نص السؤال

هل حقًّا ذكَرَ القرآنُ عندما حكى قصَّةَ إبراهيمَ: أنه وقَعَ في الشِّرْك، وعبَدَ النجومَ، والشمسَ، والقمَر؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

هل وقَعَ إبراهيمُ عليه السلامُ في الشِّرْك؟

الجواب التفصيلي

الآياتُ التي ذكَرَتْ أن سيِّدَنا إبراهيمَ عليه السلامُ كان حنيفًا موحِّدًا مسلِمًا للهِ ربِّ العالَمِينَ -: كثيرةٌ؛ فقد كان إبراهيمُ عليه السلامُ مِن أعظمِ مَن حارَبَ الشِّرْكَ على مدارِ التاريخ؛ فكيف يُنسَبُ إليه عكسُ ذلك بسُوءِ فهمٍ، أو غيرِ ذلك؟!

ولتفصيلِ الردِّ على ذلك نذكُرُ النقاطَ التالية:

أوَّلًا: كان قومُ إبراهيمَ عليه السلامُ يؤمِنون بتأثيرِ النجومِ على أحوالِهم، لكنَّ إبراهيمَ عليه السلامُ لم يكن كذلك أبدًا: وعندما دعاهُ قومُهُ للخروجِ معهم، نظَرَ في النجومِ، وهو يفكِّرُ كيف يحتالُ، وفيما يعتذِرُ به عن الخروجِ معهم، فكان كما

قال تعالى:

{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}

[الصافَّات: 88- 89]

، وقد ذكَرَتْ كتُبُ التفسيرِ قولَ قَتَادةَ: بأن العرَبَ تقولُ لمَن تفكَّر: «نظَرَ في النجوم»، ويعني ذلك: أن سيِّدَنا إبراهيمَ نظَرَ إلى السماءِ متفكِّرًا: كيف يُلهِيهم بها، أي: أنه فكَّر في كيفيَّةِ خِداعِهم؛ ليختلِيَ بأصنامِهم ليَكسِرَها، فقال لهم: «إنه سقيمٌ»؛ ليترُكُوهُ وحده، دون أن يَرْتابوا في سِرِّ بقائِهِ وحيدًا مع أصنامِهم.

لقد اقترَنَ قولُ إبراهيمَ عليه السلامُ بنَظَرِهِ إلى النجوم؛ كي يتوهَّمَ قومُهُ: أن دَلالةَ النجومِ كانت هي الوسيلةَ التي دلَّتْهُ على مرَضِه، وهذا ناسَبَ أوهامَهم؛ فانطَلَتْ عليهم الخُدْعةُ، وكما نَرَى أن الآيةَ لم تقُلْ: إن إبراهيمَ قال: «إن النجومَ دلَّتْهُ على مرَضِه»؛ فقد كان يَعلَمُ عِلمَ اليقينِ: أن الإيمانَ بتأثيرِ النجومِ على الإنسانِ كُفْرٌ.

ثانيًا: لقد حدَثَتْ مناظَرةٌ قويَّةٌ بين إبراهيمَ عليه السلامُ وقومِه، وللمناظَرةِ أساليبُ كثيرةٌ:

ومنها: هذا الأسلوبُ الذي استخدَمهُ أبو الأنبياءِ إبراهيمُ عليه السلام؛ كي يستدِلَّ على قولِه، ويُلزِمَهم الحُجَّةَ، وهو أن يُظهِرَ لهم أنه يتَّفِقُ معهم في اعتقادِهمُ الباطل؛ كي يضَعَهم في حالةٍ نفسيَّةٍ مناسِبةٍ لاستيعابِ ما سيَفعَلُهُ بعدها مِن إبطالٍ لمعتقَداتِهم، وتبيينِ الحقِّ أمامَ أعيُنِهم.

فهو لمَّا قال: «هَذَا رَبِّي» للشمسِ والقمرِ والكوكب، كان يَقصِدُ بذلك الوصولَ إلى الحقّ، أما في قرارةِ نفسِهِ، فلم يكن يؤمِنُ بمعتقَداتِهم أبدًا.

والقرآنُ الكريمُ يقدِّمُ لنا دليلًا على ذلك؛ فقد وصَفهُ اللهُ سبحانه قبل هذه الآيةِ مباشَرةً، فقال:

{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}

[الأنعام: 75]

، ثم

قال تعالى:

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}

[الأنعام: 76]

، وكلُّنا يَعلَمُ أن «الفاءَ» تُفيدُ الترتيبَ؛ ويدُلُّ ذلك على أن هذه الحادثةَ وقَعَتْ بعد أن صار إبراهيمُ عليه السلامُ مِن الموقِنين.

وهناك دليلٌ آخَرُ يؤيِّدُ ذلك؛ وهو

قولُهُ تعالى:

{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}

[الأنعام: 83]

؛ ومِن هذا يتضِحُ لنا أنه كان يناظِرُ قومَهُ في شِرْكِهم، وليس غيرَ ذلك.

إذَنْ: نخلُصُ مِن هذا كلِّه: أن إبراهيمَ عليه السلامُ سلَّم لقومِهِ - جدَلًا - بما يُشرِكون، ليس إيمانًا منه بشِرْكِهم، وإنما ليسهُلَ عليه إقامةُ الحُجَّةِ عليهم بعدها، ويقولَ لهم بعدها:

{يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}

[الأنعام: 78]

، وليبيِّنَ لهم أن الخيارَ المتبقِّيَ أمامَهم - بعدما سقَطَ مِن خياراتٍ أمامَ أعيُنِهم - هو التوحيدُ.

ثالثًا: لقد ذكَرَ القرآنُ الكريمُ آياتٍ كثيرةً تدُلُّ على أن إبراهيمَ عليه السلامُ كان موحِّدًا، وأنه لم تشُبْ توحيدَهُ شائبةُ شِرْكٍ؛ كما ورَدَ في السؤال:

منها:

قولُهُ تعالى:

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين}

[النحل: 120]

،

وقولُهُ عزَّ وجلَّ:

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}

[الأنعام: 74]

، وكذلك

قولُهُ سبحانه:

{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

[آل عمران: 67]

،

وقولُهُ تعالى:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}

[الأنبياء: 51]

. فإن كان ربُّنا عزَّ وجلَّ قد آتاهُ رُشدَهُ منذُ أن كان صغيرًا، وكذلك ذكَرَ عدَّةَ مرَّاتٍ: أنه كان مسلِمًا موحِّدًا، ولم يكن مِن المشرِكين، وذكَرَ أنه كان يَنْهى قومَهُ - وعلى رأسِهم أبيه آزَرُ - عن شِرْكيَّاتِهم، واعتقاداتِهم الباطلة -: فهل يُعقَلُ أن نصدِّقَ بعد هذا كلِّه أنه كان يَنْهى قومَهُ عن الشرك، في حينِ أنه هو واقعٌ فيه؟!

مختصر الجواب

=الآياتُ التي ذكَرَتْ أن إبراهيمَ عليه السلامُ كان حنيفًا موحِّدًا مسلِمًا للهِ ربِّ العالَمِينَ -: كثيرةٌ؛ فقد كان إبراهيمُ عليه السلامُ مِن أعظمِ مَن حارَبَ الشِّرْكَ على مدارِ التاريخ؛ فكيف يُنسَبُ إليه عكسُ ذلك بسُوءِ فهمٍ، أو غيرِ ذلك؟!

وقد كان نظَرُ إبراهيمَ عليه السلامُ إلى النجومِ للتفكُّرِ: كيف يحتالُ عليهم، وفيما يعتذِرُ به عن الخروجِ معهم، وليس لأنه اعتقَدَ في تأثيرِها عليه؛ كما كان يعتقِدُ قومُهُ المشرِكون؛ وذلك في

قولِهِ تعالى:

{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}

[الصافَّات: 88- 89].

وعندما ناظَرَهُ قومُهُ الذين لم يكن يؤمِنُ بمعتقَداتِهم، كان مِن الطبَعيِّ أن يستخدِمَ أساليبَ كثيرةً لمناظَرتِهم وإقناعِهم بصحَّةِ التوحيد، وبطلانِ الشرك؛ على سبيلِ التنزُّلِ معهم في المناظَرة؛ ومنها ما ذكَرَتْهُ الآياتُ الكريمة في

قولِهِ تعالى:

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

[الأنعام: 76 - 79].

مختصر الجواب

=الآياتُ التي ذكَرَتْ أن إبراهيمَ عليه السلامُ كان حنيفًا موحِّدًا مسلِمًا للهِ ربِّ العالَمِينَ -: كثيرةٌ؛ فقد كان إبراهيمُ عليه السلامُ مِن أعظمِ مَن حارَبَ الشِّرْكَ على مدارِ التاريخ؛ فكيف يُنسَبُ إليه عكسُ ذلك بسُوءِ فهمٍ، أو غيرِ ذلك؟!

وقد كان نظَرُ إبراهيمَ عليه السلامُ إلى النجومِ للتفكُّرِ: كيف يحتالُ عليهم، وفيما يعتذِرُ به عن الخروجِ معهم، وليس لأنه اعتقَدَ في تأثيرِها عليه؛ كما كان يعتقِدُ قومُهُ المشرِكون؛ وذلك في

قولِهِ تعالى:

{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}

[الصافَّات: 88- 89].

وعندما ناظَرَهُ قومُهُ الذين لم يكن يؤمِنُ بمعتقَداتِهم، كان مِن الطبَعيِّ أن يستخدِمَ أساليبَ كثيرةً لمناظَرتِهم وإقناعِهم بصحَّةِ التوحيد، وبطلانِ الشرك؛ على سبيلِ التنزُّلِ معهم في المناظَرة؛ ومنها ما ذكَرَتْهُ الآياتُ الكريمة في

قولِهِ تعالى:

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

[الأنعام: 76 - 79].

الجواب التفصيلي

الآياتُ التي ذكَرَتْ أن سيِّدَنا إبراهيمَ عليه السلامُ كان حنيفًا موحِّدًا مسلِمًا للهِ ربِّ العالَمِينَ -: كثيرةٌ؛ فقد كان إبراهيمُ عليه السلامُ مِن أعظمِ مَن حارَبَ الشِّرْكَ على مدارِ التاريخ؛ فكيف يُنسَبُ إليه عكسُ ذلك بسُوءِ فهمٍ، أو غيرِ ذلك؟!

ولتفصيلِ الردِّ على ذلك نذكُرُ النقاطَ التالية:

أوَّلًا: كان قومُ إبراهيمَ عليه السلامُ يؤمِنون بتأثيرِ النجومِ على أحوالِهم، لكنَّ إبراهيمَ عليه السلامُ لم يكن كذلك أبدًا: وعندما دعاهُ قومُهُ للخروجِ معهم، نظَرَ في النجومِ، وهو يفكِّرُ كيف يحتالُ، وفيما يعتذِرُ به عن الخروجِ معهم، فكان كما

قال تعالى:

{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}

[الصافَّات: 88- 89]

، وقد ذكَرَتْ كتُبُ التفسيرِ قولَ قَتَادةَ: بأن العرَبَ تقولُ لمَن تفكَّر: «نظَرَ في النجوم»، ويعني ذلك: أن سيِّدَنا إبراهيمَ نظَرَ إلى السماءِ متفكِّرًا: كيف يُلهِيهم بها، أي: أنه فكَّر في كيفيَّةِ خِداعِهم؛ ليختلِيَ بأصنامِهم ليَكسِرَها، فقال لهم: «إنه سقيمٌ»؛ ليترُكُوهُ وحده، دون أن يَرْتابوا في سِرِّ بقائِهِ وحيدًا مع أصنامِهم.

لقد اقترَنَ قولُ إبراهيمَ عليه السلامُ بنَظَرِهِ إلى النجوم؛ كي يتوهَّمَ قومُهُ: أن دَلالةَ النجومِ كانت هي الوسيلةَ التي دلَّتْهُ على مرَضِه، وهذا ناسَبَ أوهامَهم؛ فانطَلَتْ عليهم الخُدْعةُ، وكما نَرَى أن الآيةَ لم تقُلْ: إن إبراهيمَ قال: «إن النجومَ دلَّتْهُ على مرَضِه»؛ فقد كان يَعلَمُ عِلمَ اليقينِ: أن الإيمانَ بتأثيرِ النجومِ على الإنسانِ كُفْرٌ.

ثانيًا: لقد حدَثَتْ مناظَرةٌ قويَّةٌ بين إبراهيمَ عليه السلامُ وقومِه، وللمناظَرةِ أساليبُ كثيرةٌ:

ومنها: هذا الأسلوبُ الذي استخدَمهُ أبو الأنبياءِ إبراهيمُ عليه السلام؛ كي يستدِلَّ على قولِه، ويُلزِمَهم الحُجَّةَ، وهو أن يُظهِرَ لهم أنه يتَّفِقُ معهم في اعتقادِهمُ الباطل؛ كي يضَعَهم في حالةٍ نفسيَّةٍ مناسِبةٍ لاستيعابِ ما سيَفعَلُهُ بعدها مِن إبطالٍ لمعتقَداتِهم، وتبيينِ الحقِّ أمامَ أعيُنِهم.

فهو لمَّا قال: «هَذَا رَبِّي» للشمسِ والقمرِ والكوكب، كان يَقصِدُ بذلك الوصولَ إلى الحقّ، أما في قرارةِ نفسِهِ، فلم يكن يؤمِنُ بمعتقَداتِهم أبدًا.

والقرآنُ الكريمُ يقدِّمُ لنا دليلًا على ذلك؛ فقد وصَفهُ اللهُ سبحانه قبل هذه الآيةِ مباشَرةً، فقال:

{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}

[الأنعام: 75]

، ثم

قال تعالى:

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}

[الأنعام: 76]

، وكلُّنا يَعلَمُ أن «الفاءَ» تُفيدُ الترتيبَ؛ ويدُلُّ ذلك على أن هذه الحادثةَ وقَعَتْ بعد أن صار إبراهيمُ عليه السلامُ مِن الموقِنين.

وهناك دليلٌ آخَرُ يؤيِّدُ ذلك؛ وهو

قولُهُ تعالى:

{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}

[الأنعام: 83]

؛ ومِن هذا يتضِحُ لنا أنه كان يناظِرُ قومَهُ في شِرْكِهم، وليس غيرَ ذلك.

إذَنْ: نخلُصُ مِن هذا كلِّه: أن إبراهيمَ عليه السلامُ سلَّم لقومِهِ - جدَلًا - بما يُشرِكون، ليس إيمانًا منه بشِرْكِهم، وإنما ليسهُلَ عليه إقامةُ الحُجَّةِ عليهم بعدها، ويقولَ لهم بعدها:

{يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}

[الأنعام: 78]

، وليبيِّنَ لهم أن الخيارَ المتبقِّيَ أمامَهم - بعدما سقَطَ مِن خياراتٍ أمامَ أعيُنِهم - هو التوحيدُ.

ثالثًا: لقد ذكَرَ القرآنُ الكريمُ آياتٍ كثيرةً تدُلُّ على أن إبراهيمَ عليه السلامُ كان موحِّدًا، وأنه لم تشُبْ توحيدَهُ شائبةُ شِرْكٍ؛ كما ورَدَ في السؤال:

منها:

قولُهُ تعالى:

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين}

[النحل: 120]

،

وقولُهُ عزَّ وجلَّ:

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}

[الأنعام: 74]

، وكذلك

قولُهُ سبحانه:

{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

[آل عمران: 67]

،

وقولُهُ تعالى:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}

[الأنبياء: 51]

. فإن كان ربُّنا عزَّ وجلَّ قد آتاهُ رُشدَهُ منذُ أن كان صغيرًا، وكذلك ذكَرَ عدَّةَ مرَّاتٍ: أنه كان مسلِمًا موحِّدًا، ولم يكن مِن المشرِكين، وذكَرَ أنه كان يَنْهى قومَهُ - وعلى رأسِهم أبيه آزَرُ - عن شِرْكيَّاتِهم، واعتقاداتِهم الباطلة -: فهل يُعقَلُ أن نصدِّقَ بعد هذا كلِّه أنه كان يَنْهى قومَهُ عن الشرك، في حينِ أنه هو واقعٌ فيه؟!