نص السؤال
ورَدَتْ في سورةِ القمَرِ في القرآنِ خواتيمُ بعضِ الآياتِ التي تطابِقُ خواتيمَ أبياتٍ لامرِئِ القيسِ، ومنها:
يَتَمَنَّى الْمَرْءُ فِي الصَّيْفِ الشِّتَا فَإِذَا جَاءَ الشِّتَا أَنْكَرَهُ
فَهْوَ لَا يَرْضَى بِحَالٍ وَاحِدٍ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ
ومنها:
دَنَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرْ مِنْ غَزَالٍ صَادَ قَلْبِي وَنَفَرْ مما يُثبِتُ أن القرآنَ مِن وضعِ محمَّدٍ، الذي اقتبَسَ مِن أشعارِ الجاهليِّين.
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
هل اقتُبِسَ القرآنُ مِن أشعارِ الجاهليِّين؟ |
الجواب التفصيلي
إن أمثالَ هذه الدعاوى يُبطِلُها واقعُ نزولِ القرآن، وكذلك ما لابَسَهُ مِن عداوةِ كفَّارِ قُريشٍ الذين كانوا على دِرايةٍ تامَّةٍ بأشعارِ العرَب. ويُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية: أوَّلًا: لا يُوجَدُ ذكرٌ للأبياتِ المنسوبةِ لامرئِ القيسِ في «ديوانِهِ» على اختلافِ نُسَخِهِ المعروفة. فقد وُجِدَ لـ «ديوانِ امرئِ القيسِ» مصادرُ معروفةٌ، ونُسَخٌ عديدةٌ منها، ولا يُوجَدُ في أيٍّ منها أيُّ ذكرٍ، ولو لجزءٍ مِن الأبياتِ المزعومة، وحتى البحثُ في عشَراتٍ مِن الكُتُبِ المتقدِّمةِ؛ مِن كُتُبِ البلاغةِ والأدَبِ، واللغةِ والشِّعْرِ -: لم يُسفِرْ عن وجودِ أيِّ شيءٍ مِن تلك الأبيات. وكلُّ الباحِثين في الأدَبِ العربيِّ: يَعلَمون أن جهودَ القدماءِ والمحدَثين قد تضافَرَتْ على جمعِ «شعرِ امرئِ القيسِ»، وروايتِهِ، ونشرِهِ بعنايةٍ فائقةٍ لمنزلتِهِ عند أهلِ الأدَبِ، ومع ذلك: لا يُوجَدُ أيُّ ذكرٍ لهذه الأبياتِ في نُسَخِ «ديوانِهِ» المعروفة؛ كنُسْخةِ الأَعلَمِ الشَّنْتَمَريِّ، ونسخةِ الطُّوسيِّ، وغيرِهما. ثانيًا: أن نَحْلَ الشِّعْرِ ونسبَتَهُ إلى قدماءِ الشعراءِ، أمرٌ معروف؛ فكم قد تَمَّ نَحْلُ ونسبةُ العديدِ مِن القصائدِ لكثيرٍ مِن الشعراء؛ مثلُ امرئِ القيسِ، وغيرِهِ؛ فنحلُ الشِّعْرِ أمرٌ شائعٌ ومعروفٌ، وقد أثبَتتِ الدِّراساتُ المعاصِرةُ - والتي ركَّزتِ الضوءَ على جميعِ قصائدِ امرئِ القيسِ، بما في ذلك ما نُحِلَ عليه، أي: ما تَمَّ نسبتُهُ إليه، وليس مِن شعرِهِ - أنه لا وجودَ للأبياتِ المزعومةِ في أيٍّ مِن تلك القصائد. ثالثًا: أن رَكَاكةَ الأبياتِ، وضَعْفَ سَبْكِها، وانعدامَ البلاغةِ فيها، يدُلُّ على أنه قد تَمَّ تركيبُها عمدًا. ونَضرِبُ هنا مثالًا على مدى رَكَاكةِ تلك الأبياتِ التي استنَدتْ عليها هذه الدعوى، والتي تدُلُّ على بُعْدِها التامِّ عن بلاغةِ القرآن: دَنَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرْ مِنْ غَزَالٍ صَادَ قَلْبِي وَنَفَرْ فهل كان شعراءُ الجاهليَّةِ يؤمِنون بقيامِ الساعة؟ بالطبعِ، لا، وهل حصَلَ انشقاقٌ للقمَرِ في ذلك العصر؟ قطعًا، لا. وإن كان المقصودُ بالقمَرِ هو المحبوبةَ - كما يزعُمُ بعضُهم - فهل كان مِن عادةِ العرَبِ التعبيرُ عن حُسْنِ المحبوبةِ بانشقاقِ القمَرِ؟! بالطبع، لا. وهكذا بقيَّةُ الأبياتِ المزعومةِ، كلُّها تَنضَحُ بالرَّكَاكةِ، والنسجِ المتهلهِلِ؛ فأين هي مِن بلاغةِ القرآنِ الذي تربَّع على عرشِ البلاغةِ والفصاحةِ والبيانْ، على مدَى الأزمانْ؟! رابعًا: هناك فارقٌ زمنيٌّ كبيرٌ بين امرِئِ القيسِ وبين بعضِ مَن نسَبَ ذلك الشِّعْرَ إليه: إما ظنًّا مِن نفسِهِ، أو نقلًا عن غيرِه، ومِن أشهرِهم المُناويُّ صاحبُ كتابِ «فيضِ القديرِ» (2/ 187)، الذي نقَلَ الأبياتَ، وهو متوفًّى سنةَ (920هـ)، فبينه وبين امرئِ القيسِ ما يقارِبُ الألفَ سنةٍ أو يزيدُ، ولم يذكُرِ المُناويُّ نَقْلَهُ لهذا الأمرِ مِن أيِّ كتابٍ آخَرَ؛ وعليه: فطبقًا للمعاييرِ العلميَّةِ للبحثِ: لا يُمكِنُ الركونُ إلى كلامِ المُناويّ. خامسًا: لقد كان الكُفَّارُ في عهدِ الرسولِ ^ أعلَمَ الناسِ بأشعارِ العرَبِ، ولم يقل أحدٌ منهم بهذا القول. وقد أَوْلى العرَبُ اهتمامَهم البالغَ بـ «شعرِ امرئِ القيسِ»، ولقَّبوه بلقَبِ «حامِلِ لواءِ الشعراءِ»، وكانوا يَمْقُتون السرقةَ الأدبيَّةَ، ويشنِّعون على فاعلِها، وبالتأكيدِ: كانوا سيَعلَمون لو أن رسولَ اللهِ ^ اقتبَسَ شيئًا ولو يسيرًا مِن الشِّعْرِ، خاصَّةً وأن كفَّارَ قريشٍ كانوا يتحيَّنون الفُرَصَ للنَّيْلِ منه ^. بل الثابتُ تاريخيًّا: أنهم أوَّلُ مَن شَهِدَ على اختلافِ نَظْمِ القرآنِ الكريمِ عن أيِّ شيءٍ سَمِعوهُ مِن قبلُ، بما في ذلك شِعْرُ امرئِ القيسِ وغيرِه، فها هو الوليدُ بنُ المُغِيرةِ يقولُ: «وَاللهِ، مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمَ بِرَجَزٍ وَلَا بِقَصِيدَةٍ مِنِّي، وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللهِ، مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا»؛ رواه الحاكم (3872)، وصحَّحه. وصدَق اللهُ العظيمُ القائلُ: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 41].
|
مختصر الجواب
إن أمثالَ هذه الدعاوى يُبطِلُها واقعُ نزولِ القرآن، وما لابَسَهُ مِن عداوةِ كفَّارِ قُريشٍ الذين كانوا على دِرايةٍ تامَّةٍ بأشعارِ العرَب؛ ويَظهَرُ ذلك مِن وجوه:
- الأبياتُ المذكورةُ في السؤالِ ليست لامرئِ القيسِ، ولم تثبُتْ عنه بدليلٍ يُثبِتُهُ علماءُ اللغةِ أو التاريخ.
- هذه الأبياتُ منحولةٌ على امرئِ القَيْسِ؛ كما أثبَتتْ ذلك الدِّراساتُ المعاصِرةُ؛ إذْ لا وجودَ للأبياتِ المزعومةِ في أيٍّ مِن قصائدِه.
- رَكَاكةُ هذه الأبياتِ، وضَعْفُ سَبْكِها، وانعدامُ بلاغتِها: يَشهَدُ على أنها مركَّبةٌ، ومنسوبةٌ زورًا إلى امرئِ القيس.
- لا بدَّ مِن إثباتِ الدليلِ على الدعوى قبل البناءِ عليها؛ فكيف إذا كان الواقعُ يكذِّبُها؟! وإن عجزَ كفَّارِ قُريشٍ عن إثباتِ شيءٍ على القرآنِ
- وقد كانوا أعلَمَ الناسِ بأشعارِ العرَبِ - مع سَعْيِهِمُ الحثيثِ في هذا الاتِّجاهِ -: لهو دليلٌ كافٍ، وجوابٌ وافٍ.
مختصر الجواب
إن أمثالَ هذه الدعاوى يُبطِلُها واقعُ نزولِ القرآن، وما لابَسَهُ مِن عداوةِ كفَّارِ قُريشٍ الذين كانوا على دِرايةٍ تامَّةٍ بأشعارِ العرَب؛ ويَظهَرُ ذلك مِن وجوه:
- الأبياتُ المذكورةُ في السؤالِ ليست لامرئِ القيسِ، ولم تثبُتْ عنه بدليلٍ يُثبِتُهُ علماءُ اللغةِ أو التاريخ.
- هذه الأبياتُ منحولةٌ على امرئِ القَيْسِ؛ كما أثبَتتْ ذلك الدِّراساتُ المعاصِرةُ؛ إذْ لا وجودَ للأبياتِ المزعومةِ في أيٍّ مِن قصائدِه.
- رَكَاكةُ هذه الأبياتِ، وضَعْفُ سَبْكِها، وانعدامُ بلاغتِها: يَشهَدُ على أنها مركَّبةٌ، ومنسوبةٌ زورًا إلى امرئِ القيس.
- لا بدَّ مِن إثباتِ الدليلِ على الدعوى قبل البناءِ عليها؛ فكيف إذا كان الواقعُ يكذِّبُها؟! وإن عجزَ كفَّارِ قُريشٍ عن إثباتِ شيءٍ على القرآنِ
- وقد كانوا أعلَمَ الناسِ بأشعارِ العرَبِ - مع سَعْيِهِمُ الحثيثِ في هذا الاتِّجاهِ -: لهو دليلٌ كافٍ، وجوابٌ وافٍ.
الجواب التفصيلي
إن أمثالَ هذه الدعاوى يُبطِلُها واقعُ نزولِ القرآن، وكذلك ما لابَسَهُ مِن عداوةِ كفَّارِ قُريشٍ الذين كانوا على دِرايةٍ تامَّةٍ بأشعارِ العرَب. ويُمكِنُ إزالةُ الإشكالِ الواردِ في السؤالِ مِن خلالِ النِّقاطِ التالية: أوَّلًا: لا يُوجَدُ ذكرٌ للأبياتِ المنسوبةِ لامرئِ القيسِ في «ديوانِهِ» على اختلافِ نُسَخِهِ المعروفة. فقد وُجِدَ لـ «ديوانِ امرئِ القيسِ» مصادرُ معروفةٌ، ونُسَخٌ عديدةٌ منها، ولا يُوجَدُ في أيٍّ منها أيُّ ذكرٍ، ولو لجزءٍ مِن الأبياتِ المزعومة، وحتى البحثُ في عشَراتٍ مِن الكُتُبِ المتقدِّمةِ؛ مِن كُتُبِ البلاغةِ والأدَبِ، واللغةِ والشِّعْرِ -: لم يُسفِرْ عن وجودِ أيِّ شيءٍ مِن تلك الأبيات. وكلُّ الباحِثين في الأدَبِ العربيِّ: يَعلَمون أن جهودَ القدماءِ والمحدَثين قد تضافَرَتْ على جمعِ «شعرِ امرئِ القيسِ»، وروايتِهِ، ونشرِهِ بعنايةٍ فائقةٍ لمنزلتِهِ عند أهلِ الأدَبِ، ومع ذلك: لا يُوجَدُ أيُّ ذكرٍ لهذه الأبياتِ في نُسَخِ «ديوانِهِ» المعروفة؛ كنُسْخةِ الأَعلَمِ الشَّنْتَمَريِّ، ونسخةِ الطُّوسيِّ، وغيرِهما. ثانيًا: أن نَحْلَ الشِّعْرِ ونسبَتَهُ إلى قدماءِ الشعراءِ، أمرٌ معروف؛ فكم قد تَمَّ نَحْلُ ونسبةُ العديدِ مِن القصائدِ لكثيرٍ مِن الشعراء؛ مثلُ امرئِ القيسِ، وغيرِهِ؛ فنحلُ الشِّعْرِ أمرٌ شائعٌ ومعروفٌ، وقد أثبَتتِ الدِّراساتُ المعاصِرةُ - والتي ركَّزتِ الضوءَ على جميعِ قصائدِ امرئِ القيسِ، بما في ذلك ما نُحِلَ عليه، أي: ما تَمَّ نسبتُهُ إليه، وليس مِن شعرِهِ - أنه لا وجودَ للأبياتِ المزعومةِ في أيٍّ مِن تلك القصائد. ثالثًا: أن رَكَاكةَ الأبياتِ، وضَعْفَ سَبْكِها، وانعدامَ البلاغةِ فيها، يدُلُّ على أنه قد تَمَّ تركيبُها عمدًا. ونَضرِبُ هنا مثالًا على مدى رَكَاكةِ تلك الأبياتِ التي استنَدتْ عليها هذه الدعوى، والتي تدُلُّ على بُعْدِها التامِّ عن بلاغةِ القرآن: دَنَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرْ مِنْ غَزَالٍ صَادَ قَلْبِي وَنَفَرْ فهل كان شعراءُ الجاهليَّةِ يؤمِنون بقيامِ الساعة؟ بالطبعِ، لا، وهل حصَلَ انشقاقٌ للقمَرِ في ذلك العصر؟ قطعًا، لا. وإن كان المقصودُ بالقمَرِ هو المحبوبةَ - كما يزعُمُ بعضُهم - فهل كان مِن عادةِ العرَبِ التعبيرُ عن حُسْنِ المحبوبةِ بانشقاقِ القمَرِ؟! بالطبع، لا. وهكذا بقيَّةُ الأبياتِ المزعومةِ، كلُّها تَنضَحُ بالرَّكَاكةِ، والنسجِ المتهلهِلِ؛ فأين هي مِن بلاغةِ القرآنِ الذي تربَّع على عرشِ البلاغةِ والفصاحةِ والبيانْ، على مدَى الأزمانْ؟! رابعًا: هناك فارقٌ زمنيٌّ كبيرٌ بين امرِئِ القيسِ وبين بعضِ مَن نسَبَ ذلك الشِّعْرَ إليه: إما ظنًّا مِن نفسِهِ، أو نقلًا عن غيرِه، ومِن أشهرِهم المُناويُّ صاحبُ كتابِ «فيضِ القديرِ» (2/ 187)، الذي نقَلَ الأبياتَ، وهو متوفًّى سنةَ (920هـ)، فبينه وبين امرئِ القيسِ ما يقارِبُ الألفَ سنةٍ أو يزيدُ، ولم يذكُرِ المُناويُّ نَقْلَهُ لهذا الأمرِ مِن أيِّ كتابٍ آخَرَ؛ وعليه: فطبقًا للمعاييرِ العلميَّةِ للبحثِ: لا يُمكِنُ الركونُ إلى كلامِ المُناويّ. خامسًا: لقد كان الكُفَّارُ في عهدِ الرسولِ ^ أعلَمَ الناسِ بأشعارِ العرَبِ، ولم يقل أحدٌ منهم بهذا القول. وقد أَوْلى العرَبُ اهتمامَهم البالغَ بـ «شعرِ امرئِ القيسِ»، ولقَّبوه بلقَبِ «حامِلِ لواءِ الشعراءِ»، وكانوا يَمْقُتون السرقةَ الأدبيَّةَ، ويشنِّعون على فاعلِها، وبالتأكيدِ: كانوا سيَعلَمون لو أن رسولَ اللهِ ^ اقتبَسَ شيئًا ولو يسيرًا مِن الشِّعْرِ، خاصَّةً وأن كفَّارَ قريشٍ كانوا يتحيَّنون الفُرَصَ للنَّيْلِ منه ^. بل الثابتُ تاريخيًّا: أنهم أوَّلُ مَن شَهِدَ على اختلافِ نَظْمِ القرآنِ الكريمِ عن أيِّ شيءٍ سَمِعوهُ مِن قبلُ، بما في ذلك شِعْرُ امرئِ القيسِ وغيرِه، فها هو الوليدُ بنُ المُغِيرةِ يقولُ: «وَاللهِ، مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمَ بِرَجَزٍ وَلَا بِقَصِيدَةٍ مِنِّي، وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللهِ، مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا»؛ رواه الحاكم (3872)، وصحَّحه. وصدَق اللهُ العظيمُ القائلُ: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 41].
|