نص السؤال

الزعم أن سيدنا سليمان بن داود - عليه السلام - هو الذي بنى حائط المبكى

المصدر: شبهات المشككين في الإسلام

الجواب التفصيلي

الزعم أن سيدنا سليمان بن داود - عليه السلام - هو الذي بنى حائط المبكى (*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتوهمين أن سليمان - عليه السلام - هو الذي بنى حائط المبكى، وأن السور الذي بناه سليمان القانوني - السلطان العثماني - من بناء سيدنا سليمان بن داود - عليه السلام - ويهدفون من وراء ذلك إلى قلب الحقائق؛ من أجل إيجاد مكان لهم في التاريخ، وخاصة بفلسطين.

وجها إبطال الشبهة:

1)  لا وجود لما يسمى بحائط المبكى في كتب اليهود المقدسة، ولا في كتبهم التاريخية وتراثهم، ولا حتى في مراجعهم المعاصرة، وهو أكبر دليل على زيف هذه الدعوى، بل أثبتت المعلومات التاريخية الموثقة أنه حائط البراق.

2)  إن تاريخ ظهور مشكلة الحائط بين العرب واليهود، تاريخ حديث يعود لسنة 1929م عندما ظهرت انتفاضة البراق، وصدر حكم اللجنة الدولية بملكية المسلمين له، غير أن هزيمة العرب سنة 1948م سمحت بتجديد هذه الصيحة.

التفصيل:

أولا. لا وجود لما يسمى بـ "حائط المبكى" في كتب اليهود المقدسة ولا في كتبهم التاريخية وتراثهم، ولا حتى في مراجعهم المعاصرة، ولكنه حائط البراق:

إذا كانت اليهودية قائمة على أساطير في شعائرها وشرائعها؛ وطمس شرائع أنبيائها الحقة؛ فإن أسطورة الأساطير ما يسمونه بـ "حائط المبكى"، فلا وجود لهذا الحائط ولا أثر للبكاء عنده في كتبهم المقدسة مع تحريفها واختلاقها من عند أنفسهم، وهم يزعمون أن حائط المبكى هو جزء من الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف، وآخر أثر من آثار هيكل سليمان - عليه السلام - ولا أساس لهذا الزعم من الدين، ولا من التاريخ، ولا من القانون، أما دينهم فعلى الرغم من تحريفه فليس في طقوسهم البكاء عند حائط يسمى حائط المبكى.

وأما التاريخ فالهيكل المزعوم تعرض للهدم أربع مرات، آخرها على يد الرومان عام 70م، فما الذي يمكن أن يبقى من أطلاله بعد أن يهدم ويبنى أربع مرات؟!

أما الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف فالجميع يعرفه بأنه حائط البراق، فمنذ حادثة الإسراء عرف أهل القدس سواء بالتواتر أم بالتوارث أنه يوجد مكان في الحائط الغربي في الحرم القدسي يسمى البراق، وتعود هذه التسمية إلى ما ذكرته مصادر إسلامية من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أسري به إلى المسجد الأقصى عن طريق دابة تسمى البراق، فلما وصل المسجد الأقصى ربط البراق في مكان بالحائط الغربي في الحلقة التي يربط فيها الأنبياء من قبل، ثم صلى بالأنبياء، ثم عرج به من هناك إلى السماوات العلا.

ومن يتابع التاريخ العثماني فسوف يجد عددا من السلاطين العثمانيين أحسنوا معاملة اليهود قبل ظهور أهدافهم الصهيونية، فقد سمح لهم السلطان محمد الفاتح (855: 886هـ/ 1451: 1481م) بالاستقرار في إستانبول، وعندما طرد اليهود من إسبانيا عام 898هـ/ 1493م أصدر السلطان بايزيد الثاني (886: 918هـ/ 1481: 1512م) أمرا يقضي بحسن معاملتهم.

 وهكذا أصبحت فلسطين وممتلكات الدولة العثمانية في أوائل القرن السادس عشر ملجأ لليهود المطرودين من إسبانيا والبرتغال، أو الهاربين من أوربا.

وخلال حكم السلطان سليمان القانوني (926: 974هـ/ 1519: 1566م) شهدت الدولة العثمانية صحوة حضارية كبيرة، واستفادت مدينة القدس - وبيت المقدس بصفة خاصة - من جهوده الإصلاحية، فقد أمر بإعادة بناء أسوار المدينة، وبلغ طول السور الذي ما زال قائما حتى اليوم ميلين، وارتفاعه حوالي أربعين قدما، ودعا السلطان رعاياه إلى الإقامة في بيت المقدس خاصة اللاجئين اليهود، وقد صدر منذ سنوات كتاب هام عن القدس لمؤلفة أمريكية تذكر فيه أن اليهود لم يظهروا في الماضي أي اهتمام بذلك الجزء من الحائط، وأن المكان في عهد هيرودوس - بعد أن أعيد بناء الهيكل للمرة الثانية - كان جزءا من مركز تجاري، ولم تكن له أهمية دينية، وأن اليهود كانوا يتجمعون للصلاة على جبل الزيتون، وعند بوابات الحرم، وأنهم عندما منعوا من دخول المدينة في أثناء الحروب الصليبية كانوا يصلون عند الحائط الشرقي للحرم، وتضيف المؤلفة الأمريكية أن سليمان القانوني هو الذي أصدر فرمانا يسمح بمكان لليهود للصلاة عند الحائط الغربي، ويقال: إن سنان باشا مهندس البلاط الكبير هو الذي قام بتخطيط الموقع وبالحفر؛ كي يبيح للحائط انتفاعا أكبر، وقام ببناء حائط مواز له يفصل مصلى لليهود عن حي المغاربة الذي يعتبر وقفا إسلاميا من آخر القرن 13م، وسرعان ما أصبحت المنطقة مركز الحياة الدينية ليهود القدس، ويضيف المصدر أنه لم تكن تقام هناك بعد طقوس رسمية للعبادة، غير أن اليهود كانوا يحبون قضاء فترة ما بعد الظهيرة هناك، يقرءون المزامير، ويقبلون الأحجار، وسرعان ما اكتنف الحائط الغربي أساطير كثيرة، فقد تم ربط الحائط بأقاويل من التلمود تخص الحائط الغربي للهيكل - يلاحظ أن هيكل سليمان تم بناؤه وهدمه أربع مرات، وأنهم التقطوا اسم سليمان القانوني، الذي أعاد بناء السور لينسبوه إلى الملك سليمان - صلى الله عليه وسلم - وهكذا أصبح الهيكل رمزا لليهود، وأصبحوا يشرعون بتواصلهم مع الأجيال الماضية، وبمجدهم الذي ولى.

ومن الواضح أن ما ذكرته المؤلفة الأمريكية من أن سليمان القانوني هو الذي سمح لليهود بمكان للصلاة عند الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف قد حدث فعلا، حيث ورد في بحث مقدم من روحي الخطيب - أمين القدس السابق - إلى مؤتمر حماية المقدسات والتراث الإسلامي في فلسطين نص أخذه من الموسوعة اليهودية الصادرة في القدس عام 1971م يقول هذا النص: "إن الحائط الغربي أصبح جزءا من التقاليد الدينية اليهودية حوالى سنة 1530م؛ نتيجة الهجرة اليهودية من إسبانيا وبعد الفتح العثماني سنة 1571م".

ويعني ما ورد في المرجعين الأمريكي واليهودي أن العثمانيين - في عهد السلطان سليمان القانوني - هم الذين منحوا اليهود حق التعبد والصلاة عند حائط البراق أو الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف من قبيل التسامح الديني مع اليهود، بعد طردهم من إسبانيا بعد الفتح العثماني للقدس سنة 1571م.

ويدعم هذه الحقيقة نص ورد في تقرير اللجنة الدولية لتحديد الحقوق والادعاءات بشأن الحائط، حيث ذكر أنه وردت إشارة لأحد الباحثين في سنة 1635م تتحدث عن إقامة صلوات منظمة عند الحائط لأول مرة.

وخلال الحكم المصري للشام (1831: 1840م) كان يسمح لليهود بالاقتراب من الحائط والبكاء عنده مقابل 30 جنيها إنجليزيا، كانوا يسددونها سنويا لوكيل وقف أبي مدين.

ووقف أبي مدين هذا أرض مجاورة للحائط الغربي من المسجد الأقصى، وقفها الملك الأفضل بن صلاح الدين عام 1193م على الحجاج المغاربة، حيث تم بناء منازل لهم فيها عرفت باسم "حي المغاربة"، ثم أطلق عليها فيما بعد اسم "أبي مدين الغوث"، وتم توثيق الوقفية عام 1630م. لكن إبراهيم باشا أصدر مرسوما في مايو 1840م حظر فيه على اليهود تبليط الممر الكائن أمام الحائط، وسمح لهم بزيارته فقط على الوجه القديم.

ورغم موقف السلطان عبد الحميد الثاني (1876: 1909م) من عدم الموافقة على هجرة اليهود إلى فلسطين، فإنه بالنسبة لليهود المقيمين في فلسطين أصدر - عام 1889م - فرمانا يمنع فيه التعرض للأماكن التي يؤدي فيها اليهود طقوسهم في أثناء الزيارة؛ مما يعني التسامح مع اليهود الذين يتمتعون بالجنسية العثمانية[1].

وقد ورد في مؤلفات مختلفة معاصرة أن السياح الذين زاروا الأرض المقدسة - خاصة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادىين - ذكروا أن اليهود استمر ذهابهم إلى الحائط وجواره؛ لتقديم تضرعاتهم.

أما بالنسبة لما تذكره المصادر اليهودية من علاقة اليهود بالحائط بعد هدمه، فتروي أن اليهود اعتادوا بعد خرابه للمرة الثانية الذهاب إلى أطلاله، لكنها لم تشر إلى البكاء عند الأطلال، كما يذكر عدد من المؤرخين اليهود في القرنين العاشر والحادي عشر الميلادىين أن اليهود كانوا يذهبون إلى الحائط لإقامة شعائرهم الدينية خلال الحكم العربي، وأنه في الطور الأخير من احتلال القدس كان اليهود يقيمون صلاتهم الدائمة عند الحائط، فالمصادر اليهودية وحدها هي التي ذكرت ذلك، وليس هناك أدلة ولا شواهد على صدق قولها.

ثانيا. كيف ظهرت مشكلة الحائط بين العرب واليهود؟ وكيف تطورت؟

عن ظهور مشكلة الحائط وتطورها أعد د. عادل حسن غنيم بحثا شافيا في ذلك؛ حيث قال: بدأت جذور المشكلة قبل الحرب العالمية الأولى عندما احتج متولي أوقاف "أبي مدين الغوث" في 13 تشرين الثاني 1337هـ/ 1911م على أفراد الطائفة اليهودية الذين جرت عادتهم بزيارة الحائط وقوفا، ثم أخذوا مؤخرا يجلبون معهم الكراسي؛ للجلوس عليها أثناء الزيارة، وطلب متولي الأوقاف منع القيام بذلك؛ تجنبا لادعاء اليهود في المستقبل ملكية المكان، وبناء على ذلك أصدر مجلس إدارة لواء القدس تعليمات تنظم زيارة اليهود للحائط، وتمنع جلب أي مقاعد أو ستائر عند الحائط.

ومنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، واعتمادا على تصريح بلفور الذي يعد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين؛ أخذ اليهود يسعون إلى تثبيت حقوق لهم واسعة في هذا المكان عن طريق تغيير الحالة الراهنة التي كان عليها الحائط قبل الحرب، حيث بدءوا تحركهم عام 1919م، بما قدموه من عرائض رسمية ونشروه من مقالات، ووصل الأمر إلى نشر صور لهيكل يهودي جديد مكان مسجد الصخرة، يعلوها العلم الصهيوني والكتابات العبرية، وأخذ اليهود يساومون على شراء المنطقة الوقفية الواسعة المحيطة بالحائط، وعرضوا أرقاما باهظة للشراء.

وعندما وقع صك الانتداب على فلسطين - الذي صدق عليه من قبل عصبة الأمم في 24 يوليو 1922م - تضمنت مواده - وعددها اثنتا عشرة مادة - عددا من المواد المتعلقة بالأماكن المقدسة، كان أهمها المادة 14 التي تنص على ما يأتي:

"تؤلف الدولة المنتدبة لجنة خاصة لدرس وتحديد الحقوق والادعاءات المتعلقة بالأماكن المقدسة، والحقوق والادعاءات المتعلقة بالطوائف الدينية المختلفة في فلسطين، وتعرض طريقة اختيار هذه اللجنة وقوامها، ووظائفها على مجلس عصبة الأمم لإقرارها، ولا تعين اللجنة ولا تقوم بوظائفها دون موافقة المجلس المذكور"، لكن هذه اللجنة لم تعين إلا عام 1930م، بعد أن أوصت لجنة التحقيق في أسباب انتفاضة البراق عام 1929م بسرعة تعيينها، وطوال السنوات 32، 33، 35، 36، 38 كان هناك محاولات يهودية لجلب مقاعد عند الحائط، لكنهم في عام 1938م، حاولوا استخدام خزانة، ومصابيح، وحصر، وستائر؛ للفصل بين الرجال والنساء، وأرسل مفتي فلسطين رسائل إلى حاكم القدس ينبهه إلى تلك المخالفات، وصدرت التعليمات من الإدارة المنتدبة في أكثر من موقف بمنع اليهود من جلب كراسي أو ستائر إلى الحائط، ولفترة تقرب من العام اعتبارا من سبتمبر 1938 حتى أغسطس 1939م، الذي حدثت فيه انتفاضة البراق، حيث حدثت مشادات واحتجاجات وتجاوزات كلامية وكتابية وسياسية بين العرب واليهود في فلسطين وخارجها، وشكلت لجنتان: إحداهما عربية للدفاع عن البراق، والأخرى يهودية للدفاع عن المبكى، ودعت لجنة الدفاع عن البراق لعقد مؤتمر إسلامي في أول نوفمبر 1938م، حيث احتج المؤتمر على أية محاولات تزعم وجود أي حق لليهود في مكان البراق، وشكل المؤتمر جمعية عرفت باسم "جمعية الأماكن الإسلامية المقدسة".

واستقر في أذهان المسلمين في ذلك الوقت أن اليهود يطمعون في الأماكن المقدسة، وأنهم ينوون الاستيلاء على المسجد الأقصى، ورغم تكرار نفي ذلك من قبل السلطة البريطانية، والمنظمات اليهودية المسئولة في فلسطين، فإن المسلمين في فلسطين لم يصدقوا ذلك، خاصة وهم يرون محاولات مستمرة من اليهود لتغيير الأوضاع المستقرة عند الحائط، وفي هذا الجو المتوتر صدرت قرارات المؤتمر الصهيوني السادس عشر الذي عقد في زيورخ في 28 يوليو إلى 11 أغسطس 1939م، والتي كان من أهمها المطالبة بفتح أبواب فلسطين على مصراعيها لليهود، وبذل الجهود لحمل الحكومة البريطانية على سحب كتابها الأبيض لعام 1938م، الذي اعترف بحقوق المسلمين في الأماكن المقدسة، كما عقد فور انتهاء المؤتمر الصهيوني أول اجتماع للوكالة اليهودية التي جمعت الصهاينة واليهود، وتابعت لجنة الدفاع اليهودية عن المبكى نداءاتها المقلقة لإثارة يهود العالم إلى أن يعاد إليهم حائط المبكى.

وأما على الجانب الإسلامي فلم تكن جمعية حراسة الأماكن المقدسة هادئة، فقد كانت تصدر البيانات تباعا، وكان لكل من الجمعية واللجنة دور مهم في تصاعد هذه الأحداث حتى انفجار الانتفاضة في 15 أغسطس 1939م، واشتعلت انتفاضة البراق عام 1939م، وخلال الشهر التالي للانتفاضة فكرت السلطة المنتدبة في تطبيق المبادئ التي وردت في الكتاب الأبيض عام 1938م، بشأن الحائط وأبلغت ذلك إلى رئاسة الحاخامات في 11 أكتوبر 1939م، غير أن هذه التعليمات لم ترض اليهود؛ لأنهم كانوا يحاولون الحصول على مزيد من الحقوق عند الحائط، ولم ترض العرب الذين كانت بعض هيئاتهم مثل جمعية حراس الأماكن المقدسة ترفض قبول المبادئ المقررة في الكتاب والتي تقول: إن للطائفة اليهودية حق التوجه إلى الحائط في جميع الأوقات لإقامة الشعائر.

ونتيجة للضغوط اليهودية أصدرت الحكومة البريطانية بيانا جديدا في أكتوبر 1939م يتضمن تراجعا عما جاء في كتابها الأبيض، لكن تهديد العرب بالإضراب العام جعل الحكومة تجمد الوضع على ما هو عليه؛ حتى يعاد تنظيم قوة الشرطة ويتم حماية المستعمرات اليهودية المكشوفة.

وفي 13 سبتمبر 1929م عين وزير المستعمرات البريطانية لجنة عرفت باسم "لجنة شوا"؛ للتحقيق في الأسباب المباشرة للانتفاضة، ووضع التدابير لمنع تكرارها، وكان من توصيات تلك اللجنة: اقتراح على عصبة الأمم بتشكيل لجنة لتحديد الحقوق والادعاءات بشأن الحائط، ووافق مجلس عصبة الأمم على تشكيلها، وهي لجنة دولية محايدة على أعلى مستوى قضائي وتحكيمي، وبعد أكثر من خمسة أشهر من بدء جلسات اللجنة الدولية في القدس، وبعد أن استمعت إلى ممثلي العرب واليهود، واطلعت على كل الوثائق التي تقدم بها الطرفان وزارت كل الأماكن المقدسة في فلسطين، عقدت اللجنة جلستها الختامية في باريس من 28 نوفمبر إلى 1 ديسمبر 1930م، حيث انتهت اللجنة إلى قرارها الذي استهلته بالفقرة التالية: "للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه؛ لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف، التي هي من أملاك الوقف، وللمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المنطقة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط؛ لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير".

إن أدوات العبادة وغيرها من الأدوات التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط، لا يجوز بحال من الأحوال السماح بها أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له.

ومن قرارات اللجنة: "منع جلب المقاعد، والحصر، والكراسي، والستائر، والحواجز، والخيام، وعدم السماح لليهود بنفخ البوق قرب الحائط".

وقد وضعت أحكام هذا الأمر موضع التنفيذ اعتبارا من 8 يونيو 1931م، وأصدرت الحكومة البريطانية كتابا أبيض عن الموضوع اعترف بملكية المسلمين للمكان وتصرفهم فيه.

وقد حمل كل من الحكم الدولي والكتاب الأبيض اليهود على التزام حدودهم، ولم يلبث أن خفت صوت اليهود ظاهريا إزاء مشكلة الحائط. وعلى كل، فقد كانت قضية النزاع حول الحائط مقدمة للنزاع الكبير على ملكية فلسطين؛ إذ إن اليهود يطالبون بهذه البلاد لتجديد مملكتهم القديمة فيها، ويبنون حقوقهم في مشروع الوطن القومي على هذه الحجة، وهذا الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف هو في اعتقادهم جزء من هيكل سليمان الذي كان أقدس مكان بتلك المملكة.

فإذا كانوا قد خسروا دعواهم باعتبار أن الملكيات القديمة لا تلغي ملكية جديدة مشروعة مكتسبة بالحق، وبالطرق القانونية التي مر عليها مئات السنين؛ فلا شك في بطلان دعواهم استعادة امتلاك البلاد من الناحية القانونية.

وإذا كان هذا الحكم الدولي الصادر من لجنة محايدة شكلت على أعلى المستويات التحكيمية في العالم، فهو كاف من الناحية القانونية لأن نقول: إن الحائط الغربي للمسجد الأقصى هو حائط البراق، وليس حائط المبكى، وإنه ملك للمسلمين[2].

 يقول د. عادل حسن غنيم: لا أكتفي بهذا الحكم، بل أقدم عددا من الشواهد والأدلة والقرائن على أن هذا الحائط هو حائط البراق، وليس حائط المبكى:

1.  تذكر اللجنة الدولية في تقريرها أن الحجارة الضخمة الكبيرة الكائنة في أسفل الحائط وعلى الأخص المداميك الستة المنحوتة يرجع عهدها حسب رأي أغلب علماء الآثار إلى زمن الهيكل الثاني الذي أعيد بناؤه، وأنه يعلوها ثلاثة مداميك من الحجارة غير المنحوتة يرجح أنها من بقايا العصر الروماني، ويعني ما ذكرته اللجنة - اعتمادا على علماء الآثار - أنه ليس هناك في الحائط الغربي للحرم الشريف أي أثر من بقايا هيكل سليمان عليه السلام.

2.  يؤكد مرجع أثري هام مؤلفه عالم أمريكي كبير - كان مدير الهيئة المدرسية الأمريكية للبحوث الشرقية في القدس، ورئيسا لعدة بعثات أثرية، وعضوا في عدة أكاديميات عالمية - أن أبنية هيرودوس في أورشليم قد محت محوا تاما كل أثر للمباني السابقة لها، لدرجة لم يستطع معها الأثريون العثور على معالم مؤكدة من هيكل سليمان عليه السلام.

ويضيف هذا العالم الأمريكي أنه من المؤكد أن هيكل سليمان - عليه السلام - لم يصمم ليكون مركزا لحج حشود من الناس، وأنه لم يكن هناك داع في عهد سليمان - عليه السلام - لإقامة مبنى ضخم كما هو الحال في عهد هيرودوس، حيث إن بنائي هيرودوس قد نزلوا حتى الصخر الطبيعي؛ ليكون لهم الأساس الذي يتحمل ثقلا جبارا.

ولعل هذا يفسر لنا أنه رغم قيام سلطات الاحتلال منذ عام 1967م بالحفر في مناطق مختلفة أسفل ساحة الحرم ومساجدها واستمروا في الحفر حتى الآن، لم يجدوا أية إشارة واضحة إلى وجود أساسات لهيكل سليمان.

3.  إن اليهود لم يدعوا أمام اللجنة الدولية ملكية الحائط، ولا ملكية الرصيف الكائن أمامه، لكن اللجنة هي التي رأت أن من واجبها التحقيق في مسألة الملكية قانونا.

إن كل ما طالب به ممثلو اليهود أمام اللجنة هو الاعتراف بحقهم في الدعاء أمام الحائط، وحقهم في السلوك إليه وفقا لطقوسهم وشعائرهم الدينية دون مداخلة أو ممانعة، وأن يكون من حق رئاستهم الدينية في فلسطين وضع أية أنظمة ضرورية للقيام بهذه التضرعات والصلوات.

4.  بمراجعة وثيقتين أساسيتين معاصرتين عن الحركة الصهيونية لم أجد كلمة واحدة عن حائط المبكى؛ الأولى: هي كتاب "الدولة اليهودية" لتيودور هرتزل الذي يتحدث فيه بالتفصيل عن الدولة اليهودية المرتقبة، والثانية: نص يتعلق بفلسطين والصهيونية في تقرير لجنة كنج كرين الأمريكية المؤرخ في 28 أغسطس 1919م، وهي اللجنة التي أرسلتها الحكومة الأمريكية للتعرف على حقائق تدور في المشرق العربي قبل اتخاذ قرار بشأن مستقبل المنطقة، وقد استمعت اللجنة لمطالب المسلمين واليهود، حيث تحدث اليهود بشكل مفصل عن برنامجهم الصهيوني.

فإذا كان الصهاينة لم يتحدثوا في أي من الوثيقتين عن حائط المبكى أو يطالبوا بملكيته، فكيف نسمح لأنفسنا بترديد عبارة لم يذكروها في وثائقهم؟ ولو كان الأمر أساسيا بالنسبة لهم ما فاتتهم الإشارة إلى هذا الحائط ضمن خططهم وبرامجهم.

5.  في محاولة من د. عادل حسن غنيم لتقصي الأمر ومحاولة العثور على شواهد وأدلة تساعدنا على الوصول للحقيقة قام بمناقشة أستاذين كبيرين من أساتذة اللغة العبرية وهما: د. رشاد الشامي، د. إبراهيم البحراوي حول استخدام عبارة "حائط المبكى" في المراجع العبرية، فأكدا أن اليهود لا يستخدمون في مراجعهم هذه العبارة، وإنما يستخدمون عبارة "الحائط الغربي" - هاكونيل همعرافي - باعتبارها أكثر دلالة على حائط المبكى؛ لأنها تعني بالنسبة لهم أن جزءا من الحائط هو بقايا هيكلهم، واهتماما منهما ببحث الموضوع تم الرجوع إلى الموسوعة العبرية الموجودة بمكتبة كلية الآداب جامعة عين شمس، حيث تبين أن الموسوعة تشير أيضا إلى "الحائط الغربي" ولم تشر إلى عبارة "حائط المبكى"، وأضافت الموسوعة أنه بمرور السنين استخدم اليهود ذلك الجزء من السور مكانا للصلاة، وأصبح مقدسا في وعي الأمة كمكان للتوحد الديني مع ذكر مجد إسرائيل من جهة، وذكرى خراب الهيكل من ناحية أخرى، وبالرجوع إلى القاموس العربي العبري الذي أصدرته وزارة الدفاع الإسرائيلية عام 1977م، ط5، تبين أنه كتب أمام العبارة العبرية "كوتيل هدماعوت" عبارة: "حائط الدموع" باللغة العربية، ولم يستخدم القاموس عبارة "حائط المبكى".

فإذا كانت اللجنة الدولية قد أصدرت حكما بملكية المسلمين للحائط. وإذا كان معظم علماء الآثار قد أكدوا أنه ليس في الحائط الغربي للحرم الشريف أي آثار أو حجارة من بقايا هيكل سليمان، وإذا كان اليهود لم يدعوا أمام اللجنة الدولية ملكيتهم للحائط، وإذا كانت بعض الوثائق الأمريكية، واليهودية المهمة لم تشر بكلمة واحدة إلى حائط المبكى، وإذا كان أساتذة العبريات يؤكدون أن اليهود لا يستخدمون في مراجعهم المعاصرة "حائط المبكى"، بل يسمونه الحائط الغربي؛ فمن أين أتى الإعلام الغربي بعبارة "حائط المبكى"؟!

إن هذه العبارة لم نجد استخداما لها إلا في عام 1929م، قبل انتفاضة البراق وخلالها بواسطة البيانات التي كانت تذيعها لجنة الدفاع اليهودية عن المبكى، ثم توقف استخدام تلك العبارة بعد انتهاء انتفاضة البراق، وصدر حكم اللجنة الدولية بملكية المسلمين للحائط، ولم أجد استخداما لهذه الكلمة منذ انتفاضة البراق حتى الهزيمة العربية عام 1967م، حيث شاع منذ ذلك الحين استخدام هذه العبارة حتى الآن، فما مصدر هذا الاستخدام؟

يعتقد أن مخططي الإعلام الغربي والصهيوني قد نجحوا في إدخال مثل هذه العبارات في عقولنا وألسنتنا عن طريق ما ترسله وكالات الأنباء من أخبار وصور، كما أن استخدام هذه العبارات على لسان بعض الكتاب العرب، الذين زاروا القدس والحائط منذ أواخر السبعينات قد ساعد على إشاعة هذه العبارة بين فصائل الرأي العام العربي.

وإذا كان من حق اليهود أن يطلقوا على الحائط ما يشاءون من أسماء، وأن يذرفوا ما يشاءون من دموع، أليس من حق العرب والمسلمين أن يطلقوا على الحائط عبارة حائط البراق؟! وهي التسمية التي يؤيدها التاريخ، والتراث، والقانون الدولي.

وإذا كان الصهاينة والإعلام الغربي - الذي يساندهم - قد نجحا في نقل مصطلحاتهما إلى عقل المواطن العربي، ألا يجعلنا ذلك نزداد تتبعا ووعيا وإدراكا لما يحيط بنا من تحديات؟!

إن القضية ليست مجرد شكليات أو ألفاظ عابرة، لكنها أعمق من ذلك بكثير؛ لأن اهتمام اليهود بهذا الحائط ليس سوى ذريعة لتدعيم مزاعمهم، فهم يتخذونه غطاء دينيا لاغتصاب القدس العربية الإسلامية، ومبررا لاستثارة مشاعر اليهود وعواطفهم[3].

الخلاصة:

·       لا وجود لما يسمى بحائط المبكى في كتب اليهود المقدسة، ولا في كتبهم التاريخية وتراثهم، ولا حتى في مراجعهم المعاصرة.

·       لم يبق لهيكل سليمان - عليه السلام - الذي يزعمون أن حائط المبكى جزء منه وجود ولا أثر، بعد أن هدم أربع مرات آخرها عام 70م.

·       أثبتت المصادر والوثائق اليهودية والأمريكية عدم وجود أي أثر لهيكل سليمان - عليه السلام - وبالتالي لما يسمى بحائط المبكى.

·       قضت المحكمة الدولية التي شكلتها عصبة الأمم بملكية المسلمين لحائط البراق وما حوله، وما جاوره من أوقاف.

·       لم يدع اليهود أنفسهم وهم يقدمون دعواهم لهذه اللجنة ملكية هذا الحائط، وإنما طالبوا بتمكينهم من إقامة طقوسهم عنده.

·       الحائط الغربي الذي يضم حائط البراق وليس حائط المبكى جدد على يد سليمان القانوني العثماني، ومنذ العهد العثماني سمح لليهود بأداء بعض شعائرهم عند الحائط الغربي.

·       بدأت فكرة حائط المبكى والبكاء عنده منذ انتفاضة البراق عام 1929م، واختفت عقب صدور حكم اللجنة الدولية بملكية المسلمين له، وتقرير اللجنة الأمريكية، ومرسوم ملكي بريطاني بذلك، وجددت هذه الصيحة بعد هزيمة العرب عام 1967م.

·       نجاح الإعلام الغربي في نقل المصطلحات الصهيونية واليهودية إلى المواطن العربي، والسيطرة على ثقافته الإعلامية عن قضية الحائط، ومن هنا يجب علينا التمسك بتراثنا المقدس، ومصطلحاتنا العربية والإسلامية.

المراجع

  1. (*) بنو إسرائيل من التاريخ القديم وحتى الوقت الحاضر، د. محمد الحسيني إسماعيل، مكتبة وهبة، القاهرة، 1422هـ/ 2002م.
  2.  مؤتمر حماية المقدسات والتراث الإسلامي، روحي الخطيب، د. م، د. م، د. ت. الموسوعة اليهودية الصادرة في القدس، 1971م. 
  3.  انظر: حائط البراق وليس حائط المبكى، د. عادل حسن غنيم، مجلة رؤية، السلطة الفلسطينية، د. ت.
  4.  حائط البراق وليس حائط المبكى، د. عادل حسن غنيم، مجلة رؤية، السلطة الفلسطينية، د. ت.

الجواب التفصيلي

الزعم أن سيدنا سليمان بن داود - عليه السلام - هو الذي بنى حائط المبكى (*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتوهمين أن سليمان - عليه السلام - هو الذي بنى حائط المبكى، وأن السور الذي بناه سليمان القانوني - السلطان العثماني - من بناء سيدنا سليمان بن داود - عليه السلام - ويهدفون من وراء ذلك إلى قلب الحقائق؛ من أجل إيجاد مكان لهم في التاريخ، وخاصة بفلسطين.

وجها إبطال الشبهة:

1)  لا وجود لما يسمى بحائط المبكى في كتب اليهود المقدسة، ولا في كتبهم التاريخية وتراثهم، ولا حتى في مراجعهم المعاصرة، وهو أكبر دليل على زيف هذه الدعوى، بل أثبتت المعلومات التاريخية الموثقة أنه حائط البراق.

2)  إن تاريخ ظهور مشكلة الحائط بين العرب واليهود، تاريخ حديث يعود لسنة 1929م عندما ظهرت انتفاضة البراق، وصدر حكم اللجنة الدولية بملكية المسلمين له، غير أن هزيمة العرب سنة 1948م سمحت بتجديد هذه الصيحة.

التفصيل:

أولا. لا وجود لما يسمى بـ "حائط المبكى" في كتب اليهود المقدسة ولا في كتبهم التاريخية وتراثهم، ولا حتى في مراجعهم المعاصرة، ولكنه حائط البراق:

إذا كانت اليهودية قائمة على أساطير في شعائرها وشرائعها؛ وطمس شرائع أنبيائها الحقة؛ فإن أسطورة الأساطير ما يسمونه بـ "حائط المبكى"، فلا وجود لهذا الحائط ولا أثر للبكاء عنده في كتبهم المقدسة مع تحريفها واختلاقها من عند أنفسهم، وهم يزعمون أن حائط المبكى هو جزء من الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف، وآخر أثر من آثار هيكل سليمان - عليه السلام - ولا أساس لهذا الزعم من الدين، ولا من التاريخ، ولا من القانون، أما دينهم فعلى الرغم من تحريفه فليس في طقوسهم البكاء عند حائط يسمى حائط المبكى.

وأما التاريخ فالهيكل المزعوم تعرض للهدم أربع مرات، آخرها على يد الرومان عام 70م، فما الذي يمكن أن يبقى من أطلاله بعد أن يهدم ويبنى أربع مرات؟!

أما الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف فالجميع يعرفه بأنه حائط البراق، فمنذ حادثة الإسراء عرف أهل القدس سواء بالتواتر أم بالتوارث أنه يوجد مكان في الحائط الغربي في الحرم القدسي يسمى البراق، وتعود هذه التسمية إلى ما ذكرته مصادر إسلامية من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أسري به إلى المسجد الأقصى عن طريق دابة تسمى البراق، فلما وصل المسجد الأقصى ربط البراق في مكان بالحائط الغربي في الحلقة التي يربط فيها الأنبياء من قبل، ثم صلى بالأنبياء، ثم عرج به من هناك إلى السماوات العلا.

ومن يتابع التاريخ العثماني فسوف يجد عددا من السلاطين العثمانيين أحسنوا معاملة اليهود قبل ظهور أهدافهم الصهيونية، فقد سمح لهم السلطان محمد الفاتح (855: 886هـ/ 1451: 1481م) بالاستقرار في إستانبول، وعندما طرد اليهود من إسبانيا عام 898هـ/ 1493م أصدر السلطان بايزيد الثاني (886: 918هـ/ 1481: 1512م) أمرا يقضي بحسن معاملتهم.

 وهكذا أصبحت فلسطين وممتلكات الدولة العثمانية في أوائل القرن السادس عشر ملجأ لليهود المطرودين من إسبانيا والبرتغال، أو الهاربين من أوربا.

وخلال حكم السلطان سليمان القانوني (926: 974هـ/ 1519: 1566م) شهدت الدولة العثمانية صحوة حضارية كبيرة، واستفادت مدينة القدس - وبيت المقدس بصفة خاصة - من جهوده الإصلاحية، فقد أمر بإعادة بناء أسوار المدينة، وبلغ طول السور الذي ما زال قائما حتى اليوم ميلين، وارتفاعه حوالي أربعين قدما، ودعا السلطان رعاياه إلى الإقامة في بيت المقدس خاصة اللاجئين اليهود، وقد صدر منذ سنوات كتاب هام عن القدس لمؤلفة أمريكية تذكر فيه أن اليهود لم يظهروا في الماضي أي اهتمام بذلك الجزء من الحائط، وأن المكان في عهد هيرودوس - بعد أن أعيد بناء الهيكل للمرة الثانية - كان جزءا من مركز تجاري، ولم تكن له أهمية دينية، وأن اليهود كانوا يتجمعون للصلاة على جبل الزيتون، وعند بوابات الحرم، وأنهم عندما منعوا من دخول المدينة في أثناء الحروب الصليبية كانوا يصلون عند الحائط الشرقي للحرم، وتضيف المؤلفة الأمريكية أن سليمان القانوني هو الذي أصدر فرمانا يسمح بمكان لليهود للصلاة عند الحائط الغربي، ويقال: إن سنان باشا مهندس البلاط الكبير هو الذي قام بتخطيط الموقع وبالحفر؛ كي يبيح للحائط انتفاعا أكبر، وقام ببناء حائط مواز له يفصل مصلى لليهود عن حي المغاربة الذي يعتبر وقفا إسلاميا من آخر القرن 13م، وسرعان ما أصبحت المنطقة مركز الحياة الدينية ليهود القدس، ويضيف المصدر أنه لم تكن تقام هناك بعد طقوس رسمية للعبادة، غير أن اليهود كانوا يحبون قضاء فترة ما بعد الظهيرة هناك، يقرءون المزامير، ويقبلون الأحجار، وسرعان ما اكتنف الحائط الغربي أساطير كثيرة، فقد تم ربط الحائط بأقاويل من التلمود تخص الحائط الغربي للهيكل - يلاحظ أن هيكل سليمان تم بناؤه وهدمه أربع مرات، وأنهم التقطوا اسم سليمان القانوني، الذي أعاد بناء السور لينسبوه إلى الملك سليمان - صلى الله عليه وسلم - وهكذا أصبح الهيكل رمزا لليهود، وأصبحوا يشرعون بتواصلهم مع الأجيال الماضية، وبمجدهم الذي ولى.

ومن الواضح أن ما ذكرته المؤلفة الأمريكية من أن سليمان القانوني هو الذي سمح لليهود بمكان للصلاة عند الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف قد حدث فعلا، حيث ورد في بحث مقدم من روحي الخطيب - أمين القدس السابق - إلى مؤتمر حماية المقدسات والتراث الإسلامي في فلسطين نص أخذه من الموسوعة اليهودية الصادرة في القدس عام 1971م يقول هذا النص: "إن الحائط الغربي أصبح جزءا من التقاليد الدينية اليهودية حوالى سنة 1530م؛ نتيجة الهجرة اليهودية من إسبانيا وبعد الفتح العثماني سنة 1571م".

ويعني ما ورد في المرجعين الأمريكي واليهودي أن العثمانيين - في عهد السلطان سليمان القانوني - هم الذين منحوا اليهود حق التعبد والصلاة عند حائط البراق أو الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف من قبيل التسامح الديني مع اليهود، بعد طردهم من إسبانيا بعد الفتح العثماني للقدس سنة 1571م.

ويدعم هذه الحقيقة نص ورد في تقرير اللجنة الدولية لتحديد الحقوق والادعاءات بشأن الحائط، حيث ذكر أنه وردت إشارة لأحد الباحثين في سنة 1635م تتحدث عن إقامة صلوات منظمة عند الحائط لأول مرة.

وخلال الحكم المصري للشام (1831: 1840م) كان يسمح لليهود بالاقتراب من الحائط والبكاء عنده مقابل 30 جنيها إنجليزيا، كانوا يسددونها سنويا لوكيل وقف أبي مدين.

ووقف أبي مدين هذا أرض مجاورة للحائط الغربي من المسجد الأقصى، وقفها الملك الأفضل بن صلاح الدين عام 1193م على الحجاج المغاربة، حيث تم بناء منازل لهم فيها عرفت باسم "حي المغاربة"، ثم أطلق عليها فيما بعد اسم "أبي مدين الغوث"، وتم توثيق الوقفية عام 1630م. لكن إبراهيم باشا أصدر مرسوما في مايو 1840م حظر فيه على اليهود تبليط الممر الكائن أمام الحائط، وسمح لهم بزيارته فقط على الوجه القديم.

ورغم موقف السلطان عبد الحميد الثاني (1876: 1909م) من عدم الموافقة على هجرة اليهود إلى فلسطين، فإنه بالنسبة لليهود المقيمين في فلسطين أصدر - عام 1889م - فرمانا يمنع فيه التعرض للأماكن التي يؤدي فيها اليهود طقوسهم في أثناء الزيارة؛ مما يعني التسامح مع اليهود الذين يتمتعون بالجنسية العثمانية[1].

وقد ورد في مؤلفات مختلفة معاصرة أن السياح الذين زاروا الأرض المقدسة - خاصة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادىين - ذكروا أن اليهود استمر ذهابهم إلى الحائط وجواره؛ لتقديم تضرعاتهم.

أما بالنسبة لما تذكره المصادر اليهودية من علاقة اليهود بالحائط بعد هدمه، فتروي أن اليهود اعتادوا بعد خرابه للمرة الثانية الذهاب إلى أطلاله، لكنها لم تشر إلى البكاء عند الأطلال، كما يذكر عدد من المؤرخين اليهود في القرنين العاشر والحادي عشر الميلادىين أن اليهود كانوا يذهبون إلى الحائط لإقامة شعائرهم الدينية خلال الحكم العربي، وأنه في الطور الأخير من احتلال القدس كان اليهود يقيمون صلاتهم الدائمة عند الحائط، فالمصادر اليهودية وحدها هي التي ذكرت ذلك، وليس هناك أدلة ولا شواهد على صدق قولها.

ثانيا. كيف ظهرت مشكلة الحائط بين العرب واليهود؟ وكيف تطورت؟

عن ظهور مشكلة الحائط وتطورها أعد د. عادل حسن غنيم بحثا شافيا في ذلك؛ حيث قال: بدأت جذور المشكلة قبل الحرب العالمية الأولى عندما احتج متولي أوقاف "أبي مدين الغوث" في 13 تشرين الثاني 1337هـ/ 1911م على أفراد الطائفة اليهودية الذين جرت عادتهم بزيارة الحائط وقوفا، ثم أخذوا مؤخرا يجلبون معهم الكراسي؛ للجلوس عليها أثناء الزيارة، وطلب متولي الأوقاف منع القيام بذلك؛ تجنبا لادعاء اليهود في المستقبل ملكية المكان، وبناء على ذلك أصدر مجلس إدارة لواء القدس تعليمات تنظم زيارة اليهود للحائط، وتمنع جلب أي مقاعد أو ستائر عند الحائط.

ومنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، واعتمادا على تصريح بلفور الذي يعد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين؛ أخذ اليهود يسعون إلى تثبيت حقوق لهم واسعة في هذا المكان عن طريق تغيير الحالة الراهنة التي كان عليها الحائط قبل الحرب، حيث بدءوا تحركهم عام 1919م، بما قدموه من عرائض رسمية ونشروه من مقالات، ووصل الأمر إلى نشر صور لهيكل يهودي جديد مكان مسجد الصخرة، يعلوها العلم الصهيوني والكتابات العبرية، وأخذ اليهود يساومون على شراء المنطقة الوقفية الواسعة المحيطة بالحائط، وعرضوا أرقاما باهظة للشراء.

وعندما وقع صك الانتداب على فلسطين - الذي صدق عليه من قبل عصبة الأمم في 24 يوليو 1922م - تضمنت مواده - وعددها اثنتا عشرة مادة - عددا من المواد المتعلقة بالأماكن المقدسة، كان أهمها المادة 14 التي تنص على ما يأتي:

"تؤلف الدولة المنتدبة لجنة خاصة لدرس وتحديد الحقوق والادعاءات المتعلقة بالأماكن المقدسة، والحقوق والادعاءات المتعلقة بالطوائف الدينية المختلفة في فلسطين، وتعرض طريقة اختيار هذه اللجنة وقوامها، ووظائفها على مجلس عصبة الأمم لإقرارها، ولا تعين اللجنة ولا تقوم بوظائفها دون موافقة المجلس المذكور"، لكن هذه اللجنة لم تعين إلا عام 1930م، بعد أن أوصت لجنة التحقيق في أسباب انتفاضة البراق عام 1929م بسرعة تعيينها، وطوال السنوات 32، 33، 35، 36، 38 كان هناك محاولات يهودية لجلب مقاعد عند الحائط، لكنهم في عام 1938م، حاولوا استخدام خزانة، ومصابيح، وحصر، وستائر؛ للفصل بين الرجال والنساء، وأرسل مفتي فلسطين رسائل إلى حاكم القدس ينبهه إلى تلك المخالفات، وصدرت التعليمات من الإدارة المنتدبة في أكثر من موقف بمنع اليهود من جلب كراسي أو ستائر إلى الحائط، ولفترة تقرب من العام اعتبارا من سبتمبر 1938 حتى أغسطس 1939م، الذي حدثت فيه انتفاضة البراق، حيث حدثت مشادات واحتجاجات وتجاوزات كلامية وكتابية وسياسية بين العرب واليهود في فلسطين وخارجها، وشكلت لجنتان: إحداهما عربية للدفاع عن البراق، والأخرى يهودية للدفاع عن المبكى، ودعت لجنة الدفاع عن البراق لعقد مؤتمر إسلامي في أول نوفمبر 1938م، حيث احتج المؤتمر على أية محاولات تزعم وجود أي حق لليهود في مكان البراق، وشكل المؤتمر جمعية عرفت باسم "جمعية الأماكن الإسلامية المقدسة".

واستقر في أذهان المسلمين في ذلك الوقت أن اليهود يطمعون في الأماكن المقدسة، وأنهم ينوون الاستيلاء على المسجد الأقصى، ورغم تكرار نفي ذلك من قبل السلطة البريطانية، والمنظمات اليهودية المسئولة في فلسطين، فإن المسلمين في فلسطين لم يصدقوا ذلك، خاصة وهم يرون محاولات مستمرة من اليهود لتغيير الأوضاع المستقرة عند الحائط، وفي هذا الجو المتوتر صدرت قرارات المؤتمر الصهيوني السادس عشر الذي عقد في زيورخ في 28 يوليو إلى 11 أغسطس 1939م، والتي كان من أهمها المطالبة بفتح أبواب فلسطين على مصراعيها لليهود، وبذل الجهود لحمل الحكومة البريطانية على سحب كتابها الأبيض لعام 1938م، الذي اعترف بحقوق المسلمين في الأماكن المقدسة، كما عقد فور انتهاء المؤتمر الصهيوني أول اجتماع للوكالة اليهودية التي جمعت الصهاينة واليهود، وتابعت لجنة الدفاع اليهودية عن المبكى نداءاتها المقلقة لإثارة يهود العالم إلى أن يعاد إليهم حائط المبكى.

وأما على الجانب الإسلامي فلم تكن جمعية حراسة الأماكن المقدسة هادئة، فقد كانت تصدر البيانات تباعا، وكان لكل من الجمعية واللجنة دور مهم في تصاعد هذه الأحداث حتى انفجار الانتفاضة في 15 أغسطس 1939م، واشتعلت انتفاضة البراق عام 1939م، وخلال الشهر التالي للانتفاضة فكرت السلطة المنتدبة في تطبيق المبادئ التي وردت في الكتاب الأبيض عام 1938م، بشأن الحائط وأبلغت ذلك إلى رئاسة الحاخامات في 11 أكتوبر 1939م، غير أن هذه التعليمات لم ترض اليهود؛ لأنهم كانوا يحاولون الحصول على مزيد من الحقوق عند الحائط، ولم ترض العرب الذين كانت بعض هيئاتهم مثل جمعية حراس الأماكن المقدسة ترفض قبول المبادئ المقررة في الكتاب والتي تقول: إن للطائفة اليهودية حق التوجه إلى الحائط في جميع الأوقات لإقامة الشعائر.

ونتيجة للضغوط اليهودية أصدرت الحكومة البريطانية بيانا جديدا في أكتوبر 1939م يتضمن تراجعا عما جاء في كتابها الأبيض، لكن تهديد العرب بالإضراب العام جعل الحكومة تجمد الوضع على ما هو عليه؛ حتى يعاد تنظيم قوة الشرطة ويتم حماية المستعمرات اليهودية المكشوفة.

وفي 13 سبتمبر 1929م عين وزير المستعمرات البريطانية لجنة عرفت باسم "لجنة شوا"؛ للتحقيق في الأسباب المباشرة للانتفاضة، ووضع التدابير لمنع تكرارها، وكان من توصيات تلك اللجنة: اقتراح على عصبة الأمم بتشكيل لجنة لتحديد الحقوق والادعاءات بشأن الحائط، ووافق مجلس عصبة الأمم على تشكيلها، وهي لجنة دولية محايدة على أعلى مستوى قضائي وتحكيمي، وبعد أكثر من خمسة أشهر من بدء جلسات اللجنة الدولية في القدس، وبعد أن استمعت إلى ممثلي العرب واليهود، واطلعت على كل الوثائق التي تقدم بها الطرفان وزارت كل الأماكن المقدسة في فلسطين، عقدت اللجنة جلستها الختامية في باريس من 28 نوفمبر إلى 1 ديسمبر 1930م، حيث انتهت اللجنة إلى قرارها الذي استهلته بالفقرة التالية: "للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه؛ لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف، التي هي من أملاك الوقف، وللمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المنطقة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط؛ لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير".

إن أدوات العبادة وغيرها من الأدوات التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط، لا يجوز بحال من الأحوال السماح بها أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له.

ومن قرارات اللجنة: "منع جلب المقاعد، والحصر، والكراسي، والستائر، والحواجز، والخيام، وعدم السماح لليهود بنفخ البوق قرب الحائط".

وقد وضعت أحكام هذا الأمر موضع التنفيذ اعتبارا من 8 يونيو 1931م، وأصدرت الحكومة البريطانية كتابا أبيض عن الموضوع اعترف بملكية المسلمين للمكان وتصرفهم فيه.

وقد حمل كل من الحكم الدولي والكتاب الأبيض اليهود على التزام حدودهم، ولم يلبث أن خفت صوت اليهود ظاهريا إزاء مشكلة الحائط. وعلى كل، فقد كانت قضية النزاع حول الحائط مقدمة للنزاع الكبير على ملكية فلسطين؛ إذ إن اليهود يطالبون بهذه البلاد لتجديد مملكتهم القديمة فيها، ويبنون حقوقهم في مشروع الوطن القومي على هذه الحجة، وهذا الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف هو في اعتقادهم جزء من هيكل سليمان الذي كان أقدس مكان بتلك المملكة.

فإذا كانوا قد خسروا دعواهم باعتبار أن الملكيات القديمة لا تلغي ملكية جديدة مشروعة مكتسبة بالحق، وبالطرق القانونية التي مر عليها مئات السنين؛ فلا شك في بطلان دعواهم استعادة امتلاك البلاد من الناحية القانونية.

وإذا كان هذا الحكم الدولي الصادر من لجنة محايدة شكلت على أعلى المستويات التحكيمية في العالم، فهو كاف من الناحية القانونية لأن نقول: إن الحائط الغربي للمسجد الأقصى هو حائط البراق، وليس حائط المبكى، وإنه ملك للمسلمين[2].

 يقول د. عادل حسن غنيم: لا أكتفي بهذا الحكم، بل أقدم عددا من الشواهد والأدلة والقرائن على أن هذا الحائط هو حائط البراق، وليس حائط المبكى:

1.  تذكر اللجنة الدولية في تقريرها أن الحجارة الضخمة الكبيرة الكائنة في أسفل الحائط وعلى الأخص المداميك الستة المنحوتة يرجع عهدها حسب رأي أغلب علماء الآثار إلى زمن الهيكل الثاني الذي أعيد بناؤه، وأنه يعلوها ثلاثة مداميك من الحجارة غير المنحوتة يرجح أنها من بقايا العصر الروماني، ويعني ما ذكرته اللجنة - اعتمادا على علماء الآثار - أنه ليس هناك في الحائط الغربي للحرم الشريف أي أثر من بقايا هيكل سليمان عليه السلام.

2.  يؤكد مرجع أثري هام مؤلفه عالم أمريكي كبير - كان مدير الهيئة المدرسية الأمريكية للبحوث الشرقية في القدس، ورئيسا لعدة بعثات أثرية، وعضوا في عدة أكاديميات عالمية - أن أبنية هيرودوس في أورشليم قد محت محوا تاما كل أثر للمباني السابقة لها، لدرجة لم يستطع معها الأثريون العثور على معالم مؤكدة من هيكل سليمان عليه السلام.

ويضيف هذا العالم الأمريكي أنه من المؤكد أن هيكل سليمان - عليه السلام - لم يصمم ليكون مركزا لحج حشود من الناس، وأنه لم يكن هناك داع في عهد سليمان - عليه السلام - لإقامة مبنى ضخم كما هو الحال في عهد هيرودوس، حيث إن بنائي هيرودوس قد نزلوا حتى الصخر الطبيعي؛ ليكون لهم الأساس الذي يتحمل ثقلا جبارا.

ولعل هذا يفسر لنا أنه رغم قيام سلطات الاحتلال منذ عام 1967م بالحفر في مناطق مختلفة أسفل ساحة الحرم ومساجدها واستمروا في الحفر حتى الآن، لم يجدوا أية إشارة واضحة إلى وجود أساسات لهيكل سليمان.

3.  إن اليهود لم يدعوا أمام اللجنة الدولية ملكية الحائط، ولا ملكية الرصيف الكائن أمامه، لكن اللجنة هي التي رأت أن من واجبها التحقيق في مسألة الملكية قانونا.

إن كل ما طالب به ممثلو اليهود أمام اللجنة هو الاعتراف بحقهم في الدعاء أمام الحائط، وحقهم في السلوك إليه وفقا لطقوسهم وشعائرهم الدينية دون مداخلة أو ممانعة، وأن يكون من حق رئاستهم الدينية في فلسطين وضع أية أنظمة ضرورية للقيام بهذه التضرعات والصلوات.

4.  بمراجعة وثيقتين أساسيتين معاصرتين عن الحركة الصهيونية لم أجد كلمة واحدة عن حائط المبكى؛ الأولى: هي كتاب "الدولة اليهودية" لتيودور هرتزل الذي يتحدث فيه بالتفصيل عن الدولة اليهودية المرتقبة، والثانية: نص يتعلق بفلسطين والصهيونية في تقرير لجنة كنج كرين الأمريكية المؤرخ في 28 أغسطس 1919م، وهي اللجنة التي أرسلتها الحكومة الأمريكية للتعرف على حقائق تدور في المشرق العربي قبل اتخاذ قرار بشأن مستقبل المنطقة، وقد استمعت اللجنة لمطالب المسلمين واليهود، حيث تحدث اليهود بشكل مفصل عن برنامجهم الصهيوني.

فإذا كان الصهاينة لم يتحدثوا في أي من الوثيقتين عن حائط المبكى أو يطالبوا بملكيته، فكيف نسمح لأنفسنا بترديد عبارة لم يذكروها في وثائقهم؟ ولو كان الأمر أساسيا بالنسبة لهم ما فاتتهم الإشارة إلى هذا الحائط ضمن خططهم وبرامجهم.

5.  في محاولة من د. عادل حسن غنيم لتقصي الأمر ومحاولة العثور على شواهد وأدلة تساعدنا على الوصول للحقيقة قام بمناقشة أستاذين كبيرين من أساتذة اللغة العبرية وهما: د. رشاد الشامي، د. إبراهيم البحراوي حول استخدام عبارة "حائط المبكى" في المراجع العبرية، فأكدا أن اليهود لا يستخدمون في مراجعهم هذه العبارة، وإنما يستخدمون عبارة "الحائط الغربي" - هاكونيل همعرافي - باعتبارها أكثر دلالة على حائط المبكى؛ لأنها تعني بالنسبة لهم أن جزءا من الحائط هو بقايا هيكلهم، واهتماما منهما ببحث الموضوع تم الرجوع إلى الموسوعة العبرية الموجودة بمكتبة كلية الآداب جامعة عين شمس، حيث تبين أن الموسوعة تشير أيضا إلى "الحائط الغربي" ولم تشر إلى عبارة "حائط المبكى"، وأضافت الموسوعة أنه بمرور السنين استخدم اليهود ذلك الجزء من السور مكانا للصلاة، وأصبح مقدسا في وعي الأمة كمكان للتوحد الديني مع ذكر مجد إسرائيل من جهة، وذكرى خراب الهيكل من ناحية أخرى، وبالرجوع إلى القاموس العربي العبري الذي أصدرته وزارة الدفاع الإسرائيلية عام 1977م، ط5، تبين أنه كتب أمام العبارة العبرية "كوتيل هدماعوت" عبارة: "حائط الدموع" باللغة العربية، ولم يستخدم القاموس عبارة "حائط المبكى".

فإذا كانت اللجنة الدولية قد أصدرت حكما بملكية المسلمين للحائط. وإذا كان معظم علماء الآثار قد أكدوا أنه ليس في الحائط الغربي للحرم الشريف أي آثار أو حجارة من بقايا هيكل سليمان، وإذا كان اليهود لم يدعوا أمام اللجنة الدولية ملكيتهم للحائط، وإذا كانت بعض الوثائق الأمريكية، واليهودية المهمة لم تشر بكلمة واحدة إلى حائط المبكى، وإذا كان أساتذة العبريات يؤكدون أن اليهود لا يستخدمون في مراجعهم المعاصرة "حائط المبكى"، بل يسمونه الحائط الغربي؛ فمن أين أتى الإعلام الغربي بعبارة "حائط المبكى"؟!

إن هذه العبارة لم نجد استخداما لها إلا في عام 1929م، قبل انتفاضة البراق وخلالها بواسطة البيانات التي كانت تذيعها لجنة الدفاع اليهودية عن المبكى، ثم توقف استخدام تلك العبارة بعد انتهاء انتفاضة البراق، وصدر حكم اللجنة الدولية بملكية المسلمين للحائط، ولم أجد استخداما لهذه الكلمة منذ انتفاضة البراق حتى الهزيمة العربية عام 1967م، حيث شاع منذ ذلك الحين استخدام هذه العبارة حتى الآن، فما مصدر هذا الاستخدام؟

يعتقد أن مخططي الإعلام الغربي والصهيوني قد نجحوا في إدخال مثل هذه العبارات في عقولنا وألسنتنا عن طريق ما ترسله وكالات الأنباء من أخبار وصور، كما أن استخدام هذه العبارات على لسان بعض الكتاب العرب، الذين زاروا القدس والحائط منذ أواخر السبعينات قد ساعد على إشاعة هذه العبارة بين فصائل الرأي العام العربي.

وإذا كان من حق اليهود أن يطلقوا على الحائط ما يشاءون من أسماء، وأن يذرفوا ما يشاءون من دموع، أليس من حق العرب والمسلمين أن يطلقوا على الحائط عبارة حائط البراق؟! وهي التسمية التي يؤيدها التاريخ، والتراث، والقانون الدولي.

وإذا كان الصهاينة والإعلام الغربي - الذي يساندهم - قد نجحا في نقل مصطلحاتهما إلى عقل المواطن العربي، ألا يجعلنا ذلك نزداد تتبعا ووعيا وإدراكا لما يحيط بنا من تحديات؟!

إن القضية ليست مجرد شكليات أو ألفاظ عابرة، لكنها أعمق من ذلك بكثير؛ لأن اهتمام اليهود بهذا الحائط ليس سوى ذريعة لتدعيم مزاعمهم، فهم يتخذونه غطاء دينيا لاغتصاب القدس العربية الإسلامية، ومبررا لاستثارة مشاعر اليهود وعواطفهم[3].

الخلاصة:

·       لا وجود لما يسمى بحائط المبكى في كتب اليهود المقدسة، ولا في كتبهم التاريخية وتراثهم، ولا حتى في مراجعهم المعاصرة.

·       لم يبق لهيكل سليمان - عليه السلام - الذي يزعمون أن حائط المبكى جزء منه وجود ولا أثر، بعد أن هدم أربع مرات آخرها عام 70م.

·       أثبتت المصادر والوثائق اليهودية والأمريكية عدم وجود أي أثر لهيكل سليمان - عليه السلام - وبالتالي لما يسمى بحائط المبكى.

·       قضت المحكمة الدولية التي شكلتها عصبة الأمم بملكية المسلمين لحائط البراق وما حوله، وما جاوره من أوقاف.

·       لم يدع اليهود أنفسهم وهم يقدمون دعواهم لهذه اللجنة ملكية هذا الحائط، وإنما طالبوا بتمكينهم من إقامة طقوسهم عنده.

·       الحائط الغربي الذي يضم حائط البراق وليس حائط المبكى جدد على يد سليمان القانوني العثماني، ومنذ العهد العثماني سمح لليهود بأداء بعض شعائرهم عند الحائط الغربي.

·       بدأت فكرة حائط المبكى والبكاء عنده منذ انتفاضة البراق عام 1929م، واختفت عقب صدور حكم اللجنة الدولية بملكية المسلمين له، وتقرير اللجنة الأمريكية، ومرسوم ملكي بريطاني بذلك، وجددت هذه الصيحة بعد هزيمة العرب عام 1967م.

·       نجاح الإعلام الغربي في نقل المصطلحات الصهيونية واليهودية إلى المواطن العربي، والسيطرة على ثقافته الإعلامية عن قضية الحائط، ومن هنا يجب علينا التمسك بتراثنا المقدس، ومصطلحاتنا العربية والإسلامية.

المراجع

  1. (*) بنو إسرائيل من التاريخ القديم وحتى الوقت الحاضر، د. محمد الحسيني إسماعيل، مكتبة وهبة، القاهرة، 1422هـ/ 2002م.
  2.  مؤتمر حماية المقدسات والتراث الإسلامي، روحي الخطيب، د. م، د. م، د. ت. الموسوعة اليهودية الصادرة في القدس، 1971م. 
  3.  انظر: حائط البراق وليس حائط المبكى، د. عادل حسن غنيم، مجلة رؤية، السلطة الفلسطينية، د. ت.
  4.  حائط البراق وليس حائط المبكى، د. عادل حسن غنيم، مجلة رؤية، السلطة الفلسطينية، د. ت.