نص السؤال
تصريحُ القرآنِ بوفاةِ عيسى عليه السلامُ، ثم صرَّح القرآنُ أنه إذا مات سيُبعَثُ يومَ القيامة، وجاء في الحديثِ: أنه يَنزِلُ آخِرَ الزمان؛ أليس هذا مِن التناقُض؟!
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
هل عيسى عليه السلامُ حيٌّ الآنَ؟
نزولُ عيسى عليه السلامُ آخِرَ الزمان.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
يُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية:
أوَّلًا: لا تعارُضَ بين القرآنِ والسنَّةِ الصحيحة:
يجبُ أن يُعلَمَ أنه لا تناقُضَ البتَّةَ بين هذه النصوصِ، أو بين القرآنِ والسنَّة الصحيحة؛ فالذي تكلَّم بالقرآنِ هو الذي أَوْحى بالسنَّة؛ فلا تعارُضَ بينهما أبدًا، حتى وإن رأى الإنسانُ تعارُضًا في الظاهر، فإن هذا التعارُضَ في ذهنِه، وليس في الواقعِ، وعليه أن يَفزَعَ إلى أهلِ العلمِ؛ لدفعِ هذا التعارُض.
وقد قال ابنُ القيِّمِ: «والذي يجبُ على كلِّ مسلِمٍ اعتقادُهُ: أنه ليس في سننِ رسولِ اللهِ ^ الصحيحةِ سنَّةٌ واحدةٌ تخالِفُ كتابَ الله». اهـ. «الطرُقُ الحُكْميَّة» (1/ 186).
ثانيًا: معنى التوفِّي:
أما قولُ اللهِ تعالى:
{مُتَوَفِّيكَ}
[آل عمران: 55]،
فليس معناه الموتَ.
وإنما قيل: هذا مِن المقدَّمِ والمؤخَّر، تقديرُهُ: إنِّي رافعُكَ إليَّ ومتوفِّيكَ، يعني: بعد نزولِهِ آخِرَ الزمان.
وقيل: متوفِّيكَ مِن الدنيا، وليس بوفاةِ موتٍ.
وقيل: توفِّيهِ: رَفْعُه.
وقال أكثرُ العلماءِ (وهو الأظهرُ): المرادُ بالوفاةِ هنا: النومُ؛
كما قال تعالى:
{اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
[الزمر: 42]،
قال ابنُ جُزَيٍّ: «ومعناها: أن اللهَ يتوفَّى النفوسَ على وجهَيْن؛ أحدُهما: وفاةٌ كاملةٌ حقيقيَّةٌ؛ وهي الموت. والآخَرُ: وفاةُ النومِ؛ لأن النائمَ كالميِّتِ في كونِهِ لا يُبصِرُ ولا يَسمَعُ؛
ومنه قولُهُ:
{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ}
[الأنعام: 60]
، وتقديرُها: ويتوفَّى الأنفُسَ التي لم تَمُتْ في منامِها،
{فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}
[الزمر: 42]،
أي: يُمسِكُ الأنفُسَ التي قضى عليها بالموتِ الحقيقيِّ، ومعنى إمساكِها: أنه لا يرُدُّها إلى الدنيا،
{وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}
[الزمر: 42]،
أي: يُرسِلُ الأنفُسَ النائمةَ، وإرسالُها: هو رَدُّها إلى الدنيا، والأجلُ المسمَّى: هو أجلُ الموتِ الحقيقيِّ». اهـ. «التسهيلُ لعلومِ التنزيل» (2/ 222).
وفي الحديثِ:
«كَانَ النَّبِيُّ ^ إِذَا اسْتَيْقَظَ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»
؛ رواه البخاري (6312)، ومسلم (2711)؛
فسمَّى الشرعُ النومَ: «موتًا»، و«وفاةً»؛ فالنومُ هو الموتُ الأصغر.
وقد قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ: «
وأما قولُهُ تعالى:
{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}
[آل عمران: 55]،
فهذا دليلٌ على أنه لم يَعْنِ بذلك الموتَ؛ إذْ لو أراد بذلك الموتَ، لكان عيسى في ذلك كسائرِ المؤمِنين؛ فإن اللهَ يَقبِضُ أرواحَهم، ويعرُجُ بها إلى السماءِ؛ فعُلِمَ أنْ ليس في ذلك خاصِّيَّةٌ، وكذلك قولُهُ: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ولو كان قد فارَقتْ رُوحُهُ جسَدَهُ، لكان بدَنُهُ في الأرضِ كبدَنِ سائرِ الأنبياءِ أو غيرِهِ مِن الأنبياء،
وقد قال تعالى في الآيةِ الأخرى:
{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ}
[النساء: 157- 158]؛
فقولُهُ هنا: {بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ}، يبيِّنُ أنه رفَعَ بدَنَهُ ورُوحَهُ؛ كما ثبَتَ في «الصحيح»: «أَنَّهُ يَنزِلُ بَدَنُهُ وَرُوحُهُ»؛ إذْ لو أريدَ موتُهُ، لقال: «وما قتَلُوهُ وما صلَبُوهُ، بل مات». اهـ. «مجموع الفتاوى» (4/ 322).
ومما يدُلُّ على أن عيسى عليه السلامُ لم يَمُتِ الموتَ الحقيقيَّ:
قولُ اللهِ تعالى:
{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}
[النساء: 159]،
أي: أن أهلَ الكتابِ يؤمِنون بعيسى عليه السلامُ قبلَ موتِه؛ وهذا لم يحدُثْ بعدُ؛ فدَلَّ على أنه لم يَمُتْ بعدُ.
وقد قال الحافظُ ابنُ كَثيرٍ - بعد أن ذكَرَ الآراءَ في هذه الآيةِ -: «قال ابنُ جريرٍ: «وأَوْلى هذه الأقوالِ بالصحَّةِ القولُ الأوَّلُ؛ وهو أنه لا يَبْقى أحدٌ مِن أهلِ الكتابِ بعد نزولِ عيسى عليه السلامُ إلا آمَنَ به قبل موتِه»، أي: قبل موتِ عيسى عليه السلامُ؛ ولا شكَّ أن هذا الذي قاله ابنُ جريرٍ رَحِمَهُ اللهُ هو الصحيحُ؛ لأنه المقصودُ مِن سياقِ الآيِ في تقريرِ بطلانِ ما ادَّعَتْهُ اليهودُ مِن قتلِ عيسى وصلبِهِ، وتسليمِ مَن سلَّم لهم مِن النصارى الجهَلةِ ذلك؛ فأخبَرَ اللهُ أنه لم يكن الأمرُ كذلك، وإنما شُبِّهَ لهم، فقتَلُوا الشبيهَ، وهم لا يتبيَّنون ذلك، ثم إنه رفَعهُ إليه، وإنه باقٍ حيٌّ، وإنه سيَنزِلُ قبل يومِ القيامة؛ كما دلَّت عليه الأحاديثُ المتواتِرةُ؛ فيقتُلُ مَسِيحَ الضلالةِ، ويَكسِرُ الصليبَ، ويقتُلُ الخِنزِيرَ، ويضَعُ الجِزْيةَ - يعني: لا يَقبَلُها مِن أحدٍ مِن أهلِ الأديان، بل لا يَقبَلُ إلا الإسلامَ أو السيفَ - فأخبَرَتْ هذه الآيةُ الكريمةُ: أنه يؤمِنُ به جميعُ أهلِ الكتابِ حينئذٍ، ولا يتخلَّفُ عن التصديقِ به واحدٌ منهم». اهـ. «تفسيرُ ابنِ كَثِيرٍ» (2/ 454).
وأما الآيةُ الأخرى،
وهي قولُ اللهِ تعالى:
{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}
[مريم: 33]،
فإنها تتحدَّثُ عن الموتِ الأكبر، والذي يكونُ بعدَ نزولِ عيسى عليه السلامُ في آخِرِ الزمان؛ فلا تناقُضَ بين هذه النصوصِ أبدًا.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
صاحبُ هذا السؤالِ يَرَى أن القرآنَ قد صرَّح بوفاةِ عيسى عليه السلامُ؛
كما في قولِهِ تعالى:
{إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}
[آل عمران: 55]
، ثم صرَّح أنه إذا مات، فإنه سيُبعَثُ يومَ القيامة؛
كما في قولِهِ تعالى:
{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}
[مريم: 33]؛
وهذا يتعارَضُ مع ما جاء في السُّنَّةِ مِن أن عيسى عليه السلامُ سيَنزِلُ في آخِرِ الزمان، أي: قبلَ يومِ القيامة؛ وهذا تناقُضٌ.
مختصَرُ الإجابة:
أنه لا تناقُضَ البتَّةَ بين هذه النصوصِ؛ فالذي تكلَّم بالقرآنِ هو الذي أوحى بالسنَّة؛ فلا تعارُضَ بينهما أبدًا؛
فقولُ اللهِ تعالى:
{مُتَوَفِّيكَ}
[آل عمران: 55]:
ليس معناه الموتَ:
وإنما قيل: هذا مِن المقدَّمِ والمؤخَّر، تقديرُهُ: إنِّي رافعُكَ إليَّ ومتوفِّيك، يعني: بعد نزولِهِ آخِرَ الزمان.
وقيل: متوفِّيكَ مِن الدنيا، وليس بوفاةِ موتٍ.
وقيل: توفِّيهِ: رَفْعُه.
وقال أكثرُ العلماءِ (وهو الأظهرُ): المرادُ بالوفاةِ هنا: النومُ؛
كما قال تعالى:
{اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
[الزمر: 42]،
وفي الحديثِ:
«كَانَ النَّبِيُّ ^ إِذَا اسْتَيْقَظَ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»؛
رواه البخاري (6312)، ومسلم (2711)؛
فسمَّى الشرعُ النومَ: «موتًا»، و«وفاةً»؛ فالنومُ هو الموتُ الأصغر.
وأما الآيةُ الأخرى:
{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}
[مريم: 33]،
فإنها تتحدَّثُ عن الموتِ الأكبر، والذي يكونُ بعد نزولِ عيسى عليه السلامُ في آخِرِ الزمانِ؛ فلا تناقُضَ بين هذه النصوصِ أبدًا.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
صاحبُ هذا السؤالِ يَرَى أن القرآنَ قد صرَّح بوفاةِ عيسى عليه السلامُ؛
كما في قولِهِ تعالى:
{إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}
[آل عمران: 55]
، ثم صرَّح أنه إذا مات، فإنه سيُبعَثُ يومَ القيامة؛
كما في قولِهِ تعالى:
{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}
[مريم: 33]؛
وهذا يتعارَضُ مع ما جاء في السُّنَّةِ مِن أن عيسى عليه السلامُ سيَنزِلُ في آخِرِ الزمان، أي: قبلَ يومِ القيامة؛ وهذا تناقُضٌ.
مختصَرُ الإجابة:
أنه لا تناقُضَ البتَّةَ بين هذه النصوصِ؛ فالذي تكلَّم بالقرآنِ هو الذي أوحى بالسنَّة؛ فلا تعارُضَ بينهما أبدًا؛
فقولُ اللهِ تعالى:
{مُتَوَفِّيكَ}
[آل عمران: 55]:
ليس معناه الموتَ:
وإنما قيل: هذا مِن المقدَّمِ والمؤخَّر، تقديرُهُ: إنِّي رافعُكَ إليَّ ومتوفِّيك، يعني: بعد نزولِهِ آخِرَ الزمان.
وقيل: متوفِّيكَ مِن الدنيا، وليس بوفاةِ موتٍ.
وقيل: توفِّيهِ: رَفْعُه.
وقال أكثرُ العلماءِ (وهو الأظهرُ): المرادُ بالوفاةِ هنا: النومُ؛
كما قال تعالى:
{اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
[الزمر: 42]،
وفي الحديثِ:
«كَانَ النَّبِيُّ ^ إِذَا اسْتَيْقَظَ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»؛
رواه البخاري (6312)، ومسلم (2711)؛
فسمَّى الشرعُ النومَ: «موتًا»، و«وفاةً»؛ فالنومُ هو الموتُ الأصغر.
وأما الآيةُ الأخرى:
{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}
[مريم: 33]،
فإنها تتحدَّثُ عن الموتِ الأكبر، والذي يكونُ بعد نزولِ عيسى عليه السلامُ في آخِرِ الزمانِ؛ فلا تناقُضَ بين هذه النصوصِ أبدًا.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
يُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية:
أوَّلًا: لا تعارُضَ بين القرآنِ والسنَّةِ الصحيحة:
يجبُ أن يُعلَمَ أنه لا تناقُضَ البتَّةَ بين هذه النصوصِ، أو بين القرآنِ والسنَّة الصحيحة؛ فالذي تكلَّم بالقرآنِ هو الذي أَوْحى بالسنَّة؛ فلا تعارُضَ بينهما أبدًا، حتى وإن رأى الإنسانُ تعارُضًا في الظاهر، فإن هذا التعارُضَ في ذهنِه، وليس في الواقعِ، وعليه أن يَفزَعَ إلى أهلِ العلمِ؛ لدفعِ هذا التعارُض.
وقد قال ابنُ القيِّمِ: «والذي يجبُ على كلِّ مسلِمٍ اعتقادُهُ: أنه ليس في سننِ رسولِ اللهِ ^ الصحيحةِ سنَّةٌ واحدةٌ تخالِفُ كتابَ الله». اهـ. «الطرُقُ الحُكْميَّة» (1/ 186).
ثانيًا: معنى التوفِّي:
أما قولُ اللهِ تعالى:
{مُتَوَفِّيكَ}
[آل عمران: 55]،
فليس معناه الموتَ.
وإنما قيل: هذا مِن المقدَّمِ والمؤخَّر، تقديرُهُ: إنِّي رافعُكَ إليَّ ومتوفِّيكَ، يعني: بعد نزولِهِ آخِرَ الزمان.
وقيل: متوفِّيكَ مِن الدنيا، وليس بوفاةِ موتٍ.
وقيل: توفِّيهِ: رَفْعُه.
وقال أكثرُ العلماءِ (وهو الأظهرُ): المرادُ بالوفاةِ هنا: النومُ؛
كما قال تعالى:
{اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
[الزمر: 42]،
قال ابنُ جُزَيٍّ: «ومعناها: أن اللهَ يتوفَّى النفوسَ على وجهَيْن؛ أحدُهما: وفاةٌ كاملةٌ حقيقيَّةٌ؛ وهي الموت. والآخَرُ: وفاةُ النومِ؛ لأن النائمَ كالميِّتِ في كونِهِ لا يُبصِرُ ولا يَسمَعُ؛
ومنه قولُهُ:
{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ}
[الأنعام: 60]
، وتقديرُها: ويتوفَّى الأنفُسَ التي لم تَمُتْ في منامِها،
{فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}
[الزمر: 42]،
أي: يُمسِكُ الأنفُسَ التي قضى عليها بالموتِ الحقيقيِّ، ومعنى إمساكِها: أنه لا يرُدُّها إلى الدنيا،
{وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}
[الزمر: 42]،
أي: يُرسِلُ الأنفُسَ النائمةَ، وإرسالُها: هو رَدُّها إلى الدنيا، والأجلُ المسمَّى: هو أجلُ الموتِ الحقيقيِّ». اهـ. «التسهيلُ لعلومِ التنزيل» (2/ 222).
وفي الحديثِ:
«كَانَ النَّبِيُّ ^ إِذَا اسْتَيْقَظَ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»
؛ رواه البخاري (6312)، ومسلم (2711)؛
فسمَّى الشرعُ النومَ: «موتًا»، و«وفاةً»؛ فالنومُ هو الموتُ الأصغر.
وقد قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ: «
وأما قولُهُ تعالى:
{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}
[آل عمران: 55]،
فهذا دليلٌ على أنه لم يَعْنِ بذلك الموتَ؛ إذْ لو أراد بذلك الموتَ، لكان عيسى في ذلك كسائرِ المؤمِنين؛ فإن اللهَ يَقبِضُ أرواحَهم، ويعرُجُ بها إلى السماءِ؛ فعُلِمَ أنْ ليس في ذلك خاصِّيَّةٌ، وكذلك قولُهُ: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ولو كان قد فارَقتْ رُوحُهُ جسَدَهُ، لكان بدَنُهُ في الأرضِ كبدَنِ سائرِ الأنبياءِ أو غيرِهِ مِن الأنبياء،
وقد قال تعالى في الآيةِ الأخرى:
{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ}
[النساء: 157- 158]؛
فقولُهُ هنا: {بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ}، يبيِّنُ أنه رفَعَ بدَنَهُ ورُوحَهُ؛ كما ثبَتَ في «الصحيح»: «أَنَّهُ يَنزِلُ بَدَنُهُ وَرُوحُهُ»؛ إذْ لو أريدَ موتُهُ، لقال: «وما قتَلُوهُ وما صلَبُوهُ، بل مات». اهـ. «مجموع الفتاوى» (4/ 322).
ومما يدُلُّ على أن عيسى عليه السلامُ لم يَمُتِ الموتَ الحقيقيَّ:
قولُ اللهِ تعالى:
{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}
[النساء: 159]،
أي: أن أهلَ الكتابِ يؤمِنون بعيسى عليه السلامُ قبلَ موتِه؛ وهذا لم يحدُثْ بعدُ؛ فدَلَّ على أنه لم يَمُتْ بعدُ.
وقد قال الحافظُ ابنُ كَثيرٍ - بعد أن ذكَرَ الآراءَ في هذه الآيةِ -: «قال ابنُ جريرٍ: «وأَوْلى هذه الأقوالِ بالصحَّةِ القولُ الأوَّلُ؛ وهو أنه لا يَبْقى أحدٌ مِن أهلِ الكتابِ بعد نزولِ عيسى عليه السلامُ إلا آمَنَ به قبل موتِه»، أي: قبل موتِ عيسى عليه السلامُ؛ ولا شكَّ أن هذا الذي قاله ابنُ جريرٍ رَحِمَهُ اللهُ هو الصحيحُ؛ لأنه المقصودُ مِن سياقِ الآيِ في تقريرِ بطلانِ ما ادَّعَتْهُ اليهودُ مِن قتلِ عيسى وصلبِهِ، وتسليمِ مَن سلَّم لهم مِن النصارى الجهَلةِ ذلك؛ فأخبَرَ اللهُ أنه لم يكن الأمرُ كذلك، وإنما شُبِّهَ لهم، فقتَلُوا الشبيهَ، وهم لا يتبيَّنون ذلك، ثم إنه رفَعهُ إليه، وإنه باقٍ حيٌّ، وإنه سيَنزِلُ قبل يومِ القيامة؛ كما دلَّت عليه الأحاديثُ المتواتِرةُ؛ فيقتُلُ مَسِيحَ الضلالةِ، ويَكسِرُ الصليبَ، ويقتُلُ الخِنزِيرَ، ويضَعُ الجِزْيةَ - يعني: لا يَقبَلُها مِن أحدٍ مِن أهلِ الأديان، بل لا يَقبَلُ إلا الإسلامَ أو السيفَ - فأخبَرَتْ هذه الآيةُ الكريمةُ: أنه يؤمِنُ به جميعُ أهلِ الكتابِ حينئذٍ، ولا يتخلَّفُ عن التصديقِ به واحدٌ منهم». اهـ. «تفسيرُ ابنِ كَثِيرٍ» (2/ 454).
وأما الآيةُ الأخرى،
وهي قولُ اللهِ تعالى:
{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}
[مريم: 33]،
فإنها تتحدَّثُ عن الموتِ الأكبر، والذي يكونُ بعدَ نزولِ عيسى عليه السلامُ في آخِرِ الزمان؛ فلا تناقُضَ بين هذه النصوصِ أبدًا.