نص السؤال
هناك ما يُشيرُ إلى أن القرآنَ يؤكِّدُ فكرةَ الحلولِ والاتِّحادِ؛ وذلك في قولِ اللهِ تعالى في قصَّةِ موسى عليه السلامُ: {مِنَ الشَّجَرَةِ}، في الآيةِ:
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
[القصص: 30]
فهل حَلَّ اللهُ في الشجرةِ، ونادى موسى؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
هل هناك ما يدُلُّ أن اللهَ تعالى يتَّحِدُ أو يحُلُّ في مخلوقاتِه؟
هل يَصِحُّ القولُ بالحلولِ والاتِّحاد؟
الجواب التفصيلي
الأدلَّةُ العقليَّةُ والنقليَّةُ تَنْفي ما ورَدَ في السؤالِ، والذي لا يتناسَبُ مع عظَمةِ اللهِ وعُلُوِّهِ؛ سبحانه وتعالى.
ولا يجوزُ اقتطاعُ نصٍّ للاستدلالِ به على شيءٍ مِن بينِ مئاتِ النصوصِ التي تدُلُّ على خلافِه، مع مخالَفتِهِ لصريحِ العقلِ أيضًا.
كيف وهو استدلالٌ ضعيفٌ مِن حيثُ اللغةُ، وما أطبَقَ عليه أئمَّةُ المسلِمينَ وعامَّتُهم؛ فكيف يُنسَبُ إلى الإسلام؟!
ونكتفي في الردِّ على السؤالِ الواردِ بالنقاطِ التالية:
أوَّلًا: دَلَّ العقلُ والنقلُ على بطلانِ عقيدةِ الحلولِ والاتِّحاد:
فصفاتُ الإلهِ الخالقِ الحقِّ تمثِّلُ الكمالَ التامَّ المطلَقَ الذي لا نقصَ فيه، بوجهٍ مِن الوجوه، وحقيقتُها لا يُمكِنُ للخلقِ أن يَصِلوا إليها، بينما المخلوقُ يلازِمُهُ النقصُ في كلِّ شيءٍ يتعلَّقُ به: بذاتِهِ، وصفاتِهِ المحدودةِ، وعُمُرِه؛ وهذا يعني أن مَن يقولُ بالحلولِ والاتِّحادِ يناقِضُ جميعَ الأدلَّةِ المتواتِرةِ مِن الكتابِ، والسنَّةِ، وإجماعِ الأمَّةِ، والعقلِ والفطرةِ: على أن اللهَ تعالى في السماءِ، فوق مخلوقاتِهِ جميعًا، عالٍ على عرشِه.
وقد أثبَتتِ الآياتُ القرآنيَّةُ والأحاديثُ النبويَّةُ هذه الحقيقةَ؛ مخالِفةً لِمَا اعتقَدهُ النصارى في تصوُّرِهم عن المسيحِ عليه السلامُ، وقولِهم بحلولِ الإلهِ فيه؛ قال تعالى:
{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ}
[النساء: 171]،
وقال سبحانه في وصفِ المسيحِ عليه السلامُ وأمِّهِ: {
كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}
[المائدة: 75]؛
فأثبَتَ القرآنُ بذلك بشَريَّةَ عيسى عليه السلامُ؛ فهذه صفاتٌ بشَريَّةٌ، وهي صفاتُ نقصٍ لا تَلِيقُ بالخالقِ عزَّ وجلَّ.
إننا عندما نتأمَّلُ كلَّ الآياتِ التي تَحْكي قصَّةَ موسى عليه السلامُ، نلاحِظُ أنه لا تُوجَدُ أيَّةُ إشارةٍ فيها إلى صحَّةِ ما جاء في السؤالِ؛ قال تعالى:
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
[القصص: 30].
فلو كان القرآنُ يقولُ بالحلولِ والاتِّحادِ، لقال: «إن اللهَ تجسَّد في الشجَرةِ، أو في غيرِها مِن المخلوقات»، ولكنَّ الآياتِ ذكَرَتْ أن موسى عليه السلامُ سَمِعَ النداءَ مِن جهةِ الشجَرةِ، ولم تذكُرْ غيرَ ذلك؛ وهذا يدُلُّ على ما قاله السلَفُ مِن قربِهِ ودُنُوِّهِ سبحانه مِن موسى عليه السلام، مع أن هذا قُرْبٌ مما دونَ السماء، كما أن النزولَ إلى السماءِ الدنيا في ثُلُثِ الليلِ الآخِرِ: قربٌ مِن السماء، ومِن ذلك مجيئُهُ يومَ القيامةِ لفصلِ القضاءِ بين العباد، وقد قرَّر أهلُ السنَّةِ والجماعةِ في عقائدِهم: أن اللهَ تعالى يقرُبُ مِن خلقِهِ كيف شاء، وهو عالٍ على خلقِهِ، لا يخلو منه عرشُه.
وسماعُ الصوتِ مِن شيءٍ لا يدُلُّ على أن صاحبَهُ حالٌّ فيه؛ وهذا ظاهرٌ في كثيرٍ مما حولَنا؛ كالنداءِ مِن خارجِ الكهفِ، وخروجِ الصوتِ منه، والنداءِ في آلةٍ وخروجِ الصوتِ منها، ومِن غيرِ ذلك، وليس المقصودُ تفسيرَ الآيةِ، لكنَّ القصدَ بيانُ عدمِ تلازُمِ سماعِ الصوتِ مِن شيءٍ، وكونِ صاحبِ الصوتِ كان فيه.
وقد جاءت النصوصُ مبيَّنةً في أن تلقِّيَ الوحيِ مِن اللهِ يكونُ بطرُقٍ مختلِفةٍ، ليس مِن بينِها ما يُوجِبُ القولَ بالحلولِ ولا بالاتِّحا دِ؛ فإن الحلولَ والاتِّحادَ بين الخالقِ والمخلوقِ محالٌ وممتنِعٌ عقلًا؛ كما هو باطلٌ نقلًا.
وأما ما ورَدَ في التراثِ الإسلاميِّ عن الذين قالوا بالحلولِ والاتِّحاد:
فلا يُستبعَدُ: أنهم كانوا منافِقين يُريدون بأقوالِهم تلك صَدَّ الناسِ عن سبيلِ الله.
أو يحتمِلُ: أنهم ناقِصو عقلٍ، اختلَّت عقولُهم نتيجةَ تقشُّفِهم، وزهدِهِمُ المفرِطِ، وحِرْمانِ أنفُسِهم مما أحَلَّ اللهُ؛ فانعكَسَ ذلك على نَفْسيَّاتِهم وعقولِهم؛ وهو أمرٌ لا يُنكِرُهُ كثيرٌ مِن أتباعِهم.
ولأهلِ العلمِ في الردِّ على الاتِّحاديَّةِ جهودٌ كثيرةٌ، وأجمَعَ العلماءُ على كفرِ الذين ادَّعَوْا أن اللهَ قد اتَّحَدَ ببعضِ خلقِهِ، أو حَلَّ فيه؛ تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
ثانيًا: أن طرُقَ تلقِّي الوحيِ مِن اللهِ سبحانه، لا تُشيرُ إلى ما زعَمَ أصحابُ هذه الدعوى: أن مِن بينِها ما يُوجِبُ القولَ بالحلولِ ولا بالاتِّحاد:
فالآيةُ الصريحةُ التي تبيِّنُ طُرُقَ تلقِّي الأنبياءِ للوحيِ مِن اللهِ سبحانه، لا تُشيرُ بتاتًا إلى ما ذكَروهُ؛ قال تعالى:
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}
[الشورى: 51]؛
فبيَّنتِ الآيةُ أن الأنبياءَ كانوا يتلَقَّوْنَ الوحيَ بإحدى هذه الطرُقِ لا غيرُ:
- إما بالقذفِ في القلبِ.
- أو بالكلامِ مِن وراءِ حجابٍ في اليقَظة، أو بالمنام.
- أو عن طريقِ الرؤيا الصادقة.
- أو عن طريقِ المَلَك.
ولا يُمكِنُ أن يَتصوَّرَ إنسانٌ عاقلٌ حلولَ اللهِ في جسَدِ نبيٍّ لكي يكلِّمَه.
ثالثًا: أثبَتَ الإسلامُ بطلانَ عقيدةِ الحلولِ والاتِّحادِ التي قالت بها النصرانيَّةُ وغيرُها:
وقد كان لليهودِ دَوْرٌ مُهِمٌّ في تحريفِ عقائدِ النصارى، ويُمكِنُنا أن نقولَ: إن عقيدةَ الحلولِ والاتِّحادِ عند النصارى مستمَدَّةٌ مِن اليهودِ عن طريقِ بُولِسَ اليهوديِّ وغيرِه.
وقد ظهَرتْ هذه العقيدةُ المنحرِفةُ في اليهوديَّةِ، وانتقَلَتْ منها إلى النصرانيَّةِ، وبعضِ المذاهبِ الباطنيَّةِ المنحرِفةِ في الإسلامِ؛ كالبَهَائيَّةِ، وبعضِ فِرَقِ الشِّيعة.
إلا أن الإسلامَ قد أثبَتَ بطلانَ هذه العقيدةِ المنحرِفةِ في آياتٍ وأحاديثَ كثيرةٍ، موضِّحًا أن اللهَ تعالى ليس كمِثلِهِ شيءٌ، وأنه تعالى مُستوٍ على عرشِه، بائنٌ مِن خلقِه، ليس في ذاتِهِ شيءٌ مِن مخلوقاتِه، ولا في مخلوقاتِهِ شيءٌ مِن ذاتِه؛ إذْ كيف يحُلُّ الكاملُ كمالًا مطلَقًا في الناقص؟! وكيف يحُلُّ القديمُ في المحدَثِ؟! هذا محالٌ نقلًا وعقلًا وفطرةً؛ تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
وقد كان موقفُ كثيرٍ مِن رموزِ التصوُّفِ الصحيحِ حازمًا في محارَبةِ هذه العقيدةِ الضالَّة؛ فحذَّروا منها مبيِّنين ضلالَها، وصرَّحوا - كما صرَّح الجُنَيدُ وغيرُهُ - بأن «التوحيدَ: إفرادُ المُحدَثِ عن القديم»، ومَن مزَجَ بينهما يَكْفيهِ هذا القولُ؛ ليتبيَّنَ ضلالَ ما يقولُ به.
ونلاحِظُ: أن عُبَّادَ الأوثانِ لم يجرُؤوا على أن يَجعَلوا آلهتَهم عينَ اللهِ، بل قالوا:
{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}
[الزمر: 3]؛
فكيف يُظَنُّ بأولياءِ اللهِ أن يَدَّعوا الاتِّحادَ بالحقِّ سبحانه؟! هذا محالٌ في حقِّهم رِضْوانُ الله عليهم. فالحاصلُ: أن القرآنَ حارَبَ هذه الادِّعاءَ، سواءٌ في ردودِهِ على مزاعمِ النصارى، أو غيرِها؛ فلا يُمكِنُ أن يكونَ مع ذلك قد أشار إليها، أو دلَّل عليها.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
هذا السؤالُ يستدِلُّ به بعضُ النصارى على المسلِمين بورودِ ما يوافِقُ عقيدتَهم في القرآن، أو يستدِلُّ به بعضُ أهلِ البدَعِ القائلين بحلولِ اللهِ في بعضِ خلقِه، وهم يستدِلُّون بكلماتٍ مجمَلةٍ؛ وهذا السؤالُ هو نموذجٌ مِن ذلك.
مختصَرُ الإجابة:
القولُ بأن اللهَ تعالى يحُلُّ في أحدِ مخلوقاتِهِ، أو يتَّحِدُ معه -: قولٌ باطل، وهو ما قالته النصارى في حلولِ اللهِ تعالى في عيسى عليه السلام، وكذلك قالته عدَدٌ مِن المذاهبِ الباطلةِ الأخرى.
والأدلَّةُ الكثيرةُ الثابتةُ، والصريحةُ عقلًا ونقلًا: دالَّةٌ على وَحْدانيَّةِ اللهِ تعالى، ومبايَنتِهِ وعُلُوِّهِ على خلقِهِ؛ فلا يحُلُّ في خلقِهِ، ولا يحُلُّ خلقُهُ في شيءٍ منه، ليس في ذاتِهِ شيءٌ مِن مخلوقاتِه، ولا في مخلوقاتِهِ شيءٌ مِن ذاتِه؛ إذْ كيف يحُلُّ الكاملُ كمالًا مطلَقًا في الناقص؟! وكيف يحُلُّ القديمُ في المحدَثِ؟! هذا محالٌ نقلًا وعقلًا وفطرةً؛ تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
ولا يجوزُ اقتطاعُ نصٍّ للاستدلالِ به على شيءٍ مِن بينِ مئاتِ النصوصِ التي تدُلُّ على خلافِه، مع مخالَفتِهِ لصريحِ العقلِ أيضًا.
كيف وهو استدلالٌ ضعيفٌ مِن حيثُ اللغةُ، وما أطبَقَ عليه أئمَّةُ المسلِمينَ وعامَّتُهم؛ فكيف يُنسَبُ إلى الإسلام؟!
ويجبُ الرجوعُ في فهمِ القرآنِ والإسلامِ إلى العارِفين بالإسلامِ مِن أهلِه.
والآيةُ التي ورَدَتْ في السؤالِ لا تُشيرُ إلى الحلولِ والاتِّحادِ، وإنما الآيةُ أخبَرتْ فقطْ أنه نُودِيَ، فسَمِعَ النداءَ مِن جهةِ الشجَرة؛ وهذا يدُلُّ على ما قاله السلَفُ مِن قربِهِ ودُنُوِّهِ سبحانه مِن موسى عليه السلام، مع أن هذا قُرْبٌ مما دونَ السماء، كما أن النزولَ إلى السماءِ الدنيا في ثُلُثِ الليلِ الآخِرِ: قربٌ مِن السماء، ومِن ذلك مجيئُهُ يومَ القيامةِ لفصلِ القضاءِ بين العباد، وقد قرَّر أهلُ السنَّةِ والجماعةِ في عقائدِهم: أن اللهَ تعالى يقرُبُ مِن خلقِهِ كيف شاء، وهو عالٍ على خلقِهِ، لا يخلو منه عرشُه.
ولم تذكُرِ الآيةُ أبدًا أن اللهَ تعالى كان في الشجَرةِ، أو حَلَّ فيها، وسماعُ الصوتِ مِن شيءٍ لا يدُلُّ على أن صاحبَهُ حالٌّ فيه؛ وهذا ظاهرٌ في كثيرٍ مما حولَنا.
وقد جاءت النصوصُ مبيَّنةً في أن تلقِّيَ الوحيِ مِن اللهِ يكونُ بطرُقٍ مختلِفةٍ، ليس مِن بينِها ما يُوجِبُ القولَ بالحلولِ ولا بالاتِّحادِ؛ فإن الحلولَ والاتِّحادَ بين الخالقِ والمخلوقِ محالٌ وممتنِعٌ عقلًا؛ كما هو باطلٌ نقلًا.
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال:
هذا السؤالُ يستدِلُّ به بعضُ النصارى على المسلِمين بورودِ ما يوافِقُ عقيدتَهم في القرآن، أو يستدِلُّ به بعضُ أهلِ البدَعِ القائلين بحلولِ اللهِ في بعضِ خلقِه، وهم يستدِلُّون بكلماتٍ مجمَلةٍ؛ وهذا السؤالُ هو نموذجٌ مِن ذلك.
مختصَرُ الإجابة:
القولُ بأن اللهَ تعالى يحُلُّ في أحدِ مخلوقاتِهِ، أو يتَّحِدُ معه -: قولٌ باطل، وهو ما قالته النصارى في حلولِ اللهِ تعالى في عيسى عليه السلام، وكذلك قالته عدَدٌ مِن المذاهبِ الباطلةِ الأخرى.
والأدلَّةُ الكثيرةُ الثابتةُ، والصريحةُ عقلًا ونقلًا: دالَّةٌ على وَحْدانيَّةِ اللهِ تعالى، ومبايَنتِهِ وعُلُوِّهِ على خلقِهِ؛ فلا يحُلُّ في خلقِهِ، ولا يحُلُّ خلقُهُ في شيءٍ منه، ليس في ذاتِهِ شيءٌ مِن مخلوقاتِه، ولا في مخلوقاتِهِ شيءٌ مِن ذاتِه؛ إذْ كيف يحُلُّ الكاملُ كمالًا مطلَقًا في الناقص؟! وكيف يحُلُّ القديمُ في المحدَثِ؟! هذا محالٌ نقلًا وعقلًا وفطرةً؛ تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
ولا يجوزُ اقتطاعُ نصٍّ للاستدلالِ به على شيءٍ مِن بينِ مئاتِ النصوصِ التي تدُلُّ على خلافِه، مع مخالَفتِهِ لصريحِ العقلِ أيضًا.
كيف وهو استدلالٌ ضعيفٌ مِن حيثُ اللغةُ، وما أطبَقَ عليه أئمَّةُ المسلِمينَ وعامَّتُهم؛ فكيف يُنسَبُ إلى الإسلام؟!
ويجبُ الرجوعُ في فهمِ القرآنِ والإسلامِ إلى العارِفين بالإسلامِ مِن أهلِه.
والآيةُ التي ورَدَتْ في السؤالِ لا تُشيرُ إلى الحلولِ والاتِّحادِ، وإنما الآيةُ أخبَرتْ فقطْ أنه نُودِيَ، فسَمِعَ النداءَ مِن جهةِ الشجَرة؛ وهذا يدُلُّ على ما قاله السلَفُ مِن قربِهِ ودُنُوِّهِ سبحانه مِن موسى عليه السلام، مع أن هذا قُرْبٌ مما دونَ السماء، كما أن النزولَ إلى السماءِ الدنيا في ثُلُثِ الليلِ الآخِرِ: قربٌ مِن السماء، ومِن ذلك مجيئُهُ يومَ القيامةِ لفصلِ القضاءِ بين العباد، وقد قرَّر أهلُ السنَّةِ والجماعةِ في عقائدِهم: أن اللهَ تعالى يقرُبُ مِن خلقِهِ كيف شاء، وهو عالٍ على خلقِهِ، لا يخلو منه عرشُه.
ولم تذكُرِ الآيةُ أبدًا أن اللهَ تعالى كان في الشجَرةِ، أو حَلَّ فيها، وسماعُ الصوتِ مِن شيءٍ لا يدُلُّ على أن صاحبَهُ حالٌّ فيه؛ وهذا ظاهرٌ في كثيرٍ مما حولَنا.
وقد جاءت النصوصُ مبيَّنةً في أن تلقِّيَ الوحيِ مِن اللهِ يكونُ بطرُقٍ مختلِفةٍ، ليس مِن بينِها ما يُوجِبُ القولَ بالحلولِ ولا بالاتِّحادِ؛ فإن الحلولَ والاتِّحادَ بين الخالقِ والمخلوقِ محالٌ وممتنِعٌ عقلًا؛ كما هو باطلٌ نقلًا.
الجواب التفصيلي
الأدلَّةُ العقليَّةُ والنقليَّةُ تَنْفي ما ورَدَ في السؤالِ، والذي لا يتناسَبُ مع عظَمةِ اللهِ وعُلُوِّهِ؛ سبحانه وتعالى.
ولا يجوزُ اقتطاعُ نصٍّ للاستدلالِ به على شيءٍ مِن بينِ مئاتِ النصوصِ التي تدُلُّ على خلافِه، مع مخالَفتِهِ لصريحِ العقلِ أيضًا.
كيف وهو استدلالٌ ضعيفٌ مِن حيثُ اللغةُ، وما أطبَقَ عليه أئمَّةُ المسلِمينَ وعامَّتُهم؛ فكيف يُنسَبُ إلى الإسلام؟!
ونكتفي في الردِّ على السؤالِ الواردِ بالنقاطِ التالية:
أوَّلًا: دَلَّ العقلُ والنقلُ على بطلانِ عقيدةِ الحلولِ والاتِّحاد:
فصفاتُ الإلهِ الخالقِ الحقِّ تمثِّلُ الكمالَ التامَّ المطلَقَ الذي لا نقصَ فيه، بوجهٍ مِن الوجوه، وحقيقتُها لا يُمكِنُ للخلقِ أن يَصِلوا إليها، بينما المخلوقُ يلازِمُهُ النقصُ في كلِّ شيءٍ يتعلَّقُ به: بذاتِهِ، وصفاتِهِ المحدودةِ، وعُمُرِه؛ وهذا يعني أن مَن يقولُ بالحلولِ والاتِّحادِ يناقِضُ جميعَ الأدلَّةِ المتواتِرةِ مِن الكتابِ، والسنَّةِ، وإجماعِ الأمَّةِ، والعقلِ والفطرةِ: على أن اللهَ تعالى في السماءِ، فوق مخلوقاتِهِ جميعًا، عالٍ على عرشِه.
وقد أثبَتتِ الآياتُ القرآنيَّةُ والأحاديثُ النبويَّةُ هذه الحقيقةَ؛ مخالِفةً لِمَا اعتقَدهُ النصارى في تصوُّرِهم عن المسيحِ عليه السلامُ، وقولِهم بحلولِ الإلهِ فيه؛ قال تعالى:
{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ}
[النساء: 171]،
وقال سبحانه في وصفِ المسيحِ عليه السلامُ وأمِّهِ: {
كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}
[المائدة: 75]؛
فأثبَتَ القرآنُ بذلك بشَريَّةَ عيسى عليه السلامُ؛ فهذه صفاتٌ بشَريَّةٌ، وهي صفاتُ نقصٍ لا تَلِيقُ بالخالقِ عزَّ وجلَّ.
إننا عندما نتأمَّلُ كلَّ الآياتِ التي تَحْكي قصَّةَ موسى عليه السلامُ، نلاحِظُ أنه لا تُوجَدُ أيَّةُ إشارةٍ فيها إلى صحَّةِ ما جاء في السؤالِ؛ قال تعالى:
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
[القصص: 30].
فلو كان القرآنُ يقولُ بالحلولِ والاتِّحادِ، لقال: «إن اللهَ تجسَّد في الشجَرةِ، أو في غيرِها مِن المخلوقات»، ولكنَّ الآياتِ ذكَرَتْ أن موسى عليه السلامُ سَمِعَ النداءَ مِن جهةِ الشجَرةِ، ولم تذكُرْ غيرَ ذلك؛ وهذا يدُلُّ على ما قاله السلَفُ مِن قربِهِ ودُنُوِّهِ سبحانه مِن موسى عليه السلام، مع أن هذا قُرْبٌ مما دونَ السماء، كما أن النزولَ إلى السماءِ الدنيا في ثُلُثِ الليلِ الآخِرِ: قربٌ مِن السماء، ومِن ذلك مجيئُهُ يومَ القيامةِ لفصلِ القضاءِ بين العباد، وقد قرَّر أهلُ السنَّةِ والجماعةِ في عقائدِهم: أن اللهَ تعالى يقرُبُ مِن خلقِهِ كيف شاء، وهو عالٍ على خلقِهِ، لا يخلو منه عرشُه.
وسماعُ الصوتِ مِن شيءٍ لا يدُلُّ على أن صاحبَهُ حالٌّ فيه؛ وهذا ظاهرٌ في كثيرٍ مما حولَنا؛ كالنداءِ مِن خارجِ الكهفِ، وخروجِ الصوتِ منه، والنداءِ في آلةٍ وخروجِ الصوتِ منها، ومِن غيرِ ذلك، وليس المقصودُ تفسيرَ الآيةِ، لكنَّ القصدَ بيانُ عدمِ تلازُمِ سماعِ الصوتِ مِن شيءٍ، وكونِ صاحبِ الصوتِ كان فيه.
وقد جاءت النصوصُ مبيَّنةً في أن تلقِّيَ الوحيِ مِن اللهِ يكونُ بطرُقٍ مختلِفةٍ، ليس مِن بينِها ما يُوجِبُ القولَ بالحلولِ ولا بالاتِّحا دِ؛ فإن الحلولَ والاتِّحادَ بين الخالقِ والمخلوقِ محالٌ وممتنِعٌ عقلًا؛ كما هو باطلٌ نقلًا.
وأما ما ورَدَ في التراثِ الإسلاميِّ عن الذين قالوا بالحلولِ والاتِّحاد:
فلا يُستبعَدُ: أنهم كانوا منافِقين يُريدون بأقوالِهم تلك صَدَّ الناسِ عن سبيلِ الله.
أو يحتمِلُ: أنهم ناقِصو عقلٍ، اختلَّت عقولُهم نتيجةَ تقشُّفِهم، وزهدِهِمُ المفرِطِ، وحِرْمانِ أنفُسِهم مما أحَلَّ اللهُ؛ فانعكَسَ ذلك على نَفْسيَّاتِهم وعقولِهم؛ وهو أمرٌ لا يُنكِرُهُ كثيرٌ مِن أتباعِهم.
ولأهلِ العلمِ في الردِّ على الاتِّحاديَّةِ جهودٌ كثيرةٌ، وأجمَعَ العلماءُ على كفرِ الذين ادَّعَوْا أن اللهَ قد اتَّحَدَ ببعضِ خلقِهِ، أو حَلَّ فيه؛ تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
ثانيًا: أن طرُقَ تلقِّي الوحيِ مِن اللهِ سبحانه، لا تُشيرُ إلى ما زعَمَ أصحابُ هذه الدعوى: أن مِن بينِها ما يُوجِبُ القولَ بالحلولِ ولا بالاتِّحاد:
فالآيةُ الصريحةُ التي تبيِّنُ طُرُقَ تلقِّي الأنبياءِ للوحيِ مِن اللهِ سبحانه، لا تُشيرُ بتاتًا إلى ما ذكَروهُ؛ قال تعالى:
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}
[الشورى: 51]؛
فبيَّنتِ الآيةُ أن الأنبياءَ كانوا يتلَقَّوْنَ الوحيَ بإحدى هذه الطرُقِ لا غيرُ:
- إما بالقذفِ في القلبِ.
- أو بالكلامِ مِن وراءِ حجابٍ في اليقَظة، أو بالمنام.
- أو عن طريقِ الرؤيا الصادقة.
- أو عن طريقِ المَلَك.
ولا يُمكِنُ أن يَتصوَّرَ إنسانٌ عاقلٌ حلولَ اللهِ في جسَدِ نبيٍّ لكي يكلِّمَه.
ثالثًا: أثبَتَ الإسلامُ بطلانَ عقيدةِ الحلولِ والاتِّحادِ التي قالت بها النصرانيَّةُ وغيرُها:
وقد كان لليهودِ دَوْرٌ مُهِمٌّ في تحريفِ عقائدِ النصارى، ويُمكِنُنا أن نقولَ: إن عقيدةَ الحلولِ والاتِّحادِ عند النصارى مستمَدَّةٌ مِن اليهودِ عن طريقِ بُولِسَ اليهوديِّ وغيرِه.
وقد ظهَرتْ هذه العقيدةُ المنحرِفةُ في اليهوديَّةِ، وانتقَلَتْ منها إلى النصرانيَّةِ، وبعضِ المذاهبِ الباطنيَّةِ المنحرِفةِ في الإسلامِ؛ كالبَهَائيَّةِ، وبعضِ فِرَقِ الشِّيعة.
إلا أن الإسلامَ قد أثبَتَ بطلانَ هذه العقيدةِ المنحرِفةِ في آياتٍ وأحاديثَ كثيرةٍ، موضِّحًا أن اللهَ تعالى ليس كمِثلِهِ شيءٌ، وأنه تعالى مُستوٍ على عرشِه، بائنٌ مِن خلقِه، ليس في ذاتِهِ شيءٌ مِن مخلوقاتِه، ولا في مخلوقاتِهِ شيءٌ مِن ذاتِه؛ إذْ كيف يحُلُّ الكاملُ كمالًا مطلَقًا في الناقص؟! وكيف يحُلُّ القديمُ في المحدَثِ؟! هذا محالٌ نقلًا وعقلًا وفطرةً؛ تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
وقد كان موقفُ كثيرٍ مِن رموزِ التصوُّفِ الصحيحِ حازمًا في محارَبةِ هذه العقيدةِ الضالَّة؛ فحذَّروا منها مبيِّنين ضلالَها، وصرَّحوا - كما صرَّح الجُنَيدُ وغيرُهُ - بأن «التوحيدَ: إفرادُ المُحدَثِ عن القديم»، ومَن مزَجَ بينهما يَكْفيهِ هذا القولُ؛ ليتبيَّنَ ضلالَ ما يقولُ به.
ونلاحِظُ: أن عُبَّادَ الأوثانِ لم يجرُؤوا على أن يَجعَلوا آلهتَهم عينَ اللهِ، بل قالوا:
{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}
[الزمر: 3]؛
فكيف يُظَنُّ بأولياءِ اللهِ أن يَدَّعوا الاتِّحادَ بالحقِّ سبحانه؟! هذا محالٌ في حقِّهم رِضْوانُ الله عليهم. فالحاصلُ: أن القرآنَ حارَبَ هذه الادِّعاءَ، سواءٌ في ردودِهِ على مزاعمِ النصارى، أو غيرِها؛ فلا يُمكِنُ أن يكونَ مع ذلك قد أشار إليها، أو دلَّل عليها.