نص السؤال
المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام
المصدر: موسوعة بيان الإسلام
الجواب التفصيلي
ادعاء فضل عيسى - عليه السلام - على محمد - صلى الله عليه وسلم - بثبوت الحياة الأبدية (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين أن عيسى يفضل محمدا صلى الله عليه وسلم، ويعللون هذا بتوهمهم أن عيسى - عليه السلام - حي حياة أبدية، فلا تجري عليه سنة الموت كسائر الخلق، بخلاف محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي حكم عليه بالموت والفناء. ويستدلون على هذا
بقوله سبحانه وتعالى:
(إنك ميت وإنهم ميتون (30))
(الزمر)
، في حين يقول الإنجيل "إني أنا حي فأنتم ستحيون". (يوحنا 14: 19).
وجوه إبطال الشبهة:
1) لا وجه للمقارنة بين نص الإنجيل ونص القرآن؛ لأن نص القرآن يتحدث عن قانون الموت والحياة، الذي يعم جميع الناس بلا استثناء، ونص الإنجيل يتحدث عن دعوة المسيح لاتباعه، الذي به تكون الحياة، حياة الاستقامة والهداية.
2) قولهم بأبدية حياة عيسى يناقض عقيدتهم بصلبه، فإذا كانت عقيدة الصلب من ثوابت المعتقد النصراني لم يبق وجه لاعتقاد أبدية حياته عليه السلام.
3) إن التفضيل بين الأنبياء ليس قضية اجتهادية، وإنما هو فضل من الله يؤتيه من يشاء.
التفصيل:
أولا. المجاز في عبارة الإنجيل:
النص الإنجيلي يحتمل معنيين: أحدهما افتراض تقديري، والثاني قريب منه، فإما أنه يعني أن عيسى في الإنجيل يعد أتباعه بأنهم لن يموتوا أبدا، وهذا هو الافتراض التقديري بحسب مدلول العبارة لفظا، والثاني أنهم سيحيون حياة هداية وتكريم. وإن أخذ بالفهم الأول المأخوذ من لفظ العبارة ومنطوقها، فهو مخالفة صارخة للواقع، فهل بقي واحد فقط من أتباع عيسى ولم يمت؟ فلا بد من فهم عبارة المسيح - إن سلمنا بصحتها - "أنا حي فأنتم ستحيون" على حياة الهداية، وهذا هو التقدير المتعين الذي يشهد له الواقع على تقدير صحة العبارة.
وإذا أخذنا بهذا المعنى، وهذا هو الأقرب إلى الصواب، وهو أولى بالأخذ به فلا وجه للمقارنة بينه وبين نصوص القرآن الكريم؛ لأن نص القرآن يتحدث عن قانون الموت والحياة، الذي يعم جميع الناس بلا استثناء، ونص الإنجيل يتحدث عن دعوة المسيح لأتباعه، وباتباعه تكون الحياة حياة الاستقامة والهداية، كما
قال سبحانه وتعالى:
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)
(الأنفال: 24)
، وقال سبحانه وتعالى:
(أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها)
(الأنعام: 122)،
ولا وجه للمقارنة بين نصين لا ينطلقان من أرضية مشتركة، بل كل منهما يتحدث عن أمر، لكن الذي يبدو أنهم يريدون أن يستدلوا بنصهم الإنجيلي على حياة المسيح وعدم موته، وإن كان النص لا يفيد ذلك فهو مجازي وليس حقيقيا، وآفة النصارى أنهم تورطوا في العقائد الباطلة، بسبب فهمهم للعبارات المجازية، الآب الابن الحياة، على أنها تعبيرات حقيقية.
ثانيا. التناقض بين عقيدة الصلب وإثبات الحياة الأبدية:
إن الكلام عن أبدية المسيح يناقض عقيدة النصارى في الصلب والفداء، إذ كيف يصلب ويموت، ثم هو حي حياة أبدية؟! فهم كما في كتابهم المقدس: "لما أتوا إلى موضع يقال له جلجثة، وهو المسمى «موضع الجمجمة» أعطوه خلا ممزوجا بمرارة ليشرب. ولما ذاق لم يرد أن يشرب". (متى 27: 33، 34)، وكان من عادة اليهود أن يعطوا المحكوم عليه بالموت صلبا خلا به مخدر حتى يستطيع أن يتحمل آلام الصلب، ولكن المسيح رفض شرب ذلك المخدر حتى يشرب كأس الآلام ومراراتها حتى ثمالتها حتى النهاية ليتحمل مشاق الصلب وآلامه من أجل خلاصنا ورفض أن تخفف الآلام من جسده.
"ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، لكي يتم ما قيل بالنبي: «اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة". (متى 27: 35)، وفي نحو الساعة التاسعة ليلا صرخ السيد المسيح قائلا: «إلوي، إلوي، لما شبقتني؟» الذي تفسيره: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟ فقال قوم من الحاضرين لما سمعوا: «هوذا ينادي إيليا». فركض واحد وملأ إسفنجة خلا وجعلها على قصبة وسقاه قائلا: «اتركوا. لنر هل يأتي إيليا لينزله!» فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح. وانشق حجاب الهيكل إلى اثنين، من فوق إلى أسفل. ولما رأى قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح، قال: «حقا كان هذا الإنسان ابن الله!» وكانت أيضا نساء ينظرن من بعيد، بينهن مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب الصغير ويوسي، وسالومة، اللواتي أيضا تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل. وأخر كثيرات اللواتي صعدن معه إلى أورشليم". (مرقس 15: 34 - 41). "بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل، فلكي يتم الكتاب قال: «أنا عطشان». وكان إناء موضوعا مملوا خلا، فملأوا إسفنجة من الخل، ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه. فلما أخذ يسوع الخل قال: «قد أكمل». ونكس رأسه وأسلم الروح". (يوحنا 19: 28ـ 30)، وعندما قال المسيح أنه قد أكمل فقد أكمل أهم حوادث التاريخ البشري في كل العصور، ونادى يسوع بصوت عظيم وقال: "يا أبتاه، في يديك أستودع روحي». ولما قال هذا أسلم الروح ". (لوقا 23: 46).
"وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين، من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة". (متى 27: 51 - 53).
ومما تقدم يتضح أن كلا من الأناجيل السابقة - مرقس ويوحنا ولوقا ومتى - قد تحدثت عن إسلام المسيح لروحه؛ أي موت المسيح، فكيف تقولون إنه سيحيا حياة أبدية، أو كيف يقول إنجيلكم هذا الكلام وذاك، أي كيف يقرر أمرا وينفيه في نفس الوقت؟!
ولكن نجيبكم نحن فنقول إن عيسى - عليه السلام - رفعه الله - عز وجل - إليه، ولكن مآله الموت لقول الله تعالى على لسانه: (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا (33)) (مريم)، ولذلك فإن مسألة موت المسيح هي مسألة منتهية وأنه - عليه السلام - سيموت كسائر الخلق.
ثالثا. تفضيل الله - عز وجل - بعض الأنبياء على بعض:
إذا كان النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قد مات، والمسيح - عليه السلام - سيموت، بعدما ينزل إلى الأرض حكما بشريعة الإسلام ثم يموت، فالفارق حينئذ بينه وبين غيره هو طول الحياة وقصرها، ولو كان طول الحياة دليلا على الفضل والتفاضل لكان نوح - عليه السلام - أفضل من إبراهيم - عليه السلام - ولكان الكافر الأطول عمرا أفضل من المؤمن الأقصر منه عمرا، وهذا لا يكون.
ثم إن التفضيل ليس قضية اجتهادية بين العقلاء، وخاصة تفضيل بعض الأنيباء على بعض، فهذه مسألة تتوقف على الوحي ولا تؤخذ من العقل،
، قال سبحانه وتعالى:
(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض)
(البقرة: 253)
إن فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما ثبت له برسالته العالمية الخالدة، وبما أوتي من جوامع الكلم، وما اتصف به من مكارم الأخلاق:
(وإنك لعلى خلق عظيم (4))
(القلم)،
وأعباء الدعوة التي واجه بها لعالم كله، وكل قوى الكفر، وبجهاده المتواصل في سبيل الحق، وبالأثر الذي تركه على العالمين.
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له
وأنت أحييت أجيالا من الأمم
الخلاصة:
• إن المقصود من كلام عيسى عليه السلام: " أنا حي فأنتم ستحيون" أنهم سيحيون حياة هداية وتكريم، وليس المعنى أنهم سيحيون حياة حقيقية؛ لأنهم جميعا ماتوا وما بقي منهم أحد، فوجب أن يكون معنى الكلمة أنهم سيحيون حياة الاستقامة والهداية
كقوله سبحانه وتعالى:
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)
(الأنفال: 24)
والعبارات المجازية شائعة مترددة في نصوص الإنجيل.
• وكذلك لو فرضنا جدلا صحة كلامهم بأنه سيحيا حياة أبدية، فما قولهم في عقيدة الصلب التي تنص على أن المسيح أسلم روحه لله ومات، وهو ما ينافي ادعاء الحياة الأبدية؟!
• ثم إن التفضيل بين الأنبياء ليس قضية اجتهادية، وكذلك لو كان طول الحياة دليلا على الفضل والتفاضل لكان الكافر الأطول عمرا أفضل من المؤمن الأقصر منه عمرا، لكن التفضيل بين الأنبياء هو من فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده.
المراجع
- (*) النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام، أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1413هـ/ 1992م.
الجواب التفصيلي
ادعاء فضل عيسى - عليه السلام - على محمد - صلى الله عليه وسلم - بثبوت الحياة الأبدية (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين أن عيسى يفضل محمدا صلى الله عليه وسلم، ويعللون هذا بتوهمهم أن عيسى - عليه السلام - حي حياة أبدية، فلا تجري عليه سنة الموت كسائر الخلق، بخلاف محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي حكم عليه بالموت والفناء. ويستدلون على هذا
بقوله سبحانه وتعالى:
(إنك ميت وإنهم ميتون (30))
(الزمر)
، في حين يقول الإنجيل "إني أنا حي فأنتم ستحيون". (يوحنا 14: 19).
وجوه إبطال الشبهة:
1) لا وجه للمقارنة بين نص الإنجيل ونص القرآن؛ لأن نص القرآن يتحدث عن قانون الموت والحياة، الذي يعم جميع الناس بلا استثناء، ونص الإنجيل يتحدث عن دعوة المسيح لاتباعه، الذي به تكون الحياة، حياة الاستقامة والهداية.
2) قولهم بأبدية حياة عيسى يناقض عقيدتهم بصلبه، فإذا كانت عقيدة الصلب من ثوابت المعتقد النصراني لم يبق وجه لاعتقاد أبدية حياته عليه السلام.
3) إن التفضيل بين الأنبياء ليس قضية اجتهادية، وإنما هو فضل من الله يؤتيه من يشاء.
التفصيل:
أولا. المجاز في عبارة الإنجيل:
النص الإنجيلي يحتمل معنيين: أحدهما افتراض تقديري، والثاني قريب منه، فإما أنه يعني أن عيسى في الإنجيل يعد أتباعه بأنهم لن يموتوا أبدا، وهذا هو الافتراض التقديري بحسب مدلول العبارة لفظا، والثاني أنهم سيحيون حياة هداية وتكريم. وإن أخذ بالفهم الأول المأخوذ من لفظ العبارة ومنطوقها، فهو مخالفة صارخة للواقع، فهل بقي واحد فقط من أتباع عيسى ولم يمت؟ فلا بد من فهم عبارة المسيح - إن سلمنا بصحتها - "أنا حي فأنتم ستحيون" على حياة الهداية، وهذا هو التقدير المتعين الذي يشهد له الواقع على تقدير صحة العبارة.
وإذا أخذنا بهذا المعنى، وهذا هو الأقرب إلى الصواب، وهو أولى بالأخذ به فلا وجه للمقارنة بينه وبين نصوص القرآن الكريم؛ لأن نص القرآن يتحدث عن قانون الموت والحياة، الذي يعم جميع الناس بلا استثناء، ونص الإنجيل يتحدث عن دعوة المسيح لأتباعه، وباتباعه تكون الحياة حياة الاستقامة والهداية، كما
قال سبحانه وتعالى:
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)
(الأنفال: 24)
، وقال سبحانه وتعالى:
(أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها)
(الأنعام: 122)،
ولا وجه للمقارنة بين نصين لا ينطلقان من أرضية مشتركة، بل كل منهما يتحدث عن أمر، لكن الذي يبدو أنهم يريدون أن يستدلوا بنصهم الإنجيلي على حياة المسيح وعدم موته، وإن كان النص لا يفيد ذلك فهو مجازي وليس حقيقيا، وآفة النصارى أنهم تورطوا في العقائد الباطلة، بسبب فهمهم للعبارات المجازية، الآب الابن الحياة، على أنها تعبيرات حقيقية.
ثانيا. التناقض بين عقيدة الصلب وإثبات الحياة الأبدية:
إن الكلام عن أبدية المسيح يناقض عقيدة النصارى في الصلب والفداء، إذ كيف يصلب ويموت، ثم هو حي حياة أبدية؟! فهم كما في كتابهم المقدس: "لما أتوا إلى موضع يقال له جلجثة، وهو المسمى «موضع الجمجمة» أعطوه خلا ممزوجا بمرارة ليشرب. ولما ذاق لم يرد أن يشرب". (متى 27: 33، 34)، وكان من عادة اليهود أن يعطوا المحكوم عليه بالموت صلبا خلا به مخدر حتى يستطيع أن يتحمل آلام الصلب، ولكن المسيح رفض شرب ذلك المخدر حتى يشرب كأس الآلام ومراراتها حتى ثمالتها حتى النهاية ليتحمل مشاق الصلب وآلامه من أجل خلاصنا ورفض أن تخفف الآلام من جسده.
"ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، لكي يتم ما قيل بالنبي: «اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة". (متى 27: 35)، وفي نحو الساعة التاسعة ليلا صرخ السيد المسيح قائلا: «إلوي، إلوي، لما شبقتني؟» الذي تفسيره: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟ فقال قوم من الحاضرين لما سمعوا: «هوذا ينادي إيليا». فركض واحد وملأ إسفنجة خلا وجعلها على قصبة وسقاه قائلا: «اتركوا. لنر هل يأتي إيليا لينزله!» فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح. وانشق حجاب الهيكل إلى اثنين، من فوق إلى أسفل. ولما رأى قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح، قال: «حقا كان هذا الإنسان ابن الله!» وكانت أيضا نساء ينظرن من بعيد، بينهن مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب الصغير ويوسي، وسالومة، اللواتي أيضا تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل. وأخر كثيرات اللواتي صعدن معه إلى أورشليم". (مرقس 15: 34 - 41). "بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل، فلكي يتم الكتاب قال: «أنا عطشان». وكان إناء موضوعا مملوا خلا، فملأوا إسفنجة من الخل، ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه. فلما أخذ يسوع الخل قال: «قد أكمل». ونكس رأسه وأسلم الروح". (يوحنا 19: 28ـ 30)، وعندما قال المسيح أنه قد أكمل فقد أكمل أهم حوادث التاريخ البشري في كل العصور، ونادى يسوع بصوت عظيم وقال: "يا أبتاه، في يديك أستودع روحي». ولما قال هذا أسلم الروح ". (لوقا 23: 46).
"وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين، من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة". (متى 27: 51 - 53).
ومما تقدم يتضح أن كلا من الأناجيل السابقة - مرقس ويوحنا ولوقا ومتى - قد تحدثت عن إسلام المسيح لروحه؛ أي موت المسيح، فكيف تقولون إنه سيحيا حياة أبدية، أو كيف يقول إنجيلكم هذا الكلام وذاك، أي كيف يقرر أمرا وينفيه في نفس الوقت؟!
ولكن نجيبكم نحن فنقول إن عيسى - عليه السلام - رفعه الله - عز وجل - إليه، ولكن مآله الموت لقول الله تعالى على لسانه: (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا (33)) (مريم)، ولذلك فإن مسألة موت المسيح هي مسألة منتهية وأنه - عليه السلام - سيموت كسائر الخلق.
ثالثا. تفضيل الله - عز وجل - بعض الأنبياء على بعض:
إذا كان النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قد مات، والمسيح - عليه السلام - سيموت، بعدما ينزل إلى الأرض حكما بشريعة الإسلام ثم يموت، فالفارق حينئذ بينه وبين غيره هو طول الحياة وقصرها، ولو كان طول الحياة دليلا على الفضل والتفاضل لكان نوح - عليه السلام - أفضل من إبراهيم - عليه السلام - ولكان الكافر الأطول عمرا أفضل من المؤمن الأقصر منه عمرا، وهذا لا يكون.
ثم إن التفضيل ليس قضية اجتهادية بين العقلاء، وخاصة تفضيل بعض الأنيباء على بعض، فهذه مسألة تتوقف على الوحي ولا تؤخذ من العقل،
، قال سبحانه وتعالى:
(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض)
(البقرة: 253)
إن فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما ثبت له برسالته العالمية الخالدة، وبما أوتي من جوامع الكلم، وما اتصف به من مكارم الأخلاق:
(وإنك لعلى خلق عظيم (4))
(القلم)،
وأعباء الدعوة التي واجه بها لعالم كله، وكل قوى الكفر، وبجهاده المتواصل في سبيل الحق، وبالأثر الذي تركه على العالمين.
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له
وأنت أحييت أجيالا من الأمم
الخلاصة:
• إن المقصود من كلام عيسى عليه السلام: " أنا حي فأنتم ستحيون" أنهم سيحيون حياة هداية وتكريم، وليس المعنى أنهم سيحيون حياة حقيقية؛ لأنهم جميعا ماتوا وما بقي منهم أحد، فوجب أن يكون معنى الكلمة أنهم سيحيون حياة الاستقامة والهداية
كقوله سبحانه وتعالى:
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)
(الأنفال: 24)
والعبارات المجازية شائعة مترددة في نصوص الإنجيل.
• وكذلك لو فرضنا جدلا صحة كلامهم بأنه سيحيا حياة أبدية، فما قولهم في عقيدة الصلب التي تنص على أن المسيح أسلم روحه لله ومات، وهو ما ينافي ادعاء الحياة الأبدية؟!
• ثم إن التفضيل بين الأنبياء ليس قضية اجتهادية، وكذلك لو كان طول الحياة دليلا على الفضل والتفاضل لكان الكافر الأطول عمرا أفضل من المؤمن الأقصر منه عمرا، لكن التفضيل بين الأنبياء هو من فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده.
المراجع
- (*) النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام، أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1413هـ/ 1992م.