نص السؤال

إن القولَ بحجِّيَّةِ فهمِ السلفِ لا نجدُهُ في كلامِ أحدٍ مِن العلماء، ولا نجدُهُ إلا في كلام السلفيَّةِ المعاصِرة؛ وهذا يدُلُّ على أنه مِن خصائصِهم. 

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

عبارةُ: «كتابٌ وسُنَّة، بفهمِ سلفِ الأمَّة» ليست صحيحةً.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في أصولِ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ تحتَ ستارِ: «النَّقْدِ المشروعِ للمدرسةِ السلفيَّةِ المعاصِرة»، وهي مما يُثيرُهُ بعضُ مُناوِئي حجِّيَّةِ فهمِ السلفِ مِن المعاصِرين، وقد يستشكِلُ بعضُ الناسِ أو بعضُ المثقَّفِين المرادَ بقولِ 

السلفيِّينَ: «الكتابُ والسنَّة، بفهمِ سلفِ الأمَّة»، غيرَ أن مما يجدُرُ التنبيهُ له ابتداءً: أن وقوعَ الأخطاءِ مِن المنتسِبين للمدرسةِ السلفيَّةِ المعاصِرةِ - بل مِن رموزِها - لا يَعْني تجويزَ الكذبِ عليهم، فضلًا عن أن يكونَ ذلك مجوِّزًا للكَرِّ على الأصولِ المقرَّرةِ لدى أهلِ السنَّةِ بالنقضِ والإبطال.

والجوابُ عن هذه الشبهةِ يحتاجُ إلى كشفِ الالتباسِ حول مصطلَحِ «حجِّيَّةِ فهمِ السلف»؛ ويتبيَّنُ ذلك مِن وجهَيْن:

1- مركزيَّةُ فهمِ السلفِ ليست خاصَّةً بالسلفيَّةِ المعاصِرة، وإنما هي أمرٌ شائعٌ في المدرسةِ السلفيَّةِ عمومًا، مِن عصرِ الصحابةِ ومَن جاء بعدهم:

وإن كانوا لم يستعمِلوا عبارةَ: «فهمِ السلفِ»؛ فقد استعمَلوا عباراتٍ أخرى؛ كقولِهم: «ما عليه الصحابةُ»، «ما عَمِلَ به السلفُ»، «ما قاله أئمَّةُ الهُدى»، ونحوِها مِن العبارات.

ولا بأسَ مِن ذِكرِ شيءٍ مِن عباراتِهم في ذلك:

- قال ابنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه:

«إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ^ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ»

رواه أحمد (6/ 84 رقم 3600).

- وقال حُذَيفةُ بنُ اليَمَانِ رضيَ اللهُ عنه:

«اتَّقُوا اللهَ يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ، وَخُذُوا بِطَرِيقِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»

رواه ابنُ المبارَكِ في «الزهدِ» (رقم 47)، وابن وضَّاحٍ في «البدع» (رقم 10، 11، 14).

- وقال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنه للخوارجِ:

«أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ^ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ ^ وَصِهْرِهِ، وَعَلَيْهِمْ نُزِّلَ الْقُرْآنُ، فَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ»

رواه النَّسائيُّ في «السُّنَنِ الكبرى» (7/ 480 رقم 8522).

- وقال عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ:

«ارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ لِأَنْفُسِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا، وَهُمْ عَلَى كَشْفِ الْأُمُورِ كَانُوا أَقْوَى، وَبِفَضْلِ مَا كَانُوا فِيهِ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ، وَلَئِنْ قُلْتُمْ: «إِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَا أَحْدَثَهُ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ، وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ»، فَإِنَّهُمْ هُمُ السَّابِقُونَ؛ فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِي، فَمَا دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ، وَمَا فَوْقَهُمْ مِنْ مَحْسَرٍ، وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوَامٌ فَغَلَوْا، وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ»

رواه أبو داود (4612). وينظر: «لمعةُ الاعتقادِ» لابنِ قُدامةَ (ص 8).

- وقال الأوزاعيُّ:

«اصْبِرْ نَفْسَكَ عَلَى السُّنَّةِ، وَقِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ، وَقُلْ بِمَا قَالُوا، وَكُفَّ عَمَّا كَفُّوا عَنْهُ، وَاسْلُكْ سَبِيلَ سَلَفِكَ الصَّالِحِ؛ فَإِنَّهُ يَسَعُكُ مَا وَسِعَهُمْ، لَوْ كَانَ هَذَا خَيْرًا مَا خُصِصْتُمْ بِهِ دُونَ أَسْلَافِكُمْ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُدَّخَرْ عَنْهُمْ خَيْرٌ خُبِّئَ لَكُمْ دُونَهُمْ لِفَضْلٍ عِنْدَكُمْ»

رواه الآجُرِّيُّ في «الشريعة» (2/ 674).

- وقال أبو العاليةِ:

«عَلَيْكُمْ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقُوا»

رواه أبو نُعَيمٍ في «حِلْيةِ الأولياء» (2/ 218).

- وقال الإمامُ أحمدُ:

«أُصُولُ السنَّةِ عِنْدَنَا: التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ»

«أصولُ السُّنَّة» للإمام أحمد (ص 14).

- وقال الإمامُ أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سلَّامٍ:

«فَأَيُّ شَيْءٍ يُتَّبَعُ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ^ وَمِنْهَاجِ السَّلَفِ بَعْدَهُ، الَّذِينَ هُمْ مَوْضِعُ الْقُدْوَةِ وَالْإِمَامَةِ؟!»

«الإيمان» لأبي عُبَيدٍ (ص 19).

- وقد لخَّص اللالَكَائيُّ جملةَ ذلك، فقال: «فإنَّ أوجَبَ ما على المرءِ: معرفةُ اعتقادِ الدِّينْ، وما كلَّف اللهُ به عبادَهُ مِن فهمِ توحيدِهِ وصفاتِهِ وتصديقِ رسُلِهِ بالدلائلِ واليقينْ، والتوصُّلِ إلى طرُقِها والاستدلالِ عليها بالحُجَجِ والبراهينْ.

وكان مِن أعظمِ مَقُولْ، وأوضحِ حُجَّةٍ ومعقولْ:

كتابُ اللهِ الحقُّ المُبِينْ.

ثم قولُ رسولِ اللهِ ^، وصحابتِهِ الأخيارِ المتَّقِينْ.

ثم ما أجمَعَ عليه السلفُ الصالِحونْ.

ثم التمسُّكُ بمجموعِها، والمُقامُ عليها إلى يومِ الدِّينْ.

ثم الاجتنابُ عن البِدَعِ والاستماعِ إليها مما أحدَثَها المُضِلُّونْ»؛ «شرحِ أصولِ اعتقادِ أهلِ السنَّة» (1/ 9).

وقال المَلَطيُّ: «الذي عندي مِن ذلك: أن تَلزَمَ المنهجَ المستقيم، وما نزَلَ به التنزيلُ وسُنَّةُ الرسول، وما مضى عليه السلفُ الصالح؛ فعليك بالسنَّةِ والجماعةِ ترشُدْ إنْ شاء الله»؛ «التنبيهُ والردُّ على أهلِ الأهواءِ والبِدَع» (ص 41).

2- المرادُ بفهمِ السلَفِ وما ماثَلهُ مِن المصطلَحاتِ: إجماعُهم، وليس أقوالَ أفرادِهم:

فمعنى الآثارِ المتقدِّمةِ ظاهرٌ بيِّنٌ؛ فالمقصودُ بها: أن الفهمَ الصحيحَ لنصوصِ الكتابِ والسنَّةِ: هو الفهمُ الذي كان عليه الصحابةُ رِضْوانُ اللهِ عليهم، بمجموعِهم، وما اتَّبَعهُ عليه التابِعون وأتباعُهم، وأن فهمَهم لا يخالِفُ الكتابَ والسنَّة، وأن كلَّ فهمٍ للكتابِ والسنَّةِ يخالِفُ ما كانوا عليه بمجموعِهم، فهو فهمٌ خطأٌ لا مَحَالةَ.

وليس المرادُ: أن الصحابةَ والتابِعينَ لهم فهمٌ خاصٌّ خارِجٌ عن مقتضَياتِ الكتابِ والسنَّة، وأن هذا الفهمَ مصدرٌ آخَرُ مِن مصادرِ الاستدلال، مستقِلٌّ عن الكتابِ والسنَّة.

وليس المرادُ أيضًا: أن الفردَ مِن الصحابةِ قولُهُ حجَّةٌ ملزِمةٌ لا يُمكِنُ الخروجُ عنها، وأن مَن خرَجَ عنها، وقَعَ في الابتداعِ والضلالِ، والفِسْقِ والانحرافِ، وإن كان مخطئًا؛ فقد يخالِفُ الصحابيُّ غيرَهُ مِن الصحابة، ويكونُ الصوابُ مع غيرِه.

ومما يدُلُّ على أن أئمَّةَ السلَفِ يَقصِدون بذلك الإجماعَ، وليس قولَ الأفرادِ: أنهم رتَّبوا على مخالَفةِ ما كان عليه الصحابةُ الضلالَ والتفسيقَ، والخروجَ عن السنَّةِ إلى الضلالِ والانحراف، بل رتَّبوا في بعضِ المسائلِ الكفرَ الأكبرَ. فهم لا يَقصِدون بذلك أفرادَ الصحابةِ والتابِعين؛ لأنهم لم يحكُموا على مَن خالَفَ الأفرادَ منهم بالفسقِ والضلال؛ ومما يدُلُّ على ذلك أن الإمامَ أحمدَ مع أخذِهِ بقولِ الصحابيِّ لم يحكُمْ على كلِّ مَن خالَفهُ في ذلك بالخروجِ عن السنَّة، والوقوعِ في الضلالِ والتفرُّق؛ كما حكَمَ على مَن خالَفَ إجماعَ الصحابةِ في أصولِ الدِّينِ العِلميَّة والعمليَّة. 

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

يريدُ السائلُ أن يقولَ: إن المدرسةَ السلفيَّةَ المعاصِرةَ التي تَرفَعُ شعارَ: «الكتابُ والسنَّة، بفهمِ سلفِ الأمَّة»، أَتَتْ بمعنًى جديدٍ لفهمِ السلفِ، لم يُسبَقوا إليه، وهو: أن فهمَ السلفِ سُنَّةٌ مستقِلَّةٌ لآحادِهم وأفرادِهم، أو فهمٌ خاصٌّ يكونُ بذاتِهِ واجبَ الاتِّباعِ، ويَلزَمُ كُلَّ مجتهدٍ قد استكمَلَ أدواتِ الاجتهادِ الأخذُ به، وإن أدَّى اجتهادُهُ في الدليلِ مِن الوحيِ إلى خلافِهِ؛ فالسائلُ يتعجَّبُ مِن هذا الكلام، ويتساءَلُ أين ذلك المعنى في كلامِ الأئمَّةِ والعلماءِ عَبْرَ عَشَرةِ قرون؟!

مختصَرُ الإجابة:

حجِّيَّةُ فهمِ السلفِ تَشمَلُ الاحتجاجَ بإجماعِهم، وعدمَ الخروجِ عن اختلافِهم إذا اختلَفوا، والتمسُّكَ بمنهجِهم في التلقِّي والاستدلال.

وليس المرادُ: أن الصحابةَ والتابِعين لهم فهمٌ خاصٌّ خارجٌ عن مقتضَياتِ الكتابِ والسنَّة، وأن هذا الفهمَ مصدرٌ آخَرُ مِن مصادرِ الاستدلال، مستقِلٌّ عن الكتابِ والسنَّة.

وليس المرادُ أيضًا: أن الفردَ مِن الصحابةِ قولُهُ حجَّةٌ ملزِمةٌ لا يُمكِنُ الخروجُ عنها، وأن مَن خرَجَ عنها، وقَعَ في الابتداعِ والضلالِ، والفِسْقِ والانحرافِ، وإن كان مخطئًا؛ فقد يخالِفُ الصحابيُّ غيرَهُ مِن الصحابة، ويكونُ الصوابُ مع غيرِه. كما أن الاحتجاجَ بفهمِهم ليس مِن خصائصِ المدرسةِ السلفيَّةِ المعاصِرة، بل درَجَ عليه السلفُ والأئمَّةُ، مِن عصرِ الصحابةِ ومَن جاء بعدهم.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

يريدُ السائلُ أن يقولَ: إن المدرسةَ السلفيَّةَ المعاصِرةَ التي تَرفَعُ شعارَ: «الكتابُ والسنَّة، بفهمِ سلفِ الأمَّة»، أَتَتْ بمعنًى جديدٍ لفهمِ السلفِ، لم يُسبَقوا إليه، وهو: أن فهمَ السلفِ سُنَّةٌ مستقِلَّةٌ لآحادِهم وأفرادِهم، أو فهمٌ خاصٌّ يكونُ بذاتِهِ واجبَ الاتِّباعِ، ويَلزَمُ كُلَّ مجتهدٍ قد استكمَلَ أدواتِ الاجتهادِ الأخذُ به، وإن أدَّى اجتهادُهُ في الدليلِ مِن الوحيِ إلى خلافِهِ؛ فالسائلُ يتعجَّبُ مِن هذا الكلام، ويتساءَلُ أين ذلك المعنى في كلامِ الأئمَّةِ والعلماءِ عَبْرَ عَشَرةِ قرون؟!

مختصَرُ الإجابة:

حجِّيَّةُ فهمِ السلفِ تَشمَلُ الاحتجاجَ بإجماعِهم، وعدمَ الخروجِ عن اختلافِهم إذا اختلَفوا، والتمسُّكَ بمنهجِهم في التلقِّي والاستدلال.

وليس المرادُ: أن الصحابةَ والتابِعين لهم فهمٌ خاصٌّ خارجٌ عن مقتضَياتِ الكتابِ والسنَّة، وأن هذا الفهمَ مصدرٌ آخَرُ مِن مصادرِ الاستدلال، مستقِلٌّ عن الكتابِ والسنَّة.

وليس المرادُ أيضًا: أن الفردَ مِن الصحابةِ قولُهُ حجَّةٌ ملزِمةٌ لا يُمكِنُ الخروجُ عنها، وأن مَن خرَجَ عنها، وقَعَ في الابتداعِ والضلالِ، والفِسْقِ والانحرافِ، وإن كان مخطئًا؛ فقد يخالِفُ الصحابيُّ غيرَهُ مِن الصحابة، ويكونُ الصوابُ مع غيرِه. كما أن الاحتجاجَ بفهمِهم ليس مِن خصائصِ المدرسةِ السلفيَّةِ المعاصِرة، بل درَجَ عليه السلفُ والأئمَّةُ، مِن عصرِ الصحابةِ ومَن جاء بعدهم.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في أصولِ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ تحتَ ستارِ: «النَّقْدِ المشروعِ للمدرسةِ السلفيَّةِ المعاصِرة»، وهي مما يُثيرُهُ بعضُ مُناوِئي حجِّيَّةِ فهمِ السلفِ مِن المعاصِرين، وقد يستشكِلُ بعضُ الناسِ أو بعضُ المثقَّفِين المرادَ بقولِ 

السلفيِّينَ: «الكتابُ والسنَّة، بفهمِ سلفِ الأمَّة»، غيرَ أن مما يجدُرُ التنبيهُ له ابتداءً: أن وقوعَ الأخطاءِ مِن المنتسِبين للمدرسةِ السلفيَّةِ المعاصِرةِ - بل مِن رموزِها - لا يَعْني تجويزَ الكذبِ عليهم، فضلًا عن أن يكونَ ذلك مجوِّزًا للكَرِّ على الأصولِ المقرَّرةِ لدى أهلِ السنَّةِ بالنقضِ والإبطال.

والجوابُ عن هذه الشبهةِ يحتاجُ إلى كشفِ الالتباسِ حول مصطلَحِ «حجِّيَّةِ فهمِ السلف»؛ ويتبيَّنُ ذلك مِن وجهَيْن:

1- مركزيَّةُ فهمِ السلفِ ليست خاصَّةً بالسلفيَّةِ المعاصِرة، وإنما هي أمرٌ شائعٌ في المدرسةِ السلفيَّةِ عمومًا، مِن عصرِ الصحابةِ ومَن جاء بعدهم:

وإن كانوا لم يستعمِلوا عبارةَ: «فهمِ السلفِ»؛ فقد استعمَلوا عباراتٍ أخرى؛ كقولِهم: «ما عليه الصحابةُ»، «ما عَمِلَ به السلفُ»، «ما قاله أئمَّةُ الهُدى»، ونحوِها مِن العبارات.

ولا بأسَ مِن ذِكرِ شيءٍ مِن عباراتِهم في ذلك:

- قال ابنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه:

«إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ^ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ»

رواه أحمد (6/ 84 رقم 3600).

- وقال حُذَيفةُ بنُ اليَمَانِ رضيَ اللهُ عنه:

«اتَّقُوا اللهَ يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ، وَخُذُوا بِطَرِيقِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»

رواه ابنُ المبارَكِ في «الزهدِ» (رقم 47)، وابن وضَّاحٍ في «البدع» (رقم 10، 11، 14).

- وقال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنه للخوارجِ:

«أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ^ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ ^ وَصِهْرِهِ، وَعَلَيْهِمْ نُزِّلَ الْقُرْآنُ، فَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ»

رواه النَّسائيُّ في «السُّنَنِ الكبرى» (7/ 480 رقم 8522).

- وقال عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ:

«ارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ لِأَنْفُسِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا، وَهُمْ عَلَى كَشْفِ الْأُمُورِ كَانُوا أَقْوَى، وَبِفَضْلِ مَا كَانُوا فِيهِ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ، وَلَئِنْ قُلْتُمْ: «إِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَا أَحْدَثَهُ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ، وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ»، فَإِنَّهُمْ هُمُ السَّابِقُونَ؛ فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِي، فَمَا دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ، وَمَا فَوْقَهُمْ مِنْ مَحْسَرٍ، وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوَامٌ فَغَلَوْا، وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ»

رواه أبو داود (4612). وينظر: «لمعةُ الاعتقادِ» لابنِ قُدامةَ (ص 8).

- وقال الأوزاعيُّ:

«اصْبِرْ نَفْسَكَ عَلَى السُّنَّةِ، وَقِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ، وَقُلْ بِمَا قَالُوا، وَكُفَّ عَمَّا كَفُّوا عَنْهُ، وَاسْلُكْ سَبِيلَ سَلَفِكَ الصَّالِحِ؛ فَإِنَّهُ يَسَعُكُ مَا وَسِعَهُمْ، لَوْ كَانَ هَذَا خَيْرًا مَا خُصِصْتُمْ بِهِ دُونَ أَسْلَافِكُمْ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُدَّخَرْ عَنْهُمْ خَيْرٌ خُبِّئَ لَكُمْ دُونَهُمْ لِفَضْلٍ عِنْدَكُمْ»

رواه الآجُرِّيُّ في «الشريعة» (2/ 674).

- وقال أبو العاليةِ:

«عَلَيْكُمْ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقُوا»

رواه أبو نُعَيمٍ في «حِلْيةِ الأولياء» (2/ 218).

- وقال الإمامُ أحمدُ:

«أُصُولُ السنَّةِ عِنْدَنَا: التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ»

«أصولُ السُّنَّة» للإمام أحمد (ص 14).

- وقال الإمامُ أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سلَّامٍ:

«فَأَيُّ شَيْءٍ يُتَّبَعُ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ^ وَمِنْهَاجِ السَّلَفِ بَعْدَهُ، الَّذِينَ هُمْ مَوْضِعُ الْقُدْوَةِ وَالْإِمَامَةِ؟!»

«الإيمان» لأبي عُبَيدٍ (ص 19).

- وقد لخَّص اللالَكَائيُّ جملةَ ذلك، فقال: «فإنَّ أوجَبَ ما على المرءِ: معرفةُ اعتقادِ الدِّينْ، وما كلَّف اللهُ به عبادَهُ مِن فهمِ توحيدِهِ وصفاتِهِ وتصديقِ رسُلِهِ بالدلائلِ واليقينْ، والتوصُّلِ إلى طرُقِها والاستدلالِ عليها بالحُجَجِ والبراهينْ.

وكان مِن أعظمِ مَقُولْ، وأوضحِ حُجَّةٍ ومعقولْ:

كتابُ اللهِ الحقُّ المُبِينْ.

ثم قولُ رسولِ اللهِ ^، وصحابتِهِ الأخيارِ المتَّقِينْ.

ثم ما أجمَعَ عليه السلفُ الصالِحونْ.

ثم التمسُّكُ بمجموعِها، والمُقامُ عليها إلى يومِ الدِّينْ.

ثم الاجتنابُ عن البِدَعِ والاستماعِ إليها مما أحدَثَها المُضِلُّونْ»؛ «شرحِ أصولِ اعتقادِ أهلِ السنَّة» (1/ 9).

وقال المَلَطيُّ: «الذي عندي مِن ذلك: أن تَلزَمَ المنهجَ المستقيم، وما نزَلَ به التنزيلُ وسُنَّةُ الرسول، وما مضى عليه السلفُ الصالح؛ فعليك بالسنَّةِ والجماعةِ ترشُدْ إنْ شاء الله»؛ «التنبيهُ والردُّ على أهلِ الأهواءِ والبِدَع» (ص 41).

2- المرادُ بفهمِ السلَفِ وما ماثَلهُ مِن المصطلَحاتِ: إجماعُهم، وليس أقوالَ أفرادِهم:

فمعنى الآثارِ المتقدِّمةِ ظاهرٌ بيِّنٌ؛ فالمقصودُ بها: أن الفهمَ الصحيحَ لنصوصِ الكتابِ والسنَّةِ: هو الفهمُ الذي كان عليه الصحابةُ رِضْوانُ اللهِ عليهم، بمجموعِهم، وما اتَّبَعهُ عليه التابِعون وأتباعُهم، وأن فهمَهم لا يخالِفُ الكتابَ والسنَّة، وأن كلَّ فهمٍ للكتابِ والسنَّةِ يخالِفُ ما كانوا عليه بمجموعِهم، فهو فهمٌ خطأٌ لا مَحَالةَ.

وليس المرادُ: أن الصحابةَ والتابِعينَ لهم فهمٌ خاصٌّ خارِجٌ عن مقتضَياتِ الكتابِ والسنَّة، وأن هذا الفهمَ مصدرٌ آخَرُ مِن مصادرِ الاستدلال، مستقِلٌّ عن الكتابِ والسنَّة.

وليس المرادُ أيضًا: أن الفردَ مِن الصحابةِ قولُهُ حجَّةٌ ملزِمةٌ لا يُمكِنُ الخروجُ عنها، وأن مَن خرَجَ عنها، وقَعَ في الابتداعِ والضلالِ، والفِسْقِ والانحرافِ، وإن كان مخطئًا؛ فقد يخالِفُ الصحابيُّ غيرَهُ مِن الصحابة، ويكونُ الصوابُ مع غيرِه.

ومما يدُلُّ على أن أئمَّةَ السلَفِ يَقصِدون بذلك الإجماعَ، وليس قولَ الأفرادِ: أنهم رتَّبوا على مخالَفةِ ما كان عليه الصحابةُ الضلالَ والتفسيقَ، والخروجَ عن السنَّةِ إلى الضلالِ والانحراف، بل رتَّبوا في بعضِ المسائلِ الكفرَ الأكبرَ. فهم لا يَقصِدون بذلك أفرادَ الصحابةِ والتابِعين؛ لأنهم لم يحكُموا على مَن خالَفَ الأفرادَ منهم بالفسقِ والضلال؛ ومما يدُلُّ على ذلك أن الإمامَ أحمدَ مع أخذِهِ بقولِ الصحابيِّ لم يحكُمْ على كلِّ مَن خالَفهُ في ذلك بالخروجِ عن السنَّة، والوقوعِ في الضلالِ والتفرُّق؛ كما حكَمَ على مَن خالَفَ إجماعَ الصحابةِ في أصولِ الدِّينِ العِلميَّة والعمليَّة.