نص السؤال
كيف نَقبَلُ أحاديثَ تكرِّسُ النظرةَ الذكوريَّةَ الدُّونيَّةَ للمرأة؟ كالأحاديثِ التي فيها: «لَعْنُ الوَاصِلَةِ والوَاشِمَةِ، والمُتَنَمِّصَةِ وَالمُتَفَلِّجَةِ»، والأحاديثِ التي تتحدَّثُ عن زيِّ المرأةِ ومَظهَرِها وخُلُقِها، وكذلك أشياءُ أخرى في تثبيتِ سِماتِ هذا الضعفِ الأُنْثويِّ ممثَّلةً في الزِّينةِ، والتجمُّلِ، والكذبِ، والكيد.
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
هل صحيحٌ أن السنَّةَ النبويَّةَ تَهضِمُ حقَّ المرأة؟
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
استشكالُ هذا الحديثِ المرويِّ عن جماعةٍ مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، والذي خرَّجه الشيخانِ، وأصحابُ السُّنَنِ، والمسانيدِ، والمعاجمِ؛ وقد جاء بألفاظٍ تُعَدُّ مِن غريبِ اللغة، والجوابُ عن هذا الاستشكالِ يحتاجِ إلى كشفِ المدلولِ الصحيحِ للحديثِ المستشكَل.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- العلَّةُ مِن النهيِ عن الوَشْمِ والنَّمْصِ والوَصْلِ هو تغييرُ خلقِ اللهِ تعالى:
فالنظرُ العلميُّ في حديثِ لعنِ الواصِلةِ والواشِمةِ، والمتنمِّصةِ والمتفلِّجةِ، يدُلُّ على أن العلَّةَ مِن النهيِ عن الوَشْمِ والنَّمْصِ والوَصْل، هي تغييرُ خلقِ اللهِ تعالى؛ كما هو ظاهرٌ مِن نصِّ الحديثِ: «الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ».
ولو كان هذا المعنى يُقصَدُ منه تحقيرُ النساءِ أو الحطُّ مِن شأنِهِنَّ، لَمَا شَمِلَ الرجالَ؛ لأن العلَّةَ المذكورةَ - وهي تغييرُ خلقِ اللهِ - هي ذاتُها تَشمَلُ الرجالَ، كما هي العلَّةُ مِن تحريمِ حلقِ اللِّحْيةِ على الرجالِ مثلًا.
ولقد جاء في كتابِ اللهِ في حقِّ الشيطانِ:
{لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}
[النساء: ١١٨- ١١٩]
وهذا نصٌّ صريحٌ في أن تغييرَ خلقِ اللهِ، دون إذنٍ منه تعالى، يكونُ طاعةً لأمرِ الشيطان، وعصيانًا للرحمنِ جلَّ جلالُه؛ فلا جرَمَ أنْ لعَنَ رسولُ اللهِ ﷺ المغيِّراتِ خلقَ اللهِ للحُسْن، ويدخُلُ حلقُ اللِّحْيةِ للحُسْنِ في اللعنِ المذكور؛ بجامعِ الاشتراكِ في العلَّة.
ولا يُتوهَّمُ أنه يدخُلُ في التغييرِ المذكورِ مِثلُ حلقِ العانةِ ونحوِها؛ مما أَذِنَ فيه الشارعُ، بل استحَبَّهُ، أو أوجَبَهُ؛ فخطابُ النهيِ عن التغييرِ بإزالةِ بعضِ الشَّعَرِ عامٌّ للذكَرِ والأنثى، ولا عَلَاقةَ له بالحطِّ مِن شأنِ الأنثى، ولا بالنظَريَّاتِ الفلسفيَّةِ التي يحاوِلُ أصحابُ هذه الشبهةِ ربطَ النصوصِ بها؛ إذْ لو كان الأمرُ كذلك، لَصَحَّ لقائلٍ أن يقولَ أيضًا: «إن الشريعةَ جاءت للحَطِّ مِن شأنِ الرجالِ كذلك».
2- سِماتُ الضعفِ الأُنْثويِّ؛ كالزِّينةِ، والتجمُّلِ، والكذبِ، والكيدِ، والتي يدَّعي أصحابُ هذه الشبهةِ أن النصوصَ الدينيَّةَ جاءت لتكريسِها: جاءت نفسُ هذه النصوصِ مشرِّكةً الرجالَ فيها بعمومِ الخطابِ، أو بالتخصيص:
أ- فقد حضَّت هذه النصوصُ الرجالَ على التجمُّلِ والتزيُّن:
ففي الصلاةِ: قال تعالى:
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}
[الأعراف: ٣١]
وعن ابنِ عُمَرَ؛ أن النبيَّ ﷺ قال:
«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَقُّ أَنْ يُزَيَّنَ لَهُ»؛
رواه البَيهَقيُّ في «السننِ الكبرى» (2/333)، والطحَاويُّ في «شرحِ معاني الآثار» (1/377)، وحسَّن إسنادَهُ الهَيثَميُّ في «مَجمَعِ الزوائد» (2/54)
وفي تزيُّنِ الرجُلِ لامرأتِهِ: قال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما:
«إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي؛ لقولِهِ تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨]»؛
رواه ابنُ أبي شَيْبةَ في «المصنَّف» (4/196)، والطبَريُّ في «جامعِ البيان» (4/120)
وقد حَضَّ النبيُّ ﷺ على ترجيلِ الرجُلِ شَعَرَ رأسِهِ ورغَّب فيه، وهذا مِن الأمرِ بالزِّينةِ ولا ريبَ؛
فعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها؛ أن النبيَّ ﷺ قال
«أَكْرِمُوا الشَّعَرَ»؛
رواه البزَّارُ في «المسنَدِ» - «كَشْفِ الأستارِ» للهَيثَميَّ (3/372)، وابنُ عَدِيٍّ في «الكامل» (3/414)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيحِ الجامعِ الصغيرِ وزيادتِه» (1200)
وفي روايةٍ لأبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه:
«مَنْ كَانَ لَهُ شَعَرٌ، فَلْيُكْرِمْهُ»؛
رواه أبو داود (6/240).
وعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، قال:
«أتانا رسولُ الله ﷺ فرأى رجلًا شَعِثًا قد تَفرَّقَ شَعَرُهُ، فقال: «أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعَرَهُ»؛
رواه أبو داود، (6/168)، والنَّسائيُّ في «السنن الكبرى» (8/315)، وصحَّحه ابنُ حِبَّانَ
ب- وكما أُمِرَتِ النِّساءُ بالتستُّرِ، أُمِرَ الرجالُ بسَتْرِ عَوْراتِهم؛ فليس الأمرُ مقصورًا عليهِنَّ خاصَّةً.
ج- وقد حذَّر الشارعُ مِن الكذبِ، وبيَّن فُشُوَّهُ في الرجالِ أيضًا؛ فقد جاء في الحديثِ:
«وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، وَيَتحَرَّى الْكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»؛
رواه مسلم (2607)
د- أما الكَيْدُ: فالكيدُ صفةٌ مذكورةٌ في مواضعَ كثيرةٍ مِن القرآنِ، بعضُها منسوبٌ إلى الإنسانِ، وبعضُها منسوبٌ إلى الشيطانِ، ومِن الرجالِ الذين نُسِبَتْ إليهم صالِحون مؤمِنون، ومنهم كَفَرةٌ مُفسِدون؛ قال تعالى:
{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}
[آل عمران: ١٢٠]
وقال تعالى:
{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}
[الأنفال: ١٨]
وقال تعالى:
{وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي}
[هود: 54- ٥٥]
وقال تعالى:
{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى}
[طه: ٦٠]
وقال تعالى:
{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا}
[طه: ٦٤]
بل ورَدتْ صفةُ الكيدِ وصفًا للهِ سبحانه وتعالى، مع المقابَلةِ بين الكيدِ الإلهيِّ وكيدِ الكُفَّارِ؛ مثلُ قولِهِ تعالى:
{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}
[الطارق: 15-16]
وبغيرِ مقابَلةٍ في آياتٍ أخرى؛ مثلُ قولِهِ تعالى:
{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}
[يوسف: ٧٦]
ويدخُلُ في الكيدِ صفاتٌ كثيرةٌ تُمدَحُ وتُذَمُّ، وتُطلَبُ وتُمنَعُ، تشترِكُ كلُّها في معاني التدبيرِ والمعالَجةِ والحِيلةِ، وقد يَجمَعُ الحميدَ والذميمَ، منها قولُهم: «الحربُ مَكِيدةٌ»؛ لأنها تدبيرٌ ومعالَجةٌ وحِيلةٌ تتطلَّبُها مواقفُ القتال، وقد تُذَمُّ أحيانًا في هذه المواقفِ، كما تُذَمُّ سواها.
وقد جاء وصفُ الكيدِ في سورةِ يوسفَ نفسِها منسوبًا إلى إخوةِ يوسفَ؛ إذْ جاء فيها على لسانِ يعقوبَ عليه السلامُ:
{فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}
[يوسف: ٥]
وجاء منسوبًا إلى اللهِ تعالى بمعنى التدبيرِ:
{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}
[يوسف: ٧٦]
فعَلَامَ التركيزُ على قولِهِ تعالى:
{إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}
[يوسف: 28]
دون سائرِ الآياتِ؟!
ثم إن الكيدَ هنا خاطَبَ به العزيزُ مَن قام به مِن النساء، ولم يعمِّمْهُ اللهُ تعالى أو يوسفُ عليه السلامُ على كلِّ النساء.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
يتعجَّبُ السائلُ مِن ورودِ أحاديثَ تصفُ المرأةَ بصفاتِ النقصِ، وهو يريدُ مِن ذلك أن يصلَ إلى أن السنَّةَ النبويَّةَ تكرِّسُ النظرةَ الدُّونيَّةَ للمرأة.
مختصَرُ الإجابة:
هذا الحديثُ ثابتٌ صحيحٌ رواه جماعةٌ مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، وخرَّجه الشيخانِ، وأصحابُ السُّنَنِ، والمسانيدِ، ولفظُهُ مِن حديثِ ابنِ مسعودٍ؛ أن النبيَّ ﷺ قال:
«لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ»؛
رواه البخاري (4886)، ومسلم (2125)
ومِن حديثِ ابنِ عُمَرَ، أن النبيَّ ﷺ قال:
«لَعَنَ رَسُولُ اللهِ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ»؛
رواه البخاري (5940)، ومسلم (2124)
ومِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ، أن النبيَّ ﷺ قال:
«لُعِنَتِ الْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ، وَالنَّامِصَةُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ، وَالْوَاشِمَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ، مِنْ غَيْرِ دَاءٍ»؛
رواه أبو داودَ (4170)، وأحمد (2263)
ومِن حديثِ ابنِ مسعودٍ، قال:
«لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالوَاصِلَاتِ، والمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»؛
رواه أبو داودَ (4169)
وعلَّةُ النهيِ عن الوَشْمِ والنَّمْصِ والوَصْلِ: هي تغييرُ خلقِ اللهِ تعالى، ولا صِلةَ للنهيِ بالأفكارِ الذكوريَّةِ والحطِّ مِن قدرِ النساء، ولو كان هذا المعنى يُقصَدُ منه تحقيرُ النساءِ أو الحطُّ مِن شأنِهِنَّ، لَمَا شَمِلَ الرجالَ؛ لأن العلَّةَ المذكورةَ - وهي تغييرُ خلقِ اللهِ - تَشمَلُ الرجالَ أيضًا، كما هي العلَّةُ مِن تحريمِ حلقِ اللِّحْيةِ على الرجالِ مثلًا.
كما أن صفاتِ الكذبِ، والكيدِ، والتجمُّلِ، والزِّينةِ المنكَرةِ المزيَّفةِ مشترَكةٌ بين النِّساءِ والرجال، وليست خاصَّةً بالأنثى؛ فالخطابُ في الأمرِ أو النهيِ عما تعلَّق بهذه السِّماتِ عامٌّ في الجنسَيْن.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
دعوى ترسيخِ النصوصِ لضعفِ المرأةِ، والحطِّ مِن شأنِها - ومِن ضمنِها حديثُ: «لَعْنِ النَّامِصَةِ وَالمُتَنَمِّصَةِ» - إنما نشأت مِن اعتقادِ مقرَّراتٍ سابقةٍ فُسِّرَ الحديثُ بناءً عليها، ولم يكن القصدُ مِن التعامُلِ معه معرفةَ مرادِ الرسولِ ﷺ، ولا تكونُ السلامةُ مِن الابتداعِ والانحرافِ إلا بأن يكونَ قصدُ المسلِمِ لدى النظَرِ في الوحيِ معرفةَ مرادِ اللهِ تعالى ومرادِ رسولِهِ ﷺ؛ ليمتثِلَ الأمرَ، ويجتنِبَ النهيَ؛ فيحصِّلَ سعادةَ الدارَيْن.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (135)، (146)، (147)، (149)، (205)، (211)، (213)، (214)، (227)، (233)، (246).
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
يتعجَّبُ السائلُ مِن ورودِ أحاديثَ تصفُ المرأةَ بصفاتِ النقصِ، وهو يريدُ مِن ذلك أن يصلَ إلى أن السنَّةَ النبويَّةَ تكرِّسُ النظرةَ الدُّونيَّةَ للمرأة.
مختصَرُ الإجابة:
هذا الحديثُ ثابتٌ صحيحٌ رواه جماعةٌ مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، وخرَّجه الشيخانِ، وأصحابُ السُّنَنِ، والمسانيدِ، ولفظُهُ مِن حديثِ ابنِ مسعودٍ؛ أن النبيَّ ﷺ قال:
«لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ»؛
رواه البخاري (4886)، ومسلم (2125)
ومِن حديثِ ابنِ عُمَرَ، أن النبيَّ ﷺ قال:
«لَعَنَ رَسُولُ اللهِ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ»؛
رواه البخاري (5940)، ومسلم (2124)
ومِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ، أن النبيَّ ﷺ قال:
«لُعِنَتِ الْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ، وَالنَّامِصَةُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ، وَالْوَاشِمَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ، مِنْ غَيْرِ دَاءٍ»؛
رواه أبو داودَ (4170)، وأحمد (2263)
ومِن حديثِ ابنِ مسعودٍ، قال:
«لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالوَاصِلَاتِ، والمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»؛
رواه أبو داودَ (4169)
وعلَّةُ النهيِ عن الوَشْمِ والنَّمْصِ والوَصْلِ: هي تغييرُ خلقِ اللهِ تعالى، ولا صِلةَ للنهيِ بالأفكارِ الذكوريَّةِ والحطِّ مِن قدرِ النساء، ولو كان هذا المعنى يُقصَدُ منه تحقيرُ النساءِ أو الحطُّ مِن شأنِهِنَّ، لَمَا شَمِلَ الرجالَ؛ لأن العلَّةَ المذكورةَ - وهي تغييرُ خلقِ اللهِ - تَشمَلُ الرجالَ أيضًا، كما هي العلَّةُ مِن تحريمِ حلقِ اللِّحْيةِ على الرجالِ مثلًا.
كما أن صفاتِ الكذبِ، والكيدِ، والتجمُّلِ، والزِّينةِ المنكَرةِ المزيَّفةِ مشترَكةٌ بين النِّساءِ والرجال، وليست خاصَّةً بالأنثى؛ فالخطابُ في الأمرِ أو النهيِ عما تعلَّق بهذه السِّماتِ عامٌّ في الجنسَيْن.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
استشكالُ هذا الحديثِ المرويِّ عن جماعةٍ مِن الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، والذي خرَّجه الشيخانِ، وأصحابُ السُّنَنِ، والمسانيدِ، والمعاجمِ؛ وقد جاء بألفاظٍ تُعَدُّ مِن غريبِ اللغة، والجوابُ عن هذا الاستشكالِ يحتاجِ إلى كشفِ المدلولِ الصحيحِ للحديثِ المستشكَل.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- العلَّةُ مِن النهيِ عن الوَشْمِ والنَّمْصِ والوَصْلِ هو تغييرُ خلقِ اللهِ تعالى:
فالنظرُ العلميُّ في حديثِ لعنِ الواصِلةِ والواشِمةِ، والمتنمِّصةِ والمتفلِّجةِ، يدُلُّ على أن العلَّةَ مِن النهيِ عن الوَشْمِ والنَّمْصِ والوَصْل، هي تغييرُ خلقِ اللهِ تعالى؛ كما هو ظاهرٌ مِن نصِّ الحديثِ: «الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ».
ولو كان هذا المعنى يُقصَدُ منه تحقيرُ النساءِ أو الحطُّ مِن شأنِهِنَّ، لَمَا شَمِلَ الرجالَ؛ لأن العلَّةَ المذكورةَ - وهي تغييرُ خلقِ اللهِ - هي ذاتُها تَشمَلُ الرجالَ، كما هي العلَّةُ مِن تحريمِ حلقِ اللِّحْيةِ على الرجالِ مثلًا.
ولقد جاء في كتابِ اللهِ في حقِّ الشيطانِ:
{لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}
[النساء: ١١٨- ١١٩]
وهذا نصٌّ صريحٌ في أن تغييرَ خلقِ اللهِ، دون إذنٍ منه تعالى، يكونُ طاعةً لأمرِ الشيطان، وعصيانًا للرحمنِ جلَّ جلالُه؛ فلا جرَمَ أنْ لعَنَ رسولُ اللهِ ﷺ المغيِّراتِ خلقَ اللهِ للحُسْن، ويدخُلُ حلقُ اللِّحْيةِ للحُسْنِ في اللعنِ المذكور؛ بجامعِ الاشتراكِ في العلَّة.
ولا يُتوهَّمُ أنه يدخُلُ في التغييرِ المذكورِ مِثلُ حلقِ العانةِ ونحوِها؛ مما أَذِنَ فيه الشارعُ، بل استحَبَّهُ، أو أوجَبَهُ؛ فخطابُ النهيِ عن التغييرِ بإزالةِ بعضِ الشَّعَرِ عامٌّ للذكَرِ والأنثى، ولا عَلَاقةَ له بالحطِّ مِن شأنِ الأنثى، ولا بالنظَريَّاتِ الفلسفيَّةِ التي يحاوِلُ أصحابُ هذه الشبهةِ ربطَ النصوصِ بها؛ إذْ لو كان الأمرُ كذلك، لَصَحَّ لقائلٍ أن يقولَ أيضًا: «إن الشريعةَ جاءت للحَطِّ مِن شأنِ الرجالِ كذلك».
2- سِماتُ الضعفِ الأُنْثويِّ؛ كالزِّينةِ، والتجمُّلِ، والكذبِ، والكيدِ، والتي يدَّعي أصحابُ هذه الشبهةِ أن النصوصَ الدينيَّةَ جاءت لتكريسِها: جاءت نفسُ هذه النصوصِ مشرِّكةً الرجالَ فيها بعمومِ الخطابِ، أو بالتخصيص:
أ- فقد حضَّت هذه النصوصُ الرجالَ على التجمُّلِ والتزيُّن:
ففي الصلاةِ: قال تعالى:
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}
[الأعراف: ٣١]
وعن ابنِ عُمَرَ؛ أن النبيَّ ﷺ قال:
«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَقُّ أَنْ يُزَيَّنَ لَهُ»؛
رواه البَيهَقيُّ في «السننِ الكبرى» (2/333)، والطحَاويُّ في «شرحِ معاني الآثار» (1/377)، وحسَّن إسنادَهُ الهَيثَميُّ في «مَجمَعِ الزوائد» (2/54)
وفي تزيُّنِ الرجُلِ لامرأتِهِ: قال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما:
«إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي؛ لقولِهِ تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨]»؛
رواه ابنُ أبي شَيْبةَ في «المصنَّف» (4/196)، والطبَريُّ في «جامعِ البيان» (4/120)
وقد حَضَّ النبيُّ ﷺ على ترجيلِ الرجُلِ شَعَرَ رأسِهِ ورغَّب فيه، وهذا مِن الأمرِ بالزِّينةِ ولا ريبَ؛
فعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها؛ أن النبيَّ ﷺ قال
«أَكْرِمُوا الشَّعَرَ»؛
رواه البزَّارُ في «المسنَدِ» - «كَشْفِ الأستارِ» للهَيثَميَّ (3/372)، وابنُ عَدِيٍّ في «الكامل» (3/414)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيحِ الجامعِ الصغيرِ وزيادتِه» (1200)
وفي روايةٍ لأبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه:
«مَنْ كَانَ لَهُ شَعَرٌ، فَلْيُكْرِمْهُ»؛
رواه أبو داود (6/240).
وعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، قال:
«أتانا رسولُ الله ﷺ فرأى رجلًا شَعِثًا قد تَفرَّقَ شَعَرُهُ، فقال: «أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعَرَهُ»؛
رواه أبو داود، (6/168)، والنَّسائيُّ في «السنن الكبرى» (8/315)، وصحَّحه ابنُ حِبَّانَ
ب- وكما أُمِرَتِ النِّساءُ بالتستُّرِ، أُمِرَ الرجالُ بسَتْرِ عَوْراتِهم؛ فليس الأمرُ مقصورًا عليهِنَّ خاصَّةً.
ج- وقد حذَّر الشارعُ مِن الكذبِ، وبيَّن فُشُوَّهُ في الرجالِ أيضًا؛ فقد جاء في الحديثِ:
«وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، وَيَتحَرَّى الْكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»؛
رواه مسلم (2607)
د- أما الكَيْدُ: فالكيدُ صفةٌ مذكورةٌ في مواضعَ كثيرةٍ مِن القرآنِ، بعضُها منسوبٌ إلى الإنسانِ، وبعضُها منسوبٌ إلى الشيطانِ، ومِن الرجالِ الذين نُسِبَتْ إليهم صالِحون مؤمِنون، ومنهم كَفَرةٌ مُفسِدون؛ قال تعالى:
{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}
[آل عمران: ١٢٠]
وقال تعالى:
{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}
[الأنفال: ١٨]
وقال تعالى:
{وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي}
[هود: 54- ٥٥]
وقال تعالى:
{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى}
[طه: ٦٠]
وقال تعالى:
{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا}
[طه: ٦٤]
بل ورَدتْ صفةُ الكيدِ وصفًا للهِ سبحانه وتعالى، مع المقابَلةِ بين الكيدِ الإلهيِّ وكيدِ الكُفَّارِ؛ مثلُ قولِهِ تعالى:
{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}
[الطارق: 15-16]
وبغيرِ مقابَلةٍ في آياتٍ أخرى؛ مثلُ قولِهِ تعالى:
{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}
[يوسف: ٧٦]
ويدخُلُ في الكيدِ صفاتٌ كثيرةٌ تُمدَحُ وتُذَمُّ، وتُطلَبُ وتُمنَعُ، تشترِكُ كلُّها في معاني التدبيرِ والمعالَجةِ والحِيلةِ، وقد يَجمَعُ الحميدَ والذميمَ، منها قولُهم: «الحربُ مَكِيدةٌ»؛ لأنها تدبيرٌ ومعالَجةٌ وحِيلةٌ تتطلَّبُها مواقفُ القتال، وقد تُذَمُّ أحيانًا في هذه المواقفِ، كما تُذَمُّ سواها.
وقد جاء وصفُ الكيدِ في سورةِ يوسفَ نفسِها منسوبًا إلى إخوةِ يوسفَ؛ إذْ جاء فيها على لسانِ يعقوبَ عليه السلامُ:
{فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}
[يوسف: ٥]
وجاء منسوبًا إلى اللهِ تعالى بمعنى التدبيرِ:
{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}
[يوسف: ٧٦]
فعَلَامَ التركيزُ على قولِهِ تعالى:
{إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}
[يوسف: 28]
دون سائرِ الآياتِ؟!
ثم إن الكيدَ هنا خاطَبَ به العزيزُ مَن قام به مِن النساء، ولم يعمِّمْهُ اللهُ تعالى أو يوسفُ عليه السلامُ على كلِّ النساء.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
دعوى ترسيخِ النصوصِ لضعفِ المرأةِ، والحطِّ مِن شأنِها - ومِن ضمنِها حديثُ: «لَعْنِ النَّامِصَةِ وَالمُتَنَمِّصَةِ» - إنما نشأت مِن اعتقادِ مقرَّراتٍ سابقةٍ فُسِّرَ الحديثُ بناءً عليها، ولم يكن القصدُ مِن التعامُلِ معه معرفةَ مرادِ الرسولِ ﷺ، ولا تكونُ السلامةُ مِن الابتداعِ والانحرافِ إلا بأن يكونَ قصدُ المسلِمِ لدى النظَرِ في الوحيِ معرفةَ مرادِ اللهِ تعالى ومرادِ رسولِهِ ﷺ؛ ليمتثِلَ الأمرَ، ويجتنِبَ النهيَ؛ فيحصِّلَ سعادةَ الدارَيْن.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (135)، (146)، (147)، (149)، (205)، (211)، (213)، (214)، (227)، (233)، (246).