نص السؤال
إننا نرى كبارَ الصحابةِ؛ كأبي بكرٍ، وعُمَرَ، وعثمانَ، وعليٍّ رضيَ الله عنهم، لم يُكثِروا مِن الحديثِ كما أكثرَ أبو هُرَيرةَ ، مع أنهم أحفَظُ وأعلَمُ وأشَدُّ ملازَمةً للنبيِّ ﷺ منه؛ وهذا يدُلُّ على الطعنِ الشديدِ في مرويَّاتِ أبي هُرَيرةَ ، والتي تشكِّلُ جزءًا كبيرًا مِن السنَّةِ النبويَّة.
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
لماذا كان أبو هُرَيرةَ أكثرَ الصحابةِ روايةً، مع قِصَرِ مُدَّةِ صحبتِه؟
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في السنَّةِ النبويَّةِ بالطعنِ في أكثرِ رُواتِها للحديثِ في أجَلِّ طبَقاتِ الرواةِ، وهم الصحابة؛ وذلك بإبداءِ التعجُّبِ مِن كثرةِ روايتِهِ للحديثِ، مع تأخُّرِ إسلامِهِ، وقِصَرِ مدَّةِ صحبتِهِ للنبيِّ ﷺ.
إن إكثارَ أبي هُرَيرةَ مِن التحديثِ لو نظَرْتَ فيه نظرًا علميًّا منصِفًا بعيدًا عن الأهواء -: لأرشَدَكَ ذلك إلى أسبابٍ طبيعيَّةٍ وواقعيَّةٍ لكثرةِ حديثِ أبي هُرَيرةَ ، لا تدُلُّ بحالٍ على الطعنِ فيه، بل هي مما يدُلُّ على فضلِهِ ومَنقَبتِه .
وما يُورِدُهُ صاحبُ هذا السؤالِ يتضمَّنُ الحاجةَ إلى حديثٍ إجماليٍّ عن الإكثارِ مِن الروايةِ والإقلالِ منها؛ كما يحتاجُ إلى تقديمِ تفسيرٍ لكونِ أبي هُرَيرةَ قد أكثرَ مِن الروايةِ عن النبيِّ ﷺ، مع قِصَرِ المدَّةِ التي صَحِبَهُ فيها.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- العِبْرةُ في حفظِ السنَّةِ بحصولِ التحرِّي والتوقِّي والتثبُّتِ مِن رواتِها، وليس بإكثارِ الواحدِ منهم أو إقلالِه:
فالإكثارُ مِن روايةِ الحديثِ لا يلازِمُ الكذبَ، ولا يلازِمُ قلَّةَ التحرِّي والتثبُّتِ، ولا يلازِمُ السهوَ والخطأَ، والإقلالُ منها لا يلازِمُ الصِّدقَ ولا الضبطَ ولا العدالةَ.
ونحن نرى عادةَ العلماءِ في التصنيفِ مثلًا في الأزمنةِ التي تلَتِ القرونَ المفضَّلةَ متفاوِتةً؛ فمنهم المُقِلُّ، ومنهم المستكثِرُ، ولم يكن الإقلالُ بمجرَّدِهِ دليلًا على الإتقانِ في التصنيف، ولا الإكثارُ بمجرَّدِهِ دليلًا على العجَلةِ والرداءةِ في التصنيف.
ولذلك: فإن الطعنَ في أبي هُرَيرةَ بمجرَّدِ كونِهِ مكثِرًا مِن الحديثِ، يَلزَمُ منه الطعنُ في كلِّ مَن أكثَرَ مِن الحديثِ مِن الصحابةِ؛ كأنسٍ، وابنِ عُمَرَ، وعائشةَ، وابنِ عبَّاسٍ، وجابرٍ؛ رضيَ اللهُ عنهم جميعًا.
ولما كان أبو هُرَيرةَ جامعًا بين الإكثارِ مِن التحديثِ - بل كان أكثرَ الصحابةِ حديثًا؛ كما قال أهلُ العلمِ - وبين التحرِّي والتوقِّي فيه -: وصَفَهُ العلماءُ بأنه (أحفظُ مَن روى الحديثَ في دَهْرِه)، وبأنه (أحفظُ الصحابةِ لأخبارِ رسولِ اللهِ ﷺ وآثارِه).
2- الإكثارُ مِن التحديثِ والإقلالُ منه، له ملابَساتٌ واقعيَّة، ولا يدُلُّ بمجرَّدِهِ على أفضليَّةِ المُكثِرِ على المُقِلِّ في العلمِ ولا في الذكاء:
فأبو بكرٍ هو أفضلُ الصحابةِ وأعلَمُهم بإجماعِ أهلِ السنَّة، وهو أشدُّهم ملازَمةً للنبيِّ ﷺ، وأعلمُهم بهَدْيِهِ وسُنَّتِه، وأذكاهم وأعقَلُهم، ومع ذلك: فجميعُ مَن تقدَّم ذِكرُهم مِن الصحابةِ - ومنهم أبو هُرَيرةَ - أكثرُ روايةً منه.
ولم تكن قلَّةُ الأحاديثِ المسنَدةِ عن أبي بكرٍ دليلًا على أفضليَّةِ المُكثِرين مِن الصحابةِ عليه؛ لأن لإقلالِهِ أسبابًا وملابَساتٍ واقعيَّةً؛ حيثُ كانت مدَّتُهُ بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ قصيرةً، وإلا فلو طالت، لكَثُرَتِ الروايةُ عنه، ولم يترُكِ الناقِلون عنه حديثًا إلا نقَلوهُ عنه، ولكنْ كان الذين في زمانِهِ مِن الصحابةِ لا يحتاجُ أحدُهم أن ينقُلَ عنه ما قد شارَكهُ هو في روايتِهِ؛ فكانوا ينقُلون عنه ما ليس عندهم.
أما أبو هُرَيرةَ : فقد احتاج الناسُ إليه؛ لامتدادِ عُمُرِه؛ حيثُ عاش إلى ما بعد سنةِ خمسينَ مِن الهجرة، وتُوُفِّيَ في عهدِ مُعاوِيةَ t، وكَثُرَ الرواةُ عنه جِدًّا، وقد ذكَرَ البخاريُّ: أنه روى عنه نحوُ ثمانِ مِئَةٍ مِن أهلِ العلم، وذكَرَ الحاكمُ روايةَ ثمانيةٍ وعشرينَ مِن الصحابةِ عنه.
ولذلك: فإن القولَ بأن إكثارَ أبي هُرَيرةَ مِن التحديثِ يدُلُّ على أفضليَّتِهِ على أبي بكرٍ ، وأنه كان أعلَمَ بالسنَّةِ منه يدُلُّ على الجهلِ بتاريخِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، وإهمالِ الملابَساتِ والظروفِ الواقعيَّةِ لنقلِهم للدِّين.
3- الإكثارُ مِن التحديثِ والإقلالُ منه، خيارٌ شخصيٌّ يَرجِعُ إلى تقديرِ الصحابيِّ نفسِه:
إن الإقلالَ مِن التحديثِ له اعتباراتٌ عديدةٌ، منها: أن يكونَ الصحابيُّ لا يَرَى جوازَ روايةِ الحديثِ بالمعنى، أو يرى غيرَهُ قد كفاهُ، أو أن يكونَ قد نَسِيَ، أو يكونَ مِن عادتِهِ ألا يحدِّثَ بالحديثِ إلا إذا سُئِلَ، إلى غيرِ ذلك.
وبعضُهم انفتَحَتْ نفسُهُ للتحديث، وتيسَّرتْ له مِن القُدُراتِ النفسيَّةِ، والطلَّابِ، وغيرِ ذلك: ما ساعَدهُ على الإكثار.
ولذلك تفاوَتَ الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهم بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ في التحديثِ عنه، بين مُقِلٍّ ومُكثِرٍ، مع توقِّيهم واحتياطِهم جميعًا في التحديثِ عنه حال الإكثارِ أو حال الإقلال.
4- أبو هُرَيرةَ توافَرتْ لدَيْهِ أسبابُ حفظِ حديثِ رسولِ اللهِ ﷺ:
* فقد كان حريصًا على سؤالِ النبيِّ ﷺ، وقد شَهِدَ له النبيُّ ﷺ بذلك؛
عن سعيدِ بنِ أبي سعيدٍ المَقبُريِّ، عن أبي هُرَيرةَ؛ أنه قال
قيل: يا رسولَ اللهِ، مَن أسعَدُ الناسِ بشفاعَتِكَ يومَ القيامة؟ قال رسولُ اللهِ ﷺ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلَّا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ: أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ»؛
رواه البخاري (99، 6570)
عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ
«أن أبا هُرَيرةَ كان جَرِيئًا على أن يَسْألَ رسولَ اللهِ ﷺ عن أشياءَ لا يَسْألُهُ عنها غيرُه»؛
رواه أحمد (21261)
* وكان أبو هُرَيرةَ ملازِمًا للنبيِّ ﷺ، وكان يحضُرُ ما لا يحضُرُ سائرُ المهاجِرينَ والأنصارِ؛ لاشتغالِ المهاجِرينَ بالتجارةِ، والأنصارِ ببساتينِهم.
وفي ذلك رواياتٌ مختلِفةٌ تفسِّرُ ذلك:
ومنها:
ما رُوِيَ عن أبي أنسٍ مالكِ بنِ أبي عامرٍ، قال
كنتُ عند طَلْحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ، فدخَلَ عليه رجُلٌ، فقال: يا أبا محمَّدٍ، واللهِ ما نَدْري، هذا اليَمَانيُّ أعلَمُ برسولِ الله ﷺ أم أنتم؟ تقوَّل على رسولِ اللهِ ﷺ ما لم يقُلْ - يعني: أبا هُرَيرةَ - فقال طَلْحةُ: «واللهِ، ما يشُكُّ أنه سَمِعَ مِن رسولِ اللهِ ﷺ ما لم نَسمَعْ، وعَلِمَ ما لم نَعلَمْ، إنا كنَّا قومًا أغنياءَ لنا بيوتٌ وأَهْلُونَ، كنا نأتي نبيَّ اللهِ ﷺ طرَفَيِ النهارِ، ثم نَرجِعُ، وكان أبو هُرَيرةَ مِسْكينًا لا مالَ له ولا أهلَ ولا ولَدَ، إنما كانت يدُهُ مع يدِ النبيِّ ﷺ، وكان يدُورُ معه حيثما دار، ولا يشُكُّ أنه قد عَلِمَ ما لم نَعلَمْ، وسَمِعَ ما لم نَسمَعْ، ولم يتَّهِمْهُ أحدٌ منا أنه تقوَّل على رسولِ اللهِ ﷺ ما لم يقُلْ»؛
رواه التِّرمِذيُّ (3837)، والحاكمُ (3/ 585 رقم 6172)، واللفظُ له.
* وكان أبو هُرَيرةَ قَوِيَّ الحفظِ، جيِّدَ الذاكرة:
فعن أبي الزُّعَيْزِعةِ كاتِبِ مَرْوانَ بنِ الحكمِ
أن مَرْوانَ دعا أبا هُرَيرةَ، فأقعَدَني خلفَ السريرِ، وجعَلَ يَسْألُهُ، وجعَلْتُ أكتُبُ حتى إذا كان عند رأسِ الحَوْلِ، دعا به، فأقعَدَهُ وراءَ الحجابِ، فجعَلَ يَسْألُهُ عن ذلك، فما زاد ولا نقَصَ، ولا قدَّم ولا أخَّر»؛
رواه الحاكمُ (6164)
ونحن نردِّدُ مع الإمامِ الذهَبيِّ قولَهُ في تعليقِهِ على هذه القصَّةِ: «هكذا فلْيَكُنِ الحِفظُ»؛ «سِيَرُ أعلامِ النبلاء» (2/ 598).
وإنما يَصِحُّ الطعنُ في أبي هُرَيرةَ t بكثرةِ الروايةِ لو كان غيرَ مهتمٍّ بسؤالِ النبيِّ ﷺ، مهمِلًا مجالِسَهُ، ضعيفَ الحفظِ والذاكرة، ثم هو بعد ذلك يُكثِرُ مِن التحديثِ عن النبيِّ ﷺ.
كما يُضافُ لجميعِ ما تقدَّم مِن أسبابِ حفظِ أبي هُرَيرةَ : أن النبيَّ ﷺ دعا له بالحفظِ؛
عن محمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمةَ
أن رجُلًا جاء زيدَ بنَ ثابتٍ، فسألَهُ عن شيءٍ، فقال له زيدُ: عليكَ بأبي هُرَيرةَ، فإنه بَيْنا أنا وأبو هُرَيرةَ وفلانٌ في المسجِدِ ذاتَ يومٍ ندعو اللهَ تعالى، ونذكُرُ ربَّنا، خرَجَ علينا رسولُ اللهِ ﷺ حتى جلَسَ إلينا، قال: فجلَسَ وسكَتْنا، فقال: «عُودُوا للذي كُنْتُمْ فيه»، قال زيدٌ: فدعَوْتُ أنا وصاحبي قبلَ أبي هُرَيرةَ، وجعَلَ رسولُ اللهِ ﷺ يؤمِّنُ على دعائِنا، قال: ثم دعا أبو هُرَيرةَ، فقال: اللهُمَّ إني أسألُكَ مِثلَ الذي سألَكَ صاحِبَايَ هذانِ، وأسألُكَ عِلْمًا لا يُنْسى، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «آمِينَ»، فقلنا: يا رسولَ اللهِ، ونحن نسألُ اللهَ عِلْمًا لا يُنْسى، فقال: «سبَقَكُما بها الدَّوْسيُّ»؛
رواه الحاكم (6158)، والطبَرانيّ (1228)
فمن تدبَّر هذه الأسبابَ، لم يستغرِبْ كثرةَ روايةِ أبي هُرَيرةَ.
5- قِصَرُ مُدَّةِ صُحْبةِ أبي هُرَيرةَ للنبيِّ ﷺ قِصَرٌ نِسبيٌّ:
فالقولُ بأن مدَّةَ صحبتِهِ للنبيِّ ﷺ قصيرةٌ، إنما يَصِحُّ إذا نُسِبَ إلى مدَّةِ غيرِهِ مِن الصحابة، وإلا فهي قد زادَتْ على أربعِ سنينَ، وهي كافيةٌ لجمعِ ما جمَعَه.
على أن جميعَ ما رواه البخاريُّ في «صحيحِهِ» لأبي هُرَيرةَ: (446) حديثًا بعضُها مِن سماعِه، وبعضُها مِن روايتِهِ عن بعضِ الصحابة، وهي لو جُمِعَتْ، لأمكَنَ قراءتُها في مجلسٍ واحدٍ؛ لأن أكثرَ الأحاديثِ النبويَّةِ جُمَلٌ مختصَرةٌ.
6- أبو هُرَيرةَ كان يحدِّثُ بما يَرْويهِ عن قدماءِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، وليس بما سَمِعَهُ مِن النبيِّ ﷺ فحَسْبُ:
فلم تقتصِرِ المادَّةُ الحديثيَّةُ - التي جمَعَها أبو هُرَيرةَ t، وحَفِظَها، وكان يبُثُّها في الصحابةِ والتابِعين - على ما سَمِعَهُ بنفسِه؛ إذْ فيما رواه ما يتعلَّقُ بوقائعَ كانت قبل إسلامِه، فكان أبو هُرَيرةَ يتحرَّى في الراويةِ عن قدماءِ الصحابةِ؛ كأبي بكرٍ، وعُمَرَ، والفضلِ بنِ العبَّاسِ، وأُبَيِّ بنِ كعبٍ، وأُسامةَ بنِ زيدٍ، وينقُلُ عنهم ما سَمِعوهُ مِن النبيِّ ﷺ.
7- كثيرٌ مِن الأحاديثِ التي يَطعَنُ فيها المبتدِعةُ والمشكِّكون، لها شواهدُ مِن حديثِ غيرِهِ مِن الصحابة: فإنك إذا نظَرْتَ في عددٍ مِن الأحاديثِ التي طعَنوا فيها، ستجدُ أنهم يرُدُّونها بتكذيبِ أبي هُرَيرةَ، ثم إذا تتبَّعْتَ، وجَدتَّ أن الحديثَ لم ينفرِدْ به أبو هُرَيرةَ ؛ فيكونُ في ذلك إبطالٌ لدَعْواهم
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
التشكيكُ في صحَّةِ مرويَّاتِ أبي هُرَيرةَ؛ ومِن ثَمَّ عمومِ السنَّة؛ إذْ لا يتناسَبُ حجمُ مرويَّاتِهِ مع مُدَّةِ صحبتِهِ للنبيِّ ﷺ.
مختصَرُ الإجابة:
مرويَّاتُ أبي هُرَيرةَ بعضُها رواها عن النبيِّ ﷺ مباشَرةً، وبعضُها عن الصحابةِ الآخَرين؛ سواءٌ صرَّح بذلك، أم لم يصرِّحْ.
ثم إن قِصَرَ مدَّةِ صحبةِ أبي هُرَيرةَ قِصَرٌ نِسْبيٌّ، وإلا فأربعُ سِنِينَ وزيادةٌ صَحِبَ فيها أبو هُرَيرةَ النبيَّ ﷺ، ولازَمَهُ، وتوافَرتْ فيها له أسبابُ الحفظِ -: كافيةٌ لحِفظِ ما حَفِظَه.
وأيضًا: فتخصُّصُهُ في هذا المجال، وطولُ المدَّةِ التي بَقِيَ فيها بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ، فاحتاج الناسُ إليه، جعَلتْهُ يحدِّثُ بما لم يحدِّثْ به مَن مات مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم بعد النبيِّ ﷺ بمدَّةٍ قصيرةٍ؛ كأبي بكرٍ .
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
فالشُّبَهُ لا تَنْتهي، خصوصًا إذا كانت جدَلًا واحتمالاتٍ عقليَّةً مجرَّدةً؛ لأن العقلَ قد يتخيَّلُ أيَّ احتمال.
والعاقلُ قبل أن يتشرَّبَ شبهةً ويتقمَّصَها، عليه أن ينظُرَ في مَدَى احتماليَّتِها. فالسنَّةُ هي أعظَمُ شيءٍ عند المسلِمين بعد القرآنِ الكريم، وأبو هُرَيرةَ هو أكثرُ الرواةِ وأشهرُهم؛ ولهذا فلا يُمكِنُ أن يغفُلَ عن هذه الشبهةِ مع أهميَّتِها كبارُ العلماء؛ مع كمالِ دِينِهم وعقلِهم وتفرُّغِهم لهذا الشأن، ومجرَّدُ هذا كافٍ في الارتياحِ النفسيِّ وعدمِ رَيْبِ المرءِ في الإسلام؛ حتى قبل أن يَعرِفَ جوابَ الشبهة، ثم يُمكِنُهُ بعد ذلك - إذا أراد - أن يراجِعَ كلامَ العلماء؛ ليتبيَّنَ له ضعفُ هذه الشبهة
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
التشكيكُ في صحَّةِ مرويَّاتِ أبي هُرَيرةَ؛ ومِن ثَمَّ عمومِ السنَّة؛ إذْ لا يتناسَبُ حجمُ مرويَّاتِهِ مع مُدَّةِ صحبتِهِ للنبيِّ ﷺ.
مختصَرُ الإجابة:
مرويَّاتُ أبي هُرَيرةَ بعضُها رواها عن النبيِّ ﷺ مباشَرةً، وبعضُها عن الصحابةِ الآخَرين؛ سواءٌ صرَّح بذلك، أم لم يصرِّحْ.
ثم إن قِصَرَ مدَّةِ صحبةِ أبي هُرَيرةَ قِصَرٌ نِسْبيٌّ، وإلا فأربعُ سِنِينَ وزيادةٌ صَحِبَ فيها أبو هُرَيرةَ النبيَّ ﷺ، ولازَمَهُ، وتوافَرتْ فيها له أسبابُ الحفظِ -: كافيةٌ لحِفظِ ما حَفِظَه.
وأيضًا: فتخصُّصُهُ في هذا المجال، وطولُ المدَّةِ التي بَقِيَ فيها بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ، فاحتاج الناسُ إليه، جعَلتْهُ يحدِّثُ بما لم يحدِّثْ به مَن مات مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم بعد النبيِّ ﷺ بمدَّةٍ قصيرةٍ؛ كأبي بكرٍ .
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في السنَّةِ النبويَّةِ بالطعنِ في أكثرِ رُواتِها للحديثِ في أجَلِّ طبَقاتِ الرواةِ، وهم الصحابة؛ وذلك بإبداءِ التعجُّبِ مِن كثرةِ روايتِهِ للحديثِ، مع تأخُّرِ إسلامِهِ، وقِصَرِ مدَّةِ صحبتِهِ للنبيِّ ﷺ.
إن إكثارَ أبي هُرَيرةَ مِن التحديثِ لو نظَرْتَ فيه نظرًا علميًّا منصِفًا بعيدًا عن الأهواء -: لأرشَدَكَ ذلك إلى أسبابٍ طبيعيَّةٍ وواقعيَّةٍ لكثرةِ حديثِ أبي هُرَيرةَ ، لا تدُلُّ بحالٍ على الطعنِ فيه، بل هي مما يدُلُّ على فضلِهِ ومَنقَبتِه .
وما يُورِدُهُ صاحبُ هذا السؤالِ يتضمَّنُ الحاجةَ إلى حديثٍ إجماليٍّ عن الإكثارِ مِن الروايةِ والإقلالِ منها؛ كما يحتاجُ إلى تقديمِ تفسيرٍ لكونِ أبي هُرَيرةَ قد أكثرَ مِن الروايةِ عن النبيِّ ﷺ، مع قِصَرِ المدَّةِ التي صَحِبَهُ فيها.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- العِبْرةُ في حفظِ السنَّةِ بحصولِ التحرِّي والتوقِّي والتثبُّتِ مِن رواتِها، وليس بإكثارِ الواحدِ منهم أو إقلالِه:
فالإكثارُ مِن روايةِ الحديثِ لا يلازِمُ الكذبَ، ولا يلازِمُ قلَّةَ التحرِّي والتثبُّتِ، ولا يلازِمُ السهوَ والخطأَ، والإقلالُ منها لا يلازِمُ الصِّدقَ ولا الضبطَ ولا العدالةَ.
ونحن نرى عادةَ العلماءِ في التصنيفِ مثلًا في الأزمنةِ التي تلَتِ القرونَ المفضَّلةَ متفاوِتةً؛ فمنهم المُقِلُّ، ومنهم المستكثِرُ، ولم يكن الإقلالُ بمجرَّدِهِ دليلًا على الإتقانِ في التصنيف، ولا الإكثارُ بمجرَّدِهِ دليلًا على العجَلةِ والرداءةِ في التصنيف.
ولذلك: فإن الطعنَ في أبي هُرَيرةَ بمجرَّدِ كونِهِ مكثِرًا مِن الحديثِ، يَلزَمُ منه الطعنُ في كلِّ مَن أكثَرَ مِن الحديثِ مِن الصحابةِ؛ كأنسٍ، وابنِ عُمَرَ، وعائشةَ، وابنِ عبَّاسٍ، وجابرٍ؛ رضيَ اللهُ عنهم جميعًا.
ولما كان أبو هُرَيرةَ جامعًا بين الإكثارِ مِن التحديثِ - بل كان أكثرَ الصحابةِ حديثًا؛ كما قال أهلُ العلمِ - وبين التحرِّي والتوقِّي فيه -: وصَفَهُ العلماءُ بأنه (أحفظُ مَن روى الحديثَ في دَهْرِه)، وبأنه (أحفظُ الصحابةِ لأخبارِ رسولِ اللهِ ﷺ وآثارِه).
2- الإكثارُ مِن التحديثِ والإقلالُ منه، له ملابَساتٌ واقعيَّة، ولا يدُلُّ بمجرَّدِهِ على أفضليَّةِ المُكثِرِ على المُقِلِّ في العلمِ ولا في الذكاء:
فأبو بكرٍ هو أفضلُ الصحابةِ وأعلَمُهم بإجماعِ أهلِ السنَّة، وهو أشدُّهم ملازَمةً للنبيِّ ﷺ، وأعلمُهم بهَدْيِهِ وسُنَّتِه، وأذكاهم وأعقَلُهم، ومع ذلك: فجميعُ مَن تقدَّم ذِكرُهم مِن الصحابةِ - ومنهم أبو هُرَيرةَ - أكثرُ روايةً منه.
ولم تكن قلَّةُ الأحاديثِ المسنَدةِ عن أبي بكرٍ دليلًا على أفضليَّةِ المُكثِرين مِن الصحابةِ عليه؛ لأن لإقلالِهِ أسبابًا وملابَساتٍ واقعيَّةً؛ حيثُ كانت مدَّتُهُ بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ قصيرةً، وإلا فلو طالت، لكَثُرَتِ الروايةُ عنه، ولم يترُكِ الناقِلون عنه حديثًا إلا نقَلوهُ عنه، ولكنْ كان الذين في زمانِهِ مِن الصحابةِ لا يحتاجُ أحدُهم أن ينقُلَ عنه ما قد شارَكهُ هو في روايتِهِ؛ فكانوا ينقُلون عنه ما ليس عندهم.
أما أبو هُرَيرةَ : فقد احتاج الناسُ إليه؛ لامتدادِ عُمُرِه؛ حيثُ عاش إلى ما بعد سنةِ خمسينَ مِن الهجرة، وتُوُفِّيَ في عهدِ مُعاوِيةَ t، وكَثُرَ الرواةُ عنه جِدًّا، وقد ذكَرَ البخاريُّ: أنه روى عنه نحوُ ثمانِ مِئَةٍ مِن أهلِ العلم، وذكَرَ الحاكمُ روايةَ ثمانيةٍ وعشرينَ مِن الصحابةِ عنه.
ولذلك: فإن القولَ بأن إكثارَ أبي هُرَيرةَ مِن التحديثِ يدُلُّ على أفضليَّتِهِ على أبي بكرٍ ، وأنه كان أعلَمَ بالسنَّةِ منه يدُلُّ على الجهلِ بتاريخِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، وإهمالِ الملابَساتِ والظروفِ الواقعيَّةِ لنقلِهم للدِّين.
3- الإكثارُ مِن التحديثِ والإقلالُ منه، خيارٌ شخصيٌّ يَرجِعُ إلى تقديرِ الصحابيِّ نفسِه:
إن الإقلالَ مِن التحديثِ له اعتباراتٌ عديدةٌ، منها: أن يكونَ الصحابيُّ لا يَرَى جوازَ روايةِ الحديثِ بالمعنى، أو يرى غيرَهُ قد كفاهُ، أو أن يكونَ قد نَسِيَ، أو يكونَ مِن عادتِهِ ألا يحدِّثَ بالحديثِ إلا إذا سُئِلَ، إلى غيرِ ذلك.
وبعضُهم انفتَحَتْ نفسُهُ للتحديث، وتيسَّرتْ له مِن القُدُراتِ النفسيَّةِ، والطلَّابِ، وغيرِ ذلك: ما ساعَدهُ على الإكثار.
ولذلك تفاوَتَ الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهم بعد وفاةِ النبيِّ ﷺ في التحديثِ عنه، بين مُقِلٍّ ومُكثِرٍ، مع توقِّيهم واحتياطِهم جميعًا في التحديثِ عنه حال الإكثارِ أو حال الإقلال.
4- أبو هُرَيرةَ توافَرتْ لدَيْهِ أسبابُ حفظِ حديثِ رسولِ اللهِ ﷺ:
* فقد كان حريصًا على سؤالِ النبيِّ ﷺ، وقد شَهِدَ له النبيُّ ﷺ بذلك؛
عن سعيدِ بنِ أبي سعيدٍ المَقبُريِّ، عن أبي هُرَيرةَ؛ أنه قال
قيل: يا رسولَ اللهِ، مَن أسعَدُ الناسِ بشفاعَتِكَ يومَ القيامة؟ قال رسولُ اللهِ ﷺ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلَّا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ: أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ»؛
رواه البخاري (99، 6570)
عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ
«أن أبا هُرَيرةَ كان جَرِيئًا على أن يَسْألَ رسولَ اللهِ ﷺ عن أشياءَ لا يَسْألُهُ عنها غيرُه»؛
رواه أحمد (21261)
* وكان أبو هُرَيرةَ ملازِمًا للنبيِّ ﷺ، وكان يحضُرُ ما لا يحضُرُ سائرُ المهاجِرينَ والأنصارِ؛ لاشتغالِ المهاجِرينَ بالتجارةِ، والأنصارِ ببساتينِهم.
وفي ذلك رواياتٌ مختلِفةٌ تفسِّرُ ذلك:
ومنها:
ما رُوِيَ عن أبي أنسٍ مالكِ بنِ أبي عامرٍ، قال
كنتُ عند طَلْحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ، فدخَلَ عليه رجُلٌ، فقال: يا أبا محمَّدٍ، واللهِ ما نَدْري، هذا اليَمَانيُّ أعلَمُ برسولِ الله ﷺ أم أنتم؟ تقوَّل على رسولِ اللهِ ﷺ ما لم يقُلْ - يعني: أبا هُرَيرةَ - فقال طَلْحةُ: «واللهِ، ما يشُكُّ أنه سَمِعَ مِن رسولِ اللهِ ﷺ ما لم نَسمَعْ، وعَلِمَ ما لم نَعلَمْ، إنا كنَّا قومًا أغنياءَ لنا بيوتٌ وأَهْلُونَ، كنا نأتي نبيَّ اللهِ ﷺ طرَفَيِ النهارِ، ثم نَرجِعُ، وكان أبو هُرَيرةَ مِسْكينًا لا مالَ له ولا أهلَ ولا ولَدَ، إنما كانت يدُهُ مع يدِ النبيِّ ﷺ، وكان يدُورُ معه حيثما دار، ولا يشُكُّ أنه قد عَلِمَ ما لم نَعلَمْ، وسَمِعَ ما لم نَسمَعْ، ولم يتَّهِمْهُ أحدٌ منا أنه تقوَّل على رسولِ اللهِ ﷺ ما لم يقُلْ»؛
رواه التِّرمِذيُّ (3837)، والحاكمُ (3/ 585 رقم 6172)، واللفظُ له.
* وكان أبو هُرَيرةَ قَوِيَّ الحفظِ، جيِّدَ الذاكرة:
فعن أبي الزُّعَيْزِعةِ كاتِبِ مَرْوانَ بنِ الحكمِ
أن مَرْوانَ دعا أبا هُرَيرةَ، فأقعَدَني خلفَ السريرِ، وجعَلَ يَسْألُهُ، وجعَلْتُ أكتُبُ حتى إذا كان عند رأسِ الحَوْلِ، دعا به، فأقعَدَهُ وراءَ الحجابِ، فجعَلَ يَسْألُهُ عن ذلك، فما زاد ولا نقَصَ، ولا قدَّم ولا أخَّر»؛
رواه الحاكمُ (6164)
ونحن نردِّدُ مع الإمامِ الذهَبيِّ قولَهُ في تعليقِهِ على هذه القصَّةِ: «هكذا فلْيَكُنِ الحِفظُ»؛ «سِيَرُ أعلامِ النبلاء» (2/ 598).
وإنما يَصِحُّ الطعنُ في أبي هُرَيرةَ t بكثرةِ الروايةِ لو كان غيرَ مهتمٍّ بسؤالِ النبيِّ ﷺ، مهمِلًا مجالِسَهُ، ضعيفَ الحفظِ والذاكرة، ثم هو بعد ذلك يُكثِرُ مِن التحديثِ عن النبيِّ ﷺ.
كما يُضافُ لجميعِ ما تقدَّم مِن أسبابِ حفظِ أبي هُرَيرةَ : أن النبيَّ ﷺ دعا له بالحفظِ؛
عن محمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمةَ
أن رجُلًا جاء زيدَ بنَ ثابتٍ، فسألَهُ عن شيءٍ، فقال له زيدُ: عليكَ بأبي هُرَيرةَ، فإنه بَيْنا أنا وأبو هُرَيرةَ وفلانٌ في المسجِدِ ذاتَ يومٍ ندعو اللهَ تعالى، ونذكُرُ ربَّنا، خرَجَ علينا رسولُ اللهِ ﷺ حتى جلَسَ إلينا، قال: فجلَسَ وسكَتْنا، فقال: «عُودُوا للذي كُنْتُمْ فيه»، قال زيدٌ: فدعَوْتُ أنا وصاحبي قبلَ أبي هُرَيرةَ، وجعَلَ رسولُ اللهِ ﷺ يؤمِّنُ على دعائِنا، قال: ثم دعا أبو هُرَيرةَ، فقال: اللهُمَّ إني أسألُكَ مِثلَ الذي سألَكَ صاحِبَايَ هذانِ، وأسألُكَ عِلْمًا لا يُنْسى، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «آمِينَ»، فقلنا: يا رسولَ اللهِ، ونحن نسألُ اللهَ عِلْمًا لا يُنْسى، فقال: «سبَقَكُما بها الدَّوْسيُّ»؛
رواه الحاكم (6158)، والطبَرانيّ (1228)
فمن تدبَّر هذه الأسبابَ، لم يستغرِبْ كثرةَ روايةِ أبي هُرَيرةَ.
5- قِصَرُ مُدَّةِ صُحْبةِ أبي هُرَيرةَ للنبيِّ ﷺ قِصَرٌ نِسبيٌّ:
فالقولُ بأن مدَّةَ صحبتِهِ للنبيِّ ﷺ قصيرةٌ، إنما يَصِحُّ إذا نُسِبَ إلى مدَّةِ غيرِهِ مِن الصحابة، وإلا فهي قد زادَتْ على أربعِ سنينَ، وهي كافيةٌ لجمعِ ما جمَعَه.
على أن جميعَ ما رواه البخاريُّ في «صحيحِهِ» لأبي هُرَيرةَ: (446) حديثًا بعضُها مِن سماعِه، وبعضُها مِن روايتِهِ عن بعضِ الصحابة، وهي لو جُمِعَتْ، لأمكَنَ قراءتُها في مجلسٍ واحدٍ؛ لأن أكثرَ الأحاديثِ النبويَّةِ جُمَلٌ مختصَرةٌ.
6- أبو هُرَيرةَ كان يحدِّثُ بما يَرْويهِ عن قدماءِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، وليس بما سَمِعَهُ مِن النبيِّ ﷺ فحَسْبُ:
فلم تقتصِرِ المادَّةُ الحديثيَّةُ - التي جمَعَها أبو هُرَيرةَ t، وحَفِظَها، وكان يبُثُّها في الصحابةِ والتابِعين - على ما سَمِعَهُ بنفسِه؛ إذْ فيما رواه ما يتعلَّقُ بوقائعَ كانت قبل إسلامِه، فكان أبو هُرَيرةَ يتحرَّى في الراويةِ عن قدماءِ الصحابةِ؛ كأبي بكرٍ، وعُمَرَ، والفضلِ بنِ العبَّاسِ، وأُبَيِّ بنِ كعبٍ، وأُسامةَ بنِ زيدٍ، وينقُلُ عنهم ما سَمِعوهُ مِن النبيِّ ﷺ.
7- كثيرٌ مِن الأحاديثِ التي يَطعَنُ فيها المبتدِعةُ والمشكِّكون، لها شواهدُ مِن حديثِ غيرِهِ مِن الصحابة: فإنك إذا نظَرْتَ في عددٍ مِن الأحاديثِ التي طعَنوا فيها، ستجدُ أنهم يرُدُّونها بتكذيبِ أبي هُرَيرةَ، ثم إذا تتبَّعْتَ، وجَدتَّ أن الحديثَ لم ينفرِدْ به أبو هُرَيرةَ ؛ فيكونُ في ذلك إبطالٌ لدَعْواهم
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
فالشُّبَهُ لا تَنْتهي، خصوصًا إذا كانت جدَلًا واحتمالاتٍ عقليَّةً مجرَّدةً؛ لأن العقلَ قد يتخيَّلُ أيَّ احتمال.
والعاقلُ قبل أن يتشرَّبَ شبهةً ويتقمَّصَها، عليه أن ينظُرَ في مَدَى احتماليَّتِها. فالسنَّةُ هي أعظَمُ شيءٍ عند المسلِمين بعد القرآنِ الكريم، وأبو هُرَيرةَ هو أكثرُ الرواةِ وأشهرُهم؛ ولهذا فلا يُمكِنُ أن يغفُلَ عن هذه الشبهةِ مع أهميَّتِها كبارُ العلماء؛ مع كمالِ دِينِهم وعقلِهم وتفرُّغِهم لهذا الشأن، ومجرَّدُ هذا كافٍ في الارتياحِ النفسيِّ وعدمِ رَيْبِ المرءِ في الإسلام؛ حتى قبل أن يَعرِفَ جوابَ الشبهة، ثم يُمكِنُهُ بعد ذلك - إذا أراد - أن يراجِعَ كلامَ العلماء؛ ليتبيَّنَ له ضعفُ هذه الشبهة