نص السؤال

إننا نَرَى عددًا مِن الصحابةِ يشكِّكون في عدالةِ أبي هُرَيرةَ ؛ فهذا عُمَرُ بنُ الخطَّابِ  يقولُ: «أَكْذَبُ المُحَدِّثِينَ أَبُو هُرَيْرَةَ»، ويَمنَعُهُ مِن الرواية، ويَعلُوهُ بالدِّرَّة، وهذه عائشةُ رضيَ اللهُ عنها تقولُ له: «إِنَّكَ تُحَدِّثُ بِشَيْءٍ مَا سَمِعْتُهُ»، وهذا ابنُ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما يشكِّكُ فيما يَرْويهِ أبو هُرَيرةَ؛ فكيف نَقبَلُ بعد ذلك ما يَرْويهِ أبو هُرَيرةَ  عن النبيِّ ﷺ؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

لماذا شكَّك بعضُ الأوائلِ في مرويَّاتِ أبي هُرَيرةَ ؟

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في السنَّةِ النبويَّةِ بتكذيبِ أكثرِ رُواتِها للحديثِ في أجلِّ طبَقاتِ الرواةِ، وهم الصحابةُ؛ وذلك بالاستدلالِ برواياتٍ عن بعضِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم على تكذيبِ أبي هُرَيرةَ ، أو التشكيكِ في حديثِه.
وما يُورِدُهُ صاحبُ هذا السؤالِ يتضمَّنُ الحاجةَ إلى حديثٍ عن موقفِ الصحابةِ مِن أبي هُرَيرةَ ، والموقفِ مِن تلك الرواياتِ المذكورة.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- الصحابةُ والتابِعون كانوا يروُون عن أبي هُرَيرةَ ؛ وهذا يدُلُّ على تعديلِهم له:
فقد عرَفهُ أصحابُ النبيِّ ﷺ بكثرةِ الرواياتِ عن النبيِّ ﷺ، وثبَّتوه في ذلك، منهم طَلْحةُ بنُ عُبَيدِ الله، وابنُ عُمَرَ، وغيرُهما. 
وروى عن أبي هُرَيرةَ غيرُ واحدٍ مِن الصحابةِ آثارًا عن رسولِ اللهِ ﷺ، منهم عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ، وجابرُ بنُ عبدِ الله، وابنُ عُمَرَ، وأنسُ بنُ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهم، ولو كان عندهم مِن عِدادِ الكذَّابينَ، لترَكوا الروايةَ عنه. 
ثم قد رَوَى عنه مِن أعلامِ التابِعينَ مِن أهلِ المدينةِ ومكَّةَ، والبصرةِ والكوفةِ، والشامِ واليمَنِ: عددٌ كثيرٌ لا يُحصَوْنَ - كما يقولُ الإمامُ الدارميُّ - منهم: سعيدُ بنُ المسيِّبِ، وأبو سلَمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، وعُرْوةُ بنُ الزُّبَيرِ، وعُبَيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبةَ، وعطاءٌ، وطاووسٌ، ومجاهِدٌ، وعَلقَمةُ بنُ قَيْسٍ، وقيسُ بنُ أبي حازمٍ، والشَّعْبيُّ، وإبراهيمُ، وأبو إدريسَ الخَوْلانيُّ مِن أهلِ الشام، وقد روَوُا الكثيرَ عن أبي هُرَيرةَ، واحتجُّوا به، واستعمَلوا روايتَهُ، ولو عرَفوا منه الكذبَ، ما حدَّثوا المسلِمين عنه.
وقد ذكَرَ البخاريُّ: أنه قد أخَذَ عن أبي هُرَيرةَ ثمانُ مِئَةٍ مِن أهلِ العلم، وذكَرَ الحاكمُ تحديثَ ثمانيةٍ وعشرينَ مِن الصحابةِ عنه؛ وهذا كلُّه يدُلُّ على تعديلِهم لهم.
2- عُمَرُ بنُ الخطَّابِ كان يستعمِلُ أبا هُرَيرةَ على الأعمالِ النفيسة، ويولِّيهِ الوِلاياتِ؛ وهذا يدُلُّ على تعديلِهِ له:
فلو كان عُمَرُ  يصفُ أبا هُرَيرةَ بأنه أكذبُ المحدِّثين، ويَمنَعُهُ مِن الرواية، ويعلُوهُ بالدِّرَّة - كما زعَمَ السائلُ - لَمَا كان له أن يأتمِنَهُ على أمورِ المسلِمين، ويولِّيَهُ أعمالَهم مرَّةً بعد مرَّةٍ، حتى دعاه آخِرَ ذلك إلى العمَلِ، فأَبَى؛ كما في «مصنَّفِ عبدِ الرزَّاق» (20659)، وفي «الردِّ على المَرِيسيِّ» للدارميِّ (ص237).
والرواياتُ الواردةُ عن عُمَرَ في تكذيبِ أبي هُرَيرةَ وضربِهِ، هي مِن أكاذيبِ أهلِ البِدَع.
وعند أهلِ البِدَعِ مِن المعتزِلةِ والجهميَّةِ والرافضةِ موضوعاتٌ مثلُ هذه الحكايةِ تتضمَّنُ الطعنَ القبيحَ في أبي بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعليٍّ وعائشةَ رضيَ اللهُ عنهم وغيرِهم، وفي كثيرٍ منها ما هو طعنٌ في النبيِّ ﷺ، والحكمُ في ذلك واحدٌ، وهو تكذيبُ تلك الحكاياتِ البتَّةَ.
3- عائشةُ رضيَ اللهُ عنها كانت تعقِّبُ على روايةِ أبي هُرَيرةَ، لا للطعنِ فيه، وإنما لقصدِ أن يُبدِيَ ما لدَيْهِ مِن جوابٍ علميّ:
فقد كان أبو هُرَيرةَ  شديدَ التواضُعِ، وعائشةُ معروفةٌ بالصرامةِ، وقوَّةِ العارِضة؛ فجوابُهُ لها يدُلُّ على قوَّةِ إدلالِهِ بصدقِهِ ووثوقِهِ بحفظِه، ولو كان عنده أدنى تردُّدٍ في صدقِهِ وحفظِهِ، لاجتهَدَ في الملاطَفة؛ فإن المُريبَ جبَانٌ.
ولننظُرْ في الراويةِ التي جاءت في ذلك:

عن عائشةَ

أنها دعَتْ أبا هُرَيرةَ، فقالت له: «يا أبا هُرَيرةَ، ما هذه الأحاديثُ التي تبلُغُنا أنك تحدِّثُ بها عن النبيِّ ﷺ؟ هل سَمِعْتَ إلا ما سَمِعْنا؟ وهل رأيتَ إلا ما رأَيْنا؟»، قال: «يا أُمَّاهْ، إنه كان يَشغَلُكِ عن رسولِ اللهِ ﷺ المِرْآةُ والمُكْحُلةُ، والتصنُّعُ لرسولِ اللهِ ﷺ، وإني واللهِ ما كان يَشغَلُني عنه شيءٌ»؛

رواه الحاكمُ (3/ 509 رقم 6160)


ففي هذا الحديثِ: نرى أبا هُرَيرةَ  يُجيبُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها على تساؤُلاتِها، بما يبدو أنها قد اقتنَعتْ به؛ إذْ لم ترُدَّ، ولم تعلِّقْ بشيء؛ لما فيه مِن صراحةٍ وواقعيَّةٍ يسلِّمُ بها ذوو النفوسِ الكريمةِ، والمقاصدِ السليمة.
وبهذا يتَّضِحُ: أن استدراكَها ما هو إلا تساؤُلٌ أرادَتْ منه الجوابَ عليه، فلما أجابها بما أجابها به، عرَفَتْ أن عنده ما ليس عندها، وأنه قد سَمِعَ ما لم تَسمَعْه، ورأى ما لم تَرَه؛ نظرًا لملازَمتِهِ التامَّةِ لرسولِ اللهِ ﷺ، وانشغالِها رضيَ اللهُ عنها بما تنشغِلُ به النساءُ المتزوِّجاتُ عادةً.
4- ابنُ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما كان يعقِّبُ على أحاديثِ أبي هُرَيرةَ بما يصدِّقُها ويعضُدُها، لا بما يَطعَنُ فيها:

فعن عمرِو بنِ دِينارٍ، عن ابنِ عُمَرَ

«أن رسولَ اللهِ ﷺ أمَرَ بقتلِ الكِلَابِ، إلا كَلْبَ صَيْدٍ، أو كَلْبَ غَنَمٍ، أو ماشِيةٍ»، فقيل لابنِ عُمَرَ: إن أبا هُرَيرةَ يقولُ: «أو كَلْبَ زَرْعٍ»، فقال ابنُ عُمَرَ: «إن لأبي هُرَيرةَ زَرْعًا»؛

رواه مسلم (1571)

 
قال أهلُ العلمِ: «ليس هذا توهينًا لروايةِ أبي هُرَيرةَ ولا شكًّا فيها، بل معناهُ: أنه لما كان صاحبَ زرعٍ وحَرْثٍ، اعتنى بذلك وحَفِظَهُ وأتقَنَه، والعادةُ: أن المُبتلَى بشيءٍ، يُتقِنُهُ ما لا يُتقِنُهُ غيرُه، ويتعرَّفُ مِن أحكامِهِ ما لا يَعرِفُهُ غيرُه». «شرحُ النوَويِّ على مسلم» (10/ 236).
وقال الخطَّابيُّ: «كان ابنُ عُمَرَ لا يذكُرُ في هذا الحديثِ كَلْبَ الزرعِ، وقيل له: «إن أبا هُرَيرةَ ذكَرَ كلبَ الزرعِ»، فقال: «إن لأبي هُرَيرةَ زَرْعًا»، فتأوَّله بعضُ مَن لم يُوفَّقْ للصوابِ على غيرِ وجهِه، وذهَبَ إلى أنه [أي: ابنَ عُمَرَ] قصَدَ بهذا القولِ إنكارَهُ والتُّهَمةَ له مِن أجلِ حاجتِهِ إلى الكلبِ لحراسةِ زرعِهِ، وليس الأمرُ كما قال؛ وإنما أراد ابنُ عُمَرَ تصديقَ أبي هُرَيرةَ، وتوكيدَ قولِهِ، وجعَلَ حاجتَهُ إلى ذلك شاهدًا له على عِلمِهِ ومعرفتِهِ به؛ لأن مَن صَدَقَتْ حاجتُهُ إلى شيءٍ، كَثُرَتْ مسألتُهُ عنه، ودام طلَبُهُ له حتى يُدرِكَهُ ويُحكِمَه». «معالم السُّنَن» (4/288- 289).
ففي هذه الروايةِ - إذَنْ -: دَلَالةٌ على ذكرِ ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما لفضلِ أبي هُرَيرةَ ، ووجهُ الفضلِ: عنايتُهُ بمعرفةِ أحكامِ اللهِ تعالى فيما يحتاجُه، لا أنه قصَدَ لَمْزَهُ بالإشارةِ إلى أنه أتى بهذه الزيادةِ تبريرًا لاتِّخاذِهِ الكلبَ لزرعِه.
ولهذه الزيادةِ شواهدُ عن غيرِهِ مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، ولم ينفرِدْ بها أبو هُرَيرةَ .
وقد جاء عن ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما :

أنه قال لأبي هُرَيرةَ  مُقِرًّا بفضلِهِ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيثِهِ»؛

رواه أحمد (4453)

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
ينقُلُ السائلُ مواقفَ لبعضِ الصحابةِ يرى فيها تشكيكًا في أبي هُرَيرةَ؛ وهذا مِن وجهةِ نظَرِهِ يُسقِطُ الوثوقَ بروايتِه. 
مختصَرُ الإجابة:
لم تَصِحَّ روايةٌ عن أحدٍ مِن الصحابةِ في وصفِ أبي هُرَيرةَ  بالكذبِ، أو الطعنِ في عدالتِه، وأما ما صَحَّ منها، فهو يدُلُّ على حصولِ تعقيبٍ مِن بعضِ الصحابةِ على بعضِ ما يَرْويهِ أبو هُرَيرةَ ؛ وذلك لا يدُلُّ على رَدِّ أحاديثِه، ولا الطعنِ في عدالتِه.
بل قد روى عن أبي هُرَيرةَ غيرُ واحدٍ مِن الصحابةِ آثارًا عن رسولِ اللهِ ﷺ، منهم عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ، وجابرُ بنُ عبدِ الله، وابنُ عُمَرَ، وأنسُ بنُ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهم، ولو كان عندهم مِن عِدادِ الكذَّابينَ، لترَكوا الروايةَ عنه.
وقد ذكَرَ البخاريُّ: أنه قد أخَذَ عن أبي هُرَيرةَ ثمانُ مِئَةٍ مِن أهلِ العلم، وذكَرَ الحاكمُ تحديثَ ثمانيةٍ وعشرينَ مِن الصحابةِ عنه؛ وهذا كلُّه يدُلُّ على تعديلِهم لهم.
وما ذكَرهُ السائلُ مِن طعنِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، وعائشةَ أمِّ المؤمِنين، وابنِ عُمَرَ، رضيَ اللهُ عنهم، في أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه -: فمردودٌ:
أما عُمَرُ بنُ الخطَّابِ ، فكان يستعمِلُ أبا هُرَيرةَ على الأعمالِ النفيسة، ويولِّيهِ الوِلاياتِ؛ وهذا يدُلُّ على تعديلِهِ له؛ فلو كان عُمَرُ  يصفُ أبا هُرَيرةَ بأنه أكذبُ المحدِّثين، ويَمنَعُهُ مِن الرواية، ويعلُوهُ بالدِّرَّة - كما زعَمَ السائلُ - لَمَا كان له أن يأتمِنَهُ على أمورِ المسلِمين، ويولِّيَهُ أعمالَهم مرَّةً بعد مرَّةٍ.
وأما عائشةُ رضيَ اللهُ عنها، فكانت تعقِّبُ على روايةِ أبي هُرَيرةَ، لا للطعنِ فيه، وإنما لقصدِ أن يُبدِيَ ما لدَيْهِ مِن جوابٍ علميّ.
وابنُ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما، كان يعقِّبُ على أحاديثِ أبي هُرَيرةَ بما يصدِّقُها ويعضُدُها، لا بما يَطعَنُ فيها.
وقد جاء عن ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما: أنه قال لأبي هُرَيرةَ  مُقِرًّا بفضلِهِ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيثِهِ»؛ رواه أحمد (4453). 

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجوابِ - توصية: إن دعوى طعنِ الصحابةِ في أبي هُرَيرةَ  دعوى قديمةٌ، أتى بها أهلُ البِدَعِ مِن الجهميَّة، وردَّدها المستشرِقون والمنصِّرون في هذا الزمان، والمسلِمُ لا يَقبَلُ الطعنَ في صحابةِ نبيِّه ﷺ بالرواياتِ المكذوبة، واللهَ نسألُ أن ينتقِمَ لأبي هُرَيرةَ  ممَّن رماهُ بالكذب.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
ينقُلُ السائلُ مواقفَ لبعضِ الصحابةِ يرى فيها تشكيكًا في أبي هُرَيرةَ؛ وهذا مِن وجهةِ نظَرِهِ يُسقِطُ الوثوقَ بروايتِه. 
مختصَرُ الإجابة:
لم تَصِحَّ روايةٌ عن أحدٍ مِن الصحابةِ في وصفِ أبي هُرَيرةَ  بالكذبِ، أو الطعنِ في عدالتِه، وأما ما صَحَّ منها، فهو يدُلُّ على حصولِ تعقيبٍ مِن بعضِ الصحابةِ على بعضِ ما يَرْويهِ أبو هُرَيرةَ ؛ وذلك لا يدُلُّ على رَدِّ أحاديثِه، ولا الطعنِ في عدالتِه.
بل قد روى عن أبي هُرَيرةَ غيرُ واحدٍ مِن الصحابةِ آثارًا عن رسولِ اللهِ ﷺ، منهم عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ، وجابرُ بنُ عبدِ الله، وابنُ عُمَرَ، وأنسُ بنُ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهم، ولو كان عندهم مِن عِدادِ الكذَّابينَ، لترَكوا الروايةَ عنه.
وقد ذكَرَ البخاريُّ: أنه قد أخَذَ عن أبي هُرَيرةَ ثمانُ مِئَةٍ مِن أهلِ العلم، وذكَرَ الحاكمُ تحديثَ ثمانيةٍ وعشرينَ مِن الصحابةِ عنه؛ وهذا كلُّه يدُلُّ على تعديلِهم لهم.
وما ذكَرهُ السائلُ مِن طعنِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، وعائشةَ أمِّ المؤمِنين، وابنِ عُمَرَ، رضيَ اللهُ عنهم، في أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه -: فمردودٌ:
أما عُمَرُ بنُ الخطَّابِ ، فكان يستعمِلُ أبا هُرَيرةَ على الأعمالِ النفيسة، ويولِّيهِ الوِلاياتِ؛ وهذا يدُلُّ على تعديلِهِ له؛ فلو كان عُمَرُ  يصفُ أبا هُرَيرةَ بأنه أكذبُ المحدِّثين، ويَمنَعُهُ مِن الرواية، ويعلُوهُ بالدِّرَّة - كما زعَمَ السائلُ - لَمَا كان له أن يأتمِنَهُ على أمورِ المسلِمين، ويولِّيَهُ أعمالَهم مرَّةً بعد مرَّةٍ.
وأما عائشةُ رضيَ اللهُ عنها، فكانت تعقِّبُ على روايةِ أبي هُرَيرةَ، لا للطعنِ فيه، وإنما لقصدِ أن يُبدِيَ ما لدَيْهِ مِن جوابٍ علميّ.
وابنُ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما، كان يعقِّبُ على أحاديثِ أبي هُرَيرةَ بما يصدِّقُها ويعضُدُها، لا بما يَطعَنُ فيها.
وقد جاء عن ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما: أنه قال لأبي هُرَيرةَ  مُقِرًّا بفضلِهِ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيثِهِ»؛ رواه أحمد (4453). 

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في السنَّةِ النبويَّةِ بتكذيبِ أكثرِ رُواتِها للحديثِ في أجلِّ طبَقاتِ الرواةِ، وهم الصحابةُ؛ وذلك بالاستدلالِ برواياتٍ عن بعضِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم على تكذيبِ أبي هُرَيرةَ ، أو التشكيكِ في حديثِه.
وما يُورِدُهُ صاحبُ هذا السؤالِ يتضمَّنُ الحاجةَ إلى حديثٍ عن موقفِ الصحابةِ مِن أبي هُرَيرةَ ، والموقفِ مِن تلك الرواياتِ المذكورة.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- الصحابةُ والتابِعون كانوا يروُون عن أبي هُرَيرةَ ؛ وهذا يدُلُّ على تعديلِهم له:
فقد عرَفهُ أصحابُ النبيِّ ﷺ بكثرةِ الرواياتِ عن النبيِّ ﷺ، وثبَّتوه في ذلك، منهم طَلْحةُ بنُ عُبَيدِ الله، وابنُ عُمَرَ، وغيرُهما. 
وروى عن أبي هُرَيرةَ غيرُ واحدٍ مِن الصحابةِ آثارًا عن رسولِ اللهِ ﷺ، منهم عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ، وجابرُ بنُ عبدِ الله، وابنُ عُمَرَ، وأنسُ بنُ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهم، ولو كان عندهم مِن عِدادِ الكذَّابينَ، لترَكوا الروايةَ عنه. 
ثم قد رَوَى عنه مِن أعلامِ التابِعينَ مِن أهلِ المدينةِ ومكَّةَ، والبصرةِ والكوفةِ، والشامِ واليمَنِ: عددٌ كثيرٌ لا يُحصَوْنَ - كما يقولُ الإمامُ الدارميُّ - منهم: سعيدُ بنُ المسيِّبِ، وأبو سلَمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، وعُرْوةُ بنُ الزُّبَيرِ، وعُبَيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبةَ، وعطاءٌ، وطاووسٌ، ومجاهِدٌ، وعَلقَمةُ بنُ قَيْسٍ، وقيسُ بنُ أبي حازمٍ، والشَّعْبيُّ، وإبراهيمُ، وأبو إدريسَ الخَوْلانيُّ مِن أهلِ الشام، وقد روَوُا الكثيرَ عن أبي هُرَيرةَ، واحتجُّوا به، واستعمَلوا روايتَهُ، ولو عرَفوا منه الكذبَ، ما حدَّثوا المسلِمين عنه.
وقد ذكَرَ البخاريُّ: أنه قد أخَذَ عن أبي هُرَيرةَ ثمانُ مِئَةٍ مِن أهلِ العلم، وذكَرَ الحاكمُ تحديثَ ثمانيةٍ وعشرينَ مِن الصحابةِ عنه؛ وهذا كلُّه يدُلُّ على تعديلِهم لهم.
2- عُمَرُ بنُ الخطَّابِ كان يستعمِلُ أبا هُرَيرةَ على الأعمالِ النفيسة، ويولِّيهِ الوِلاياتِ؛ وهذا يدُلُّ على تعديلِهِ له:
فلو كان عُمَرُ  يصفُ أبا هُرَيرةَ بأنه أكذبُ المحدِّثين، ويَمنَعُهُ مِن الرواية، ويعلُوهُ بالدِّرَّة - كما زعَمَ السائلُ - لَمَا كان له أن يأتمِنَهُ على أمورِ المسلِمين، ويولِّيَهُ أعمالَهم مرَّةً بعد مرَّةٍ، حتى دعاه آخِرَ ذلك إلى العمَلِ، فأَبَى؛ كما في «مصنَّفِ عبدِ الرزَّاق» (20659)، وفي «الردِّ على المَرِيسيِّ» للدارميِّ (ص237).
والرواياتُ الواردةُ عن عُمَرَ في تكذيبِ أبي هُرَيرةَ وضربِهِ، هي مِن أكاذيبِ أهلِ البِدَع.
وعند أهلِ البِدَعِ مِن المعتزِلةِ والجهميَّةِ والرافضةِ موضوعاتٌ مثلُ هذه الحكايةِ تتضمَّنُ الطعنَ القبيحَ في أبي بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعليٍّ وعائشةَ رضيَ اللهُ عنهم وغيرِهم، وفي كثيرٍ منها ما هو طعنٌ في النبيِّ ﷺ، والحكمُ في ذلك واحدٌ، وهو تكذيبُ تلك الحكاياتِ البتَّةَ.
3- عائشةُ رضيَ اللهُ عنها كانت تعقِّبُ على روايةِ أبي هُرَيرةَ، لا للطعنِ فيه، وإنما لقصدِ أن يُبدِيَ ما لدَيْهِ مِن جوابٍ علميّ:
فقد كان أبو هُرَيرةَ  شديدَ التواضُعِ، وعائشةُ معروفةٌ بالصرامةِ، وقوَّةِ العارِضة؛ فجوابُهُ لها يدُلُّ على قوَّةِ إدلالِهِ بصدقِهِ ووثوقِهِ بحفظِه، ولو كان عنده أدنى تردُّدٍ في صدقِهِ وحفظِهِ، لاجتهَدَ في الملاطَفة؛ فإن المُريبَ جبَانٌ.
ولننظُرْ في الراويةِ التي جاءت في ذلك:

عن عائشةَ

أنها دعَتْ أبا هُرَيرةَ، فقالت له: «يا أبا هُرَيرةَ، ما هذه الأحاديثُ التي تبلُغُنا أنك تحدِّثُ بها عن النبيِّ ﷺ؟ هل سَمِعْتَ إلا ما سَمِعْنا؟ وهل رأيتَ إلا ما رأَيْنا؟»، قال: «يا أُمَّاهْ، إنه كان يَشغَلُكِ عن رسولِ اللهِ ﷺ المِرْآةُ والمُكْحُلةُ، والتصنُّعُ لرسولِ اللهِ ﷺ، وإني واللهِ ما كان يَشغَلُني عنه شيءٌ»؛

رواه الحاكمُ (3/ 509 رقم 6160)


ففي هذا الحديثِ: نرى أبا هُرَيرةَ  يُجيبُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها على تساؤُلاتِها، بما يبدو أنها قد اقتنَعتْ به؛ إذْ لم ترُدَّ، ولم تعلِّقْ بشيء؛ لما فيه مِن صراحةٍ وواقعيَّةٍ يسلِّمُ بها ذوو النفوسِ الكريمةِ، والمقاصدِ السليمة.
وبهذا يتَّضِحُ: أن استدراكَها ما هو إلا تساؤُلٌ أرادَتْ منه الجوابَ عليه، فلما أجابها بما أجابها به، عرَفَتْ أن عنده ما ليس عندها، وأنه قد سَمِعَ ما لم تَسمَعْه، ورأى ما لم تَرَه؛ نظرًا لملازَمتِهِ التامَّةِ لرسولِ اللهِ ﷺ، وانشغالِها رضيَ اللهُ عنها بما تنشغِلُ به النساءُ المتزوِّجاتُ عادةً.
4- ابنُ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما كان يعقِّبُ على أحاديثِ أبي هُرَيرةَ بما يصدِّقُها ويعضُدُها، لا بما يَطعَنُ فيها:

فعن عمرِو بنِ دِينارٍ، عن ابنِ عُمَرَ

«أن رسولَ اللهِ ﷺ أمَرَ بقتلِ الكِلَابِ، إلا كَلْبَ صَيْدٍ، أو كَلْبَ غَنَمٍ، أو ماشِيةٍ»، فقيل لابنِ عُمَرَ: إن أبا هُرَيرةَ يقولُ: «أو كَلْبَ زَرْعٍ»، فقال ابنُ عُمَرَ: «إن لأبي هُرَيرةَ زَرْعًا»؛

رواه مسلم (1571)

 
قال أهلُ العلمِ: «ليس هذا توهينًا لروايةِ أبي هُرَيرةَ ولا شكًّا فيها، بل معناهُ: أنه لما كان صاحبَ زرعٍ وحَرْثٍ، اعتنى بذلك وحَفِظَهُ وأتقَنَه، والعادةُ: أن المُبتلَى بشيءٍ، يُتقِنُهُ ما لا يُتقِنُهُ غيرُه، ويتعرَّفُ مِن أحكامِهِ ما لا يَعرِفُهُ غيرُه». «شرحُ النوَويِّ على مسلم» (10/ 236).
وقال الخطَّابيُّ: «كان ابنُ عُمَرَ لا يذكُرُ في هذا الحديثِ كَلْبَ الزرعِ، وقيل له: «إن أبا هُرَيرةَ ذكَرَ كلبَ الزرعِ»، فقال: «إن لأبي هُرَيرةَ زَرْعًا»، فتأوَّله بعضُ مَن لم يُوفَّقْ للصوابِ على غيرِ وجهِه، وذهَبَ إلى أنه [أي: ابنَ عُمَرَ] قصَدَ بهذا القولِ إنكارَهُ والتُّهَمةَ له مِن أجلِ حاجتِهِ إلى الكلبِ لحراسةِ زرعِهِ، وليس الأمرُ كما قال؛ وإنما أراد ابنُ عُمَرَ تصديقَ أبي هُرَيرةَ، وتوكيدَ قولِهِ، وجعَلَ حاجتَهُ إلى ذلك شاهدًا له على عِلمِهِ ومعرفتِهِ به؛ لأن مَن صَدَقَتْ حاجتُهُ إلى شيءٍ، كَثُرَتْ مسألتُهُ عنه، ودام طلَبُهُ له حتى يُدرِكَهُ ويُحكِمَه». «معالم السُّنَن» (4/288- 289).
ففي هذه الروايةِ - إذَنْ -: دَلَالةٌ على ذكرِ ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما لفضلِ أبي هُرَيرةَ ، ووجهُ الفضلِ: عنايتُهُ بمعرفةِ أحكامِ اللهِ تعالى فيما يحتاجُه، لا أنه قصَدَ لَمْزَهُ بالإشارةِ إلى أنه أتى بهذه الزيادةِ تبريرًا لاتِّخاذِهِ الكلبَ لزرعِه.
ولهذه الزيادةِ شواهدُ عن غيرِهِ مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، ولم ينفرِدْ بها أبو هُرَيرةَ .
وقد جاء عن ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما :

أنه قال لأبي هُرَيرةَ  مُقِرًّا بفضلِهِ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيثِهِ»؛

رواه أحمد (4453)

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجوابِ - توصية: إن دعوى طعنِ الصحابةِ في أبي هُرَيرةَ  دعوى قديمةٌ، أتى بها أهلُ البِدَعِ مِن الجهميَّة، وردَّدها المستشرِقون والمنصِّرون في هذا الزمان، والمسلِمُ لا يَقبَلُ الطعنَ في صحابةِ نبيِّه ﷺ بالرواياتِ المكذوبة، واللهَ نسألُ أن ينتقِمَ لأبي هُرَيرةَ  ممَّن رماهُ بالكذب.