لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون)

(النساء: 172).

أبعد هذا كله يبقى وجه للاستدلال بهذه الآية الكريمة على هذه العقيدة الباطلة، عقيدة التثليث، وكل كلمة فيها تنطق ببطلانها وتبرهن على ذلك، وما يتلوها من آيات يؤكد بطلان هذا الزعم؟
فإذا كانت الجمل الآتية في الآية وهي:

(إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)

تدل على التثليث النصراني، فأين الآب في الآية المتمم للثالوث النصراني؟ أهو المسيح؟ هم لا يقولون بذلك، وأين الابن؟ لم تصرح الآية بل تقول الآية:

(إنما المسيح عيسى ابن مريم)

فتذكر المسيح على أنه ابن مريم، بشر من بشر، رسول الله، فهو رسول الله إذن وليس الله، وليس ابنا لله - عز وجل - كما زعم هؤلاء.


ثانيا. محاولات التماس صور التثليث عند المسلمين وتهافتها: 


 التثليث عند من يعتقده هو اعتقاد بأن الإله مجموع ثلاثة كل منهم مستقل عن الآخرين وهذا بعيد كل البعد عن اعتقاد المسلمين جميعا، عوامهم وخواصهم. 
فالتثليث عندهم هو اعتقاد بأن الإله مجموع ثلاثة، وكل واحد من الثلاثة منفصل مستقل عن الآخرين، وهم يقولون: باسم الآب والابن والروح القدس، والعطف يقتضي المغايرة، الآب عندهم يختلف عن الابن، وقد انفصل الابن عن الآب وخاطبه ودعاه، مما يدل على أن الابن غير الآب، وكذلك القول الروح القدس. 


وهذا بعيد كل البعد عن اعتقاد المسلمين جميعا عوامهم وخواصهم كما تقدم القول، فهم يؤمنون بإله واحد

(ليس كمثله شيء)

(الشورى: 11)

، (لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4))

(الإخلاص). 


واستدلالهم على صحة التثليث بالبسملة، فهذا مما لا صحة فيه، فالبسملة توحيد في مقابل تثليث؛ لأن الله تعالى في البسملة ذات موصوفة بصفات الكمال ونعوت الجلال، والرحمن الرحيم وصفان له - عز وجل - باعتبار الخير والإحسان الصادرين عن قدرته، فإن صفات الله تعالى منها: "صفات ذات، وصفات فعل، وضابط صفات الذات هي التي لا تنفك عن الله، وضابط صفات الفعل هي التي تتعلق بالمشيئة والقدرة. 


ومثال صفات الذات: النفس والحياة والقدرة والسمع والبصر والوجه واليد والرجل والملك والعظمة والكبرياء والإصبع والعين والغنى والقدم والرحمة والحكمة والقوة والعزة والوحدانية والجلال، وهي التي لا تنفك عن الله. 
ومثال صفات الفعل: الاستواء والنزول والضحك والمجيء والعجب والفرح والرضى والحب والكره والسخط والإتيان والمقت والأسف، وهذه يقال لها: قديمة النوع حادثة الآحاد، ويصلح أن تقول قبلها: إذا شاء"  [1].


وأين هذه الافتتاحية الربانية الحقة - في البسملة - من هذا الهراء الذي لا يقبله دين قويم ولا عقل سليم، فكيف يلتقي تثليث وتوحيد في عبارة واحدة؟ كيف يكون الثلاثة واحدا؟ كيف يكون الآب والابن والروح القدس - وكل منهم له استقلاليته بحكم سرد الأحداث التي سطرتها أناجيلكم المحرفة - إلها واحدا كما يتردد في شعائركم؟!
ما أبعد الفارق بين التسمية باسم الله الواحد الذي أخص صفاته الرحمة، وبين الافتتاحية بإعلان الوثنية المسروقة من جاهليات موغلة في القدم، لا يقبلها عقل ولا دين!


وأما الاستدلال بما يقوله العامة نحو: والله العظيم ثلاثا، أو أنت طالق ثلاثا وما إلى ذلك، ففي الحق أن هذه حجة مضحكة، يسيء صاحبها إلى نفسه وعقله، ولا يضير المسلمين بذلك في شيء؛ فإن القسم بالله ثلاثا إنما يعني به المقسم ثلاث مرات لا أنه يقسم بثلاثة آلهة. 


وهم يؤكدون بلفظ الثلاثة كما يستعلمون غيره من ألفاظ العدد كالستين والسبعين ونحوهما، وليس العدد ثلاثة "خصوصية في الإسلام، وإنما يشيع في مثل الإيمان والكفارات على سبيل التدريج والإمتهال، أو على سبيل التوكيد والتوثيق، وأما أن هذا أمارة على التثليث النصراني فقول طائش شاذ لا يعرفه المسلمون، ولا يحسونه في كلامهم، ولا يذهب إليه في تحقيقه باحث جاد وإن كان نصرانيا فيما نظن. 


من هذا الزعم دعواهم أنه "من العسير أن تستخلص من القرآن نفسه مذهبا في العقيدة موحدا متجانسا خاليا من المتناقضات؛ فالتوحيد مذهب ينطوي على النقائض العسيرة الفهم، أما التثليث فمذهب واضح في فهم الألوهية [2].


وهذه أحكام مبيتة لا تستند إلى بحث علمي ولا إلى برهان، يكذبها واقع الإسلام وواقع النصرانية، ويشهد لذلك العقلاء من الباحثين المنصفين. 
فالإله في الإسلام واحد لا يعبد سواه؛ لأنه لا يستحق أحد أن يعبد إلا هو عز وجل، فهو وحده الخالق المدبر المهيمن، الذي يرجع الأمر كله إليه. 
وكل معبود من دونه لا يملك من أمر نفسه - فضلا عن غيره - شيئا؛ فكيف يعبد مع الله؟!


والإله الواحد لا يشبه خلقه؛ فللخلق صفات تخصهم، ولا توجد في الإله الحق، وإلا كان الإله الخالق مخلوقا، وللإله الخالق صفات تخصه لا توجد في المخلوق وإلا لكان المخلوق إلها خالقا. 
أين هذا الموضوع من عقيدة التثليث الغامضة المعقدة، التي تقف أمام العقل، ولا يستطيع العاقل أن يجمع بينها وبين عقله، فإما أن يتخلى عنها إذا احترم عقله، وإما أن يتخلى عن عقله إذا تمسك بها؟!

المراجع

  1. (*) التبشير العالمي ضد الإسلام، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة النور، القاهرة، ط1، 1992م. مواجهة صريحة بين الإسلام وخصومه، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، 2005م. حضارة العرب، جوستاف لوبون، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، ط1، 1994م. رد على مفتريات كاهن الكنيسة، محمد عبد اللطيف ابن الخطيب، المطبعة المصرية، القاهرة، ط2، 1399هـ/ 1979م. قناة الحياة. موقع المتنصرين. [1]. الكواشف الجلية عن معاني الواسطية، السلمان، مكتبة الرياض الحديثة، ص429، 430. وللمزيد يرجى مطالعة: شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية، الشيخ محمد الصالح العثيمين، دار ابن الجوزي،الرياض، ط3، 1416هـ، ج1، ص77 وما بعدها. 
  2. [2]. الفكر الاستشراقي: تاريخه وتقويمه، د. محمد الدسوقي، دار الوفاء، المنصورة، طـ1، 1415هـ/ 1995م، ص79.