نص السؤال
المؤلف: مجموعة مؤلفي بيان الإسلام
المصدر: موسوعة بيان الإسلام
الجواب التفصيلي
توهم تناقض القرآن بشأن كونه مبينا أو متشابها (*)
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض المشككين أن هناك تناقضا بين قوله سبحانه وتعالى: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين (103)) (النحل)، وبين قوله سبحانه وتعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) (آل عمران: ٧). ويتساءلون: أيليق بكتاب الله أن نجد فيه موضعا يصف القرآن بأنه مبين، ويصفه في موضع آخر بأنه متشابه؟! ألا يدل هذا التناقض - في ظنهم - على أن القرآن ليس من عند الله؟! ويرمون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن الكريم من التناقض
وجها إبطال الشبهة:
1) القرآن كله محكم باعتبار إتقانه وإحكامه، ورصانته، وكله متشابه باعتبار تماثل آياته في البلاغة والإعجاز وصعوبة المفاضلة بين أجزائه، وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار التأويل.
2) أوجد الله - عز وجل - المتشابه - بالمعنى الصحيح - في القرآن لحكمة عظيمة علمها من علمها وجهلها من جهلها.
التفصيل:
أولا. القرآن محكم من حيث الإتقان ومتشابه من حيث البلاغة والإعجاز، ومحكم ومتشابه في آن من حيث التأويل:
إن العاقل إذا تأمل القرآن يجده كله في قمة الإحكام والإتقان والبيان والوضوح،
يشهد بذلك القرآن نفسه:
(الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (1))
(هود)،
ونحن نجد القرآن - منذ أن أنزله الله على عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة - يوجه المسلمين بتعاليمه الأخلاقية العالية دون اختلاف منهم على أي آية، أو تنازع منهم على أي مفردة، وإن يكن هناك اختلاف في الرأي؛ فقد اقتضت حكمته سبحانه أن يكون هذا الاختلاف رحمة بعباده وتيسيرا لأمة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كما يجده المتفكر في آياته وكلماته وتركيبه، من حيث تماثله في البلاغة والإعجاز وصعوبة المفاضلة بين أجزائه [1]ـ
يجده متشابها، يشهد بذلك القرآن نفسه:
(الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها).
(الزمر: ٢٣)
ويشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا.
وليس المراد بقوله:
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات)
(آل عمران: ٧)
هذا المعنى، وإنما المتشابه في هذه الآية من باب الاحتمال والاشتباه،
من قوله:
(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون (70))
(البقرة)
، أي: التبس علينا، أي: يحتمل أنواعا كثيرة من البقر، والمراد بالمحكم ما في مقابلة هذا وهو ما لا التباس فيه، ولا يحتمل إلا وجها واحدا.
وقيل: إن المتشابه ما يحتمل وجوها، ثم إذا ردت الوجوه إلى وجه واحد، وأبطل الباقي صار المتشابه محكما، فالمحكم أبدا أصل ترد إليه الفروع، والمتشابه هو الفرع [2].
فوصف القرآن بـ"المبين"، أي: الذي أبان وأفصح عن كل صغيرة وكبيرة تخص أمر المسلمين والناس أجمعين في حياتهم، وبعد مماتهم، وبعد أن يبعثوا من قبورهم، والقرآن - بلا شك - أتى بتركيب معجز تحدى به الإنس والجن، وأهل السماوات والأرض على أن يأتوا بمثله، وحقا لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا؛ فالقرآن محكم بين لا ينكر هذا إلا معاند. كما أن المتشابه ليس معناه الغامض المبهم الملبس الذي لا يمكن أن يصل عقل إلى معناه، وإنما المقصود به: الذي تتعدد فيه الآراء.
وأما معنى أنه بعضه محكم وبعضه متشابه، فقد اختلف العلماء في تفسير المحكم والمتشابه على أقوال يذكرها د. أبو النور الحديدي:
أحدها: أن المحكم: ما عرف تأويله، وفهم معناه وتفسيره، والمتشابه: ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل، قالوا: وذلك نحو الحروف المقطعة في أوائل السور.
ثانيها: المحكم: ما لا يحتمل إلا وجها واحدا، والمتشابه: ما يحتمل وجوها، فإذا ردت إلى وجه واحد وترك الباقي صار المتشابه محكما.
ثالثها: أن المحكم: ناسخه، وحرامه وحلاله وفرائضه، وما نؤمن به ونعمل عليه. والمتشابه: منسوخه، وأمثاله، وأقسامه، وما نؤمن به ولا نعمل به.
رابعها: المحكم: الناسخ، والمتشابه: المنسوخ.
خامسها: المحكم: ما كان قائما بنفسه لا يحتاج إلى أن يرجع فيه إلى غيره. والمتشابه: ما يرجع فيه إلى غيره.
قال الشوكاني - بعد حكاية هذه الأقوال -: والأولى أن يقال: إن المحكم هو الواضح المعنى، الظاهر الدلالة إما باعتبار نفسه، أو باعتبار غيره. والمتشابه: ما لا يتضح معناه، أو لا تظهر دلالته، لا باعتبار نفسه، ولا باعتبار غيره.
فظهر من هذا أنه لا تعارض بين هذه الآيات، وأن القرآن الكريم يصدق عليه كله أنه محكم، وأنه كله متشابه، وأن بعضه محكم وبعضه متشابه، وكل باعتبار [3].
ثانيا. الله سبحانه وتعالى أوجد المتشابه لحكمة يعلمها:
وقد يسأل بعض الناس: لماذا جاء الله - عز وجل - بالمتشابه في كتابه؟! نقول: لحكمة ظهرت في ثنايا الآية.
إلا أن خلاصة القول في ذلك: أن الله - عز وجل - قد استأثر في علمه بآيات وكلمات في القرآن لا يعلم المراد منها إلا الله،
قال سبحانه وتعالى:
(وما يعلم تأويله إلا الله)
(آل عمران: ٧)،
كالحروف المقطعة في فواتح السور وغيرها، وهناك بعض المتشابه أراد الله أن يكون للعلماء فضل عن غيرهم فأعلمهم تأويله؛ ليعلموه لغيرهم فتعم الإفادة للجميع، ويفهم الناس مراد الله منه.
وفي جميع الأحوال، على قارئ القرآن أن يؤمن بمتشابه القرآن على مراد الله منه، ولا يحمل نفسه على الكلام فيه؛ فإن الخوض في المتشابه من أعظم أسباب الضلال، من ذلك نصوص صفات الله - عز وجل - لا من جهة معاني ألفاظها، وإنما من جهة إدراك كيفياتها في حق الله - عز وجل - فإنه منزه عن الشبيه والنظير:
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (11))
(الشورى) [4].
وأما أسباب مجيء المتشابه في القرآن مع أنه نزل لبيان الدين، وإرشاد العباد وهدايتهم، وهذا يتحقق بكونه كله محكما، فهو - كما ذكر العلماء - أربعة:
1. أن القرآن جاء بألفاظ العرب ولغاتهم، وكلام العرب على ضربين:
أحدهما: الإيجاز للاختصار، والموجز الذي لا يخفى على سامعه، ولا يحتمل غير ظاهره، والإطالة لبيان المراد والتوكيد.
الضرب الثاني: المجاز والكنايات والإشارات والتلميحات وإغماض بعض المعاني. وهذا الضرب هو المستحسن عند العرب، والبديع في كلامهم؛ فأنزل الله تعالى القرآن على هذين الضربين ليتحقق عجزهم التام عن الإتيان بمثله.
2. أن يشتغل أهل العلم والنظر بردهم المتشابه إلى المحكم فيزداد اهتمامهم بالبحث عن معانيه؛ فيثابون على تعبهم، كما أثيبوا على عباداتهم، ولو أنزل القرآن كله محكما لاستوى في معرفته العالم والجاهل ولم يفضل العالم على غيره.
3. أن أهل كل علم يجعلون في علومهم معاني غامضة ومسائل دقيقة؛ ليختبروا بذلك أذهان المتعلمين منهم على انتزاع الجواب، فلما كان ذلك حسنا عند العلماء جاز أن يكون ما أنزل الله تعالى من التشابه على هذا النحو.
4. اختبار الله تعالى عباده بالمتشابه؛ ليقف المؤمن عنده ويرد علمه إلى عالمه؛ فيعظم بذلك ثوابه، ويرتاب به المنافق ويداخله الزيغ؛ فيستحق بذلك العقوبة، كما ابتلي بنو إسرائيل بالنهر، والله أعلم [5].
الخلاصة:
• لا تناقض في وصف القرآن بالمبين، ووصفه بالمتشابه؛ إذ إن القرآن كله محكم باعتبار إتقانه وإحكامه وإعجاز تركيبه، وكله متشابه باعتبار تماثل آياته في البلاغة، والإعجاز وصعوبة المفاضلة بين أجزائه. وبعضه محكم، والآخر متشابه باعتبار التأويل، ومن حيث كون المحكم أصلا والمتشابه فرعا عنه. وغير ذلك من الفروق التي ذكرها العلماء بين المحكم والمتشابه.
• هناك من المتشابه ما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه خلقه؛ لحكمة أرادها، ومنه ما جعل الله للراسخين في العلم علما به؛ ليعلموا الناس مراد الله منه ومن بين هذه الحكم: أن الله أنزل القرآن بطريقة العرب للتأكيد على عجزهم أمام هذا الكتاب، أو للتمييز بين العالم والجاهل، أو لتشجيع أهل العلم على النظر والبحث، أو للتفريق بين المؤمن والمنافق.
المراجع
- . بحوث منهجية في علوم القرآن الكريم، موسى إبراهيم الإبراهيمي، دار عمار، الأردن، ط2، 1996م، ج2، ص155
- بحوث في علوم القرآن، د. محمد نبيل غنايم، دار الهداية، القاهرة، ط1، 1413هـ/ 1993م، ص64.
- البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص227، 228
- البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص227، 228.
- البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص228، 229.
الجواب التفصيلي
توهم تناقض القرآن بشأن كونه مبينا أو متشابها (*)
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض المشككين أن هناك تناقضا بين قوله سبحانه وتعالى: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين (103)) (النحل)، وبين قوله سبحانه وتعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) (آل عمران: ٧). ويتساءلون: أيليق بكتاب الله أن نجد فيه موضعا يصف القرآن بأنه مبين، ويصفه في موضع آخر بأنه متشابه؟! ألا يدل هذا التناقض - في ظنهم - على أن القرآن ليس من عند الله؟! ويرمون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن الكريم من التناقض
وجها إبطال الشبهة:
1) القرآن كله محكم باعتبار إتقانه وإحكامه، ورصانته، وكله متشابه باعتبار تماثل آياته في البلاغة والإعجاز وصعوبة المفاضلة بين أجزائه، وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار التأويل.
2) أوجد الله - عز وجل - المتشابه - بالمعنى الصحيح - في القرآن لحكمة عظيمة علمها من علمها وجهلها من جهلها.
التفصيل:
أولا. القرآن محكم من حيث الإتقان ومتشابه من حيث البلاغة والإعجاز، ومحكم ومتشابه في آن من حيث التأويل:
إن العاقل إذا تأمل القرآن يجده كله في قمة الإحكام والإتقان والبيان والوضوح،
يشهد بذلك القرآن نفسه:
(الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (1))
(هود)،
ونحن نجد القرآن - منذ أن أنزله الله على عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة - يوجه المسلمين بتعاليمه الأخلاقية العالية دون اختلاف منهم على أي آية، أو تنازع منهم على أي مفردة، وإن يكن هناك اختلاف في الرأي؛ فقد اقتضت حكمته سبحانه أن يكون هذا الاختلاف رحمة بعباده وتيسيرا لأمة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كما يجده المتفكر في آياته وكلماته وتركيبه، من حيث تماثله في البلاغة والإعجاز وصعوبة المفاضلة بين أجزائه [1]ـ
يجده متشابها، يشهد بذلك القرآن نفسه:
(الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها).
(الزمر: ٢٣)
ويشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا.
وليس المراد بقوله:
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات)
(آل عمران: ٧)
هذا المعنى، وإنما المتشابه في هذه الآية من باب الاحتمال والاشتباه،
من قوله:
(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون (70))
(البقرة)
، أي: التبس علينا، أي: يحتمل أنواعا كثيرة من البقر، والمراد بالمحكم ما في مقابلة هذا وهو ما لا التباس فيه، ولا يحتمل إلا وجها واحدا.
وقيل: إن المتشابه ما يحتمل وجوها، ثم إذا ردت الوجوه إلى وجه واحد، وأبطل الباقي صار المتشابه محكما، فالمحكم أبدا أصل ترد إليه الفروع، والمتشابه هو الفرع [2].
فوصف القرآن بـ"المبين"، أي: الذي أبان وأفصح عن كل صغيرة وكبيرة تخص أمر المسلمين والناس أجمعين في حياتهم، وبعد مماتهم، وبعد أن يبعثوا من قبورهم، والقرآن - بلا شك - أتى بتركيب معجز تحدى به الإنس والجن، وأهل السماوات والأرض على أن يأتوا بمثله، وحقا لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا؛ فالقرآن محكم بين لا ينكر هذا إلا معاند. كما أن المتشابه ليس معناه الغامض المبهم الملبس الذي لا يمكن أن يصل عقل إلى معناه، وإنما المقصود به: الذي تتعدد فيه الآراء.
وأما معنى أنه بعضه محكم وبعضه متشابه، فقد اختلف العلماء في تفسير المحكم والمتشابه على أقوال يذكرها د. أبو النور الحديدي:
أحدها: أن المحكم: ما عرف تأويله، وفهم معناه وتفسيره، والمتشابه: ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل، قالوا: وذلك نحو الحروف المقطعة في أوائل السور.
ثانيها: المحكم: ما لا يحتمل إلا وجها واحدا، والمتشابه: ما يحتمل وجوها، فإذا ردت إلى وجه واحد وترك الباقي صار المتشابه محكما.
ثالثها: أن المحكم: ناسخه، وحرامه وحلاله وفرائضه، وما نؤمن به ونعمل عليه. والمتشابه: منسوخه، وأمثاله، وأقسامه، وما نؤمن به ولا نعمل به.
رابعها: المحكم: الناسخ، والمتشابه: المنسوخ.
خامسها: المحكم: ما كان قائما بنفسه لا يحتاج إلى أن يرجع فيه إلى غيره. والمتشابه: ما يرجع فيه إلى غيره.
قال الشوكاني - بعد حكاية هذه الأقوال -: والأولى أن يقال: إن المحكم هو الواضح المعنى، الظاهر الدلالة إما باعتبار نفسه، أو باعتبار غيره. والمتشابه: ما لا يتضح معناه، أو لا تظهر دلالته، لا باعتبار نفسه، ولا باعتبار غيره.
فظهر من هذا أنه لا تعارض بين هذه الآيات، وأن القرآن الكريم يصدق عليه كله أنه محكم، وأنه كله متشابه، وأن بعضه محكم وبعضه متشابه، وكل باعتبار [3].
ثانيا. الله سبحانه وتعالى أوجد المتشابه لحكمة يعلمها:
وقد يسأل بعض الناس: لماذا جاء الله - عز وجل - بالمتشابه في كتابه؟! نقول: لحكمة ظهرت في ثنايا الآية.
إلا أن خلاصة القول في ذلك: أن الله - عز وجل - قد استأثر في علمه بآيات وكلمات في القرآن لا يعلم المراد منها إلا الله،
قال سبحانه وتعالى:
(وما يعلم تأويله إلا الله)
(آل عمران: ٧)،
كالحروف المقطعة في فواتح السور وغيرها، وهناك بعض المتشابه أراد الله أن يكون للعلماء فضل عن غيرهم فأعلمهم تأويله؛ ليعلموه لغيرهم فتعم الإفادة للجميع، ويفهم الناس مراد الله منه.
وفي جميع الأحوال، على قارئ القرآن أن يؤمن بمتشابه القرآن على مراد الله منه، ولا يحمل نفسه على الكلام فيه؛ فإن الخوض في المتشابه من أعظم أسباب الضلال، من ذلك نصوص صفات الله - عز وجل - لا من جهة معاني ألفاظها، وإنما من جهة إدراك كيفياتها في حق الله - عز وجل - فإنه منزه عن الشبيه والنظير:
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (11))
(الشورى) [4].
وأما أسباب مجيء المتشابه في القرآن مع أنه نزل لبيان الدين، وإرشاد العباد وهدايتهم، وهذا يتحقق بكونه كله محكما، فهو - كما ذكر العلماء - أربعة:
1. أن القرآن جاء بألفاظ العرب ولغاتهم، وكلام العرب على ضربين:
أحدهما: الإيجاز للاختصار، والموجز الذي لا يخفى على سامعه، ولا يحتمل غير ظاهره، والإطالة لبيان المراد والتوكيد.
الضرب الثاني: المجاز والكنايات والإشارات والتلميحات وإغماض بعض المعاني. وهذا الضرب هو المستحسن عند العرب، والبديع في كلامهم؛ فأنزل الله تعالى القرآن على هذين الضربين ليتحقق عجزهم التام عن الإتيان بمثله.
2. أن يشتغل أهل العلم والنظر بردهم المتشابه إلى المحكم فيزداد اهتمامهم بالبحث عن معانيه؛ فيثابون على تعبهم، كما أثيبوا على عباداتهم، ولو أنزل القرآن كله محكما لاستوى في معرفته العالم والجاهل ولم يفضل العالم على غيره.
3. أن أهل كل علم يجعلون في علومهم معاني غامضة ومسائل دقيقة؛ ليختبروا بذلك أذهان المتعلمين منهم على انتزاع الجواب، فلما كان ذلك حسنا عند العلماء جاز أن يكون ما أنزل الله تعالى من التشابه على هذا النحو.
4. اختبار الله تعالى عباده بالمتشابه؛ ليقف المؤمن عنده ويرد علمه إلى عالمه؛ فيعظم بذلك ثوابه، ويرتاب به المنافق ويداخله الزيغ؛ فيستحق بذلك العقوبة، كما ابتلي بنو إسرائيل بالنهر، والله أعلم [5].
الخلاصة:
• لا تناقض في وصف القرآن بالمبين، ووصفه بالمتشابه؛ إذ إن القرآن كله محكم باعتبار إتقانه وإحكامه وإعجاز تركيبه، وكله متشابه باعتبار تماثل آياته في البلاغة، والإعجاز وصعوبة المفاضلة بين أجزائه. وبعضه محكم، والآخر متشابه باعتبار التأويل، ومن حيث كون المحكم أصلا والمتشابه فرعا عنه. وغير ذلك من الفروق التي ذكرها العلماء بين المحكم والمتشابه.
• هناك من المتشابه ما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه خلقه؛ لحكمة أرادها، ومنه ما جعل الله للراسخين في العلم علما به؛ ليعلموا الناس مراد الله منه ومن بين هذه الحكم: أن الله أنزل القرآن بطريقة العرب للتأكيد على عجزهم أمام هذا الكتاب، أو للتمييز بين العالم والجاهل، أو لتشجيع أهل العلم على النظر والبحث، أو للتفريق بين المؤمن والمنافق.
المراجع
- . بحوث منهجية في علوم القرآن الكريم، موسى إبراهيم الإبراهيمي، دار عمار، الأردن، ط2، 1996م، ج2، ص155
- بحوث في علوم القرآن، د. محمد نبيل غنايم، دار الهداية، القاهرة، ط1، 1413هـ/ 1993م، ص64.
- البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص227، 228
- البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص227، 228.
- البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص228، 229.