نص السؤال

كيف نُؤمِنُ بوقوعِ السِّحرِ للنبيِّ ﷺ، واللهُ تعالى يقولُ لنبيِّه:

{وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}

[المائدة: 67]

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

إن سِحرَ النبيِّ ﷺ دليلٌ على إمكانِ خطَئِهِ ونِسْيانِهِ؛ ولهذا فلا يُمكِنُ أن يكونَ حديثُ السِّحرِ حديثًا صحيحًا

الجواب التفصيلي


الجوابُ التفصيليّ:
وجودُ السِّحرِ في الواقعِ متحقِّقٌ مِن قديمِ الزمانِ إلى يومِ الناسِ هذا، وقد ثبَتَ سِحرُ النبيِّ ﷺ، لكنَّ هناك بعضَ النقاطِ المُهِمَّةِ التي يجبُ إدراكُها في مسألةِ سِحرِ النبيِّ ﷺ؛ وهي: 
أوَّلًا: حديثُ سِحرِ النبيِّ ﷺ صحيحٌ ثابتٌ:
وقد ورَدَ في «الصحيحَيْن»؛ فقد روى البخاريُّ (3268)، ومسلِمٌ (2189)،

عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، قالت

«سُحِرَ النَّبِيُّ ﷺ، حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ: أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ، وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟! أَتَانِي رَجُلَانِ: فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِيمَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ، فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: «لَا؛ أَمَّا أَنَا، فَقَدْ شَفَانِي اللهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا»، ثُمَّ دُفِنَتِ البِئْرُ»


فهذا الحديثُ ثابتٌ صحيحٌ، لا مَطعَنَ فيه بأيِّ علَّةٍ مِن عِلَلِ الحديث؛ لا في سندِه، ولا في متنِه، وقد تلقَّتْهُ الأمَّةُ بالقَبولِ، وتتابَعوا في روايتِهِ والتحديثِ به.
ثانيًا: واقعةُ السِّحرِ هذه لا تتعارَضُ مع قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ لنبيِّهِ ﷺ في القرآن:

{وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}

[المائدة: 67]


وذلك لأن هذه الواقعةَ وغيرَها مما وقَعَ للنبيِّ ﷺ مِن الأذى، لا يَنْفي العصمةَ عنه ﷺ؛ فالعصمةُ واقعةٌ للنبيِّ ﷺ طوالَ حياتِه، إلا أنه لا تَعْني أنه ﷺ لا يُصيبُهُ أذى المشرِكين؛ فقد ناله الأذى الكثيرُ مِن قومِه، وشُجَّتْ رأسُه، وكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُه، ووُضِعَ السُّمُّ في طعامِه، وإنما العصمةُ أن اللهَ تعالى عصَمَهُ، فلم يمكِّنْ أحدًا مِن قتلِهِ ﷺ؛ وهذا المعنى هو ما ذكَرهُ علماءُ التفسيرِ في هذه الآية.
فالأنبياءُ عليهم السلامُ كُلُّهم مُبتلَوْنَ، ويُصيبُهم مِن الأذى والأمراضِ والهمومِ والمصائبِ ما يُصيبُهم، بل هم أشدُّ الناسِ بلاءً؛ كما جاء في الحديثِ؛

فعن سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، قال

«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ»؛

رواه أحمدُ (3/ 78 رقم 148)، والتِّرمِذيُّ (2398)، وابنُ ماجهْ (4023)


وعليه: فمعنى العصمةِ: أن يَمضِيَ النبيُّ ﷺ في طريقِ الدعوةِ غيرَ مكترِثٍ بما يُحاكُ له، واثِقًا بأن اللهَ مانِعٌ أعداءَهُ مِن قتلِه؛ فلا تعارُضَ بين واقعةِ السِّحرِ وبين الآيةِ القرآنيَّة؛ فإمكانيَّةُ الجمعِ بينهما متحقِّقةٌ، ولا إشكالَ فيها.
ثالثًا: لا مناسَبةَ بين وقوعِ السِّحرِ للنبيِّ ﷺ، وبين قولِ المشرِكينَ:

{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}

[الإسراء: 47، والفرقان: 8]


فلم يثبُتْ عن محمَّدٍ ﷺ أنه تكهَّن أو فعَلَ سِحرًا قطُّ، بل كان وحيُهُ بلغةِ العربِ التي يَفهَمونها، ويُدرِكون إعجازَ بلاغتِها، وقد تحدَّاهم اللهُ أن يأتوا بمِثلِ القرآنِ، أو بسورةٍ منه، فعجَزوا جميعًا.
وقد كانوا يَصِفونه ﷺ بالصادقِ الأمين، ولم يَعهَدوا عليه كذبًا قطُّ.
ولم يُوصَفْ ﷺ بهذه الأوصافِ الشنيعةِ - تارَةً: أنه كاذبٌ، وتارَةً: أنه ساحرٌ، وتارَةً: أنه مجنونٌ - إلا بعد إعلانِهِ لرسالةِ اللهِ تعالى، والتي تخالِفُ ما كان عليه قومُهُ مِن الجاهليَّة، فذهَبوا يشنِّعون عليه بالألفاظِ الواهية، ويَفتَرون عليه بلا دليلٍ ولا بيِّنةٍ؛ وهم في ذلك متناقِضون مع أنفُسِهم.
والمشرِكون في وصفِهم له ﷺ بالسِّحرِ، لم يكن هذا بعد واقعةِ السِّحرِ هذه، ولا عَلاقةَ لوصفِهم بها زمانيًّا؛ وإنما كانوا يَصِفونه بذلك مِن أوَّلِ الدعوةِ، فكانوا يَصِفون ما يقولُهُ بالخيالاتِ والأوهام، مُرِيدين بذلك رفضَ دعوتِه، ولا يَعنُون بذلك أنه قد يتعرَّضُ لعارِضٍ مِن السِّحرِ في لحظةٍ معيَّنةٍ وتزولُ؛ فهذا لا يُفيدُهم في دَعْواهم لتكذيبِ الرسولِ ﷺ، والطعنِ في دعوتِه.
كما أن السِّحرَ الذي وقَعَ للنبيِّ ﷺ، لم يكن في شيءٍ مِن الشرعِ أو التبليغ، ولم يؤثِّرْ في عقلِه، ولا فيما يَتَلقَّى مِن الوحيِ؛ ولذا فوقوعُ السِّحرِ لا يمثِّلُ تصديقًا لدعوى المشرِكينَ الواردةِ في القرآن؛ لأنهم يَقصِدون رفضَ الدِّينِ مِن أساسِه، والتشكيكَ فيه؛ برميِ صاحبِهِ بالجنونِ والسِّحرِ، وأنه مصدرٌ غيرُ موثوقٍ منذ بدايةِ الدعوة.
رابعًا: أن سِحرَ النبيِّ ﷺ لم يكن مؤثِّرًا في شيءٍ مِن عقلِه، وإنما كان يُخيَّلُ إليه أمورٌ دنيويَّةٌ: أنه فعَلَها، ولم يكن فعَلَها:
كجِماعِ زوجاتِه، وهذا ورَدَ في روايةٍ أخرى عند البخاريِّ،

عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها تفسِّرُ هذه الواقعةَ؛ قالت

«كان رسولُ اللهِ ﷺ سُحِرَ، حتى كان يَرَى أنه يأتي النِّساءَ ولا يأتيهِنَّ»

فما وقَعَ مِن سِحرِهِ ﷺ لا يستلزِمُ نقصًا في عقلِه، ولا في نبوَّتِه، ولا في شرعِه، ولا يدُلُّ بحالٍ على نقصٍ في تبليغِهِ ورسالتِه.
بل قد نزَلَ عليه الوحيُ في فترةِ سِحرِهِ ﷺ، وأخبَرَهُ بمَن سحَرَه، وبمكانِ السِّحرِ، وقام مِن نومِهِ ﷺ، وقد أُخبِرَ بذلك كلِّه، ووجَدوهُ كما قال؛ فأين تأثيرُ السِّحرِ على الوحي؟!
خامسًا: لم يكن السِّحرُ مؤثِّرًا على وحيِه:
ولو كان كذلك، لكان حَرِيًّا بقومِهِ الذين يتربَّصون له كلَّ واردةٍ وشاردةٍ ليأخُذوا عليه شيئًا قاله في فترةِ السِّحرِ، ونفاه بعد ذلك، أو عارَضَه؛ فلم يقَعْ لهم ذلك بعصمةِ اللهِ تعالى لعقلِ نبيِّهِ مِن الزيغ.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (145).

مختصر الجواب

مختصَرُ الإجابة:

حديثُ سِحرِ النبيِّ ﷺ صحيحٌ ثابتٌ، ولا مَطعَنَ فيه بأيِّ وجهٍ مِن الوجوهِ؛ لا في سندِهِ، ولا في متنِه.

وحديثُ السِّحرِ لا يتعارَضُ مع عصمةِ النبيِّ ﷺ؛ فهذا مِن بابِ الأذى الذي وقَعَ للنبيِّ ﷺ في دعوتِهِ، ولا يُعتبَرُ هذا نفيًا للعصمة؛ لأن العصمةَ لا تعني دفعَ الأذى؛ فالأنبياءُ كلُّهم مُبتلَوْنَ، ويُصيبُهم مِن الأذى والأمراضِ والهمومِ والمصائبِ ما يُصيبُهم، بل هم أشدُّ الناسِ بلاءً، وإنما العصمةُ أن اللهَ تعالى عصَمَهُ ﷺ، فلم يمكِّنْ أحدًا مِن قتلِه.

وحادثةُ السِّحرِ هذه لا تدعِّمُ قولَ المشرِكين:

{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}

[الإسراء: 47، والفرقان: 8]

لأن زَعْمَ المشرِكين لم يكن مبنيًّا على تلك الحادثة، وإنما زعَموا ذلك تشكيكًا في الوحيِ إلى النبيِّ ﷺ مِن بدايةِ الدعوةِ، وأنه يتكلَّمُ عن سِحرٍ وجنونٍ.

والسِّحرُ الذي وقَعَ على النبيِّ ﷺ، لم يكن مؤثِّرًا في شيءٍ مِن عقلِه، ولا في الشرعِ والوحيِ والتبليغ، وإنما كان في حياتِهِ الدنيويَّة؛ فلم يكن هناك ما يَقدَحُ في عصمتِهِ الموثوقِ بها مِن اللهِ تعالى.

مختصر الجواب

مختصَرُ الإجابة:

حديثُ سِحرِ النبيِّ ﷺ صحيحٌ ثابتٌ، ولا مَطعَنَ فيه بأيِّ وجهٍ مِن الوجوهِ؛ لا في سندِهِ، ولا في متنِه.

وحديثُ السِّحرِ لا يتعارَضُ مع عصمةِ النبيِّ ﷺ؛ فهذا مِن بابِ الأذى الذي وقَعَ للنبيِّ ﷺ في دعوتِهِ، ولا يُعتبَرُ هذا نفيًا للعصمة؛ لأن العصمةَ لا تعني دفعَ الأذى؛ فالأنبياءُ كلُّهم مُبتلَوْنَ، ويُصيبُهم مِن الأذى والأمراضِ والهمومِ والمصائبِ ما يُصيبُهم، بل هم أشدُّ الناسِ بلاءً، وإنما العصمةُ أن اللهَ تعالى عصَمَهُ ﷺ، فلم يمكِّنْ أحدًا مِن قتلِه.

وحادثةُ السِّحرِ هذه لا تدعِّمُ قولَ المشرِكين:

{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}

[الإسراء: 47، والفرقان: 8]

لأن زَعْمَ المشرِكين لم يكن مبنيًّا على تلك الحادثة، وإنما زعَموا ذلك تشكيكًا في الوحيِ إلى النبيِّ ﷺ مِن بدايةِ الدعوةِ، وأنه يتكلَّمُ عن سِحرٍ وجنونٍ.

والسِّحرُ الذي وقَعَ على النبيِّ ﷺ، لم يكن مؤثِّرًا في شيءٍ مِن عقلِه، ولا في الشرعِ والوحيِ والتبليغ، وإنما كان في حياتِهِ الدنيويَّة؛ فلم يكن هناك ما يَقدَحُ في عصمتِهِ الموثوقِ بها مِن اللهِ تعالى.

الجواب التفصيلي


الجوابُ التفصيليّ:
وجودُ السِّحرِ في الواقعِ متحقِّقٌ مِن قديمِ الزمانِ إلى يومِ الناسِ هذا، وقد ثبَتَ سِحرُ النبيِّ ﷺ، لكنَّ هناك بعضَ النقاطِ المُهِمَّةِ التي يجبُ إدراكُها في مسألةِ سِحرِ النبيِّ ﷺ؛ وهي: 
أوَّلًا: حديثُ سِحرِ النبيِّ ﷺ صحيحٌ ثابتٌ:
وقد ورَدَ في «الصحيحَيْن»؛ فقد روى البخاريُّ (3268)، ومسلِمٌ (2189)،

عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، قالت

«سُحِرَ النَّبِيُّ ﷺ، حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ: أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ، وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟! أَتَانِي رَجُلَانِ: فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِيمَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ، فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: «لَا؛ أَمَّا أَنَا، فَقَدْ شَفَانِي اللهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا»، ثُمَّ دُفِنَتِ البِئْرُ»


فهذا الحديثُ ثابتٌ صحيحٌ، لا مَطعَنَ فيه بأيِّ علَّةٍ مِن عِلَلِ الحديث؛ لا في سندِه، ولا في متنِه، وقد تلقَّتْهُ الأمَّةُ بالقَبولِ، وتتابَعوا في روايتِهِ والتحديثِ به.
ثانيًا: واقعةُ السِّحرِ هذه لا تتعارَضُ مع قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ لنبيِّهِ ﷺ في القرآن:

{وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}

[المائدة: 67]


وذلك لأن هذه الواقعةَ وغيرَها مما وقَعَ للنبيِّ ﷺ مِن الأذى، لا يَنْفي العصمةَ عنه ﷺ؛ فالعصمةُ واقعةٌ للنبيِّ ﷺ طوالَ حياتِه، إلا أنه لا تَعْني أنه ﷺ لا يُصيبُهُ أذى المشرِكين؛ فقد ناله الأذى الكثيرُ مِن قومِه، وشُجَّتْ رأسُه، وكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُه، ووُضِعَ السُّمُّ في طعامِه، وإنما العصمةُ أن اللهَ تعالى عصَمَهُ، فلم يمكِّنْ أحدًا مِن قتلِهِ ﷺ؛ وهذا المعنى هو ما ذكَرهُ علماءُ التفسيرِ في هذه الآية.
فالأنبياءُ عليهم السلامُ كُلُّهم مُبتلَوْنَ، ويُصيبُهم مِن الأذى والأمراضِ والهمومِ والمصائبِ ما يُصيبُهم، بل هم أشدُّ الناسِ بلاءً؛ كما جاء في الحديثِ؛

فعن سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، قال

«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ»؛

رواه أحمدُ (3/ 78 رقم 148)، والتِّرمِذيُّ (2398)، وابنُ ماجهْ (4023)


وعليه: فمعنى العصمةِ: أن يَمضِيَ النبيُّ ﷺ في طريقِ الدعوةِ غيرَ مكترِثٍ بما يُحاكُ له، واثِقًا بأن اللهَ مانِعٌ أعداءَهُ مِن قتلِه؛ فلا تعارُضَ بين واقعةِ السِّحرِ وبين الآيةِ القرآنيَّة؛ فإمكانيَّةُ الجمعِ بينهما متحقِّقةٌ، ولا إشكالَ فيها.
ثالثًا: لا مناسَبةَ بين وقوعِ السِّحرِ للنبيِّ ﷺ، وبين قولِ المشرِكينَ:

{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}

[الإسراء: 47، والفرقان: 8]


فلم يثبُتْ عن محمَّدٍ ﷺ أنه تكهَّن أو فعَلَ سِحرًا قطُّ، بل كان وحيُهُ بلغةِ العربِ التي يَفهَمونها، ويُدرِكون إعجازَ بلاغتِها، وقد تحدَّاهم اللهُ أن يأتوا بمِثلِ القرآنِ، أو بسورةٍ منه، فعجَزوا جميعًا.
وقد كانوا يَصِفونه ﷺ بالصادقِ الأمين، ولم يَعهَدوا عليه كذبًا قطُّ.
ولم يُوصَفْ ﷺ بهذه الأوصافِ الشنيعةِ - تارَةً: أنه كاذبٌ، وتارَةً: أنه ساحرٌ، وتارَةً: أنه مجنونٌ - إلا بعد إعلانِهِ لرسالةِ اللهِ تعالى، والتي تخالِفُ ما كان عليه قومُهُ مِن الجاهليَّة، فذهَبوا يشنِّعون عليه بالألفاظِ الواهية، ويَفتَرون عليه بلا دليلٍ ولا بيِّنةٍ؛ وهم في ذلك متناقِضون مع أنفُسِهم.
والمشرِكون في وصفِهم له ﷺ بالسِّحرِ، لم يكن هذا بعد واقعةِ السِّحرِ هذه، ولا عَلاقةَ لوصفِهم بها زمانيًّا؛ وإنما كانوا يَصِفونه بذلك مِن أوَّلِ الدعوةِ، فكانوا يَصِفون ما يقولُهُ بالخيالاتِ والأوهام، مُرِيدين بذلك رفضَ دعوتِه، ولا يَعنُون بذلك أنه قد يتعرَّضُ لعارِضٍ مِن السِّحرِ في لحظةٍ معيَّنةٍ وتزولُ؛ فهذا لا يُفيدُهم في دَعْواهم لتكذيبِ الرسولِ ﷺ، والطعنِ في دعوتِه.
كما أن السِّحرَ الذي وقَعَ للنبيِّ ﷺ، لم يكن في شيءٍ مِن الشرعِ أو التبليغ، ولم يؤثِّرْ في عقلِه، ولا فيما يَتَلقَّى مِن الوحيِ؛ ولذا فوقوعُ السِّحرِ لا يمثِّلُ تصديقًا لدعوى المشرِكينَ الواردةِ في القرآن؛ لأنهم يَقصِدون رفضَ الدِّينِ مِن أساسِه، والتشكيكَ فيه؛ برميِ صاحبِهِ بالجنونِ والسِّحرِ، وأنه مصدرٌ غيرُ موثوقٍ منذ بدايةِ الدعوة.
رابعًا: أن سِحرَ النبيِّ ﷺ لم يكن مؤثِّرًا في شيءٍ مِن عقلِه، وإنما كان يُخيَّلُ إليه أمورٌ دنيويَّةٌ: أنه فعَلَها، ولم يكن فعَلَها:
كجِماعِ زوجاتِه، وهذا ورَدَ في روايةٍ أخرى عند البخاريِّ،

عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها تفسِّرُ هذه الواقعةَ؛ قالت

«كان رسولُ اللهِ ﷺ سُحِرَ، حتى كان يَرَى أنه يأتي النِّساءَ ولا يأتيهِنَّ»

فما وقَعَ مِن سِحرِهِ ﷺ لا يستلزِمُ نقصًا في عقلِه، ولا في نبوَّتِه، ولا في شرعِه، ولا يدُلُّ بحالٍ على نقصٍ في تبليغِهِ ورسالتِه.
بل قد نزَلَ عليه الوحيُ في فترةِ سِحرِهِ ﷺ، وأخبَرَهُ بمَن سحَرَه، وبمكانِ السِّحرِ، وقام مِن نومِهِ ﷺ، وقد أُخبِرَ بذلك كلِّه، ووجَدوهُ كما قال؛ فأين تأثيرُ السِّحرِ على الوحي؟!
خامسًا: لم يكن السِّحرُ مؤثِّرًا على وحيِه:
ولو كان كذلك، لكان حَرِيًّا بقومِهِ الذين يتربَّصون له كلَّ واردةٍ وشاردةٍ ليأخُذوا عليه شيئًا قاله في فترةِ السِّحرِ، ونفاه بعد ذلك، أو عارَضَه؛ فلم يقَعْ لهم ذلك بعصمةِ اللهِ تعالى لعقلِ نبيِّهِ مِن الزيغ.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (145).