نص السؤال

إن القرآنَ الكريمَ يُغْني عن السنَّةِ النبويَّة؛ ويدُلُّ على ذلك قولُهُ تعالى:

{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}

[النحل: 89]

وقولُهُ:

{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}

[الأنعام: 38]

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

هل صحيحٌ أن الدِّينَ يُؤخَذُ مِن القرآن، وأما السنَّةُ النبويَّةُ، فاجتهاداتٌ شخصيَّة؟ 

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

الجوابُ عن هذه الشبهةِ يحتاجُ إلى بيانِ الأدلَّةِ على حجِّيَّةِ السنَّة، وبيانِ اللوازمِ الفاسدةِ للقولِ بعدمِ حجِّيَّتِها:

1- بيانُ حجِّيَّةِ السُّنَّة، وأن القولُ بعدمِ حجِّيَّتِها مناقِضٌ للقرآن:

فإن السنَّةَ النبويَّةَ وحيٌ مِن عندِ اللهِ تعالى، والأخذُ بها، والقولُ بلزومِ اتِّباعِها: مِن محكَماتِ الدِّينِ الإسلاميِّ، وثوابتِ أهلِ السنَّةِ والجماعة، وقد جاء عن التابِعيِّ الجليلِ حسَّانَ بنِ عطيَّةَ رحمَهُ الله تعالى؛ أنه قال: «كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ بِالسُّنَّةِ، كَمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، يُعَلِّمُهُ إِيَّاهَا، كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ»؛ رواه الخطيبُ في «الفقيهِ والمتفقِّه» (1/267).

كما أن القولَ بعدمِ حجِّيَّةِ السنَّةِ مناقِضٌ لعددٍ مِن الأدلَّةِ القرآنيَّةِ؛ كقولِهِ تعالى:

{لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}

[آل عمران: ١٦٤]

وقولِهِ تعالى:

{وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}

[النساء: ١١٣]

وقولِهِ تعالى:

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}

[الجمعة: ٢]

 وقولِهِ تعالى:

{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}

[الأحزاب: ٣٤]

وقولِهِ تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}

[النساء: ٥٩]

ومعنى الآيةِ: الردُّ إلى كتابِ اللهِ تعالى, وإلى الرسولِ ما دام حيًّا, فإذا قُبِضَ، فإلى سُنَّتِه.

2- إنكارُ السنَّةِ له مِن اللوازمِ الفاسدةِ العائدةِ على الدِّينِ بالإبطالِ العددُ الكبيرُ؛ فمِن تلك اللوازم:

 اللازمُ الأوَّلُ: تعذُّرُ إقامةِ الدِّينِ؛ لأن مَن يُنكِرُ سُنَّةَ النبيِّ ﷺ سيكونُ عاجزًا عن إثباتِ الدليلِ على مَسرَدٍ طويلٍ جِدًّا مِن الأحكامِ الشرعيَّةِ القطعيَّة، والتي لا يختلِفُ عليها مسلِمٌ، غيرَ أن بيانَها قد جاء في السنَّة.

ومما يوضِّحُ ذلك: ما جاء عن عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ: «أن رجُلًا أتاهُ، فسأله عن شيءٍ, فحدَّثه, فقال الرجُلُ: حَدِّثوا عن كتابِ اللهِ, ولا تحدِّثوا عن غيرِهِ, فقال: إنك امرُؤٌ أحمَقُ, أَتَجِدُ في كتابِ اللهِ أن صلاةَ الظُّهْرِ أربَعٌ لا يُجهَرُ فيها؟! وعَدَّ الصلَواتِ, وعَدَّ الزكاةَ، ونحوَها، ثم قال: أَتَجِدُ هذا مفسَّرًا في كتابِ الله؟! إن كتابَ اللهِ قد أحكَمَ ذلك, والسنَّةُ تفسِّرُ ذلك»؛ رواه الخطيبُ البغداديُّ في «الفقيهِ والمتفقِّه» (1/237).

اللازمُ الثاني: إضاعةُ مصدرٍ مِن مصادرِ تبيينِ معاني القرآنِ، لا عِوَضَ عنه:

إذْ إن سُنَّةَ النبيِّ ﷺ هي خيرُ مُعينٍ على فهمِ كتابِ اللهِ تعالى؛ فالنبيُّ ﷺ أعلَمُ البشَرِ بكلامِ اللهِ تعالى، ومِن مَهَامِّهِ الشريفةِ ﷺ بيانُ معاني القرآنِ؛ كما قال تعالى:

{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}

[النحل: 44]

اللازمُ الثالثُ: الطعنُ في النبيِّ ؛ وذلك مِن ثلاثةِ أوجُهٍ:

الأوَّلُ: أن النبيَّ ﷺ تناوَلَ بالذِّكْرِ أمورًا ليست في القرآن؛ فقد تواتَرَ عنه ﷺ أنه تحدَّث عن مغيَّباتٍ ماضيةٍ ومستقبليَّةٍ وآنيَّةٍ، كما سَنَّ الكثيرَ مِن التشريعاتِ والأحكام، ويَلزَمُ مَن قال بكفايةِ القرآنِ وحده: أن يَطعَنَ في النبيِّ ﷺ بسببِ ذلك، وأن ينسُبَ له - حاشاهُ - الافتراءَ على اللهِ تعالى؛ فمِن أين لمَن يُنكِرُ حجِّيَّةَ السنَّةِ أن يأتِيَ بمستنَدٍ لاستقبالِ النبيِّ ﷺ لبيتِ المَقدِسِ قبل تحويلِ القِبْلة؟! لا ريبَ أنه ليس أمامَهُ إلا نسبةُ الرسولِ إلى الافتراءِ على الله، أو الإقرارُ بحجِّيَّةِ السنَّة.

الوجهُ الثاني: أن إبطالَ الاحتجاجِ بالسنَّةِ يَقْتضي أن الأوامرَ التي جاءت في القرآنِ بالأمرِ باتِّباعِ الرسولِ أوامرُ تضليليَّةٌ ملبِسةٌ، وأنه كان الواجبُ أن يحذِّرَ القرآنُ الناسَ مِن اتِّباعِ الرسولِ ﷺ في غيرِ ما جاء به القرآنُ حتى لا يَضِلُّوا.

الوجهُ الثالثُ: أن القائلَ بإنكارِ حجِّيَّةِ السنَّةِ لو خاطَبهُ الرسولُ ﷺ كفاحًا بالأمرِ والنهيِ، لَرَدَّهُ، ولقال: «حَسْبُنا كتابُ الله!»، وهذا - إن لم يكن مشابِهًا لمشرِكي قُريشٍ في القِحَةِ - فهو مشابِهٌ للخوارجِ الذين رَدُّوا على الرسولِ ﷺ في وجهِهِ، 

وقال له أحدُهم: يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ، قَالَ:

«وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟! لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ»؛

رواه مسلم (1063)

؛ مِن حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، ورواه البخاري (3610)؛ مِن حديثِ أبي سعيد.

3- استدلالُ منكِري حجِّيَّةِ السنَّةِ بقولِهِ تعالى:

{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}

[النحل: 89]

استدلالٌ باطلٌ:

فلا شَكَّ في كونِ القرآنِ تِبيانًا لكلِّ شيءٍ، كما قال ربُّنا، ولكنَّ الشأنَ في تحريرِ وجهِ التِّبيانِ الذي جاء به القرآن؛ فهم يحصُرونه في طريقِ النصِّ على كلِّ حكمٍ بعينِهِ؛ وهذا تضييقٌ لدَلالةِ اللفظِ لا نَقبَلُهُ؛ فإن طُرُقَ التِّبْيانِ واسعةٌ منها النصُّ، ومنها الإشارةُ، ومنها الإحالةُ، وغيرُ ذلك.

ولو أن طبيبًا وصَفَ لمريضٍ دواءَهُ، ثم أحاله في الوقايةِ إلى ورَقةٍ لطبيبٍ آخَرَ مكتوبٍ فيها حِمْيةٌ؛ ليَتَّبِعَها المريضُ، لقُلْنا: إن الطبيبَ بيَّن له العلاجَ، وبيَّن له الوِقايةَ أيضًا، مع أنه لم ينُصَّ عليها، وإنما كان وجهُ التِّبْيانِ هنا الإحالةَ. وهكذا الشأنُ في القرآنِ الكريم؛ فإننا نجدُ أن اللهَ تعالى يُرشِدُ فيه إلى طاعةِ أمرِ رسولِهِ ﷺ، واجتنابِ نهيِه؛ وذلك في عشَراتِ المواضعِ؛ فمَن يتَّبِعْ ما أمَرَ به الرسولُ مما لم يُذكَرْ نصُّهُ في القرآن، فإنما يكونُ متَّبِعًا للقرآنِ في الحقيقة؛ وذلك لأن فيه تِبيانًا لوجوبِ طاعةِ هذا الرسولِ الكريم.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
تأتي هذه الشبهةُ في مَقولةٍ تُظهِرُ صاحبَها في صورةِ المكتفي بالقرآنِ مَصدَرًا للحجَّةِ والاستدلال، فإذا استدلَلْتَ لحكمٍ شرعيٍّ بدليلٍ مِن السنَّةِ النبويَّةِ، قذَفَ بهذه المقولةِ في وجهِك، مدَّعِيًا كفايةَ القرآنِ في إقامةِ الدِّين، دون الحاجةِ إلى مصدرٍ آخَرَ. 
مختصَرُ الإجابة:
حجِّيَّةُ السنَّةِ النبويَّةِ ثابتةٌ بالأدلَّةِ المتنوِّعةِ مِن العقلِ والنقلِ؛ فالقولُ بعدمِ حجِّيَّةِ السنَّةِ مناقِضٌ للقرآن، كما أن إنكارَ السنَّةِ له مِن اللوازمِ الفاسدةِ العائدةِ على الدِّينِ بالإبطالِ العددُ الكبيرُ؛ فإنكارُ السنَّةِ النبويَّةِ يؤدِّي إلى تعذُّرِ إقامةِ الدِّين، وإضاعةِ مصدرٍ مِن مصادرِ تبيينِ معاني القرآن، لا عِوَضَ عنه، والطعنِ في النبيِّ ﷺ بنسبتِهِ إلى الافتراءِ والتضليلِ والتلبيس، مما يؤدِّي إلى رَدِّ ما جاء به، مع ما فيه مِن قلَّةِ الأدبِ معه ﷺ.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية: إن تثبيتَ حجِّيَّةِ السُّنَّةِ، وإقامةَ الدلائلِ على لزومِ امتثالِ ما ورَدَ فيها، وأنه لا يسَعُ المسلِمَ غيرُ ذلك -: مِن الأمورِ التي كتَبَ فيها العلماءُ منذ القرونِ المبكِّرةِ للإسلام؛ لظهورِ بدعةِ إنكارِها في وقتِهم، ونَوَدُّ الإشارةَ هنا إلى كتابَيِ «الرسالةِ» و«جِماعِ العِلمِ» للإمامِ الشافعيِّ؛ فهما مِن أقدَمِ ما صُنِّفَ في هذا البابِ، وأحسَنِه.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
تأتي هذه الشبهةُ في مَقولةٍ تُظهِرُ صاحبَها في صورةِ المكتفي بالقرآنِ مَصدَرًا للحجَّةِ والاستدلال، فإذا استدلَلْتَ لحكمٍ شرعيٍّ بدليلٍ مِن السنَّةِ النبويَّةِ، قذَفَ بهذه المقولةِ في وجهِك، مدَّعِيًا كفايةَ القرآنِ في إقامةِ الدِّين، دون الحاجةِ إلى مصدرٍ آخَرَ. 
مختصَرُ الإجابة:
حجِّيَّةُ السنَّةِ النبويَّةِ ثابتةٌ بالأدلَّةِ المتنوِّعةِ مِن العقلِ والنقلِ؛ فالقولُ بعدمِ حجِّيَّةِ السنَّةِ مناقِضٌ للقرآن، كما أن إنكارَ السنَّةِ له مِن اللوازمِ الفاسدةِ العائدةِ على الدِّينِ بالإبطالِ العددُ الكبيرُ؛ فإنكارُ السنَّةِ النبويَّةِ يؤدِّي إلى تعذُّرِ إقامةِ الدِّين، وإضاعةِ مصدرٍ مِن مصادرِ تبيينِ معاني القرآن، لا عِوَضَ عنه، والطعنِ في النبيِّ ﷺ بنسبتِهِ إلى الافتراءِ والتضليلِ والتلبيس، مما يؤدِّي إلى رَدِّ ما جاء به، مع ما فيه مِن قلَّةِ الأدبِ معه ﷺ.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

الجوابُ عن هذه الشبهةِ يحتاجُ إلى بيانِ الأدلَّةِ على حجِّيَّةِ السنَّة، وبيانِ اللوازمِ الفاسدةِ للقولِ بعدمِ حجِّيَّتِها:

1- بيانُ حجِّيَّةِ السُّنَّة، وأن القولُ بعدمِ حجِّيَّتِها مناقِضٌ للقرآن:

فإن السنَّةَ النبويَّةَ وحيٌ مِن عندِ اللهِ تعالى، والأخذُ بها، والقولُ بلزومِ اتِّباعِها: مِن محكَماتِ الدِّينِ الإسلاميِّ، وثوابتِ أهلِ السنَّةِ والجماعة، وقد جاء عن التابِعيِّ الجليلِ حسَّانَ بنِ عطيَّةَ رحمَهُ الله تعالى؛ أنه قال: «كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ بِالسُّنَّةِ، كَمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، يُعَلِّمُهُ إِيَّاهَا، كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ»؛ رواه الخطيبُ في «الفقيهِ والمتفقِّه» (1/267).

كما أن القولَ بعدمِ حجِّيَّةِ السنَّةِ مناقِضٌ لعددٍ مِن الأدلَّةِ القرآنيَّةِ؛ كقولِهِ تعالى:

{لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}

[آل عمران: ١٦٤]

وقولِهِ تعالى:

{وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}

[النساء: ١١٣]

وقولِهِ تعالى:

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}

[الجمعة: ٢]

 وقولِهِ تعالى:

{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}

[الأحزاب: ٣٤]

وقولِهِ تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}

[النساء: ٥٩]

ومعنى الآيةِ: الردُّ إلى كتابِ اللهِ تعالى, وإلى الرسولِ ما دام حيًّا, فإذا قُبِضَ، فإلى سُنَّتِه.

2- إنكارُ السنَّةِ له مِن اللوازمِ الفاسدةِ العائدةِ على الدِّينِ بالإبطالِ العددُ الكبيرُ؛ فمِن تلك اللوازم:

 اللازمُ الأوَّلُ: تعذُّرُ إقامةِ الدِّينِ؛ لأن مَن يُنكِرُ سُنَّةَ النبيِّ ﷺ سيكونُ عاجزًا عن إثباتِ الدليلِ على مَسرَدٍ طويلٍ جِدًّا مِن الأحكامِ الشرعيَّةِ القطعيَّة، والتي لا يختلِفُ عليها مسلِمٌ، غيرَ أن بيانَها قد جاء في السنَّة.

ومما يوضِّحُ ذلك: ما جاء عن عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ: «أن رجُلًا أتاهُ، فسأله عن شيءٍ, فحدَّثه, فقال الرجُلُ: حَدِّثوا عن كتابِ اللهِ, ولا تحدِّثوا عن غيرِهِ, فقال: إنك امرُؤٌ أحمَقُ, أَتَجِدُ في كتابِ اللهِ أن صلاةَ الظُّهْرِ أربَعٌ لا يُجهَرُ فيها؟! وعَدَّ الصلَواتِ, وعَدَّ الزكاةَ، ونحوَها، ثم قال: أَتَجِدُ هذا مفسَّرًا في كتابِ الله؟! إن كتابَ اللهِ قد أحكَمَ ذلك, والسنَّةُ تفسِّرُ ذلك»؛ رواه الخطيبُ البغداديُّ في «الفقيهِ والمتفقِّه» (1/237).

اللازمُ الثاني: إضاعةُ مصدرٍ مِن مصادرِ تبيينِ معاني القرآنِ، لا عِوَضَ عنه:

إذْ إن سُنَّةَ النبيِّ ﷺ هي خيرُ مُعينٍ على فهمِ كتابِ اللهِ تعالى؛ فالنبيُّ ﷺ أعلَمُ البشَرِ بكلامِ اللهِ تعالى، ومِن مَهَامِّهِ الشريفةِ ﷺ بيانُ معاني القرآنِ؛ كما قال تعالى:

{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}

[النحل: 44]

اللازمُ الثالثُ: الطعنُ في النبيِّ ؛ وذلك مِن ثلاثةِ أوجُهٍ:

الأوَّلُ: أن النبيَّ ﷺ تناوَلَ بالذِّكْرِ أمورًا ليست في القرآن؛ فقد تواتَرَ عنه ﷺ أنه تحدَّث عن مغيَّباتٍ ماضيةٍ ومستقبليَّةٍ وآنيَّةٍ، كما سَنَّ الكثيرَ مِن التشريعاتِ والأحكام، ويَلزَمُ مَن قال بكفايةِ القرآنِ وحده: أن يَطعَنَ في النبيِّ ﷺ بسببِ ذلك، وأن ينسُبَ له - حاشاهُ - الافتراءَ على اللهِ تعالى؛ فمِن أين لمَن يُنكِرُ حجِّيَّةَ السنَّةِ أن يأتِيَ بمستنَدٍ لاستقبالِ النبيِّ ﷺ لبيتِ المَقدِسِ قبل تحويلِ القِبْلة؟! لا ريبَ أنه ليس أمامَهُ إلا نسبةُ الرسولِ إلى الافتراءِ على الله، أو الإقرارُ بحجِّيَّةِ السنَّة.

الوجهُ الثاني: أن إبطالَ الاحتجاجِ بالسنَّةِ يَقْتضي أن الأوامرَ التي جاءت في القرآنِ بالأمرِ باتِّباعِ الرسولِ أوامرُ تضليليَّةٌ ملبِسةٌ، وأنه كان الواجبُ أن يحذِّرَ القرآنُ الناسَ مِن اتِّباعِ الرسولِ ﷺ في غيرِ ما جاء به القرآنُ حتى لا يَضِلُّوا.

الوجهُ الثالثُ: أن القائلَ بإنكارِ حجِّيَّةِ السنَّةِ لو خاطَبهُ الرسولُ ﷺ كفاحًا بالأمرِ والنهيِ، لَرَدَّهُ، ولقال: «حَسْبُنا كتابُ الله!»، وهذا - إن لم يكن مشابِهًا لمشرِكي قُريشٍ في القِحَةِ - فهو مشابِهٌ للخوارجِ الذين رَدُّوا على الرسولِ ﷺ في وجهِهِ، 

وقال له أحدُهم: يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ، قَالَ:

«وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟! لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ»؛

رواه مسلم (1063)

؛ مِن حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، ورواه البخاري (3610)؛ مِن حديثِ أبي سعيد.

3- استدلالُ منكِري حجِّيَّةِ السنَّةِ بقولِهِ تعالى:

{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}

[النحل: 89]

استدلالٌ باطلٌ:

فلا شَكَّ في كونِ القرآنِ تِبيانًا لكلِّ شيءٍ، كما قال ربُّنا، ولكنَّ الشأنَ في تحريرِ وجهِ التِّبيانِ الذي جاء به القرآن؛ فهم يحصُرونه في طريقِ النصِّ على كلِّ حكمٍ بعينِهِ؛ وهذا تضييقٌ لدَلالةِ اللفظِ لا نَقبَلُهُ؛ فإن طُرُقَ التِّبْيانِ واسعةٌ منها النصُّ، ومنها الإشارةُ، ومنها الإحالةُ، وغيرُ ذلك.

ولو أن طبيبًا وصَفَ لمريضٍ دواءَهُ، ثم أحاله في الوقايةِ إلى ورَقةٍ لطبيبٍ آخَرَ مكتوبٍ فيها حِمْيةٌ؛ ليَتَّبِعَها المريضُ، لقُلْنا: إن الطبيبَ بيَّن له العلاجَ، وبيَّن له الوِقايةَ أيضًا، مع أنه لم ينُصَّ عليها، وإنما كان وجهُ التِّبْيانِ هنا الإحالةَ. وهكذا الشأنُ في القرآنِ الكريم؛ فإننا نجدُ أن اللهَ تعالى يُرشِدُ فيه إلى طاعةِ أمرِ رسولِهِ ﷺ، واجتنابِ نهيِه؛ وذلك في عشَراتِ المواضعِ؛ فمَن يتَّبِعْ ما أمَرَ به الرسولُ مما لم يُذكَرْ نصُّهُ في القرآن، فإنما يكونُ متَّبِعًا للقرآنِ في الحقيقة؛ وذلك لأن فيه تِبيانًا لوجوبِ طاعةِ هذا الرسولِ الكريم.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية: إن تثبيتَ حجِّيَّةِ السُّنَّةِ، وإقامةَ الدلائلِ على لزومِ امتثالِ ما ورَدَ فيها، وأنه لا يسَعُ المسلِمَ غيرُ ذلك -: مِن الأمورِ التي كتَبَ فيها العلماءُ منذ القرونِ المبكِّرةِ للإسلام؛ لظهورِ بدعةِ إنكارِها في وقتِهم، ونَوَدُّ الإشارةَ هنا إلى كتابَيِ «الرسالةِ» و«جِماعِ العِلمِ» للإمامِ الشافعيِّ؛ فهما مِن أقدَمِ ما صُنِّفَ في هذا البابِ، وأحسَنِه.