نص السؤال

القِصَصُ القرآنيَّةُ خياليَّةٌ وغيرُ واقعيَّة؛ مثلُ القِصَصِ المستوحاةِ مِن الأساطير.

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

هل قِصَصُ القرآنِ خياليَّةٌ أم واقعيَّةٌ؟

الجواب التفصيلي

قِصَصُ القرآنِ واقعيَّةٌ، خاليةٌ مِن الخيالِ؛ وهذا واضحٌ مِن أسلوبِ القرآنِ وعرضِه، ومما أثبتَتْهُ الحقائقُ التاريخيَّة.

والقِصَصُ الواردةُ في القرآنِ هي خبَرٌ مِن الله، وخبَرُهُ تعالى منزَّهٌ عن الكذبِ والتلبيسِ والإيهام، وادِّعاءُ أن القِصَصَ القرآنيَّةَ غيرُ واقعيَّةٍ: يُنافي هذه الحقيقةَ، ومِن الفروقِ بين القَصَصِ القرآنيِّ وغيرِهِ ما يلي:

أوَّلًا: أن القرآنَ الكريمَ لا يَحْتوي على الخيالِ الفنِّيِّ، ولا يُشبِهُ بأيِّ حالٍ أساطيرَ البشَرِ:

و«الخيالُ الفنِّيُّ»: هو الذي يمتازُ به فنُّ القَصَصِ الأدَبيّ.

و«أساطيرُ البشَرِ»: هي التي يتناقَلُها الناسُ عبرَ العصورِ للتعبيرِ عن الأشياءِ، والأحداثِ، واستخدامِ شخصيَّاتٍ خُرافيَّةٍ لا تمُتُّ إلى الواقعِ بصِلَةٍ.

والشبهةُ التي يزعُمُ أصحابُها فيها: أن القرآنَ قد جاء بأساطيرَ خياليَّةٍ مدَّعِيًا أنها وقائعُ حقيقيَّةٌ -: هي شبهةٌ يمتدُّ أصلُها إلى الماضي والعهدِ الأوَّل؛ فقد قال كفَّارُ قُريشٍ عن القرآنِ الكريم:

{أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}

[الفرقان: 5]

؛ فهي إذَنْ شبهةٌ قديمةٌ مكرَّرة، يتوارَثُها كلُّ مَن عجَزَ عن حَجْبِ نُورِ الحقِّ الساطع.

والمتأمِّلُ بعينِ الباحثِ عن الحقيقةِ، لا يصعُبُ عليه إدراكُ بطلانِ ذلك؛ مِن خلالِ قراءتِهِ للقِصَصِ التي ورَدتْ في القرآنِ الكريم.

فلا خيالَ على الإطلاقِ يُمكِنُ أن يجدَهُ مَن يَقرَأُ - مثَلًا -

قولَهُ تعالى:

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}

[هود: ١٢٠]

؛ فالآيةُ الكريمةُ تؤكِّدُ أن كلَّ ما تَمَّ سردُهُ في تلك السورةِ - سورةِ هُودٍ - مِن أنباءِ الرسُلِ السابِقين: وقائعُ حقيقيَّةٌ ثابتةُ الحدوث؛ شغَلتْ حيِّزًا زمانيًّا ومكانيًّا في التاريخِ البشَريِّ، والذي حصَلَ: هو أن اللهَ عزَّ وجلَّ صوَّرها في القرآنِ بأسلوبٍ متقَنٍ في غايةِ الدقَّةِ والوضوحِ، يخلو مِن أيِّ خيالٍ فنِّيٍّ مزعوم.

ثانيًا: ما يميِّزُ القَصَصَ القرآنيَّ عن القَصَصِ الأدَبيِّ: هو نقلُهُ لأخبارِ الأمَمِ الماضيةِ، كأنها صورةٌ حيَّةٌ، بأسلوبٍ يجسِّدُ الرَّوْعةَ والتشويقَ في أبهى صورةٍ، والخيالُ في القَصَصِ القرآنيِّ تعبيريٌّ، لا فنِّيٌّ:

فلا صلةَ بينه وبين الخيالِ الفنِّيِّ إطلاقًا؛ لأن القَصَصَ القرآنيَّ التزَمَ الصدقَ والواقعيَّةَ في نقلِهِ لأحداثِ الماضي بأسلوبٍ فريدٍ لا نظيرَ له؛ فكان مِن ثمَرةِ هذا الأسلوبِ الفريدِ عدَّةُ أمورٍ، منها:

أ- ذِكرُ صبرِ وقوَّةِ إيمانِ السابِقين مِن المؤمِنين.

ب- اعترافُ العربِ الفصحاءِ برَوْعةِ أسلوبِ القرآن، وبعجزِهم التامِّ عن الإتيانِ بمِثلِه.

ج- تطهيرُ وتهذيبُ أخلاقِ العربِ باطِّلاعِهم على أنباءِ مَن سبَقَهم مِن الأُمَم.

د- نفيُ صفةِ الجهلِ والأمِّيَّةِ عن العربِ التي ادَّعى أهلُ الكتابِ وجودَها فيهم.

هـ- معرفةُ بعضِ التشريعاتِ في الحضاراتِ السابقة؛ كوسيلةٍ لفتحِ نافذةٍ للعربِ يُطِلُّون منها على فوائدِ المدنيَّة.

فمما تميَّزت وانفرَدتْ به القصَّةُ القرآنيَّةُ: أنها غيرُ مقصودةٍ لذاتِها، وإنما هي لمعالَجةِ وضعٍ اجتماعيٍّ: عقَديٍّ، أو أخلاقيٍّ، أو دَعَويٍّ، أو غيرِ ذلك؛ فالمقصودُ مِن قَصَصِ القرآنِ يختلِفُ باختلافِ متلقِّيه:

فهو للرسولِ: تثبيتٌ وتصديقٌ؛

كما قال سبحانه:

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}

[هود: 120].

وهو للصحابةِ، ومَن بعدَهم: تثبيتٌ وتبشيرٌ؛

كما قال تعالى:

{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}

[النحل: 102].

وهو للمؤمِنِ عمومًا: موعظةٌ وتذكير، وللغافلِ: تحذيرٌ ووعيد، وإعذارٌ وإنذار.

فللقصَّةِ في القرآنِ الكريمِ أغراضٌ بالغةُ الأهمِّيَّةِ، ليس مِن بينِها الإلهاءُ أو التشويقُ؛ إذ إنها جميعَها تنحصِرُ في دائرةِ الدِّين، وسبَقَ ذكرُ بعضِها، ومنها أيضًا:

1- إيضاحُ أُسُسِ الدعوةِ إلى الله، وبيانُ أصولِ الشرائعِ التي يُبعَثُ بها كلُّ نبيٍّ:

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}

[الأنبياء: 25].

2- تثبيتُ قلبِ رسولِ اللهِ ^، وقلوبِ الأمَّةِ المحمَّديَّةِ على دِينِ الله، وتقويةُ ثقةِ المؤمِنين بنصرةِ الحقِّ وجندِه، وخِذلانِ الباطلِ وأهلِه:

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}

[هود: 120].

3- تصديقُ الأنبياءِ السابِقين، وإحياءُ ذِكْراهم، وتخليدُ آثارِهم، وإظهارُ صِدقِ سيِّدِنا محمَّدٍ ^ في دعوتِهِ بما أخبَرَ به عن أحوالِ الماضِين عبرَ القرونِ والأجيال.

4- ترسيخُ العِبْرةِ في النَّفْسِ، وبيانُ حِكَمِ اللهِ تعالى فيما تضمَّنتْهُ هذه القِصَصُ، وبيانُ عدلِهِ تعالى في عقوبةِ المكذِّبين، وبيانُ فضلِهِ تعالى بمَثُوبةِ المؤمِنين.

5- تسليةُ النبيِّ ^ عما أصابه مِن المكذِّبين له؛

كما قال تعالى:

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}

[فاطر: 25-26].

6- ترغيبُ المؤمِنين في الإيمانِ بالثباتِ عليه، والازديادِ منه؛ إذ عَلِموا نجاةَ المؤمِنين السابِقين، وتحذيرُ الكافِرين مِن الاستمرارِ في كفرِهم.

وغيرُ ذلك مِن الأغراضِ العظيمةِ التي تَجعَلُ مَن يستوعِبُها ويَعرِفُ أهمِّيَّتَها يُدرِكُ مدى بُعْدِ هؤلاءِ عن الحقيقةِ؛ وهم الذين يتَّهِمون القرآنَ بأنه ضَرْبٌ مِن الخيالِ القَصَصيّ.

ثالثًا: مِن ضمنِ الأمثلةِ التي تُساقُ للتشكيكِ في قصصِ القرآن: زَعْمُهم أن حادثةَ الفِيلِ لم تحدُثْ:

وقد استنَدوا في ذلك إلى أن الروايةَ اليونانيَّةَ المعاصِرةَ للحادثةِ، لم تُشِرْ إليها، وقد جاؤوا ببعضِ الحُجَجِ الواهيةِ؛ لإيهامِ الناسِ أن في القرآنِ أخطاءً تاريخيَّةً؛ ولعلَّ مِن أكبرِ الأدلَّةِ على بطلانِ هذا:

1- أن العديدَ ممن سَمِعوا بحادثةِ الفِيلِ، أو عاشُوها، كانوا لا يَزَالون أحياءً عند نزولِ سورةِ الفِيلِ على النبيِّ ^، والمنطقُ يقولُ: إنهم كانوا سيَطعَنون في صدقِ النبيِّ ^ لو كانت القصَّةُ مِن نسجِ الخيالِ كالأساطير؛ وهذا ما لم يحدُثْ مع حرصِ المشرِكينَ الكاملِ على إبطالِ الإسلام.

2- وبالإضافةِ إلى هذا الدليلِ الواضح، فقد أجمَعَ المؤرِّخون العربُ، ومَن كان منصِفًا مِن كُتَّابِ أوربَّا ومؤرِّخيها: على وقوعِ هذه الحادثة؛ كما أن شعراءَ الجاهليَّةِ قد صوَّروا حادثةَ أصحابِ الفِيلِ في قصائدِهم؛ مما يدُلُّ على حقيقةِ ما ذكَرهُ القرآنُ الكريمُ عنها.

مختصر الجواب

1- خلُوُّ القرآنِ الكريمِ مِن الخيالِ الفنِّيِّ، وواقعيَّةُ سَرْدِهِ للقِصَصِ -: واضحةٌ للعِيَانِ؛ مِن أسلوبِ القرآنِ وعرضِه، ومما أثبتَتْهُ الحقائقُ التاريخيَّة.

2- هناك فروقٌ كثيرةٌ بين القَصَصِ القرآنيِّ وغيرِهِ مِن القَصَصِ الأدبيِّ والأساطيرِ؛ ومنها: أن القَصَصَ القرآنيَّ ينقُلُ أخبارَ الأمَمِ الماضيةِ كأنها صورةٌ حيَّةٌ، بأسلوبٍ يجسِّدُ الرَّوْعةَ والتشويقَ في أبهى صورةٍ؛ فنوعيَّةُ الخيالِ في القَصَصِ القرآنيِّ: تعبيريٌّ، لا فنِّيٌّ، بخلافِ القَصَصِ الأدَبيِّ الذي يمتازُ بالخيالِ الفنِّيّ، كما أن طبيعةَ القَصَصِ القرآنيِّ وأهدافَهُ متميِّزةٌ عن القَصَصِ الأدبيِّ؛ فالقصَّةُ القرآنيَّةُ غيرُ مقصودةٍ لذاتِها، وإنما هي لمعالَجةِ وضعٍ اجتماعيٍّ: عقَديٍّ، أو أخلاقيٍّ، أو دَعَويٍّ، أو غيرِ ذلك؛ فالمقصودُ مِن قَصَصِ القرآنِ يختلِفُ باختلافِ متلقِّيه؛ فللقصَّةِ في القرآنِ أغراضٌ بالغةُ الأهمِّيَّةِ، ليس مِن بينِها الإلهاءُ أو التشويقُ؛ إذ إنها جميعَها تنحصِرُ في دائرةِ الدِّين.

خاتمة الجواب

فالحاصلُ: 

أن القَصَصَ القرآنيَّ واقعيٌّ وحكيمٌ، وثابتٌ تاريخيًّا، والمتكلِّمون فيه قدحًا هم على غيرِ درايةٍ بالبيانِ القرآنيِّ، وجمالِ البلاغةِ فيه، ولا بحقائقِ التاريخِ ومروِيَّاتِهِ ومصادرِه.

مختصر الجواب

1- خلُوُّ القرآنِ الكريمِ مِن الخيالِ الفنِّيِّ، وواقعيَّةُ سَرْدِهِ للقِصَصِ -: واضحةٌ للعِيَانِ؛ مِن أسلوبِ القرآنِ وعرضِه، ومما أثبتَتْهُ الحقائقُ التاريخيَّة.

2- هناك فروقٌ كثيرةٌ بين القَصَصِ القرآنيِّ وغيرِهِ مِن القَصَصِ الأدبيِّ والأساطيرِ؛ ومنها: أن القَصَصَ القرآنيَّ ينقُلُ أخبارَ الأمَمِ الماضيةِ كأنها صورةٌ حيَّةٌ، بأسلوبٍ يجسِّدُ الرَّوْعةَ والتشويقَ في أبهى صورةٍ؛ فنوعيَّةُ الخيالِ في القَصَصِ القرآنيِّ: تعبيريٌّ، لا فنِّيٌّ، بخلافِ القَصَصِ الأدَبيِّ الذي يمتازُ بالخيالِ الفنِّيّ، كما أن طبيعةَ القَصَصِ القرآنيِّ وأهدافَهُ متميِّزةٌ عن القَصَصِ الأدبيِّ؛ فالقصَّةُ القرآنيَّةُ غيرُ مقصودةٍ لذاتِها، وإنما هي لمعالَجةِ وضعٍ اجتماعيٍّ: عقَديٍّ، أو أخلاقيٍّ، أو دَعَويٍّ، أو غيرِ ذلك؛ فالمقصودُ مِن قَصَصِ القرآنِ يختلِفُ باختلافِ متلقِّيه؛ فللقصَّةِ في القرآنِ أغراضٌ بالغةُ الأهمِّيَّةِ، ليس مِن بينِها الإلهاءُ أو التشويقُ؛ إذ إنها جميعَها تنحصِرُ في دائرةِ الدِّين.

الجواب التفصيلي

قِصَصُ القرآنِ واقعيَّةٌ، خاليةٌ مِن الخيالِ؛ وهذا واضحٌ مِن أسلوبِ القرآنِ وعرضِه، ومما أثبتَتْهُ الحقائقُ التاريخيَّة.

والقِصَصُ الواردةُ في القرآنِ هي خبَرٌ مِن الله، وخبَرُهُ تعالى منزَّهٌ عن الكذبِ والتلبيسِ والإيهام، وادِّعاءُ أن القِصَصَ القرآنيَّةَ غيرُ واقعيَّةٍ: يُنافي هذه الحقيقةَ، ومِن الفروقِ بين القَصَصِ القرآنيِّ وغيرِهِ ما يلي:

أوَّلًا: أن القرآنَ الكريمَ لا يَحْتوي على الخيالِ الفنِّيِّ، ولا يُشبِهُ بأيِّ حالٍ أساطيرَ البشَرِ:

و«الخيالُ الفنِّيُّ»: هو الذي يمتازُ به فنُّ القَصَصِ الأدَبيّ.

و«أساطيرُ البشَرِ»: هي التي يتناقَلُها الناسُ عبرَ العصورِ للتعبيرِ عن الأشياءِ، والأحداثِ، واستخدامِ شخصيَّاتٍ خُرافيَّةٍ لا تمُتُّ إلى الواقعِ بصِلَةٍ.

والشبهةُ التي يزعُمُ أصحابُها فيها: أن القرآنَ قد جاء بأساطيرَ خياليَّةٍ مدَّعِيًا أنها وقائعُ حقيقيَّةٌ -: هي شبهةٌ يمتدُّ أصلُها إلى الماضي والعهدِ الأوَّل؛ فقد قال كفَّارُ قُريشٍ عن القرآنِ الكريم:

{أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}

[الفرقان: 5]

؛ فهي إذَنْ شبهةٌ قديمةٌ مكرَّرة، يتوارَثُها كلُّ مَن عجَزَ عن حَجْبِ نُورِ الحقِّ الساطع.

والمتأمِّلُ بعينِ الباحثِ عن الحقيقةِ، لا يصعُبُ عليه إدراكُ بطلانِ ذلك؛ مِن خلالِ قراءتِهِ للقِصَصِ التي ورَدتْ في القرآنِ الكريم.

فلا خيالَ على الإطلاقِ يُمكِنُ أن يجدَهُ مَن يَقرَأُ - مثَلًا -

قولَهُ تعالى:

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}

[هود: ١٢٠]

؛ فالآيةُ الكريمةُ تؤكِّدُ أن كلَّ ما تَمَّ سردُهُ في تلك السورةِ - سورةِ هُودٍ - مِن أنباءِ الرسُلِ السابِقين: وقائعُ حقيقيَّةٌ ثابتةُ الحدوث؛ شغَلتْ حيِّزًا زمانيًّا ومكانيًّا في التاريخِ البشَريِّ، والذي حصَلَ: هو أن اللهَ عزَّ وجلَّ صوَّرها في القرآنِ بأسلوبٍ متقَنٍ في غايةِ الدقَّةِ والوضوحِ، يخلو مِن أيِّ خيالٍ فنِّيٍّ مزعوم.

ثانيًا: ما يميِّزُ القَصَصَ القرآنيَّ عن القَصَصِ الأدَبيِّ: هو نقلُهُ لأخبارِ الأمَمِ الماضيةِ، كأنها صورةٌ حيَّةٌ، بأسلوبٍ يجسِّدُ الرَّوْعةَ والتشويقَ في أبهى صورةٍ، والخيالُ في القَصَصِ القرآنيِّ تعبيريٌّ، لا فنِّيٌّ:

فلا صلةَ بينه وبين الخيالِ الفنِّيِّ إطلاقًا؛ لأن القَصَصَ القرآنيَّ التزَمَ الصدقَ والواقعيَّةَ في نقلِهِ لأحداثِ الماضي بأسلوبٍ فريدٍ لا نظيرَ له؛ فكان مِن ثمَرةِ هذا الأسلوبِ الفريدِ عدَّةُ أمورٍ، منها:

أ- ذِكرُ صبرِ وقوَّةِ إيمانِ السابِقين مِن المؤمِنين.

ب- اعترافُ العربِ الفصحاءِ برَوْعةِ أسلوبِ القرآن، وبعجزِهم التامِّ عن الإتيانِ بمِثلِه.

ج- تطهيرُ وتهذيبُ أخلاقِ العربِ باطِّلاعِهم على أنباءِ مَن سبَقَهم مِن الأُمَم.

د- نفيُ صفةِ الجهلِ والأمِّيَّةِ عن العربِ التي ادَّعى أهلُ الكتابِ وجودَها فيهم.

هـ- معرفةُ بعضِ التشريعاتِ في الحضاراتِ السابقة؛ كوسيلةٍ لفتحِ نافذةٍ للعربِ يُطِلُّون منها على فوائدِ المدنيَّة.

فمما تميَّزت وانفرَدتْ به القصَّةُ القرآنيَّةُ: أنها غيرُ مقصودةٍ لذاتِها، وإنما هي لمعالَجةِ وضعٍ اجتماعيٍّ: عقَديٍّ، أو أخلاقيٍّ، أو دَعَويٍّ، أو غيرِ ذلك؛ فالمقصودُ مِن قَصَصِ القرآنِ يختلِفُ باختلافِ متلقِّيه:

فهو للرسولِ: تثبيتٌ وتصديقٌ؛

كما قال سبحانه:

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}

[هود: 120].

وهو للصحابةِ، ومَن بعدَهم: تثبيتٌ وتبشيرٌ؛

كما قال تعالى:

{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}

[النحل: 102].

وهو للمؤمِنِ عمومًا: موعظةٌ وتذكير، وللغافلِ: تحذيرٌ ووعيد، وإعذارٌ وإنذار.

فللقصَّةِ في القرآنِ الكريمِ أغراضٌ بالغةُ الأهمِّيَّةِ، ليس مِن بينِها الإلهاءُ أو التشويقُ؛ إذ إنها جميعَها تنحصِرُ في دائرةِ الدِّين، وسبَقَ ذكرُ بعضِها، ومنها أيضًا:

1- إيضاحُ أُسُسِ الدعوةِ إلى الله، وبيانُ أصولِ الشرائعِ التي يُبعَثُ بها كلُّ نبيٍّ:

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}

[الأنبياء: 25].

2- تثبيتُ قلبِ رسولِ اللهِ ^، وقلوبِ الأمَّةِ المحمَّديَّةِ على دِينِ الله، وتقويةُ ثقةِ المؤمِنين بنصرةِ الحقِّ وجندِه، وخِذلانِ الباطلِ وأهلِه:

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}

[هود: 120].

3- تصديقُ الأنبياءِ السابِقين، وإحياءُ ذِكْراهم، وتخليدُ آثارِهم، وإظهارُ صِدقِ سيِّدِنا محمَّدٍ ^ في دعوتِهِ بما أخبَرَ به عن أحوالِ الماضِين عبرَ القرونِ والأجيال.

4- ترسيخُ العِبْرةِ في النَّفْسِ، وبيانُ حِكَمِ اللهِ تعالى فيما تضمَّنتْهُ هذه القِصَصُ، وبيانُ عدلِهِ تعالى في عقوبةِ المكذِّبين، وبيانُ فضلِهِ تعالى بمَثُوبةِ المؤمِنين.

5- تسليةُ النبيِّ ^ عما أصابه مِن المكذِّبين له؛

كما قال تعالى:

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}

[فاطر: 25-26].

6- ترغيبُ المؤمِنين في الإيمانِ بالثباتِ عليه، والازديادِ منه؛ إذ عَلِموا نجاةَ المؤمِنين السابِقين، وتحذيرُ الكافِرين مِن الاستمرارِ في كفرِهم.

وغيرُ ذلك مِن الأغراضِ العظيمةِ التي تَجعَلُ مَن يستوعِبُها ويَعرِفُ أهمِّيَّتَها يُدرِكُ مدى بُعْدِ هؤلاءِ عن الحقيقةِ؛ وهم الذين يتَّهِمون القرآنَ بأنه ضَرْبٌ مِن الخيالِ القَصَصيّ.

ثالثًا: مِن ضمنِ الأمثلةِ التي تُساقُ للتشكيكِ في قصصِ القرآن: زَعْمُهم أن حادثةَ الفِيلِ لم تحدُثْ:

وقد استنَدوا في ذلك إلى أن الروايةَ اليونانيَّةَ المعاصِرةَ للحادثةِ، لم تُشِرْ إليها، وقد جاؤوا ببعضِ الحُجَجِ الواهيةِ؛ لإيهامِ الناسِ أن في القرآنِ أخطاءً تاريخيَّةً؛ ولعلَّ مِن أكبرِ الأدلَّةِ على بطلانِ هذا:

1- أن العديدَ ممن سَمِعوا بحادثةِ الفِيلِ، أو عاشُوها، كانوا لا يَزَالون أحياءً عند نزولِ سورةِ الفِيلِ على النبيِّ ^، والمنطقُ يقولُ: إنهم كانوا سيَطعَنون في صدقِ النبيِّ ^ لو كانت القصَّةُ مِن نسجِ الخيالِ كالأساطير؛ وهذا ما لم يحدُثْ مع حرصِ المشرِكينَ الكاملِ على إبطالِ الإسلام.

2- وبالإضافةِ إلى هذا الدليلِ الواضح، فقد أجمَعَ المؤرِّخون العربُ، ومَن كان منصِفًا مِن كُتَّابِ أوربَّا ومؤرِّخيها: على وقوعِ هذه الحادثة؛ كما أن شعراءَ الجاهليَّةِ قد صوَّروا حادثةَ أصحابِ الفِيلِ في قصائدِهم؛ مما يدُلُّ على حقيقةِ ما ذكَرهُ القرآنُ الكريمُ عنها.

خاتمة الجواب

فالحاصلُ: 

أن القَصَصَ القرآنيَّ واقعيٌّ وحكيمٌ، وثابتٌ تاريخيًّا، والمتكلِّمون فيه قدحًا هم على غيرِ درايةٍ بالبيانِ القرآنيِّ، وجمالِ البلاغةِ فيه، ولا بحقائقِ التاريخِ ومروِيَّاتِهِ ومصادرِه.