نص السؤال

دعوى تشابه مضامين القرآن مع التوراة والإنجيل

المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام

المصدر: موسوعة بيان الإسلام

الجواب التفصيلي

دعوى تشابه مضامين القرآن مع التوراة والإنجيل(*)

مضمون الشبهة:


يدعي بعض المشككين أن القرآن الكريم يتشابه مع الكتب السابقة: التوراة والإنجيل، ويستدلون على ذلك ببعض الآيات التي تذكر كلمات ورد ذكرها في هذه الكتب، وأكثر هذه الآيات من سور: الرحمن والنحل والنور وإبراهيم والجاثية... وغيرها من السور.
كما يستدلون ببعض الكلمات التي ذكرت في القرآن، ويزعمون أنها من الكتب المقدسة عندهم، ومن هذه الكلمات: فرقان، أمر، أمانة، بركة، تبارك، بهيمة، مثاني، خلاق، سكينة، قيوم، كفارة، ماعون، منهاج، جبار، سورة، قدوس... إلخ. فمثل هذه الآيات والكلمات دليل في زعمهم على أن القرآن ليس من عند الله، بل هو مأخوذ أو منحول من الكتب السابقة عليه.
ويزعمون أن القرآن ترجم عن التوراة بدليل قوله سبحانه وتعالى: )ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة( (هود: 17). ويتساءلون: ما الجديد الذي أتى به محمد -صلى الله عليه وسلم- ما دام قد أخذ القرآن وأصول دينه وأخبار الأنبياء عن "بحيرا الراهب" عندما لقيه بالشام، وعن ورقة بن نوفل، وعن الغلام الرومي الأعجمي الذي كان يعمل حدادا في مكة المكرمة. هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في مصدر القرآن الكريم.


وجوه إبطال الشبهة:


1) الآيات والكلمات التي ادعوا أنها منقولة من التوراة والإنجيل لا تدل على ذلك، إذ إنه لا يوجد أدنى شبه بين معناها في القرآن الكريم ومعناها في نصوص التوراة والإنجيل، أو اللغات التي ترجمت هذه الكتب، أضف إلى ذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم - كان أميا لا يقرأ ولا يكتب باعترافهم، فكيف يترجم هذه الآيات وتلك الكلمات؟!!
2) لقد تكفل الله - سبحانه وتعالى ــ بحفظ القرآن الكريم من الضياع أو التحريف؛

حيث قال سبحانه وتعالى:

(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9))

(الحجر)

، في حين أن الكتب السابقة تعرضت للتحريف والتغيير على أيدى أتباعها،

قال سبحانه وتعالى:

(يحرفون الكلم عن مواضعه)

(النساء: ٤٦).


3) إذا سلمنا جدلا أن القرآن ترجم عن التوراة، فعن أي توراة ترجم، الصحيحة أم المحرفة؟ وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا لم يؤمنوا به؟! ولماذا لم يترجمه أحد أحبارهم أو رهبانهم، بل ترجمه رجل أمي كمحمد صلى الله عليه وسلم.
4) الآية التي يستدلون بها ليست دليلا على أن القرآن مترجم عن التوراة، ولكنها تثبت أن الإمامة والرحمة انتقلت إلى القرآن بعد نزوله لشموله كل ما سبقه من كتب وعموم رسالته.
5) الثابت تاريخيا أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ لم يسافر إلى الشام إلا مرتين في حياته: مرة بصحبة عمه أبي طالب، والأخرى بصحبة ميسرة غلام خديجة، وهذا يؤكد أنه يستحيل عقلا أن ينتج عن هذين اللقاءين العابرين بين النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وبحيرا كل هذا الفيض المعجز البليغ في هذا الوقت المحدود، وإذا كان بحيرا هو مصدر القرآن فلماذا لم ينسبه لنفسه، وترك هذا الفضل العظيم لغيره؟!
6) لقد سلمنا يقينا بأن القرآن بليغ معجز، فهل يعقل أن يكون مصدره هذا الحداد الرومي الذي كان منهكا بين مطرقته وسندانه طوال يومه؟!
7) لم يثبت عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أنه كان يتردد على ورقة بن نوفل، إذ الثابت تاريخيا أنه لم يقابله إلا مرة واحدة، وذلك عندما نزل عليه الوحي أول مرة، وتمنى أن يكون فتيا يدافع عن الإسلام والنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ فكيف يتهمونه ــ صلى الله عليه وسلم ــ بالأخذ عنه؟!!


التفصيل:


أولا. اختلاف معنى الآيات والكلمات في القرآن عن معناها في الكتاب المقدس واللغات التي ترجمت هذا الكتاب:
اختلاف معنى الآيات في القرآن الكريم عن معناها في الكتاب المقدس:
إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نقل نصوص القرآن الكريم من الكتب السابقة عليه، فهذا يستدعي معرفته - صلى الله عليه وسلم - بالعديد من اللغات الأخرى غير اللغة العربية، مثل: العبرية والسريانية واليونانية، ويستدعي أيضا وجود مكتبة ضخمة من الكتب بهذه اللغات تحت يديه - صلى الله عليه وسلم - ولكن هذا لم يقع في الحقيقة، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فأنى له أن ينقل بعض هذه الآيات من الكتب السابقة عليه، وأمية النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر مسلم به بين أعداء الإسلام، فضلا عن المسلمين، فهذا يؤكد كذب هذا الادعاء وبطلانه. والآيات التي يتوهم أن بينها وبين نصوص الإنجيل تشابها كما أوردوها هي:
  

سورة الرحمن  سفر المزمور 136 

(الشمس والقمر بحسبان(5))

(الرحمن)

(والنجم والشجر يسجدان (6))

(الرحمن)

(والسماء رفعها)

(الرحمن: 7) 

(والأرض وضعها للأنام (10))

(الرحمن). 

  الشمس لحكـم النهار (8) 

  القمر والكواكب لحكم الليل (9)

 الصانع السماوات بفهم (5)

الباسط الأرض على المياه (6)  

 

ويمكن الرد على التشابه بما يأتي:
•      يتحدث القرآن عن الطابع الدوري لحركة الشمس والقمر، ولا يذكر العهد القديم شيئا عن هذا.
•      النبات والشجر في القرآن يسجد لله، ولا يوجد لهذا مثيل في العهد القديم.
•      يتحدث القرآن عن رفع السماء فحسب، بينما العهد القديم يتحدث عن الحكمة من هذا الرفع.
•  يتحدث القرآن عن بسط الأرض لصالح الإنسانية جمعاء، بينما يذكر العهد القديم حالة جغرافية من حالات الأرض، فأين هذا التشابه المزعوم بين القرآن الكريم والكتاب المقدس المحرف؟!

سورة النحل المزمور 104

(ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون (2))

(النحل).

   
الصانع ملائكته رياحا، وخدامه نارا ملتهبة (4)


تتحدث آية القرآن عن مطلق إرادة الله في اختيار من يشاء من عباده، ويضع على عاتقه عبء تبليغ الرسالة والنبوة، وينزل على هذا النبي جبريل - عليه السلام - بالرسالة من عنده - تعالى ذكره - بينما يتحدث نص المزمور عن مجرد ظواهر طبيعية، فأين هذا التشابه المزعوم بين آية القرآن الكريم وبين نص الإنجيل.

سورة النحل  المزمور 104

(خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون (3))

(النحل).

 اللابس النور كثوب، الباسط السماوات كشقة (2)
المؤسس الأرض على قواعدها (5)


أين هذا التشابه المزعوم بين نص الآية الكريمة ونص الإنجيل، فالآية الكريمة تتحدث عن حكمة الله - سبحانه وتعالى - في خلق السماوات والأرض، وعن مدى الانسجام التام بينهما دون أي خلل في نظامهما، وكل هذا دليل على مدى عظمة الله وقدرته في خلقه.

أما المزمور فيتحدث عن تشبيه السماء بالستار،والتأكيد على أن الأرض مثبتة على قواعد راسخة، فمن أين لاحظ هؤلاء المتوهمون تشابها بين القرآن والإنجيل؟!

سورة النحلالمزمور 104

(هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون (10))

(النحل).

المسقف علاليه بالمياه. الجاعل السحاب مركبته، الماشي على أجنحة الريح (3)

(ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (11))

(النحل).


المنبت عشبا للبهائم، وخضرة لخدمة الإنسان، لإخراج خبز من الأرض، وخمر تفرح قلب الإنسان، لإلماع وجهه أكثر من الزيت، وخبز يسند قلب الإنسان (14، 15)



وهناك فرق كبير بين حديث القرآن الكريم وحديث الإنجيل، ففي حين يتحدث القرآن عن المنفعة التي نزلت بالناس المتمثلة في الماء، فهو الذي يخرج به الزرع والزيتون، والنخيل والأعناب وجميع ثمرات الأرض، وجعل هذا كله آية؛ لكي يتفكر فيها الخلق لمعرفة مدى قدرة الله تعالى، وفي مقابل هذا يتحدث نص الإنجيل عن الرياح التي يمتطيها الله تعالى، ويتحدث عن صفات الله، وكأنها مثل صفات البشر المادية، وكذلك لم يذكر نص الإنجيل إلا العشب، ولم يتطرق إلى الثمار والأشجار التي في القرآن، والخمر التي في المزمور لا وجود لها في نص القرآن، فأي تشابه بين النصين أيها المتوهمون؟!


مثل هذا الكلام يقال عن آيات كثيرة في سورة النحل، توهم هؤلاء المدعون أن بينها وبين نصوص من الإنجيل تشابها كبيرا، ولكن هذا الادعاء غير صحيح، وقد اتضح مما سبق بطلان هذا الزعم[1].
يرى أصحاب هذا الادعاء أن هناك تشابها بين

قوله - سبحانه وتعالى - في سورة النور:

(الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم (35))

(النور)،


وبين الإنجيل، ويدعون أنها مأخوذة منه ويفسرون هذا النور عدة تفسيرات منها:


•      النور الذي في القرآن مأخوذ من الأنوار التي في الكنائس والأديرة التي تضاء للخدمة.
•      هذا النور له علاقة بـ "نور الكون" في الإنجيل، و "نور النور" في الإعلان العقائدي لمجمع نيقيا.


ولكن هذا الزعم ليس صحيحا؛ لأن النور في الآية نور واحد، وهو في الكنيسة أنوار متعددة، وهو كذلك في القرآن "نور على نور" ولكنه في الإعلان العقائدي نور يأتي من نور، ويحاول بعضهم - عبثا - الربط بين الآية الكريمة، وبين فقرة من كتاب زكريا من العهد القديم الإصحاح الرابع الآيات 1: 3، ولكن هذا زعم مفترى مثل سابقه[2].
وبهذا، فلا يوجد أدنى تشابه بين الآيات القرآنية المشار إليها، وبين آيات الإنجيل، فضلا عن أن يكون هذا التشابه واضحا، فضلا عن أن تكون آيات القرآن مأخوذة منها، فدعواهم تلك لا تستند إلى دليل، وها هي قد سقطت بالمقارنة اليسيرة والتحليل الصحيح والأدلة المقنعة.


ومثلما حاول المخالفون للإسلام وللقرآن وللنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يثبتوا أن القرآن الكريم مأخوذ من الإنجيل، حاولوا كذلك الربط بين بعض الألفاظ القرآنية وبين ألفاظ أخرى تقابلها في العبرية؛ لا لشيء إلا لكي يصفوا القرآن بالنقص والنقل من الكتب السابقة، ويمكن الرد على هذا الادعاء بما يأتي:
•  اللغة العربية واللغة العبرية لغتان تنتميان إلى أصل واحد، وهذا الأصل هو الأصل السامي، فهناك كلمات عربية موجودة في اللغة العبرية والعكس صحيح، وكل منهما فرع عن أصل، وهذا الفرع يأخذ من الأصل بعض الصفات المشتركة.


•  ادعاء أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخذ هذه الكلمات من اللغة العبرية أو الآرامية يستدعي معرفة النبي -صلى الله عليه وسلم - بهذه اللغات معرفة جيدة قراءة وكتابة، وهذا ما تتوافر المصادر على نفيه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو رجل أمي لا يعرف القراءة والكتابة باللغة العربية، ومن الثابت أنه لم يتعلم أية لغة أخرى، فهل ألهم العلم بتلك اللغات؟! وهل يصل الإلهام بالشخص إلى أن يتعلم لغة قراءة وكتابة؟! ولماذا لم يحدث مثل هذا الإلهام لغيره؟!


•  الكلمات التي يستشهد بها أصحاب هذا الادعاء نجدها موجودة في المعاجم العربية القديمة، وفي نصوص الشعر العربي الجاهلي، ومعنى هذا أنها معروفة قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس هو الذي أدخلها في القرآن الكريم، كما يدعي هؤلاء.


من هذه الكلمات كلمة "خلاق" التي قيل: إن أصلها اليهودي هو "حيليق" أو أصلها آرامي وهو "حولاق"، وهي تعني في هذه اللغات "جزء" أما معناها في اللغة العربية فهو "نصيب" كما جاء في

قوله سبحانه وتعالى:

(وما له في الآخرة من خلاق (200))

(البقرة).

فأين التشابه بين المعنيين؟ ونجدها في شعر حسان بن ثابت الجاهلي الذي كتبه قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم.
وكذلك كلمة "بعير" التي قيل: إن أصلها العبري هو "بيعير Beir" وتعني الماشية، ولكن معنى هذه الكلمة في المعاجم العربية القديمة هو: الجمل القوي أو الحمار، وعليه الآية التي جاءت في قوله

سبحانه وتعالى:

(ولمن جاء به حمل بعير)

(يوسف: ٧٢).

وهذه الكلمة مستخدمة في المعاجم القديمة بمعنى الحمار، وكذلك استخدم أحد الشعراء الجاهليين الجمع من هذه الكلمة، "أباعير".


ومن هذه الكلمات التي ادعى هؤلاء أنها ذات أصل عبري كلمة "بهيمة" ويدعون أن أصلها هو الكلمة العبرية "Berema"، وهذه الكلمة في القرآن تعني: الحيوان ذا اللون الخالص الذي لا تتخلله ألوان مثل الأبيض، أو الأسود، وعليه ما جاء في معاجم اللغة القديمة، فهذه الكلمة في العربية تستعمل صفة دائمة للأنعام، ولكنها في العبرية تستعمل اسما لا صفة، فأين التشابه بينهما؟!
وكذلك كلمة "سورة" التي قيل: إن أصلها عبري وهو "Shura" بمعنى الخط أو الطابور، وقيل: إن أصلها آرامي هو "Sidra"، وكلا المعنيين لا يتفق مع المعنى القرآني لهذه الكلمة، وقد ورد لهذه الكلمات تفسيرات عدة في كتب المفسرين، فقيل: هي المنزلة، وبقية الشيء، والمرتبة العليا وغير ذلك، فهي من الكلمات غير واضحة الدلالة.


ومنها كلمة "مثاني" التي قيل: إن أصلها عبري، وقيل: أصلها آرامي Mathnitha بمعنى التقليد أو العرف، ولكن هذا يخالف كل المعاني التي ذكرها المفسرون لهذه الكلمة التي جاءت في كتاب الله - عز وجل - في مواضع عدة، منها قوله سبحانه وتعالى: )ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم (87)( (الحجر). فقيل: هي الفاتحة، وقيل: ما ثني مرة بعد مرة، وقيل: لأنها يثنى بها في كل ركعة.


ولم تسلم كلمة "خاتم" من هذه الشبهة، فقد قيل: هي مأخوذة من سفر حجى الإصحاح الثاني الآية 23 التي تقول: "وأجعلك كخاتم، لأني قد اخترتك"، وكذلك في سفر الملوك الأول الإصحاح 21 الآية التي تقول: " ثم كتبت رسائل باسم أخآب، وختمتها بخاتمه". وهي عندهم تعني الختم الذي يوضع على الأوراق، أو الختم المعلق في الصدر، أو الختم الذي يحمل في اليد لشدة الحرص عليه، وكل هذه المعاني لا تتفق مع المعنى الذي جاء في القرآن لهذه الكلمة التي جاءت في

قوله سبحانه وتعالى:

(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما (40))

(الأحزاب)،

فهي في القرآن تعني الأخير الذي ختمت به الرسالات والنبوات، وكلمة "خاتم" من ألقاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم لا والإسلام هو آخر الديانات السماوية المنزلة من قبل الله تعالى،

قال سبحانه وتعالى:

(إن الدين عند الله الإسلام)

(آل عمران: ١٩)،

وقال:

(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)

(آل عمران: ٨٥).


وهناك العديد من الآيات التي تؤكد أن معنى كلمة خاتم هو الأخير،

ومن هذه الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«أنا خاتم النبيين»

.[3]

فأين هذا التشابه المزعوم بين معنى كلمة "خاتم" في الإسلام ومعناها في العبرية؟ أو غيرها من اللغات الأخرى؟

(قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111))

(البقرة) [4].


ومن الكلمات التي تعرضت لظلم كبير من قبل أعداء الإسلام كلمة "فرقان" التي جاءت في العديد من سور القرآن الكريم، فمن هؤلاء من ينسبها إلى الكلمة العبرية "بيركي Pirke" أو مأخوذة من "بريكي أبوت Pirke Abot" وتعني الأحكام الدينية التي نص عليها حكماء ورجال الدين اليهودي، ومنهم من ينسبها إلى الكلمة السريانية "فرقانا Furqana"، أو الكلمة اليهودية الآرامية "فرقان Furqan" التي تعني الإنقاذ.


وعلى هذا قيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ هذه الكلمة من هذه اللغات وأدخلها إلى القرآن الكريم بعد أن خلطها باللفظ العربي "فرق"، ونرد على هذا الزعم بما يأتي:
1. الأحكام الدينية التي تشير إليها كلمة "Pirke Abot بيركي أبوت"، من وضع حكماء المعبد اليهودي، وليست من وضع موسى أو هارون، فهي إذن ليست من النصوص المقدسة الصحيحة.
2. هل كان النبي ـصلى الله عليه وسلم - على علم باللغة العبرية أو السريانية أو الآرامية حتى يأخذ هذه الكلمة من هذه اللغات ويدخلها إلى القرآن الكريم؟
3. الأصل السرياني للكلمة "فرقانا" يعني الإنقاذ، وهذا المعنى لا يوجد له أية صلة بالمعاني التي جاءت لهذه الكلمة في المعاجم العربية، إذ في هذه المعاجم أن هذه الكلمة تعني التفريق بين أمرين: الحق والباطل، الخير والشر... فأين التشابه؟! وكذلك جاء معناها في كتب المفسرين للقرآن على عكس المعنى الذي توهمه هؤلاء لهذه الكلمة، فهي في كتب المفسرين تعني شيئا مما يأتي:
•  مصدر للفعل "فرق"، وكل ما يدل على التفريق بين أمرين متناقضين، مثل الخير والشر، والمشروع واللامشروع... إلخ.


•      أي كتاب من الكتب المقدسة، مثل التوراة، والإنجيل، والقرآن، وعلى المعنى الأول جاء

قوله سبحانه وتعالى:

(وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)

(الأنفال:٤١)،

وقوله سبحانه وتعالى:

(وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون (53))

(البقرة)،

ومن المعنى الثاني

قوله سبحانه وتعالى:

(نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام (4))

(آل عمران)،

وقوله سبحانه وتعالى:

(تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1))

(الفرقان)[5].

المراجع

  1. (*) الدفاع عن القرآن ضد منتقديه، عبد الرحمن بدوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1998م. [1]. لمتابعة هذه الآيات انظر كلام هؤلاء المتوهمين عن التشابه بين الآيات (14، 38، 65، 68، 70، 32، 49، 50، 61، 79) من سورة النحل، وما يقابلها من نصوص الإنجيل في المزمور (104) تحت الأرقام الآتية(12، 17 25، 26، 29، 27، 33، 34، 35)، فسوف ترى عجبا، وهذا كله في كتاب: الدفاع عن القرآن ضد منتقديه، عبد الرحمن بدوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1998م، ص 31: 28.
  2.  الدفاع عن القرآن ضد منتقديه، عبد الرحمن بدوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1998م، ص38: 37 بتصرف.
  3.   أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم (3342)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب ذكر كونه خاتم النبيين (6101).
  4.   الدفاع عن القرآن ضد منتقديه، عبد الرحمن بدوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1998م، ص43: 54 بتصرف. 
  5. الدفاع عن القرآن ضد منتقديه، عبد الرحمن بدوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1998م، ص61، 62 بتصرف.


الجواب التفصيلي

دعوى تشابه مضامين القرآن مع التوراة والإنجيل(*)

مضمون الشبهة:


يدعي بعض المشككين أن القرآن الكريم يتشابه مع الكتب السابقة: التوراة والإنجيل، ويستدلون على ذلك ببعض الآيات التي تذكر كلمات ورد ذكرها في هذه الكتب، وأكثر هذه الآيات من سور: الرحمن والنحل والنور وإبراهيم والجاثية... وغيرها من السور.
كما يستدلون ببعض الكلمات التي ذكرت في القرآن، ويزعمون أنها من الكتب المقدسة عندهم، ومن هذه الكلمات: فرقان، أمر، أمانة، بركة، تبارك، بهيمة، مثاني، خلاق، سكينة، قيوم، كفارة، ماعون، منهاج، جبار، سورة، قدوس... إلخ. فمثل هذه الآيات والكلمات دليل في زعمهم على أن القرآن ليس من عند الله، بل هو مأخوذ أو منحول من الكتب السابقة عليه.
ويزعمون أن القرآن ترجم عن التوراة بدليل قوله سبحانه وتعالى: )ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة( (هود: 17). ويتساءلون: ما الجديد الذي أتى به محمد -صلى الله عليه وسلم- ما دام قد أخذ القرآن وأصول دينه وأخبار الأنبياء عن "بحيرا الراهب" عندما لقيه بالشام، وعن ورقة بن نوفل، وعن الغلام الرومي الأعجمي الذي كان يعمل حدادا في مكة المكرمة. هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في مصدر القرآن الكريم.


وجوه إبطال الشبهة:


1) الآيات والكلمات التي ادعوا أنها منقولة من التوراة والإنجيل لا تدل على ذلك، إذ إنه لا يوجد أدنى شبه بين معناها في القرآن الكريم ومعناها في نصوص التوراة والإنجيل، أو اللغات التي ترجمت هذه الكتب، أضف إلى ذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم - كان أميا لا يقرأ ولا يكتب باعترافهم، فكيف يترجم هذه الآيات وتلك الكلمات؟!!
2) لقد تكفل الله - سبحانه وتعالى ــ بحفظ القرآن الكريم من الضياع أو التحريف؛

حيث قال سبحانه وتعالى:

(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9))

(الحجر)

، في حين أن الكتب السابقة تعرضت للتحريف والتغيير على أيدى أتباعها،

قال سبحانه وتعالى:

(يحرفون الكلم عن مواضعه)

(النساء: ٤٦).


3) إذا سلمنا جدلا أن القرآن ترجم عن التوراة، فعن أي توراة ترجم، الصحيحة أم المحرفة؟ وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا لم يؤمنوا به؟! ولماذا لم يترجمه أحد أحبارهم أو رهبانهم، بل ترجمه رجل أمي كمحمد صلى الله عليه وسلم.
4) الآية التي يستدلون بها ليست دليلا على أن القرآن مترجم عن التوراة، ولكنها تثبت أن الإمامة والرحمة انتقلت إلى القرآن بعد نزوله لشموله كل ما سبقه من كتب وعموم رسالته.
5) الثابت تاريخيا أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ لم يسافر إلى الشام إلا مرتين في حياته: مرة بصحبة عمه أبي طالب، والأخرى بصحبة ميسرة غلام خديجة، وهذا يؤكد أنه يستحيل عقلا أن ينتج عن هذين اللقاءين العابرين بين النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وبحيرا كل هذا الفيض المعجز البليغ في هذا الوقت المحدود، وإذا كان بحيرا هو مصدر القرآن فلماذا لم ينسبه لنفسه، وترك هذا الفضل العظيم لغيره؟!
6) لقد سلمنا يقينا بأن القرآن بليغ معجز، فهل يعقل أن يكون مصدره هذا الحداد الرومي الذي كان منهكا بين مطرقته وسندانه طوال يومه؟!
7) لم يثبت عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أنه كان يتردد على ورقة بن نوفل، إذ الثابت تاريخيا أنه لم يقابله إلا مرة واحدة، وذلك عندما نزل عليه الوحي أول مرة، وتمنى أن يكون فتيا يدافع عن الإسلام والنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ فكيف يتهمونه ــ صلى الله عليه وسلم ــ بالأخذ عنه؟!!


التفصيل:


أولا. اختلاف معنى الآيات والكلمات في القرآن عن معناها في الكتاب المقدس واللغات التي ترجمت هذا الكتاب:
اختلاف معنى الآيات في القرآن الكريم عن معناها في الكتاب المقدس:
إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نقل نصوص القرآن الكريم من الكتب السابقة عليه، فهذا يستدعي معرفته - صلى الله عليه وسلم - بالعديد من اللغات الأخرى غير اللغة العربية، مثل: العبرية والسريانية واليونانية، ويستدعي أيضا وجود مكتبة ضخمة من الكتب بهذه اللغات تحت يديه - صلى الله عليه وسلم - ولكن هذا لم يقع في الحقيقة، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فأنى له أن ينقل بعض هذه الآيات من الكتب السابقة عليه، وأمية النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر مسلم به بين أعداء الإسلام، فضلا عن المسلمين، فهذا يؤكد كذب هذا الادعاء وبطلانه. والآيات التي يتوهم أن بينها وبين نصوص الإنجيل تشابها كما أوردوها هي:
  

سورة الرحمن  سفر المزمور 136 

(الشمس والقمر بحسبان(5))

(الرحمن)

(والنجم والشجر يسجدان (6))

(الرحمن)

(والسماء رفعها)

(الرحمن: 7) 

(والأرض وضعها للأنام (10))

(الرحمن). 

  الشمس لحكـم النهار (8) 

  القمر والكواكب لحكم الليل (9)

 الصانع السماوات بفهم (5)

الباسط الأرض على المياه (6)  

 

ويمكن الرد على التشابه بما يأتي:
•      يتحدث القرآن عن الطابع الدوري لحركة الشمس والقمر، ولا يذكر العهد القديم شيئا عن هذا.
•      النبات والشجر في القرآن يسجد لله، ولا يوجد لهذا مثيل في العهد القديم.
•      يتحدث القرآن عن رفع السماء فحسب، بينما العهد القديم يتحدث عن الحكمة من هذا الرفع.
•  يتحدث القرآن عن بسط الأرض لصالح الإنسانية جمعاء، بينما يذكر العهد القديم حالة جغرافية من حالات الأرض، فأين هذا التشابه المزعوم بين القرآن الكريم والكتاب المقدس المحرف؟!

سورة النحل المزمور 104

(ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون (2))

(النحل).

   
الصانع ملائكته رياحا، وخدامه نارا ملتهبة (4)


تتحدث آية القرآن عن مطلق إرادة الله في اختيار من يشاء من عباده، ويضع على عاتقه عبء تبليغ الرسالة والنبوة، وينزل على هذا النبي جبريل - عليه السلام - بالرسالة من عنده - تعالى ذكره - بينما يتحدث نص المزمور عن مجرد ظواهر طبيعية، فأين هذا التشابه المزعوم بين آية القرآن الكريم وبين نص الإنجيل.

سورة النحل  المزمور 104

(خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون (3))

(النحل).

 اللابس النور كثوب، الباسط السماوات كشقة (2)
المؤسس الأرض على قواعدها (5)


أين هذا التشابه المزعوم بين نص الآية الكريمة ونص الإنجيل، فالآية الكريمة تتحدث عن حكمة الله - سبحانه وتعالى - في خلق السماوات والأرض، وعن مدى الانسجام التام بينهما دون أي خلل في نظامهما، وكل هذا دليل على مدى عظمة الله وقدرته في خلقه.

أما المزمور فيتحدث عن تشبيه السماء بالستار،والتأكيد على أن الأرض مثبتة على قواعد راسخة، فمن أين لاحظ هؤلاء المتوهمون تشابها بين القرآن والإنجيل؟!

سورة النحلالمزمور 104

(هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون (10))

(النحل).

المسقف علاليه بالمياه. الجاعل السحاب مركبته، الماشي على أجنحة الريح (3)

(ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (11))

(النحل).


المنبت عشبا للبهائم، وخضرة لخدمة الإنسان، لإخراج خبز من الأرض، وخمر تفرح قلب الإنسان، لإلماع وجهه أكثر من الزيت، وخبز يسند قلب الإنسان (14، 15)



وهناك فرق كبير بين حديث القرآن الكريم وحديث الإنجيل، ففي حين يتحدث القرآن عن المنفعة التي نزلت بالناس المتمثلة في الماء، فهو الذي يخرج به الزرع والزيتون، والنخيل والأعناب وجميع ثمرات الأرض، وجعل هذا كله آية؛ لكي يتفكر فيها الخلق لمعرفة مدى قدرة الله تعالى، وفي مقابل هذا يتحدث نص الإنجيل عن الرياح التي يمتطيها الله تعالى، ويتحدث عن صفات الله، وكأنها مثل صفات البشر المادية، وكذلك لم يذكر نص الإنجيل إلا العشب، ولم يتطرق إلى الثمار والأشجار التي في القرآن، والخمر التي في المزمور لا وجود لها في نص القرآن، فأي تشابه بين النصين أيها المتوهمون؟!


مثل هذا الكلام يقال عن آيات كثيرة في سورة النحل، توهم هؤلاء المدعون أن بينها وبين نصوص من الإنجيل تشابها كبيرا، ولكن هذا الادعاء غير صحيح، وقد اتضح مما سبق بطلان هذا الزعم[1].
يرى أصحاب هذا الادعاء أن هناك تشابها بين

قوله - سبحانه وتعالى - في سورة النور:

(الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم (35))

(النور)،


وبين الإنجيل، ويدعون أنها مأخوذة منه ويفسرون هذا النور عدة تفسيرات منها:


•      النور الذي في القرآن مأخوذ من الأنوار التي في الكنائس والأديرة التي تضاء للخدمة.
•      هذا النور له علاقة بـ "نور الكون" في الإنجيل، و "نور النور" في الإعلان العقائدي لمجمع نيقيا.


ولكن هذا الزعم ليس صحيحا؛ لأن النور في الآية نور واحد، وهو في الكنيسة أنوار متعددة، وهو كذلك في القرآن "نور على نور" ولكنه في الإعلان العقائدي نور يأتي من نور، ويحاول بعضهم - عبثا - الربط بين الآية الكريمة، وبين فقرة من كتاب زكريا من العهد القديم الإصحاح الرابع الآيات 1: 3، ولكن هذا زعم مفترى مثل سابقه[2].
وبهذا، فلا يوجد أدنى تشابه بين الآيات القرآنية المشار إليها، وبين آيات الإنجيل، فضلا عن أن يكون هذا التشابه واضحا، فضلا عن أن تكون آيات القرآن مأخوذة منها، فدعواهم تلك لا تستند إلى دليل، وها هي قد سقطت بالمقارنة اليسيرة والتحليل الصحيح والأدلة المقنعة.


ومثلما حاول المخالفون للإسلام وللقرآن وللنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يثبتوا أن القرآن الكريم مأخوذ من الإنجيل، حاولوا كذلك الربط بين بعض الألفاظ القرآنية وبين ألفاظ أخرى تقابلها في العبرية؛ لا لشيء إلا لكي يصفوا القرآن بالنقص والنقل من الكتب السابقة، ويمكن الرد على هذا الادعاء بما يأتي:
•  اللغة العربية واللغة العبرية لغتان تنتميان إلى أصل واحد، وهذا الأصل هو الأصل السامي، فهناك كلمات عربية موجودة في اللغة العبرية والعكس صحيح، وكل منهما فرع عن أصل، وهذا الفرع يأخذ من الأصل بعض الصفات المشتركة.


•  ادعاء أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخذ هذه الكلمات من اللغة العبرية أو الآرامية يستدعي معرفة النبي -صلى الله عليه وسلم - بهذه اللغات معرفة جيدة قراءة وكتابة، وهذا ما تتوافر المصادر على نفيه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو رجل أمي لا يعرف القراءة والكتابة باللغة العربية، ومن الثابت أنه لم يتعلم أية لغة أخرى، فهل ألهم العلم بتلك اللغات؟! وهل يصل الإلهام بالشخص إلى أن يتعلم لغة قراءة وكتابة؟! ولماذا لم يحدث مثل هذا الإلهام لغيره؟!


•  الكلمات التي يستشهد بها أصحاب هذا الادعاء نجدها موجودة في المعاجم العربية القديمة، وفي نصوص الشعر العربي الجاهلي، ومعنى هذا أنها معروفة قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس هو الذي أدخلها في القرآن الكريم، كما يدعي هؤلاء.


من هذه الكلمات كلمة "خلاق" التي قيل: إن أصلها اليهودي هو "حيليق" أو أصلها آرامي وهو "حولاق"، وهي تعني في هذه اللغات "جزء" أما معناها في اللغة العربية فهو "نصيب" كما جاء في

قوله سبحانه وتعالى:

(وما له في الآخرة من خلاق (200))

(البقرة).

فأين التشابه بين المعنيين؟ ونجدها في شعر حسان بن ثابت الجاهلي الذي كتبه قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم.
وكذلك كلمة "بعير" التي قيل: إن أصلها العبري هو "بيعير Beir" وتعني الماشية، ولكن معنى هذه الكلمة في المعاجم العربية القديمة هو: الجمل القوي أو الحمار، وعليه الآية التي جاءت في قوله

سبحانه وتعالى:

(ولمن جاء به حمل بعير)

(يوسف: ٧٢).

وهذه الكلمة مستخدمة في المعاجم القديمة بمعنى الحمار، وكذلك استخدم أحد الشعراء الجاهليين الجمع من هذه الكلمة، "أباعير".


ومن هذه الكلمات التي ادعى هؤلاء أنها ذات أصل عبري كلمة "بهيمة" ويدعون أن أصلها هو الكلمة العبرية "Berema"، وهذه الكلمة في القرآن تعني: الحيوان ذا اللون الخالص الذي لا تتخلله ألوان مثل الأبيض، أو الأسود، وعليه ما جاء في معاجم اللغة القديمة، فهذه الكلمة في العربية تستعمل صفة دائمة للأنعام، ولكنها في العبرية تستعمل اسما لا صفة، فأين التشابه بينهما؟!
وكذلك كلمة "سورة" التي قيل: إن أصلها عبري وهو "Shura" بمعنى الخط أو الطابور، وقيل: إن أصلها آرامي هو "Sidra"، وكلا المعنيين لا يتفق مع المعنى القرآني لهذه الكلمة، وقد ورد لهذه الكلمات تفسيرات عدة في كتب المفسرين، فقيل: هي المنزلة، وبقية الشيء، والمرتبة العليا وغير ذلك، فهي من الكلمات غير واضحة الدلالة.


ومنها كلمة "مثاني" التي قيل: إن أصلها عبري، وقيل: أصلها آرامي Mathnitha بمعنى التقليد أو العرف، ولكن هذا يخالف كل المعاني التي ذكرها المفسرون لهذه الكلمة التي جاءت في كتاب الله - عز وجل - في مواضع عدة، منها قوله سبحانه وتعالى: )ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم (87)( (الحجر). فقيل: هي الفاتحة، وقيل: ما ثني مرة بعد مرة، وقيل: لأنها يثنى بها في كل ركعة.


ولم تسلم كلمة "خاتم" من هذه الشبهة، فقد قيل: هي مأخوذة من سفر حجى الإصحاح الثاني الآية 23 التي تقول: "وأجعلك كخاتم، لأني قد اخترتك"، وكذلك في سفر الملوك الأول الإصحاح 21 الآية التي تقول: " ثم كتبت رسائل باسم أخآب، وختمتها بخاتمه". وهي عندهم تعني الختم الذي يوضع على الأوراق، أو الختم المعلق في الصدر، أو الختم الذي يحمل في اليد لشدة الحرص عليه، وكل هذه المعاني لا تتفق مع المعنى الذي جاء في القرآن لهذه الكلمة التي جاءت في

قوله سبحانه وتعالى:

(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما (40))

(الأحزاب)،

فهي في القرآن تعني الأخير الذي ختمت به الرسالات والنبوات، وكلمة "خاتم" من ألقاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم لا والإسلام هو آخر الديانات السماوية المنزلة من قبل الله تعالى،

قال سبحانه وتعالى:

(إن الدين عند الله الإسلام)

(آل عمران: ١٩)،

وقال:

(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)

(آل عمران: ٨٥).


وهناك العديد من الآيات التي تؤكد أن معنى كلمة خاتم هو الأخير،

ومن هذه الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«أنا خاتم النبيين»

.[3]

فأين هذا التشابه المزعوم بين معنى كلمة "خاتم" في الإسلام ومعناها في العبرية؟ أو غيرها من اللغات الأخرى؟

(قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111))

(البقرة) [4].


ومن الكلمات التي تعرضت لظلم كبير من قبل أعداء الإسلام كلمة "فرقان" التي جاءت في العديد من سور القرآن الكريم، فمن هؤلاء من ينسبها إلى الكلمة العبرية "بيركي Pirke" أو مأخوذة من "بريكي أبوت Pirke Abot" وتعني الأحكام الدينية التي نص عليها حكماء ورجال الدين اليهودي، ومنهم من ينسبها إلى الكلمة السريانية "فرقانا Furqana"، أو الكلمة اليهودية الآرامية "فرقان Furqan" التي تعني الإنقاذ.


وعلى هذا قيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ هذه الكلمة من هذه اللغات وأدخلها إلى القرآن الكريم بعد أن خلطها باللفظ العربي "فرق"، ونرد على هذا الزعم بما يأتي:
1. الأحكام الدينية التي تشير إليها كلمة "Pirke Abot بيركي أبوت"، من وضع حكماء المعبد اليهودي، وليست من وضع موسى أو هارون، فهي إذن ليست من النصوص المقدسة الصحيحة.
2. هل كان النبي ـصلى الله عليه وسلم - على علم باللغة العبرية أو السريانية أو الآرامية حتى يأخذ هذه الكلمة من هذه اللغات ويدخلها إلى القرآن الكريم؟
3. الأصل السرياني للكلمة "فرقانا" يعني الإنقاذ، وهذا المعنى لا يوجد له أية صلة بالمعاني التي جاءت لهذه الكلمة في المعاجم العربية، إذ في هذه المعاجم أن هذه الكلمة تعني التفريق بين أمرين: الحق والباطل، الخير والشر... فأين التشابه؟! وكذلك جاء معناها في كتب المفسرين للقرآن على عكس المعنى الذي توهمه هؤلاء لهذه الكلمة، فهي في كتب المفسرين تعني شيئا مما يأتي:
•  مصدر للفعل "فرق"، وكل ما يدل على التفريق بين أمرين متناقضين، مثل الخير والشر، والمشروع واللامشروع... إلخ.


•      أي كتاب من الكتب المقدسة، مثل التوراة، والإنجيل، والقرآن، وعلى المعنى الأول جاء

قوله سبحانه وتعالى:

(وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)

(الأنفال:٤١)،

وقوله سبحانه وتعالى:

(وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون (53))

(البقرة)،

ومن المعنى الثاني

قوله سبحانه وتعالى:

(نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام (4))

(آل عمران)،

وقوله سبحانه وتعالى:

(تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1))

(الفرقان)[5].

المراجع

  1. (*) الدفاع عن القرآن ضد منتقديه، عبد الرحمن بدوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1998م. [1]. لمتابعة هذه الآيات انظر كلام هؤلاء المتوهمين عن التشابه بين الآيات (14، 38، 65، 68، 70، 32، 49، 50، 61، 79) من سورة النحل، وما يقابلها من نصوص الإنجيل في المزمور (104) تحت الأرقام الآتية(12، 17 25، 26، 29، 27، 33، 34، 35)، فسوف ترى عجبا، وهذا كله في كتاب: الدفاع عن القرآن ضد منتقديه، عبد الرحمن بدوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1998م، ص 31: 28.
  2.  الدفاع عن القرآن ضد منتقديه، عبد الرحمن بدوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1998م، ص38: 37 بتصرف.
  3.   أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم (3342)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب ذكر كونه خاتم النبيين (6101).
  4.   الدفاع عن القرآن ضد منتقديه، عبد الرحمن بدوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1998م، ص43: 54 بتصرف. 
  5. الدفاع عن القرآن ضد منتقديه، عبد الرحمن بدوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1998م، ص61، 62 بتصرف.