نص السؤال

الإمامُ البخاريُّ رحمه اللهُ تعالى ذو أصلٍ فارسيٍّ؛ فاللغةُ العربيَّةُ ليست لغتَهُ الأصليَّةَ، وكلُّ المؤرِّخين والحُفَّاظ، والمحدِّثين والمترجِمين وكُتَّابِ السِّيَرِ، لم يبيِّنوا لنا متى وكيف تعلَّم اللغةَ العربيَّةَ، بل كلُّ ما أورَدوهُ هو شروعُهُ في حفظِ الحديثِ وهو صبيٌّ لم يتجاوَزِ العَشْرَ سِنِينَ؛ فكيف يَحْظى صحيحُهُ مع ذلك كلِّه بالأهمِّيَّة؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

البخاريُّ لم يتعلَّمْ علومَ اللغةِ العربيَّة

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
هذه الشبهةُ تعبِّرُ عن جهلٍ بتاريخِ علماءِ الحديثِ وعلومِهم، إن الإمامَ البخاريَّ مِن كبارِ علماءِ الإسلام، ولا يَقدَحُ في إمامتِهِ أصلُهُ غيرُ العربيِّ، ما دام متقِنًا للُّغَةِ العربيَّةِ وعلومِها.
بل إن الطاعنَ فيه بذلك: إن كان مِن دعاةِ التنويرِ، ونبذِ العنصريَّةِ، فإنه يتناقَضُ مع نفسِهِ، حين يَدْعو إلى نبذِ العنصريَّةِ، ثم يَقدَحُ في الإمامِ البخاريِّ بسببِ عِرقِهِ غيرِ العربيّ.
والأحاديثُ التي رواها البخاريُّ رواها العلماءُ مِن قبلِه، وهي معروفةٌ عندهم، والبخاريُّ ناقلٌ أمينٌ، وقد نشَرَ كتابَهُ في وقتٍ مبكِّرٍ، وفي وقتِ وفورِ العلماء، ولو حصَلَ خطأٌ، لاستشكَلهُ عليه علماءُ عصرِهِ قبل غيرِهم.
والاستشكالُ الذي يُورِدُهُ صاحبُ السؤالِ يتضمَّنُ الحاجةَ لبيانِ صلةِ الإمامِ البخاريِّ باللُّغةِ العربيَّة، ومدى معرفتِهِ بها.
وبيانُ ذلك مِن وجوه:
1- الإمامُ البخاريُّ عربيٌّ باعتبارِ اللسانِ واللغة:
فالعربيَّةُ ليست عِرْقًا، وإنما هي لسانٌ ولغةٌ؛ فالعِرقُ والنسَبُ الأعجَميُّ لا يَمنَعُ مِن البراعةِ في العربيَّةِ وإتقانِها، وقد كان عددٌ مِن أئمَّةِ اللغةِ المشهودِ لهم بالإمامةِ فيها؛ كشيخِ العربيَّةِ سِيبَوَيْهِ، وأبي عليٍّ الفارسيِّ، مِن الأعاجمِ نسَبًا.
2- مجلسُ البخاريِّ يحضُرُهُ عشرونَ ألفًا، ولو كان لحَّانًا، لَكُشِفَ ذلك:
يقولُ الإمامُ صالحُ بنُ محمَّدٍ الملقَّبُ بجَزَرةَ: «كنتُ أستملي للبخاريِّ ببغدادَ، فيجتمِعُ عنده أكثرُ مِن عشرينَ ألفًا». «تاريخُ الإسلام» (19/257).
ولو كان البخاريُّ يَلحَنُ في الحديثِ، لانكشَفَ ذلك أمامَ هذا العدَدِ الجَمِّ الغفيرِ مِن الطلَبةِ، ولنُقِلَ عنهم.
3- الإمامُ البخاريُّ يُرشِدُ الطلَبةَ إلى ضرورةِ العنايةِ بعلومِ اللغةِ العربيَّة، ولا يُمكِنُ أن يُرشِدَ لأمرٍ يُهمِلُه:
حيثُ بيَّن الإمامُ البخاريُّ في وصيَّتِهِ لبعضِ الطلَبةِ: أن معرفةَ أخبارِ الرسولِ ﷺ وشرائعِه، والصحابةِ ومقاديرِهم، والتابِعين وأحوالِهم، وسائرِ العلماءِ وتواريخِهم -: لا تَتِمُّ إلا بمعرفةِ الكتابةِ واللغةِ، والصرفِ والنحو؛ رواه عنه القاضي عياضٌ في «الإلماعِ» (ص29- 33)، والمِزِّيُّ في «تهذيبِ الكمال» (24/462- 463).
ووصيَّةُ طالبِ الحديثِ باللغةِ العربيَّةِ أمرٌ معروفٌ لدى العلماءِ؛ حتى إنهم كانوا يحذِّرون مَن لا يتعلَّمُ النحوَ مِن طلَبةِ الحديثِ: بأن يكونَ مِن الداخِلين في الكذَّابين على رسولِ اللهِ ﷺ، ويذكُرون الحثَّ على تعلُّمِ العربيَّةِ إذا ذكَروا آدابَ طالبِ الحديثِ في كُتُبِهم.
4- الإمامُ البخاريُّ يشتكي مِن أثَرِ العُجْمةِ في وقوعِ كثيرٍ مِن الناسِ في البِدَعِ، ولا يَصِحُّ له أن يشتكِيَ مِن ذلك لو كان واقعًا فيه، ولو كان كذلك، لَاتَّخَذَ الجهميَّةُ وغيرُهم ذلك مَدخَلًا للطعنِ فيه:
حيثُ يقولُ: «فإنْ لم يَعلَمْ هذا المعترِضُ اللغةَ؛ فلْيَسْألْ أهلَ العلمِ مِن أصنافِ الناس؛ كما قال اللهُ عزَّ وجلَّ:

{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}

[الجن: 2]

إنْ فَقِهَ وفَهِمَ؛ فما يَحمِلُنا على كثرةِ الإيضاحِ والشرحِ إلا معرِفتُنا بعُجْمةِ كثيرٍ مِن الناسِ، ولا قوَّةَ إلا بالله، وقال الحسَنُ البَصْريُّ: «إنما أهلَكَتْهُمُ العُجْمةُ». «خلقُ أفعالِ العباد» (2/268).
ولو كان الإمامُ البخاريُّ لا يَعرِفُ اللغةَ العربيَّةَ، لَاتَّخَذَ الجهميَّةُ وغيرُهم ذلك مَدخَلًا للطعنِ فيه، ولعامَلوهُ بالمِثْلِ، ولَقدَحوا فيه بالعُجْمةِ، كما قدَحَ فيهم بها.
5- «صحيحُ البخاريِّ» يَشهَدُ لمصنِّفِهِ بالاطِّلاعِ على اللغةِ، والتوسُّعِ في ذلك، وإتقانِ العربيَّةِ والصَّرْفِ، ولا يكونُ ذلك مع عدَمِ تعلُّمِهِ العربيَّةَ:
فإن «صحيحَ البخاريِّ» لا يتضمَّنُ سردًا مجرَّدًا للأسانيدِ والمتونِ، بل فيه تبويباتٌ وتَراجِمُ يضمِّنُها الإمامُ البخاريُّ معارِفَهُ اللغويَّةَ والفقهيَّةَ والاعتقاديَّةَ؛ حتى إن دراساتٍ كُتِبَتْ في إبرازِ معارفِ البخاريِّ وعلومِهِ وآرائِهِ تعتمِدُ اعتمادًا رئيسًا على تلك التراجِم.
وحَسْبُكَ أن تنظُرَ في «كتابِ التفسيرِ»، أو «كتابِ الأنبياء»، مِن الصحيحِ؛ لتَقِفَ على شيءٍ مِن علمِهِ باللغةِ والصَّرْف.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال: 
الإمامُ البخاريُّ رحمه اللهُ تعالى ذو أصلٍ فارسيٍّ؛ فاللغةُ العربيَّةُ ليست لغتَهُ الأصليَّةَ، وكلُّ المؤرِّخين والحُفَّاظ، والمحدِّثين والمترجِمين وكُتَّابِ السِّيَرِ - بحسَبِ زعمِ صاحبِ السؤال - لم يبيِّنوا لنا متى وكيف تعلَّم اللغةَ العربيَّةَ، بل كلُّ ما أورَدوهُ هو شروعُهُ في حفظِ الحديثِ وهو صبيٌّ لم يتجاوَزِ العَشْرَ سِنِينَ؛ وهذا كلُّه - مِن وجهةِ نظرِ صاحبِ السؤالِ - يحُطُّ مِن منزلةِ «صحيحِ البخاريّ».
مختصَرُ الإجابة:
العربيَّةُ عربيَّةُ اللغةِ واللسان، لا عربيَّةُ الأصلِ والنَّسَب، وقد كان الإمامُ البخاريُّ واسعَ الاطِّلاعِ على العربيَّةِ وعلومِها، يَشهَدُ مَجلِسَهُ عشرون ألفًا مِن الطلَبة، ولا ينقُلون عنه لحنًا، وكان يُوصي الطلَبةَ بضرورةِ العنايةِ بعلومِ اللغةِ العربيَّة، ولا يُمكِنُ أن يُرشِدَ لأمرٍ يُهمِلُه، وكان يشتكي مِن جهلِ أهلِ البِدَعِ باللغةِ العربيَّة، وكتابُهُ «الصحيحُ» الذي بين أيدينا شاهدٌ على علمِهِ باللغةِ، وإتقانِ النحوِ والصَّرْف، والتوسُّعِ في ذلك، ولا يكونُ ذلك مع عدَمِ تعلُّمِهِ العربيَّةَ.
ثم إن الأحاديثَ معروفةٌ مِن قبلِ البخاريِّ، ورواها غيرُهُ، وشَهِدَ عليها علماءُ عَصْرِه؛ فالشبهةُ مجرَّدُ جدَلٍ عقليٍّ أو تشويهٍ.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:
والشُّبَهُ التي تُثارُ حول صحَّةِ الأحاديثِ في «صحيحِ البخاريِّ» خصوصًا: تدُلُّ على جهلٍ بكتابِ «صحيحِ البخاريّ»، والظنِّ أنه تأليفٌ خاصٌّ مِن عندِهِ لأحاديثَ لم تُعرَفْ مِن قبلِه؛ وهذا جهلٌ بـ «صحيحِ البخاريّ»؛ فهو ناقلٌ أمينٌ للأحاديث، وهي أحاديثُ معروفةٌ مِن قبلِهِ ومِن غيرِه، وإنما انتخَبَها وحَفِظَها في كتابٍ مخصَّصٍ لأعلى درَجاتِ الحديثِ الصحيح، وبالتالي: فعُجْمتُهُ أو أيُّ اتِّهاماتٍ كاذبةٍ في حقِّهِ ليس لها تأثيرٌ في قَبولِ الأحاديثِ التي رواها.
وحَسْبُكَ دفاعًا عن علمِهِ بالعربيَّةِ والنحوِ والصرفِ: ما كتَبهُ ابنُ مالكٍ إمامُ العربيَّةِ في زمانِهِ: «شواهِدُ التوضيحِ وَالتصحيحْ، لمُشكِلاتِ الجامعِ الصحيحْ»، وما ضمَّنهُ الحافظُ ابنُ حجَرٍ مِن توجيهاتٍ وتخريجاتٍ لغويَّةٍ في «فتحِ الباري». 

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال: 
الإمامُ البخاريُّ رحمه اللهُ تعالى ذو أصلٍ فارسيٍّ؛ فاللغةُ العربيَّةُ ليست لغتَهُ الأصليَّةَ، وكلُّ المؤرِّخين والحُفَّاظ، والمحدِّثين والمترجِمين وكُتَّابِ السِّيَرِ - بحسَبِ زعمِ صاحبِ السؤال - لم يبيِّنوا لنا متى وكيف تعلَّم اللغةَ العربيَّةَ، بل كلُّ ما أورَدوهُ هو شروعُهُ في حفظِ الحديثِ وهو صبيٌّ لم يتجاوَزِ العَشْرَ سِنِينَ؛ وهذا كلُّه - مِن وجهةِ نظرِ صاحبِ السؤالِ - يحُطُّ مِن منزلةِ «صحيحِ البخاريّ».
مختصَرُ الإجابة:
العربيَّةُ عربيَّةُ اللغةِ واللسان، لا عربيَّةُ الأصلِ والنَّسَب، وقد كان الإمامُ البخاريُّ واسعَ الاطِّلاعِ على العربيَّةِ وعلومِها، يَشهَدُ مَجلِسَهُ عشرون ألفًا مِن الطلَبة، ولا ينقُلون عنه لحنًا، وكان يُوصي الطلَبةَ بضرورةِ العنايةِ بعلومِ اللغةِ العربيَّة، ولا يُمكِنُ أن يُرشِدَ لأمرٍ يُهمِلُه، وكان يشتكي مِن جهلِ أهلِ البِدَعِ باللغةِ العربيَّة، وكتابُهُ «الصحيحُ» الذي بين أيدينا شاهدٌ على علمِهِ باللغةِ، وإتقانِ النحوِ والصَّرْف، والتوسُّعِ في ذلك، ولا يكونُ ذلك مع عدَمِ تعلُّمِهِ العربيَّةَ.
ثم إن الأحاديثَ معروفةٌ مِن قبلِ البخاريِّ، ورواها غيرُهُ، وشَهِدَ عليها علماءُ عَصْرِه؛ فالشبهةُ مجرَّدُ جدَلٍ عقليٍّ أو تشويهٍ.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
هذه الشبهةُ تعبِّرُ عن جهلٍ بتاريخِ علماءِ الحديثِ وعلومِهم، إن الإمامَ البخاريَّ مِن كبارِ علماءِ الإسلام، ولا يَقدَحُ في إمامتِهِ أصلُهُ غيرُ العربيِّ، ما دام متقِنًا للُّغَةِ العربيَّةِ وعلومِها.
بل إن الطاعنَ فيه بذلك: إن كان مِن دعاةِ التنويرِ، ونبذِ العنصريَّةِ، فإنه يتناقَضُ مع نفسِهِ، حين يَدْعو إلى نبذِ العنصريَّةِ، ثم يَقدَحُ في الإمامِ البخاريِّ بسببِ عِرقِهِ غيرِ العربيّ.
والأحاديثُ التي رواها البخاريُّ رواها العلماءُ مِن قبلِه، وهي معروفةٌ عندهم، والبخاريُّ ناقلٌ أمينٌ، وقد نشَرَ كتابَهُ في وقتٍ مبكِّرٍ، وفي وقتِ وفورِ العلماء، ولو حصَلَ خطأٌ، لاستشكَلهُ عليه علماءُ عصرِهِ قبل غيرِهم.
والاستشكالُ الذي يُورِدُهُ صاحبُ السؤالِ يتضمَّنُ الحاجةَ لبيانِ صلةِ الإمامِ البخاريِّ باللُّغةِ العربيَّة، ومدى معرفتِهِ بها.
وبيانُ ذلك مِن وجوه:
1- الإمامُ البخاريُّ عربيٌّ باعتبارِ اللسانِ واللغة:
فالعربيَّةُ ليست عِرْقًا، وإنما هي لسانٌ ولغةٌ؛ فالعِرقُ والنسَبُ الأعجَميُّ لا يَمنَعُ مِن البراعةِ في العربيَّةِ وإتقانِها، وقد كان عددٌ مِن أئمَّةِ اللغةِ المشهودِ لهم بالإمامةِ فيها؛ كشيخِ العربيَّةِ سِيبَوَيْهِ، وأبي عليٍّ الفارسيِّ، مِن الأعاجمِ نسَبًا.
2- مجلسُ البخاريِّ يحضُرُهُ عشرونَ ألفًا، ولو كان لحَّانًا، لَكُشِفَ ذلك:
يقولُ الإمامُ صالحُ بنُ محمَّدٍ الملقَّبُ بجَزَرةَ: «كنتُ أستملي للبخاريِّ ببغدادَ، فيجتمِعُ عنده أكثرُ مِن عشرينَ ألفًا». «تاريخُ الإسلام» (19/257).
ولو كان البخاريُّ يَلحَنُ في الحديثِ، لانكشَفَ ذلك أمامَ هذا العدَدِ الجَمِّ الغفيرِ مِن الطلَبةِ، ولنُقِلَ عنهم.
3- الإمامُ البخاريُّ يُرشِدُ الطلَبةَ إلى ضرورةِ العنايةِ بعلومِ اللغةِ العربيَّة، ولا يُمكِنُ أن يُرشِدَ لأمرٍ يُهمِلُه:
حيثُ بيَّن الإمامُ البخاريُّ في وصيَّتِهِ لبعضِ الطلَبةِ: أن معرفةَ أخبارِ الرسولِ ﷺ وشرائعِه، والصحابةِ ومقاديرِهم، والتابِعين وأحوالِهم، وسائرِ العلماءِ وتواريخِهم -: لا تَتِمُّ إلا بمعرفةِ الكتابةِ واللغةِ، والصرفِ والنحو؛ رواه عنه القاضي عياضٌ في «الإلماعِ» (ص29- 33)، والمِزِّيُّ في «تهذيبِ الكمال» (24/462- 463).
ووصيَّةُ طالبِ الحديثِ باللغةِ العربيَّةِ أمرٌ معروفٌ لدى العلماءِ؛ حتى إنهم كانوا يحذِّرون مَن لا يتعلَّمُ النحوَ مِن طلَبةِ الحديثِ: بأن يكونَ مِن الداخِلين في الكذَّابين على رسولِ اللهِ ﷺ، ويذكُرون الحثَّ على تعلُّمِ العربيَّةِ إذا ذكَروا آدابَ طالبِ الحديثِ في كُتُبِهم.
4- الإمامُ البخاريُّ يشتكي مِن أثَرِ العُجْمةِ في وقوعِ كثيرٍ مِن الناسِ في البِدَعِ، ولا يَصِحُّ له أن يشتكِيَ مِن ذلك لو كان واقعًا فيه، ولو كان كذلك، لَاتَّخَذَ الجهميَّةُ وغيرُهم ذلك مَدخَلًا للطعنِ فيه:
حيثُ يقولُ: «فإنْ لم يَعلَمْ هذا المعترِضُ اللغةَ؛ فلْيَسْألْ أهلَ العلمِ مِن أصنافِ الناس؛ كما قال اللهُ عزَّ وجلَّ:

{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}

[الجن: 2]

إنْ فَقِهَ وفَهِمَ؛ فما يَحمِلُنا على كثرةِ الإيضاحِ والشرحِ إلا معرِفتُنا بعُجْمةِ كثيرٍ مِن الناسِ، ولا قوَّةَ إلا بالله، وقال الحسَنُ البَصْريُّ: «إنما أهلَكَتْهُمُ العُجْمةُ». «خلقُ أفعالِ العباد» (2/268).
ولو كان الإمامُ البخاريُّ لا يَعرِفُ اللغةَ العربيَّةَ، لَاتَّخَذَ الجهميَّةُ وغيرُهم ذلك مَدخَلًا للطعنِ فيه، ولعامَلوهُ بالمِثْلِ، ولَقدَحوا فيه بالعُجْمةِ، كما قدَحَ فيهم بها.
5- «صحيحُ البخاريِّ» يَشهَدُ لمصنِّفِهِ بالاطِّلاعِ على اللغةِ، والتوسُّعِ في ذلك، وإتقانِ العربيَّةِ والصَّرْفِ، ولا يكونُ ذلك مع عدَمِ تعلُّمِهِ العربيَّةَ:
فإن «صحيحَ البخاريِّ» لا يتضمَّنُ سردًا مجرَّدًا للأسانيدِ والمتونِ، بل فيه تبويباتٌ وتَراجِمُ يضمِّنُها الإمامُ البخاريُّ معارِفَهُ اللغويَّةَ والفقهيَّةَ والاعتقاديَّةَ؛ حتى إن دراساتٍ كُتِبَتْ في إبرازِ معارفِ البخاريِّ وعلومِهِ وآرائِهِ تعتمِدُ اعتمادًا رئيسًا على تلك التراجِم.
وحَسْبُكَ أن تنظُرَ في «كتابِ التفسيرِ»، أو «كتابِ الأنبياء»، مِن الصحيحِ؛ لتَقِفَ على شيءٍ مِن علمِهِ باللغةِ والصَّرْف.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:
والشُّبَهُ التي تُثارُ حول صحَّةِ الأحاديثِ في «صحيحِ البخاريِّ» خصوصًا: تدُلُّ على جهلٍ بكتابِ «صحيحِ البخاريّ»، والظنِّ أنه تأليفٌ خاصٌّ مِن عندِهِ لأحاديثَ لم تُعرَفْ مِن قبلِه؛ وهذا جهلٌ بـ «صحيحِ البخاريّ»؛ فهو ناقلٌ أمينٌ للأحاديث، وهي أحاديثُ معروفةٌ مِن قبلِهِ ومِن غيرِه، وإنما انتخَبَها وحَفِظَها في كتابٍ مخصَّصٍ لأعلى درَجاتِ الحديثِ الصحيح، وبالتالي: فعُجْمتُهُ أو أيُّ اتِّهاماتٍ كاذبةٍ في حقِّهِ ليس لها تأثيرٌ في قَبولِ الأحاديثِ التي رواها.
وحَسْبُكَ دفاعًا عن علمِهِ بالعربيَّةِ والنحوِ والصرفِ: ما كتَبهُ ابنُ مالكٍ إمامُ العربيَّةِ في زمانِهِ: «شواهِدُ التوضيحِ وَالتصحيحْ، لمُشكِلاتِ الجامعِ الصحيحْ»، وما ضمَّنهُ الحافظُ ابنُ حجَرٍ مِن توجيهاتٍ وتخريجاتٍ لغويَّةٍ في «فتحِ الباري».