نص السؤال

لا يُمكِنُ أن نَقبَلَ كلَّ الأحاديث؛ فحديثُ الجسَّاسةِ يُنافي الحسَّ؛ فإن الجزيرةَ المذكورةَ فيه لم يَتِمَّ اكتشافُها إلى الآنَ، ولم نَعرِفْ عنها - مع تقدُّمِ أجهزةِ الرصدِ - شيئًا؛ فكيف نَقبَلُه؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

حديثُ الجسَّاسةِ غيرُ صحيح


الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
حقيقةُ هذه الشبهةِ تؤولُ إلى الشكِّ في الأحاديثِ؛ نظَرًا إلى التشكيكِ في حديثِ الجسَّاسةِ المذكور؛ إما لغرابتِهِ، وإما لأنه ذكَرَ الجزيرةَ والدابَّةَ ونحوَهما، ولم تُرصَدْ حتى اليومِ بالأجهزةِ الحديثة.
والجوابُ عن الشبهةِ المذكورةِ تفصيلًا مِن وجوه: 
1- قَبولُ الأحاديثِ وردُّها إنما يُبْنى على منهجيَّةٍ علميَّة:
وعليه: لا يُمكِنُ ردُّ الأحاديثِ كلِّها، والتشكيكُ فيها؛ لأجلِ حديثٍ واحدٍ له سياقُهُ ومعناه؛ فالمستدَلُّ عليه هنا أكبرُ مِن الدليل؛ فمَن ضعَّف الحديثَ، فليضعِّفْهُ لوحدِهِ نظرًا لمخالَفتِهِ المنهجيَّةِ العلميَّةِ التي تطَّرِدُ مع غيرِه، وليس لمجرَّدِ الذائقة.
بل لا يُمكِنُ ردُّ الحديثِ الواحدِ، وقد صَحَّ سندُهُ، إلا ببيِّنةٍ تُبطِلُه؛ فهذا الحديثُ ظاهرُهُ الصحَّة؛ وقد جاء مِن طرُقٍ متعدِّدةٍ عن أكثرَ مِن راوٍ، وعن أكثرَ مِن صحابيٍّ؛ فلا بدَّ مِن سببٍ قويٍّ لردِّه.
و ما ذُكِرَ مِن غرابةِ الحديثِ، أو أنا لم نجدْ أثرَ هذه الجزيرةِ، فكلاهما لا يَكفِيانِ لتضعيفِ الحديثِ؛ لما يأتي:
2- فرقٌ بين الغرابةِ ومخالَفةِ العادة، وبين الاستحالةِ العقليَّة:
فوجودُ دابَّةٍ كثيرةِ الشَّعَرِ تتكلَّمُ - سواءٌ بنفسِها، أو بتلبُّسِ الجنِّ بها - ووجودُ رجُلٍ يقولُ: «إنه المسيحُ هناك»، ويُخبِرُ بأشياءَ غريبةٍ -: كلُّها أمورٌ لا يُحِيلُها العقل، ومَن عرَفَ مخترَعاتِ اليومَ، لم يقل: «إن تلك الأمورَ مستحيلةٌ عقلًا».
بل اللهُ تعالى أخبَرَ عما في آخِرِ الزمانِ، فقال:

{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}

[النمل: 82]


والشريعةُ قد تأتي بما تَحَارُ فيه العقول، ولكنَّها لا تأتي بما تُحِيلُهُ العقول.
3- لا يَلزَمُ أن يَعرِفَ الناسُ اليومَ كلَّ بُقْعةٍ في الأرض:
فما زالت الأخبارُ تشيرُ إلى جُزُرٍ ومعالمَ ومغاراتٍ، بل كهوفٍ كبيرةٍ، تُكتشَفُ حديثًا، ثم لا يمتنِعُ انتقالُ الدابَّةِ عن هذا الجزيرةِ إلى مكانٍ آخَرَ، أو تغطيتُها بمعالمَ أخرى، أو غيرُ ذلك مِن الاحتمالاتِ الكثيرة.
ولا يمتنِعُ أن يحجُبَ اللهُ تعالى الناسَ عن تلك الجزيرةِ لحكمةٍ، كما أطلَعَ تَمِيمًا الدارِيَّ رضيَ اللهُ عنه عليها لحكمةٍ:
فإن الربَّ تبارَكَ وتعالى إذا أراد شيئًا، هيَّأ له أسبابَهُ؛ فاللهُ جلَّ وعلا مِن حكمتِهِ أن أطلَعَ تَمِيمًا الدارِيَّ رضيَ اللهُ عنه ومَن معه على أمرِ الدجَّالِ؛ ليكونَ ذلك توكيدًا لِما كان يحدِّثُ به النبيُّ ﷺ أصحابَهُ مِن شأنِ الدجَّالِ؛ فالذي قدَرَ على إطلاعِ تميمٍ الدارِيِّ رضيَ اللهُ عنه على هذه الجزيرةِ، قادرٌ على أن يُضِلَّ الناسَ عنها؛ ليَجرِيَ قَدَرُهُ على وَفْقِ ما قضى وأراد، لا معقِّبَ لحُكمِهِ سبحانه وتعالى.
4- الوحيُ مصدرٌ مستقِلٌّ لإثباتِ المعرفةِ، ولا يتوقَّفُ معرفةُ مطابَقةِ الخبَرِ لمُخبَرِهِ إلا على معرفةِ مرادِ المخبِرِ بكلامِه، وقيامِ الدَّلالةِ على صدقِه، ولا يتوقَّفُ ثبوتُها على اكتشافِ الناسِ لها:
فالعلمُ الحديثُ - مع بلوغِهِ في الاتِّساعِ والتطوُّرِ - إلا أنه ما زال يَقْضي بقصورِ منجَزاتِهِ عن الإحاطةِ بكلِّ شيء.
وقَبولُ أحاديثِ المصطفى ﷺ ليس مرهونًا بتصحيحِ علومِ البشَرِ القاصرةِ لها؛ بل علومُ البشَرِ مرهونٌ قَبولُها بألَّا تخالِفَ ما صَحَّ عن النبيِّ ﷺ، ولا يُترَكُ المقطوعُ بصِحَّتِهِ لأمرٍ تعتوِرُهُ الظنونُ، وتُحيطُ به مِن كلِّ جانبٍ.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
هذا الحديثُ - مِن وجهةِ نظَرِ السائل - مخالِفٌ للمحسوس؛ فمع خرائطِ العالَمِ وأجهزةِ الرصدِ، لا نعثُرُ على أثرٍ للجزيرةِ المذكورةِ في الحديث.
والحديثُ الذي جاء فيه خبرُ الجزيرةِ: هو ما جاء في «صحيحِ مسلمٍ» (2942)، وفيه:

«أن النبيَّ ﷺ جمَعَ الناسَ وحدَّثهم بما حدَّثه به تَمِيمٌ الدارِيُّ رضيَ اللهُ عنه، فقال: «حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمِ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَؤُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ، فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ؛ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ؛ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ ...»، فذكَرَ تَمِيمٌ خبَرَ محاوَرةِ الرجُلِ معهم، وسؤالَهُ لهم عدَّةَ أسئلةٍ، ثم قال الرجلُ: «وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي: إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ ...»،

إلى آخِرِ الحديث.
مختصَرُ الإجابة:
لا يُمكِنُ ردُّ الأحاديثِ كلِّها؛ لأجلِ حديثٍ واحدٍ له سياقُهُ ومعناه، بل لا يُمكِنُ ردُّ الحديثِ الواحدِ، وقد صَحَّ سندُهُ، إلا ببيِّنةٍ تُبطِلُه.
والواجبُ البناءُ على منهجيَّةٍ صحيحةٍ، والقَبولُ والردُّ مِن خلالِها؛ كما صنَعَ علماءُ الحديثِ في مناهجِهم.
وما في حديثِ الجسَّاسةِ أمران:
1- أمورٌ غيبيَّةٌ، قد تكونُ غريبةً أو مخالِفةً للعادة، ولكنَّها غيرُ مستحيلةٍ عقلًا ولا شرعًا؛ فما الذي يَمنَعُ مِن قَبولِها، وقد صَحَّ الخبرُ؟! وأيُّ استحالةٍ في الأشياءِ المذكورة؟! فمجرَّدُ خروجِها عن العادةِ لا يَجعَلُها مستحيلةً عقلًا ولا شرعًا؛ خصوصًا وهي أمورٌ استثنائيَّةٌ لأحداثٍ عظيمةٍ، كسائرِ أحداثِ اليومِ الآخِرِ المخالِفةِ للعادة، والشريعةُ قد تأتي بما تَحَارُ فيه العقول، ولكنَّها لا تأتي بما تُحِيلُهُ العقول.
والوحيُ - وهو خبَرُ الصادقِ - مصدرٌ مستقِلٌّ للمعرفة، ولا يتوقَّفُ معرفةُ مطابَقةِ الخبَرِ لمُخبَرِهِ إلا على معرفةِ مرادِ المخبِرِ بكلامِه، وقيامِ الدَّلالةِ على صدقِه.
2- ثم إنَّ عدمَ اكتشافِ تلك الجزيرةِ لا يدُلُّ على عدمِ وجودِها؛ فإن اللهَ الذي أطلَعَ تَمِيمًا الدارِيَّ عليها، قادرٌ أن يحجُبَها عن غيرِه، ولا يَلزَمُ أن يَعرِفَ الناسُ اليومَ كلَّ بُقْعةٍ في الأرض.
وشأنُ الجسَّاسةِ مثلُ شأنِ الغيبيَّاتِ وما في بعضِها مِن أمورٍ غيرِ معتادةٍ، ويُمكِنُ أن تقَعَ عقلًا، فإذا ثبَتَتْ بخبرٍ صحيحٍ صريحٍ، صدَّقْنا وجودَه.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية: شأنُ الجسَّاسةِ مثلُ شأنِ الغيبيَّاتِ وما في بعضِها مِن أمورٍ غيرِ معتادةٍ، ويُمكِنُ أن تقَعَ عقلًا، فإذا ثبَتَتْ بخبرٍ صحيحٍ صريحٍ، صدَّقْنا وجودَه.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
هذا الحديثُ - مِن وجهةِ نظَرِ السائل - مخالِفٌ للمحسوس؛ فمع خرائطِ العالَمِ وأجهزةِ الرصدِ، لا نعثُرُ على أثرٍ للجزيرةِ المذكورةِ في الحديث.
والحديثُ الذي جاء فيه خبرُ الجزيرةِ: هو ما جاء في «صحيحِ مسلمٍ» (2942)، وفيه:

«أن النبيَّ ﷺ جمَعَ الناسَ وحدَّثهم بما حدَّثه به تَمِيمٌ الدارِيُّ رضيَ اللهُ عنه، فقال: «حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمِ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَؤُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ، فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ؛ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ؛ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ ...»، فذكَرَ تَمِيمٌ خبَرَ محاوَرةِ الرجُلِ معهم، وسؤالَهُ لهم عدَّةَ أسئلةٍ، ثم قال الرجلُ: «وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي: إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ ...»،

إلى آخِرِ الحديث.
مختصَرُ الإجابة:
لا يُمكِنُ ردُّ الأحاديثِ كلِّها؛ لأجلِ حديثٍ واحدٍ له سياقُهُ ومعناه، بل لا يُمكِنُ ردُّ الحديثِ الواحدِ، وقد صَحَّ سندُهُ، إلا ببيِّنةٍ تُبطِلُه.
والواجبُ البناءُ على منهجيَّةٍ صحيحةٍ، والقَبولُ والردُّ مِن خلالِها؛ كما صنَعَ علماءُ الحديثِ في مناهجِهم.
وما في حديثِ الجسَّاسةِ أمران:
1- أمورٌ غيبيَّةٌ، قد تكونُ غريبةً أو مخالِفةً للعادة، ولكنَّها غيرُ مستحيلةٍ عقلًا ولا شرعًا؛ فما الذي يَمنَعُ مِن قَبولِها، وقد صَحَّ الخبرُ؟! وأيُّ استحالةٍ في الأشياءِ المذكورة؟! فمجرَّدُ خروجِها عن العادةِ لا يَجعَلُها مستحيلةً عقلًا ولا شرعًا؛ خصوصًا وهي أمورٌ استثنائيَّةٌ لأحداثٍ عظيمةٍ، كسائرِ أحداثِ اليومِ الآخِرِ المخالِفةِ للعادة، والشريعةُ قد تأتي بما تَحَارُ فيه العقول، ولكنَّها لا تأتي بما تُحِيلُهُ العقول.
والوحيُ - وهو خبَرُ الصادقِ - مصدرٌ مستقِلٌّ للمعرفة، ولا يتوقَّفُ معرفةُ مطابَقةِ الخبَرِ لمُخبَرِهِ إلا على معرفةِ مرادِ المخبِرِ بكلامِه، وقيامِ الدَّلالةِ على صدقِه.
2- ثم إنَّ عدمَ اكتشافِ تلك الجزيرةِ لا يدُلُّ على عدمِ وجودِها؛ فإن اللهَ الذي أطلَعَ تَمِيمًا الدارِيَّ عليها، قادرٌ أن يحجُبَها عن غيرِه، ولا يَلزَمُ أن يَعرِفَ الناسُ اليومَ كلَّ بُقْعةٍ في الأرض.
وشأنُ الجسَّاسةِ مثلُ شأنِ الغيبيَّاتِ وما في بعضِها مِن أمورٍ غيرِ معتادةٍ، ويُمكِنُ أن تقَعَ عقلًا، فإذا ثبَتَتْ بخبرٍ صحيحٍ صريحٍ، صدَّقْنا وجودَه.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:
حقيقةُ هذه الشبهةِ تؤولُ إلى الشكِّ في الأحاديثِ؛ نظَرًا إلى التشكيكِ في حديثِ الجسَّاسةِ المذكور؛ إما لغرابتِهِ، وإما لأنه ذكَرَ الجزيرةَ والدابَّةَ ونحوَهما، ولم تُرصَدْ حتى اليومِ بالأجهزةِ الحديثة.
والجوابُ عن الشبهةِ المذكورةِ تفصيلًا مِن وجوه: 
1- قَبولُ الأحاديثِ وردُّها إنما يُبْنى على منهجيَّةٍ علميَّة:
وعليه: لا يُمكِنُ ردُّ الأحاديثِ كلِّها، والتشكيكُ فيها؛ لأجلِ حديثٍ واحدٍ له سياقُهُ ومعناه؛ فالمستدَلُّ عليه هنا أكبرُ مِن الدليل؛ فمَن ضعَّف الحديثَ، فليضعِّفْهُ لوحدِهِ نظرًا لمخالَفتِهِ المنهجيَّةِ العلميَّةِ التي تطَّرِدُ مع غيرِه، وليس لمجرَّدِ الذائقة.
بل لا يُمكِنُ ردُّ الحديثِ الواحدِ، وقد صَحَّ سندُهُ، إلا ببيِّنةٍ تُبطِلُه؛ فهذا الحديثُ ظاهرُهُ الصحَّة؛ وقد جاء مِن طرُقٍ متعدِّدةٍ عن أكثرَ مِن راوٍ، وعن أكثرَ مِن صحابيٍّ؛ فلا بدَّ مِن سببٍ قويٍّ لردِّه.
و ما ذُكِرَ مِن غرابةِ الحديثِ، أو أنا لم نجدْ أثرَ هذه الجزيرةِ، فكلاهما لا يَكفِيانِ لتضعيفِ الحديثِ؛ لما يأتي:
2- فرقٌ بين الغرابةِ ومخالَفةِ العادة، وبين الاستحالةِ العقليَّة:
فوجودُ دابَّةٍ كثيرةِ الشَّعَرِ تتكلَّمُ - سواءٌ بنفسِها، أو بتلبُّسِ الجنِّ بها - ووجودُ رجُلٍ يقولُ: «إنه المسيحُ هناك»، ويُخبِرُ بأشياءَ غريبةٍ -: كلُّها أمورٌ لا يُحِيلُها العقل، ومَن عرَفَ مخترَعاتِ اليومَ، لم يقل: «إن تلك الأمورَ مستحيلةٌ عقلًا».
بل اللهُ تعالى أخبَرَ عما في آخِرِ الزمانِ، فقال:

{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}

[النمل: 82]


والشريعةُ قد تأتي بما تَحَارُ فيه العقول، ولكنَّها لا تأتي بما تُحِيلُهُ العقول.
3- لا يَلزَمُ أن يَعرِفَ الناسُ اليومَ كلَّ بُقْعةٍ في الأرض:
فما زالت الأخبارُ تشيرُ إلى جُزُرٍ ومعالمَ ومغاراتٍ، بل كهوفٍ كبيرةٍ، تُكتشَفُ حديثًا، ثم لا يمتنِعُ انتقالُ الدابَّةِ عن هذا الجزيرةِ إلى مكانٍ آخَرَ، أو تغطيتُها بمعالمَ أخرى، أو غيرُ ذلك مِن الاحتمالاتِ الكثيرة.
ولا يمتنِعُ أن يحجُبَ اللهُ تعالى الناسَ عن تلك الجزيرةِ لحكمةٍ، كما أطلَعَ تَمِيمًا الدارِيَّ رضيَ اللهُ عنه عليها لحكمةٍ:
فإن الربَّ تبارَكَ وتعالى إذا أراد شيئًا، هيَّأ له أسبابَهُ؛ فاللهُ جلَّ وعلا مِن حكمتِهِ أن أطلَعَ تَمِيمًا الدارِيَّ رضيَ اللهُ عنه ومَن معه على أمرِ الدجَّالِ؛ ليكونَ ذلك توكيدًا لِما كان يحدِّثُ به النبيُّ ﷺ أصحابَهُ مِن شأنِ الدجَّالِ؛ فالذي قدَرَ على إطلاعِ تميمٍ الدارِيِّ رضيَ اللهُ عنه على هذه الجزيرةِ، قادرٌ على أن يُضِلَّ الناسَ عنها؛ ليَجرِيَ قَدَرُهُ على وَفْقِ ما قضى وأراد، لا معقِّبَ لحُكمِهِ سبحانه وتعالى.
4- الوحيُ مصدرٌ مستقِلٌّ لإثباتِ المعرفةِ، ولا يتوقَّفُ معرفةُ مطابَقةِ الخبَرِ لمُخبَرِهِ إلا على معرفةِ مرادِ المخبِرِ بكلامِه، وقيامِ الدَّلالةِ على صدقِه، ولا يتوقَّفُ ثبوتُها على اكتشافِ الناسِ لها:
فالعلمُ الحديثُ - مع بلوغِهِ في الاتِّساعِ والتطوُّرِ - إلا أنه ما زال يَقْضي بقصورِ منجَزاتِهِ عن الإحاطةِ بكلِّ شيء.
وقَبولُ أحاديثِ المصطفى ﷺ ليس مرهونًا بتصحيحِ علومِ البشَرِ القاصرةِ لها؛ بل علومُ البشَرِ مرهونٌ قَبولُها بألَّا تخالِفَ ما صَحَّ عن النبيِّ ﷺ، ولا يُترَكُ المقطوعُ بصِحَّتِهِ لأمرٍ تعتوِرُهُ الظنونُ، وتُحيطُ به مِن كلِّ جانبٍ.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية: شأنُ الجسَّاسةِ مثلُ شأنِ الغيبيَّاتِ وما في بعضِها مِن أمورٍ غيرِ معتادةٍ، ويُمكِنُ أن تقَعَ عقلًا، فإذا ثبَتَتْ بخبرٍ صحيحٍ صريحٍ، صدَّقْنا وجودَه.