نص السؤال
المصدر: شبهات المشككين في الإسلام
الجواب التفصيلي
دعوى اليهود استحالة وقوع النسخ عقلا ونقلا وإنكارهم لجوازه(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض اليهود استحالة وقوع النسخ عقلا ونقلا؛ ولذا فإنهم أنكروا نسخ أحكام التوراة، وجحدوا نبوة عيسى - عليه السلام - ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا يقولون: إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر، ثم ينهاهم عنه غدا.
وجوه إبطال الشبهة:
1) ليس في العقل ما يدل على امتناع النسخ، فالله هو المتصرف في خلقه، ويختبر عباده بالنسخ.
2) في النسخ مراعاة مصالح الناس، وله حكم جليلة.
3) النسخ والبداء مختلفان.
4) وجود النسخ في التوراة يرد على اليهود ادعاءهم امتناع وقوعه وجوازه.
التفصيل:
أولا. لا مانع عقلا من وقوع النسخ، والمولى يختبر عباده به:
يتفق معظم المسلمين على جواز النسخ في أحكام الله عز وجل؛ لما له في ذلك من الحكمة البالغة، وقد أجمع السلف على وقوعه في الشريعة وجوازه، وأنكرت ذلك طوائف من المتأخرين، ومن هؤلاء: أبو مسلم الأصبهاني المفسر؛ حيث قال: لم يقع شيء من ذلك في القرآن، وهو قول ضعيف مرذول مردود محجوج بإجماع السلف السابق على وقوعه في الشريعة، وقد أنكرت ذلك أيضا طوائف من اليهود، وإنما الذي حملهم على البحث في مسألة النسخ هو الكفر والعناد؛ فإنه ليس في العقل ما يدل على امتناع النسخ في أحكام الله عز وجل؛ لأنه يحكم ما يشاء، كما أنه يفعل ما يريد؛
ولذا قال عز وجل:
(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (107)
(البقرة).
فيرشد الله - عز وجل - عباده بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء، فله الخلق والأمر، فكما خلقهم كما يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، ويمرض من يشاء، ويوفق من يشاء، ويخذل من يشاء، كذلك يحكم في عباده بما يشاء، فيحل ما يشاء، ويحرم ما يشاء، ويبيح ما يشاء، ويحظر ما يشاء، وهو الذي يحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو سبحانه يختبر عباده وطاعتهم لرسله بالنسخ، فيأمر بالشيء لما فيه من المصلحة التي يعلمها عز وجل، ثم ينهى عنه لما يعلمه عز وجل، فالطاعة كل الطاعة في امتثال أمره واتباع رسله في تصديق ما أخبروا وامتثال ما أمروا، وترك ما عنه زجروا، فالله - عز وجل - قادر على أن يأتي بالآية المحكمة قبل الآية المنسوخة، ولكنه يؤخر هذه ويبدل هذه بتلك، وهو عالم بالأول والآخر، ويعلم ما يصلح الناس في وقت، وما يصلحهم في الوقت الآخر، ويعلم أن الأليق بالناس والأنسب لهم في وقت ما أن يعملوا بكذا، وفي الوقت الآخر أن يعملوا بكذا، ألا ترى إلى الطبيب يذهب إليه المريض اليوم فيقول له الطبيب: لا تأكل اللحم ولا السمك ولا تشرب اللبن، وبعد يوم يأتيه المريض فيقول له الطبيب: كل اللحم واشرب اللبن ولا تأكل السمك، وبعد مدة يرخص له في الأكل من كل ذلك، والمريض يسلم ولا يعترض أدنى اعتراض، وخاصة إذا كان يعلم أن الطبيب ماهر حاذق ثقة، فيفعل ما يؤمر به دون تردد وبنفس هادئة مطمئنة، ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.
وفي هذا المقام رد عظيم بليغ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم - لعنهم الله - في دعوى استحالة النسخ، إما عقلا كما زعمه بعضهم جهلا وكفرا، وإما نقلا كما تخرصه آخرون منهم افتراء وإفكا.
والآيات السابقة وإن كانت خبرا وخطابا من الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - على وجه الخبر عن عظمته، ففيها تكذيب لليهود الذين أنكروا نسخ أحكام التوراة، وجحدوا نبوة عيسى ومحمد - عليهما الصلاة السلام - لمجيئهما بما جاءا به من عند الله بتغير ما غير الله من حكم التوراة، فأخبرهم الله أن له ملك السماوات والأرض وسلطانهما، وأن الخلق أهل مملكته وطاعته وعليهم السمع والطاعة لأمره ونهيه، وأن له أمرهم بما يشاء، ونهيهم عما يشاء، ونسخ ما يشاء، وإقرار ما يشاء، وإنشاء ما يشاء.
ثانيا. في النسخ مراعاة مصالح الناس وله حكم جليلة:
التعديل الجزئي وفق مقتضيات الأحوال - في فترة الرسالة - هو لصالح البشرية، ولتحقيق خير أكبر تقتضيه أطوار حياتها. والله خالق الناس، ومرسل الرسل، ومنزل الآيات هو الذي يقدر هذا. فإذا نسخ آية ألقاها في عالم النسيان - سواء كانت آية مقروءة تشتمل حكما من الأحكام، أو آية بمعنى علامة وخارقة تجيء لمناسبة حاضرة وتطوى؛ كالمعجزات المادية التي جاء بها الرسل - فإنه يأتي بخير منها أو مثلها! ولا يعجزه شيء، وهو مالك كل شيء، وصاحب الأمر كله في السماوات وفي الأرض..
ومن ثم تجيء هذه التعقيبات:
(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (107)
(البقرة).
والخطاب هنا للمؤمنين يحمل رائحة التحذير، ورائحة التذكير بأن الله هو وليهم وناصرهم وليس لهم من دونه ولي ولا نصير.. ولعل هذا كان بسبب انخداع بعضهم بحملة اليهود التضليلية؛ وبلبلة أفكارهم بحججهم الخادعة؛ وإقدامهم على توجيه أسئلة للرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تتفق مع الثقة واليقين. يدل على هذا ما جاء في الآية التالية من صريح التحذير والاستنكار:
(أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل)
(البقرة:108)
فهو استنكار لتشبه بعض المؤمنين بقوم موسى في تعنتهم وطلبهم للبراهين والخوارق وإعناتهم لرسولهم كلما أمرهم بأمر أو أبلغهم بتكليف، على نحو ما حكى السياق عنهم في مواضع كثيرة.
وهو تحذير لهم من نهاية هذا الطريق، وهي الضلال، واستبدال الكفر بالإيمان، وهي النهاية التي صار إليها بنو إسرائيل. كما أنها هي النهاية التي يتمنى اليهود لو قادوا إليها المسلمين[1]!
وقوله:
(نأت بخير منها أو مثلها)
(البقرة: 106)
جواب الشرط، وجعله جوابا مشعر بأن هذين الحالين وهما النسخ والإنساء أو النسء لا يفارقان حالين وهما الإتيان في وقت النسخ ووقت الإنساء بشيء هو خير من المنسوخ أو مثله أو خير من المنسي أو المنسوء أو مثله.
وقد أجملت جهة الخيرية والمثلية لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن فتجده مرادا، إذ الخيرية تكون من حيث الاشتمال على ما يناسب مصلحة الناس، أوما يدفع عنهم مضرة، أو ما فيه جلب عواقب حميدة، أو ما فيه ثواب جزيل، أوما فيه رفق بالمكلفين ورحمة بهم في مواضع الشدة وإن كان حملهم على الشدة قد يكون أكثر مصلحة. وليس المراد أن كل صورة من الصور المفروضة في حالات النسخ والإنساء أو النسء هي مشتملة على الخير والمثل معا، وإنما المراد أن كل صورة منهما لا تخلو من الاشتمال على الخير منها أو المثل لها فلذلك جيء "أو" في قوله: (بخير منها أو مثلها) فهي مفيدة لأحد الشيئين مع جواز الجمع.
وتحقيق هاته الصور بأيديكم، ولنضرب لذلك أمثالا ترشد إلى المقصود وتغني عن البقية:
·نسخ شريعة مع الإتيان بخير منها كنسخ التوراة والإنجيل بالإسلام.
·نسخ شريعة مع الإتيان بمثلها كنسخ شريعة هود بشريعة صالح، فإن لكل فائدة مماثلة للأخرى في تحديد أحوال أمتين متقاربتي العوائد والأخلاق، فهود نهاهم أن يبنوا بكل ريع آية يعبثون، وصالح لم ينه عن ذلك ونهى عن التعرض للناقة بسوء.
·نسخ حكم في شريعة بخير منه مثل نسخ كراهة الخمر الثابتة
بقوله:
(قل فيهما إثم كبير ومنافع)
(البقرة: 219)
بتحريمها بتاتا فهذه الناسخة خير من جهة المصلحة دون الرفق وقد يكون الناسخ خيرا في الرفق، كنسخ تحريم الأكل والشرب وقربان النساء في ليل رمضان بعد وقت الإفطار عند الغروب إذا نام الصائم قبل أن يتعشى
بقوله تعالى:
(أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل)
(البقرة: 187)
قال في الحديث:
«ففرحوا بها فرحا شديدا»[2].
·نسخ حكم في الشريعة بحكم مثله؛ كنسخ الوصية للوالدين والأقربين بتعيين الفرائض والكل نافع للكل في إعطائه مالا، وكنسخ فرض خمسين صلاة بخمس صلوات مع جعل ثواب الخمسين للخمس، فقد تماثلتا من جهة الثواب، وكنسخ آية
(وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)
(البقرة: ١٨٤)
بقوله تعالى:
(وأن تصوموا خير لكم)
(البقرة: ١٨٤)
وقوله تعالى:
(فمن شهد منكم الشهر فليصمه)
(البقرة:١٨٥)
فأثبت كون الصوم خيرا من الفدية.
·إنساء بمعنى التأخير لشريعة مع مجيء خير منها، تأخير ظهور دين الإسلام في حين الإتيان بشرائع سبقته كل واحدة منها هي خير بالنسبة للأمة التي شرعت لها والعصر الذي شرعت فيه فإن الشرائع تأتي للناس بما يناسب أحوالهم حتى يتهيأ البشر كلهم لقبول الشريعة الخاتمة التي هي الدين عند الله فالخيرية هنا ببعض معانيها وهي نسبية.
·إنساء شريعة بمعنى تأخير مجيئها مع إرادة الله تعالى وقوعه بعد حين ومع الإتيان بمثلها كتأخير شريعة عيسى - عليه السلام - في وقت الإتيان بشريعة موسى عليه السلام، وهي خير منها من حيث الاشتمال على معظم المصالح وما تحتاج إليه الأمة.
·إنساء بمعنى تأخير الحكم المراد مع الإتيان بخير منه، كتأخير تحريم الخمر وهو مراد، مع الإتيان بكراهته أو تحريمه في أوقات الصلوات فقط، فإن المأتي به خير من التحريم من حيث الرفق بالناس في حملهم على مفارقة شيء افتتنوا بمحبته.
·إنساء شريعة بمعنى بقائها غير منسوخة إلى أمد معلوم مع الإتيان بخير منها؛ أي: أوسع وأعم مصلحة وأكثر ثوابا لكن في أمة أخرى أو بمثلها كذلك.
·إنساء آية من القرآن بمعنى بقائها غير منسوخة إلى أمد معلوم مع الإتيان بخير منها في باب آخر؛ أي أعم مصلحة، أو بمثلها في باب آخر؛ أي مثلها مصلحة أو ثوابا، مثل تحريم الخمر في وقت الصلوات وينزل في تلك المدة تحريم البيع في وقت صلاة الجمعة.
·نسيان شريعة بمعنى اضمحلالها؛ كشريعة آدم ونوح مع مجيء شريعة موسى، وهي أفضل وأوسع، وشريعة إدريس مثلا وهي مثل شريعة نوح.
·نسيان حكم شريعة مع مجيء خير منه أو مثله، كان فيما نزل عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات ثم نسيا معا، وجاءت آية )وأخواتكم من الرضاعة( (النساء: ٢٣) على الإطلاق، والكل متماثل في إثبات الرضاعة، ولا مشقة على المكلفين في رضعة أوعشر لقرب المقدار.
وقيل: المراد من النسيان الترك، وهو حينئذ يرجع معناه وصوره إلى معنى وصور الإنساء بمعنى التأخير.
والمقصد من قوله تعالى:
(نأت بخير منها أو مثلها)
(البقرة: 106)
إظهار منتهى الحكمة، والرد عليهم بأنهم لا يهمهم أن تنسخ شريعة بشريعة أو حكم في شريعة بحكم آخر، ولا يقدح ذلك في علم الله تعالى ولا في حكمته ولا ربوبيته؛ لأنه ما نسخ شرعا أو حكما ولا تركه إلا وهو قد عوض الناس ما هو أنفع لهم منه حينئذ، أو ما هو مثله من حيث الوقت والحال، وما أخر حكما في زمن ثم أظهره بعد ذلك إلا وقد عوض الناس في إبان تأخيره ما يسد مسده بحسب أحوالهم، وذلك مظهر الربوبية فإنه يرب الخلق ويحملهم على مصالحهم مع الرفق بهم والرحمة، ومراد الله تعالى في تلك الأزمنة والأحوال كلها واحد وهو حفظ نظام العالم وضبط تصرف الناس فيه على وجه يعصم أحوالهم من الاختلال بحسب العصور والأمم والأحوال إلى أن جاء بالشريعة الخاتمة وهي مراد الله تعالى من الناس،
ولذلك قال:
(إن الدين عند الله الإسلام)
(آل عمران:١٩)
وقال أيضا:
(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا)
(الشورى: ١٣) [3].
ثالثا. النسخ والبداء مختلفان:
وليس ما سبق من قبيل البداء، بل هو من نقل العباد من عبادة إلى عبادة، وحكم إلى حكم لضرب من المصلحة إظهارا لحكمته وكمال مملكته، ولا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء قصد بها مصالح الخلق الدينية والدنيوية، وإنما كان يلزم البداء لو لم يكن عالما بمآل الأمور، وأما العالم بذلك فإنما تتبدل خطاباته بحسب تبدل المصالح، كالطبيب المراعي أحوال العليل، فراعى ذلك في خليقته بمشيئته وإرادته، فخطابه يبدل، وعلمه وإدارته لا تتبدل، ولا تتغير، فإن ذلك محال في جهة الله عز وجل.
ومن جهل اليهود أنهم جعلوا النسخ والبداء شيئا واحدا، ولذلك لم يجوزوا النسخ فضلوا، والفرق بين النسخ والبداء أن النسخ: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه، مع علم الله السابق بأن المحكم المرفوع مؤقت، وأنه تعالى قد وضعه لمدة معينة وسبق في علمه الأزلي أنه سينسخه؛ مثل تحويل العبادة من شيء إلى شيء قد كان حلالا فيحرم، أو كان حراما فيحلل، وأما البداء: فهو ظهور حكمة جديدة كانت خاصة، وهذا محال على الله تعالى فهو خالق الأشياء كلها، وهو العليم بأسرارها ومكنونها ما ظهر منها وما خفي، ولا يخفى عليه شيء، والبداء يحدث للإنسان، فهو يعزم على أمر ثم يتضح له شيء متعلق بهذا الأمر كان خافيا عنه، فيعدل عن عزمه الأول؛ كقولك: امض إلى فلان اليوم، ثم تقول: لا تمض إليه، فيبدو لك العدول عن القول الأول، وهذا يلحق البشر لنقصانهم.
واليهود إنما يدعون عدم النسخ في آيات الله - عز وجل - توصلا بذلك منهم إلى إنكار آيات القرآن؛ حتى يؤكدوا أن الأحكام الواردة في التوراة باقية إلى الأبد لم يتطرق إليها نسخ، فقالوا أثناء ذلك: إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر ثم ينهاهم عنه غدا، واشتد طعنهم لما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام،
فجاء قوله عز وجل:
(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)
(البقرة: ١٠٦)
والمعنى: ما نبدل من آية بغيرها أو نزل حكمها نأت بخير منها أو مثلها، ولأهل العلم في قوله عز وجل: (أو ننسها) قولان:
القول الأول: (أو ننسها) من النسيان الذي هو بمعنى الترك، فيكون المعنى: ما ننسخ من آية أو نتركها بلا نسخ نأت بخير منها أو مثلها، وقد قدر العلماء هنا محذوفا تقديره كلمة "حكم"، فالمعنى: ما ننسخ من حكم آية أو نترك حكمها نأت بخير منها أو مثلها.
فإذا قال قائل: كيف تكون الآية باقية - أي متروكة لم تنسخ - ويقال: نأت بخير منها أو مثلها؟
وللإجابة على ذلك قال العلماء: إن المراد بـ (ننسها): نثبت لفظها ونترك حكمها.
القول الثاني: أن المراد بقوله عز وجل (ننسها) أي: نرفع لفظها، فلا يستقر منها في القلوب والأذهان شيء، وهو من النسيان المعهود لدى الناس،
ومثال ذلك ما صح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -
«أن الذين قتلوا ببئر معونة أنزل الله - عز وجل - فيهم قرآنا يتلى: "أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا"»،[4] ثم نسخ ذلك بعد.
ومن أوجه الرد على اليهود أيضا في دعواهم عدم وقوع النسخ: أن التوراة التي بين أيديهم ناسخة لأحكام قد تقدمتها.
ووجه الخيرية في الآيات الناسخة قد يكون من عدة جهات منها:
· أن الآيات الناسخة تكون في بعض الأحيان واضعة للآصار والأغلال التي كانت على الأمم قبلنا.
· أن الآيات الناسخة، وإن كانت في بعض الأحيان أشق في العمل بها من الآيات المنسوخة، لكن ثواب العمل بها أعظم من الآيات المنسوخة.
· أن الآيات الناسخة قد تكون سهلة لينة في حفظها على الناس.
فعلى هذا تكون الخيرية في الآيات الناسخة عاجلا أو آجلا، عاجلا في كون بعضها يسيرا يخفف الله - عز وجل - به الأحكام، وآجلا في كون ثواب العمل بها أعظم.
رابعا. وجود النسخ في التوراة يرد على اليهود ادعاءهم امتناع وقوعه في القرآن:
ومن ردود القرآن على اليهود في إنكارهم وقوع النسخ وجوازه، أنه نص في كتابهم - التوراة - أن نوحا - عليه السلام - لما خرج من السفينة أباح الله له جميع دواب الأرض يأكل منها، وبعد هذا، فإن إسرائيل حرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها فاتبعه بنوه في ذلك، وجاءت التوراة بتحريم ذلك، وهذا هو النسخ بعينه، وقد حكى القرآن ذلك
في قوله عز وجل:
(كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين)
(آل عمران:93)
ولا وجه لليهود في اعتراضهم على وقوع النسخ وجوازه، فقد وقع ذلك في الكتب المتقدمة والشرائع الماضية، كما أحل الله لآدم تزويج بناته من بنيه ثم حرم ذلك، وكما أحل لنوح بعد خروجه من السفينة أكل جميع الحيوانات ثم نسخ حل بعضها، وكان نكاح الأختين مباحا لإسرائيل وبنيه وقد حرم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها، وأمر إبراهيم - عليه السلام - بذبح ولده ثم نسخه قبل الفعل، وأمر جمهور بني إسرائيل بقتل من عبد العجل منهم، ثم رفع عنهم كيلا يستأصلهم القتل، واليهود يعترفون بكل ذلك، ولكنهم يصدفون عنه عنادا وكفرا؛ لأن هذا كله منصوص عليه عندهم في التوراة، وهذا هو النسخ بعينه، فأمرهم الله بالرجوع إلى التوراة فإنها ناطقة بما نقول.
ولذا يقول تعالى:
(ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم)
(البقرة: ١٠٥).
يقول تعالى للمؤمنين: هؤلاء الذين علمتم شأنهم مع أنبيائهم حسدة، لا يلتفت إلى تكذبيهم ولا يبالي بعدوانهم، ولا يضركم كفرهم وعنادهم، فهم لحسدهم لا يودون أن ينزل عليكم أدنى خير من ربكم، والقرآن أعظم الخيرات، لأنه النظام الكامل، والفضل الشامل، والهداية العظمى، والآية الكبرى، جمع به شملكم، ووصل به حبلكم، ووحد به شعوبكم وقبائلكم، وطهر به عقولكم من نزعات الوثنية، وزكى به نفوسكم من أدران الجاهلية، وأقامكم به على سنن الفطرة، وشرع لكم الحنيفية السمحة، فكيف لا يحرق الحسد عليه أكبادهم، ويخرج أضغانهم عليكم وأحقادهم. والمعنى ما يحب الذين كفروا من اليهود والنصارى ولا من المشركين أن ينزل عليكم أدنى خير من ربكم. أما أهل الكتاب ولا سيما اليهود فلحسدهم للعرب أن يكون فيهم الكتاب والنبوة وهو ما كانوا يحتكرونه لأنفسهم، وأما المشركون فلأن في التنزيل المرة بعد المرة من قوة الإسلام ورسوخه وانتشاره ما خيب آمالهم في تربصهم الدوائر بالنبي وانتهاء أمره.
ثم إن الله تعالى رد عليهم بما بين جهلهم وجهل جميع الحاسدين،
فقال:
(ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم)
(البقرة:105)
أي أن الحاسد - لغباوته وفساد طويته - يكون ساخطا على الله تعالى ومعترضا عليه أن أنعم على المحسود بما أنعم، ولا يضر الله تعالى سخط الساخطين، ولا يحول مجاري نعمه حسد الحاسدين، فالله يختص برحمته من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم، أسند كلا من هذين الأمرين إلى اسم الذات الأعظم؛ لبيان أنهما حقه لذاته، فليس لأحد من عبيدة أدنى تأثير في منحهما ولا في منعهما[5].
وقال تعالى:
(ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق)
(البقرة: ١٠٩)
وذلك ما يفعله الحقد اللئيم بالنفوس.. الرغبة في سلب الخير الذي يهتدي إليه الآخرون.. لماذا؟ لا لأن هذه النفوس الشريرة لا تعلم، ولكنها لأنها تعلم!
(حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق)، والحسد هو ذلك الانفعال الأسود الخسيس الذي فاضت به نفوس اليهود تجاه الإسلام والمسلمين، وما زالت تفيض، وهو الذي انبعثت منه دسائسهم وتدبيراتهم كلها وما تزال. وهو الذي يكشفه القرآن للمسلمين ليعرفوه، ويعرفوا أنه السبب الكامن وراء كل جهود اليهود لزعزعة العقيدة في نفوسهم؛ وردهم بعد ذلك إلى الكفر الذي كانوا فيه، والذي أنقذهم الله منه بالإيمان، وخصهم بهذا بأعظم الفضل وأجل النعمة التي تحسدهم عليها يهود!
وهنا - في اللحظة التي تتجلى فيها هذه الحقيقة، وتنكشف فيها النية السيئة والحسد اللئيم - هنا يدعو القرآن المؤمنين إلى الارتفاع عن مقابلة الحقد بالحقد، والشر بالشر، ويدعوهم إلى الصفح والعفو حتى يأتي الله بأمره، وقتما يريد.
الخلاصة:
·النسخ هو: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه، وهو جائز عقلا ولا يترتب على وقوعه محال؛ لأن مصالح العباد تختلف باختلاف الزمان والمكان، كما أنه فعل من أفعال الله تعالى، وهو - سبحانه وتعالى - يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد، وقد أشار إليه القرآن في قوله تعالى:(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) (البقرة:106).
·وجود النسخ في الكتب السابقة ومنها التوارة يرد على اليهود في دعواهم بامتناع وقوع النسخ أو جوازه، فضلا عن خلطهم بين النسخ بمعناه السابق، والبداء بمعنى ظهور ما كان خافيا، وهو محال في حق الله تعالى.
·النسخ متفق مع قواعد العقل والمنطق، والله - عز وجل - أعلم بما يصلح حال عباده في كل زمان ومكان، وفي مختلف أحوالهم.
المراجع
- (*) الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 106، 107، آل عمران/ 93).
- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج1، ص102.
- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب قول الله عز وجل: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) (البقرة: ١٨٧) (1816).
- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، مج1، ج1، ص659: 661.
- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من ينكب في سبيل الله عز وجل (2647)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها عن حضور المسجد (1577).
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج1، ص412، 413.
الجواب التفصيلي
دعوى اليهود استحالة وقوع النسخ عقلا ونقلا وإنكارهم لجوازه(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض اليهود استحالة وقوع النسخ عقلا ونقلا؛ ولذا فإنهم أنكروا نسخ أحكام التوراة، وجحدوا نبوة عيسى - عليه السلام - ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا يقولون: إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر، ثم ينهاهم عنه غدا.
وجوه إبطال الشبهة:
1) ليس في العقل ما يدل على امتناع النسخ، فالله هو المتصرف في خلقه، ويختبر عباده بالنسخ.
2) في النسخ مراعاة مصالح الناس، وله حكم جليلة.
3) النسخ والبداء مختلفان.
4) وجود النسخ في التوراة يرد على اليهود ادعاءهم امتناع وقوعه وجوازه.
التفصيل:
أولا. لا مانع عقلا من وقوع النسخ، والمولى يختبر عباده به:
يتفق معظم المسلمين على جواز النسخ في أحكام الله عز وجل؛ لما له في ذلك من الحكمة البالغة، وقد أجمع السلف على وقوعه في الشريعة وجوازه، وأنكرت ذلك طوائف من المتأخرين، ومن هؤلاء: أبو مسلم الأصبهاني المفسر؛ حيث قال: لم يقع شيء من ذلك في القرآن، وهو قول ضعيف مرذول مردود محجوج بإجماع السلف السابق على وقوعه في الشريعة، وقد أنكرت ذلك أيضا طوائف من اليهود، وإنما الذي حملهم على البحث في مسألة النسخ هو الكفر والعناد؛ فإنه ليس في العقل ما يدل على امتناع النسخ في أحكام الله عز وجل؛ لأنه يحكم ما يشاء، كما أنه يفعل ما يريد؛
ولذا قال عز وجل:
(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (107)
(البقرة).
فيرشد الله - عز وجل - عباده بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء، فله الخلق والأمر، فكما خلقهم كما يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، ويمرض من يشاء، ويوفق من يشاء، ويخذل من يشاء، كذلك يحكم في عباده بما يشاء، فيحل ما يشاء، ويحرم ما يشاء، ويبيح ما يشاء، ويحظر ما يشاء، وهو الذي يحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو سبحانه يختبر عباده وطاعتهم لرسله بالنسخ، فيأمر بالشيء لما فيه من المصلحة التي يعلمها عز وجل، ثم ينهى عنه لما يعلمه عز وجل، فالطاعة كل الطاعة في امتثال أمره واتباع رسله في تصديق ما أخبروا وامتثال ما أمروا، وترك ما عنه زجروا، فالله - عز وجل - قادر على أن يأتي بالآية المحكمة قبل الآية المنسوخة، ولكنه يؤخر هذه ويبدل هذه بتلك، وهو عالم بالأول والآخر، ويعلم ما يصلح الناس في وقت، وما يصلحهم في الوقت الآخر، ويعلم أن الأليق بالناس والأنسب لهم في وقت ما أن يعملوا بكذا، وفي الوقت الآخر أن يعملوا بكذا، ألا ترى إلى الطبيب يذهب إليه المريض اليوم فيقول له الطبيب: لا تأكل اللحم ولا السمك ولا تشرب اللبن، وبعد يوم يأتيه المريض فيقول له الطبيب: كل اللحم واشرب اللبن ولا تأكل السمك، وبعد مدة يرخص له في الأكل من كل ذلك، والمريض يسلم ولا يعترض أدنى اعتراض، وخاصة إذا كان يعلم أن الطبيب ماهر حاذق ثقة، فيفعل ما يؤمر به دون تردد وبنفس هادئة مطمئنة، ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.
وفي هذا المقام رد عظيم بليغ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم - لعنهم الله - في دعوى استحالة النسخ، إما عقلا كما زعمه بعضهم جهلا وكفرا، وإما نقلا كما تخرصه آخرون منهم افتراء وإفكا.
والآيات السابقة وإن كانت خبرا وخطابا من الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - على وجه الخبر عن عظمته، ففيها تكذيب لليهود الذين أنكروا نسخ أحكام التوراة، وجحدوا نبوة عيسى ومحمد - عليهما الصلاة السلام - لمجيئهما بما جاءا به من عند الله بتغير ما غير الله من حكم التوراة، فأخبرهم الله أن له ملك السماوات والأرض وسلطانهما، وأن الخلق أهل مملكته وطاعته وعليهم السمع والطاعة لأمره ونهيه، وأن له أمرهم بما يشاء، ونهيهم عما يشاء، ونسخ ما يشاء، وإقرار ما يشاء، وإنشاء ما يشاء.
ثانيا. في النسخ مراعاة مصالح الناس وله حكم جليلة:
التعديل الجزئي وفق مقتضيات الأحوال - في فترة الرسالة - هو لصالح البشرية، ولتحقيق خير أكبر تقتضيه أطوار حياتها. والله خالق الناس، ومرسل الرسل، ومنزل الآيات هو الذي يقدر هذا. فإذا نسخ آية ألقاها في عالم النسيان - سواء كانت آية مقروءة تشتمل حكما من الأحكام، أو آية بمعنى علامة وخارقة تجيء لمناسبة حاضرة وتطوى؛ كالمعجزات المادية التي جاء بها الرسل - فإنه يأتي بخير منها أو مثلها! ولا يعجزه شيء، وهو مالك كل شيء، وصاحب الأمر كله في السماوات وفي الأرض..
ومن ثم تجيء هذه التعقيبات:
(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (107)
(البقرة).
والخطاب هنا للمؤمنين يحمل رائحة التحذير، ورائحة التذكير بأن الله هو وليهم وناصرهم وليس لهم من دونه ولي ولا نصير.. ولعل هذا كان بسبب انخداع بعضهم بحملة اليهود التضليلية؛ وبلبلة أفكارهم بحججهم الخادعة؛ وإقدامهم على توجيه أسئلة للرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تتفق مع الثقة واليقين. يدل على هذا ما جاء في الآية التالية من صريح التحذير والاستنكار:
(أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل)
(البقرة:108)
فهو استنكار لتشبه بعض المؤمنين بقوم موسى في تعنتهم وطلبهم للبراهين والخوارق وإعناتهم لرسولهم كلما أمرهم بأمر أو أبلغهم بتكليف، على نحو ما حكى السياق عنهم في مواضع كثيرة.
وهو تحذير لهم من نهاية هذا الطريق، وهي الضلال، واستبدال الكفر بالإيمان، وهي النهاية التي صار إليها بنو إسرائيل. كما أنها هي النهاية التي يتمنى اليهود لو قادوا إليها المسلمين[1]!
وقوله:
(نأت بخير منها أو مثلها)
(البقرة: 106)
جواب الشرط، وجعله جوابا مشعر بأن هذين الحالين وهما النسخ والإنساء أو النسء لا يفارقان حالين وهما الإتيان في وقت النسخ ووقت الإنساء بشيء هو خير من المنسوخ أو مثله أو خير من المنسي أو المنسوء أو مثله.
وقد أجملت جهة الخيرية والمثلية لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن فتجده مرادا، إذ الخيرية تكون من حيث الاشتمال على ما يناسب مصلحة الناس، أوما يدفع عنهم مضرة، أو ما فيه جلب عواقب حميدة، أو ما فيه ثواب جزيل، أوما فيه رفق بالمكلفين ورحمة بهم في مواضع الشدة وإن كان حملهم على الشدة قد يكون أكثر مصلحة. وليس المراد أن كل صورة من الصور المفروضة في حالات النسخ والإنساء أو النسء هي مشتملة على الخير والمثل معا، وإنما المراد أن كل صورة منهما لا تخلو من الاشتمال على الخير منها أو المثل لها فلذلك جيء "أو" في قوله: (بخير منها أو مثلها) فهي مفيدة لأحد الشيئين مع جواز الجمع.
وتحقيق هاته الصور بأيديكم، ولنضرب لذلك أمثالا ترشد إلى المقصود وتغني عن البقية:
·نسخ شريعة مع الإتيان بخير منها كنسخ التوراة والإنجيل بالإسلام.
·نسخ شريعة مع الإتيان بمثلها كنسخ شريعة هود بشريعة صالح، فإن لكل فائدة مماثلة للأخرى في تحديد أحوال أمتين متقاربتي العوائد والأخلاق، فهود نهاهم أن يبنوا بكل ريع آية يعبثون، وصالح لم ينه عن ذلك ونهى عن التعرض للناقة بسوء.
·نسخ حكم في شريعة بخير منه مثل نسخ كراهة الخمر الثابتة
بقوله:
(قل فيهما إثم كبير ومنافع)
(البقرة: 219)
بتحريمها بتاتا فهذه الناسخة خير من جهة المصلحة دون الرفق وقد يكون الناسخ خيرا في الرفق، كنسخ تحريم الأكل والشرب وقربان النساء في ليل رمضان بعد وقت الإفطار عند الغروب إذا نام الصائم قبل أن يتعشى
بقوله تعالى:
(أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل)
(البقرة: 187)
قال في الحديث:
«ففرحوا بها فرحا شديدا»[2].
·نسخ حكم في الشريعة بحكم مثله؛ كنسخ الوصية للوالدين والأقربين بتعيين الفرائض والكل نافع للكل في إعطائه مالا، وكنسخ فرض خمسين صلاة بخمس صلوات مع جعل ثواب الخمسين للخمس، فقد تماثلتا من جهة الثواب، وكنسخ آية
(وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)
(البقرة: ١٨٤)
بقوله تعالى:
(وأن تصوموا خير لكم)
(البقرة: ١٨٤)
وقوله تعالى:
(فمن شهد منكم الشهر فليصمه)
(البقرة:١٨٥)
فأثبت كون الصوم خيرا من الفدية.
·إنساء بمعنى التأخير لشريعة مع مجيء خير منها، تأخير ظهور دين الإسلام في حين الإتيان بشرائع سبقته كل واحدة منها هي خير بالنسبة للأمة التي شرعت لها والعصر الذي شرعت فيه فإن الشرائع تأتي للناس بما يناسب أحوالهم حتى يتهيأ البشر كلهم لقبول الشريعة الخاتمة التي هي الدين عند الله فالخيرية هنا ببعض معانيها وهي نسبية.
·إنساء شريعة بمعنى تأخير مجيئها مع إرادة الله تعالى وقوعه بعد حين ومع الإتيان بمثلها كتأخير شريعة عيسى - عليه السلام - في وقت الإتيان بشريعة موسى عليه السلام، وهي خير منها من حيث الاشتمال على معظم المصالح وما تحتاج إليه الأمة.
·إنساء بمعنى تأخير الحكم المراد مع الإتيان بخير منه، كتأخير تحريم الخمر وهو مراد، مع الإتيان بكراهته أو تحريمه في أوقات الصلوات فقط، فإن المأتي به خير من التحريم من حيث الرفق بالناس في حملهم على مفارقة شيء افتتنوا بمحبته.
·إنساء شريعة بمعنى بقائها غير منسوخة إلى أمد معلوم مع الإتيان بخير منها؛ أي: أوسع وأعم مصلحة وأكثر ثوابا لكن في أمة أخرى أو بمثلها كذلك.
·إنساء آية من القرآن بمعنى بقائها غير منسوخة إلى أمد معلوم مع الإتيان بخير منها في باب آخر؛ أي أعم مصلحة، أو بمثلها في باب آخر؛ أي مثلها مصلحة أو ثوابا، مثل تحريم الخمر في وقت الصلوات وينزل في تلك المدة تحريم البيع في وقت صلاة الجمعة.
·نسيان شريعة بمعنى اضمحلالها؛ كشريعة آدم ونوح مع مجيء شريعة موسى، وهي أفضل وأوسع، وشريعة إدريس مثلا وهي مثل شريعة نوح.
·نسيان حكم شريعة مع مجيء خير منه أو مثله، كان فيما نزل عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات ثم نسيا معا، وجاءت آية )وأخواتكم من الرضاعة( (النساء: ٢٣) على الإطلاق، والكل متماثل في إثبات الرضاعة، ولا مشقة على المكلفين في رضعة أوعشر لقرب المقدار.
وقيل: المراد من النسيان الترك، وهو حينئذ يرجع معناه وصوره إلى معنى وصور الإنساء بمعنى التأخير.
والمقصد من قوله تعالى:
(نأت بخير منها أو مثلها)
(البقرة: 106)
إظهار منتهى الحكمة، والرد عليهم بأنهم لا يهمهم أن تنسخ شريعة بشريعة أو حكم في شريعة بحكم آخر، ولا يقدح ذلك في علم الله تعالى ولا في حكمته ولا ربوبيته؛ لأنه ما نسخ شرعا أو حكما ولا تركه إلا وهو قد عوض الناس ما هو أنفع لهم منه حينئذ، أو ما هو مثله من حيث الوقت والحال، وما أخر حكما في زمن ثم أظهره بعد ذلك إلا وقد عوض الناس في إبان تأخيره ما يسد مسده بحسب أحوالهم، وذلك مظهر الربوبية فإنه يرب الخلق ويحملهم على مصالحهم مع الرفق بهم والرحمة، ومراد الله تعالى في تلك الأزمنة والأحوال كلها واحد وهو حفظ نظام العالم وضبط تصرف الناس فيه على وجه يعصم أحوالهم من الاختلال بحسب العصور والأمم والأحوال إلى أن جاء بالشريعة الخاتمة وهي مراد الله تعالى من الناس،
ولذلك قال:
(إن الدين عند الله الإسلام)
(آل عمران:١٩)
وقال أيضا:
(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا)
(الشورى: ١٣) [3].
ثالثا. النسخ والبداء مختلفان:
وليس ما سبق من قبيل البداء، بل هو من نقل العباد من عبادة إلى عبادة، وحكم إلى حكم لضرب من المصلحة إظهارا لحكمته وكمال مملكته، ولا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء قصد بها مصالح الخلق الدينية والدنيوية، وإنما كان يلزم البداء لو لم يكن عالما بمآل الأمور، وأما العالم بذلك فإنما تتبدل خطاباته بحسب تبدل المصالح، كالطبيب المراعي أحوال العليل، فراعى ذلك في خليقته بمشيئته وإرادته، فخطابه يبدل، وعلمه وإدارته لا تتبدل، ولا تتغير، فإن ذلك محال في جهة الله عز وجل.
ومن جهل اليهود أنهم جعلوا النسخ والبداء شيئا واحدا، ولذلك لم يجوزوا النسخ فضلوا، والفرق بين النسخ والبداء أن النسخ: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه، مع علم الله السابق بأن المحكم المرفوع مؤقت، وأنه تعالى قد وضعه لمدة معينة وسبق في علمه الأزلي أنه سينسخه؛ مثل تحويل العبادة من شيء إلى شيء قد كان حلالا فيحرم، أو كان حراما فيحلل، وأما البداء: فهو ظهور حكمة جديدة كانت خاصة، وهذا محال على الله تعالى فهو خالق الأشياء كلها، وهو العليم بأسرارها ومكنونها ما ظهر منها وما خفي، ولا يخفى عليه شيء، والبداء يحدث للإنسان، فهو يعزم على أمر ثم يتضح له شيء متعلق بهذا الأمر كان خافيا عنه، فيعدل عن عزمه الأول؛ كقولك: امض إلى فلان اليوم، ثم تقول: لا تمض إليه، فيبدو لك العدول عن القول الأول، وهذا يلحق البشر لنقصانهم.
واليهود إنما يدعون عدم النسخ في آيات الله - عز وجل - توصلا بذلك منهم إلى إنكار آيات القرآن؛ حتى يؤكدوا أن الأحكام الواردة في التوراة باقية إلى الأبد لم يتطرق إليها نسخ، فقالوا أثناء ذلك: إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر ثم ينهاهم عنه غدا، واشتد طعنهم لما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام،
فجاء قوله عز وجل:
(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)
(البقرة: ١٠٦)
والمعنى: ما نبدل من آية بغيرها أو نزل حكمها نأت بخير منها أو مثلها، ولأهل العلم في قوله عز وجل: (أو ننسها) قولان:
القول الأول: (أو ننسها) من النسيان الذي هو بمعنى الترك، فيكون المعنى: ما ننسخ من آية أو نتركها بلا نسخ نأت بخير منها أو مثلها، وقد قدر العلماء هنا محذوفا تقديره كلمة "حكم"، فالمعنى: ما ننسخ من حكم آية أو نترك حكمها نأت بخير منها أو مثلها.
فإذا قال قائل: كيف تكون الآية باقية - أي متروكة لم تنسخ - ويقال: نأت بخير منها أو مثلها؟
وللإجابة على ذلك قال العلماء: إن المراد بـ (ننسها): نثبت لفظها ونترك حكمها.
القول الثاني: أن المراد بقوله عز وجل (ننسها) أي: نرفع لفظها، فلا يستقر منها في القلوب والأذهان شيء، وهو من النسيان المعهود لدى الناس،
ومثال ذلك ما صح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -
«أن الذين قتلوا ببئر معونة أنزل الله - عز وجل - فيهم قرآنا يتلى: "أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا"»،[4] ثم نسخ ذلك بعد.
ومن أوجه الرد على اليهود أيضا في دعواهم عدم وقوع النسخ: أن التوراة التي بين أيديهم ناسخة لأحكام قد تقدمتها.
ووجه الخيرية في الآيات الناسخة قد يكون من عدة جهات منها:
· أن الآيات الناسخة تكون في بعض الأحيان واضعة للآصار والأغلال التي كانت على الأمم قبلنا.
· أن الآيات الناسخة، وإن كانت في بعض الأحيان أشق في العمل بها من الآيات المنسوخة، لكن ثواب العمل بها أعظم من الآيات المنسوخة.
· أن الآيات الناسخة قد تكون سهلة لينة في حفظها على الناس.
فعلى هذا تكون الخيرية في الآيات الناسخة عاجلا أو آجلا، عاجلا في كون بعضها يسيرا يخفف الله - عز وجل - به الأحكام، وآجلا في كون ثواب العمل بها أعظم.
رابعا. وجود النسخ في التوراة يرد على اليهود ادعاءهم امتناع وقوعه في القرآن:
ومن ردود القرآن على اليهود في إنكارهم وقوع النسخ وجوازه، أنه نص في كتابهم - التوراة - أن نوحا - عليه السلام - لما خرج من السفينة أباح الله له جميع دواب الأرض يأكل منها، وبعد هذا، فإن إسرائيل حرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها فاتبعه بنوه في ذلك، وجاءت التوراة بتحريم ذلك، وهذا هو النسخ بعينه، وقد حكى القرآن ذلك
في قوله عز وجل:
(كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين)
(آل عمران:93)
ولا وجه لليهود في اعتراضهم على وقوع النسخ وجوازه، فقد وقع ذلك في الكتب المتقدمة والشرائع الماضية، كما أحل الله لآدم تزويج بناته من بنيه ثم حرم ذلك، وكما أحل لنوح بعد خروجه من السفينة أكل جميع الحيوانات ثم نسخ حل بعضها، وكان نكاح الأختين مباحا لإسرائيل وبنيه وقد حرم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها، وأمر إبراهيم - عليه السلام - بذبح ولده ثم نسخه قبل الفعل، وأمر جمهور بني إسرائيل بقتل من عبد العجل منهم، ثم رفع عنهم كيلا يستأصلهم القتل، واليهود يعترفون بكل ذلك، ولكنهم يصدفون عنه عنادا وكفرا؛ لأن هذا كله منصوص عليه عندهم في التوراة، وهذا هو النسخ بعينه، فأمرهم الله بالرجوع إلى التوراة فإنها ناطقة بما نقول.
ولذا يقول تعالى:
(ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم)
(البقرة: ١٠٥).
يقول تعالى للمؤمنين: هؤلاء الذين علمتم شأنهم مع أنبيائهم حسدة، لا يلتفت إلى تكذبيهم ولا يبالي بعدوانهم، ولا يضركم كفرهم وعنادهم، فهم لحسدهم لا يودون أن ينزل عليكم أدنى خير من ربكم، والقرآن أعظم الخيرات، لأنه النظام الكامل، والفضل الشامل، والهداية العظمى، والآية الكبرى، جمع به شملكم، ووصل به حبلكم، ووحد به شعوبكم وقبائلكم، وطهر به عقولكم من نزعات الوثنية، وزكى به نفوسكم من أدران الجاهلية، وأقامكم به على سنن الفطرة، وشرع لكم الحنيفية السمحة، فكيف لا يحرق الحسد عليه أكبادهم، ويخرج أضغانهم عليكم وأحقادهم. والمعنى ما يحب الذين كفروا من اليهود والنصارى ولا من المشركين أن ينزل عليكم أدنى خير من ربكم. أما أهل الكتاب ولا سيما اليهود فلحسدهم للعرب أن يكون فيهم الكتاب والنبوة وهو ما كانوا يحتكرونه لأنفسهم، وأما المشركون فلأن في التنزيل المرة بعد المرة من قوة الإسلام ورسوخه وانتشاره ما خيب آمالهم في تربصهم الدوائر بالنبي وانتهاء أمره.
ثم إن الله تعالى رد عليهم بما بين جهلهم وجهل جميع الحاسدين،
فقال:
(ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم)
(البقرة:105)
أي أن الحاسد - لغباوته وفساد طويته - يكون ساخطا على الله تعالى ومعترضا عليه أن أنعم على المحسود بما أنعم، ولا يضر الله تعالى سخط الساخطين، ولا يحول مجاري نعمه حسد الحاسدين، فالله يختص برحمته من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم، أسند كلا من هذين الأمرين إلى اسم الذات الأعظم؛ لبيان أنهما حقه لذاته، فليس لأحد من عبيدة أدنى تأثير في منحهما ولا في منعهما[5].
وقال تعالى:
(ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق)
(البقرة: ١٠٩)
وذلك ما يفعله الحقد اللئيم بالنفوس.. الرغبة في سلب الخير الذي يهتدي إليه الآخرون.. لماذا؟ لا لأن هذه النفوس الشريرة لا تعلم، ولكنها لأنها تعلم!
(حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق)، والحسد هو ذلك الانفعال الأسود الخسيس الذي فاضت به نفوس اليهود تجاه الإسلام والمسلمين، وما زالت تفيض، وهو الذي انبعثت منه دسائسهم وتدبيراتهم كلها وما تزال. وهو الذي يكشفه القرآن للمسلمين ليعرفوه، ويعرفوا أنه السبب الكامن وراء كل جهود اليهود لزعزعة العقيدة في نفوسهم؛ وردهم بعد ذلك إلى الكفر الذي كانوا فيه، والذي أنقذهم الله منه بالإيمان، وخصهم بهذا بأعظم الفضل وأجل النعمة التي تحسدهم عليها يهود!
وهنا - في اللحظة التي تتجلى فيها هذه الحقيقة، وتنكشف فيها النية السيئة والحسد اللئيم - هنا يدعو القرآن المؤمنين إلى الارتفاع عن مقابلة الحقد بالحقد، والشر بالشر، ويدعوهم إلى الصفح والعفو حتى يأتي الله بأمره، وقتما يريد.
الخلاصة:
·النسخ هو: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه، وهو جائز عقلا ولا يترتب على وقوعه محال؛ لأن مصالح العباد تختلف باختلاف الزمان والمكان، كما أنه فعل من أفعال الله تعالى، وهو - سبحانه وتعالى - يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد، وقد أشار إليه القرآن في قوله تعالى:(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) (البقرة:106).
·وجود النسخ في الكتب السابقة ومنها التوارة يرد على اليهود في دعواهم بامتناع وقوع النسخ أو جوازه، فضلا عن خلطهم بين النسخ بمعناه السابق، والبداء بمعنى ظهور ما كان خافيا، وهو محال في حق الله تعالى.
·النسخ متفق مع قواعد العقل والمنطق، والله - عز وجل - أعلم بما يصلح حال عباده في كل زمان ومكان، وفي مختلف أحوالهم.
المراجع
- (*) الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 106، 107، آل عمران/ 93).
- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج1، ص102.
- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب قول الله عز وجل: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) (البقرة: ١٨٧) (1816).
- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، مج1، ج1، ص659: 661.
- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من ينكب في سبيل الله عز وجل (2647)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها عن حضور المسجد (1577).
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج1، ص412، 413.