نص السؤال

إنَّ كلَّ الرواياتِ والأحاديثِ - التي تنسُبُ معجِزاتٍ للنبيِّ ^ سوى القرآنِ - غيرُ صحيحة؛ لأن هذه الرواياتِ تناقِضُ النصوصَ القرآنيَّةَ الصريحةَ التي تنُصُّ على أن الآيةَ الوحيدةَ للنبيِّ ^ هي القرآنُ،

 إضافةً إلى الآياتِ التي تَحْكي مطالَباتِ المشرِكين المستمِرَّةَ بأن يأتيَهِمُ النبيُّ ^ بمعجِزةٍ، مع عدمِ استجابتِهِ لذلك، وإنما نتَجَتْ تلك الرواياتُ عن دخولِ العنصرِ الأجنبيِّ -

 ذي الخلفيَّةِ اليهوديَّةِ والنصرانيَّةِ - في حظيرةِ الإسلام؛ حيثُ إن الأممَ التي كانت تعتنِقُ هذه الدياناتِ قبل الإسلام، لم تنعتِقْ منها تمامًا؛ بل جلَبَتْ معها موروثاتِها الدينيَّةَ السابقةَ،

 والتي ترفُضُ - في مُجمَلِها - أن يكونَ هناك نبيٌّ بلا معجِزةٍ حسِّيَّةٍ، وتُرجِمَ هذا في وضعِ آلافِ المرويَّاتِ التي تنسُبُ إلى الرسولِ ^ معجِزاتٍ وخوارقَ شبيهةً بتلك التي حكَتْها الأناجيلُ عن عيسى عليه السلام.

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

هل النبيُّ ^ ليس له معجِزةٌ سوى القرآن؟

الجواب التفصيلي

ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:

1- مِن آياتِ النبيِّ ^ الواردةِ في السنَّةِ: ما نُقِلَ بالتواتُرِ، وأجمَعتْ عليه الأُمَّة:

ومُثِيرو هذه الشبهةِ لا يفرِّقون بين ما كان منقولًا مِن تلك المعجِزاتِ بالأسانيدِ الأُحاديَّةِ الصحيحةِ أو الضعيفةِ، وما كان منها متواتِرًا؛ فكلُّ ذلك في نظَرِهم لا أصلَ له.

ويجبُ أن يُعلَمَ أن اللهَ عصَمَ هذه الأمَّةَ أن تجتمِعَ على ضلالة، وإنما يكونُ إجماعُها بأن يسلِّمَ غيرُ العالِمِ للعالِمِ؛ إذْ غيرُ العالِمِ لا يكونُ له قولٌ، وإنما القولُ للعالِمِ؛

 فكما أن مَن لا يَعرِفُ أدلَّةَ الأحكامِ لا يُعتَدُّ بقولِه؛ فمَن لا يَعرِفْ طرُقَ العِلمِ بصحَّةِ الحديثِ، لا يُعتَدُّ بقولِه، بل على كلِّ مَن ليس بعالِمٍ أن يتَّبِعَ إجماعَ أهلِ العلم.

وقد حصَلَ العلمُ الضروريُّ اليقينيُّ لأهلِ العلمِ بوقوعِ آياتٍ للنبيِّ ^ غيرِ القرآن؛ كنَبْعِ الماءِ مِن أصابعِه، وتكثيرِ الطعام، وحَنِينِ الجِذْع.

إن الأخبارَ الواردةَ عن النبيِّ ^ قد يَرِدُ على نقَلةِ الواحدِ منها منفرِدًا احتمالُ الخطأِ والسهوِ أو الكَذِبِ، أما إذا جُمِعَ بعضُها إلى بعضٍ، فإن هذا الاحتمالَ يؤولُ إلى الانتفاءِ، 

حتى إنها لَتَرْقى مِن سبيلِ الظنِّ الغالبِ إلى سبيلِ القطعِ؛ إذْ مِن المعلومِ أن حصولَ العلمِ في القلبِ بموجَبِ التواتُرِ مثلُ حصولِ الشِّبَعِ والرِّيِّ، وكلُّ واحدٍ مِن الأنباءِ يُفيدُ قدرًا مِن الاعتقادِ،

فإذا تعدَّدَتِ الأخبارُ وقَوِيَتْ، أفادتِ العِلمَ؛ إما للكثرةِ، وإما للقوَّةِ، وإما لمجموعِهما، وأحاديثُ المعجِزاتِ إذا جُمِعَت، تبيَّن تواتُرُها، وانتفاءُ احتمالِ السهوِ والخطأِ والكذبِ على رُوَاتِها.

وهذا ينقُضُ دعوى رواجِ تلك الأكاذيبِ على المحدِّثين مِن جهةِ الذين دخَلوا الإسلامَ مِن أهلِ الكتاب.

2- دعوى الاستمدادِ مِن الأممِ السابقةِ منقوضةٌ بأن الآياتِ الكثيرةَ التي نقَلَتْها الأحاديثُ الثابتةُ الصحيحةُ، لم تكن غايةُ إظهارِها تحدِّيَ المشرِكينَ، وبيانَ عجزِهم:

فإن النبيَّ ^ لم يَجعَلْها حجَّةً على رسالتِهِ؛ كما هو حالُ المعجِزاتِ مع الأنبياءِ السابِقين، وحدوثُها كان في سياقاتٍ محدَّدةٍ، وقد وقَعَ مُعظَمُها في الحِقْبةِ المدنيَّةِ بين المسلِمين أهلِ اليَقينِ؛

 لترسيخِ الإيمانِ في قلوبِهم، أو لضروراتٍ معيَّنةٍ؛ مثلُ: تكثيرِ الطعام، ونَبْعِ الماءِ مِن بينِ يدَيْهِ الشريفتَيْن، وحَنينِ الجِذْع، وردِّهِ عينَ قتادةَ بنِ النُّعْمان، وغيرِها.

أما كفَّارُ مكَّةَ، فقد أعجَزَهم بالقرآن، وتحدَّاهم أن يأتوا بمِثلِه، وهو القائلُ عليه السلامُ:

«مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ،وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ»؛

رواه البخاري (4981، 7274)، ومسلم (239).

3- الآياتُ التي تَحْكي مطالَباتِ المشرِكين المستمِرَّةَ بأن يأتِيَهُمُ النبيُّ ^ بمعجِزةٍ، مع عدمِ استجابتِهِ لذلك، لا تدُلُّ على أن آيةَ الرسولِ ^ الوحيدةَ هي القرآنُ:

بل قد جاء النبيُّ ^ بالآياتِ الخوارقِ والمعجِزاتِ غيرِ القرآنِ، وقد ورَدَ ذِكرُ بعضِها في القرآنِ نفسِه؛ مثلُ: الإسراءِ إلى بيتِ المَقدِس، وانشقاقِ القمَر.

4- المنعُ الواردُ في القرآنِ إنما هو للآياتِ المقترَحةِ مِن المشرِكين؛ وذلك لحِكَمٍ وأسبابٍ، وليس منعًا لمطلَقِ الآياتِ أو المعجِزات:

ومِن الأسبابِ المبيِّنةِ لعدمِ تلبيةِ اقتراحاتِ المشرِكين: عدمُ الجَدْوى وخُلُوُّ الفائدةِ مِن ذلك؛ إذ إن المعجِزةَ الواحدةَ كافيةٌ في إزالةِ العُذْر، وإقامةِ الحُجَّة؛

 فلا معنى مِن تحقيقِ اقتراحاتِهم الكثيرةِ؛ مع تحقُّقِ اليقينِ بعدمِ استجابتِهم، فإذا حصَلتِ الدَّلالةُ الواحدةُ، فقد تمكَّن المكلَّفُ مِن الوصولِ إلى المطلوب، فلو كان غرضُهُ طلَبَ الحقِّ،

 لاكتفى بتلك الدَّلالةِ؛ فحيثُ لم يكتَفِ بها، وطلَبَ الزائدَ عليها، عَلِمْنا أن ذلك الطلَبَ مِن بابِ العنادِ واللَّجاج، فلم تكن إجابتُها واجبةً،

 ونظيرُهُ

قولُهُ تعالى:

{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

[العنكبوت: ٥٠ - ٥١]

؛ فبكَّتَهُم بما في القرآنِ مِن الدَّلالةِ الشافية.

كما أنهم لو أُجِيبوا لكلِّ ما طلَبوهُ، ثمَّ لم يؤمِنوا وكذَّبوا -: لأوجَبَ ذلك حصولَ هلاكِهم واستئصالِهم.

كما أن تكرُّرَ حصولِ المعجِزاتِ، واستمرارَها، وكثرتَها -: يَقدَحُ في أصلِ معناها، وهو خَرْقُ العادةِ المستقِرَّةِ، ويُزيحُ وظيفتَها، وهي الإعجاز.

فالآياتُ المقترَحةُ المذكورةُ لا تدُلُّ سوى على تعنُّتِ المشرِكين في طلَبِ معجِزاتٍ زائدةٍ عن تلك التي رأَوْها؛ وهذا ظاهرُ الدَّلالةِ على عِنادِهم ولَجاجِهم وكفرِهم؛

حتى إن المَوْلى عزَّ وجلَّ حذَّرهم مِن مشاكَلةِ بني إسرائيلَ في سؤالِهم رؤيةَ اللهِ جَهْرةً؛ كما في

قولِهِ تبارك وتعالى:

{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}

[البقرة: ١٠٨].

وأما أن يأتيَ ^ بكلِّ ما يُطلَبُ منه مِن الآياتِ المقترَحةِ، فذاك ليس مِن شرطِ رسالتِه، وليس مِن شرطِ رسالاتِ الأنبياءِ السابِقين.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

إن هذه الشبهةَ تقومُ على خلَلٍ في فهمِ بعضِ الآياتِ القرآنيَّة، وعلى موقفٍ منحرِفٍ من السنَّةِ والإجماع، 

والجوابُ عنها يحتاجُ إلى بيانِ مرتبةِ المصادرِ التي أثبَتَتْ للنبيِّ ^ آياتٍ سوى القرآن، 

 كما تحتاجُ إلى بيانِ الفهمِ الصحيحِ للآياتِ التي استدَلَّ بها مُثِيرو هذه الشبهة.

مختصَرُ الإجابة:

مِن آياتِ النبيِّ ^ الواردةِ في السنَّةِ: ما نُقِلَ بالتواتُرِ، وأجمَعتْ عليه الأمَّةُ، والآياتُ الكثيرةُ التي نقَلَتْها الأحاديثُ الثابتةُ الصحيحةُ، لم تكن غايةُ إظهارِها تحدِّيَ المشرِكين، 

وبيانَ عجزِهم، كما كان حالُ المعجِزاتِ مع الأنبياءِ السابِقين؛ وهذا الفرقُ ينقُضُ دعوى الأخذِ مِن الأُمَمِ السابقة،

 والقرآنُ نفسُهُ قد ورَدَ فيه ذِكرُ بعضِ الآياتِ الخوارِقِ والمعجِزاتِ غيرِ القرآنِ؛ مثلُ: الإسراءِ إلى بيتِ المَقدِس، وانشقاقِ القمَر، أما المنعُ الواردُ في القرآن،

 فإنما هو للآياتِ المقترَحةِ مِن المشرِكين؛ وذلك لحِكَمٍ وأسباب، وليس منعًا لمطلَقِ الآياتِ أو المعجِزات.

ومِن الأسبابِ المبيِّنةِ لعدمِ تلبيةِ اقتراحاتِ المشرِكين: عدمُ الجَدْوى وخُلُوُّ الفائدةِ مِن ذلك؛ إذ إن المعجِزةَ الواحدةَ كافيةٌ في إزالةِ العُذْر، وإقامةِ الحُجَّة.

كما أن هؤلاءِ المشرِكين لو أُجِيبوا لكلِّ ما طلَبوهُ، ثمَّ لم يؤمِنوا وكذَّبوا -: لأوجَبَ ذلك حصولَ هلاكِهم واستئصالِهم.

كما أن تكرُّرَ حصولِ المعجِزاتِ، واستمرارَها، وكثرتَها -: يَقدَحُ في أصلِ معناها، وهو خَرْقُ العادةِ المستقِرَّةِ، ويُزيحُ وظيفتَها، وهي الإعجاز.

فالآياتُ المقترَحةُ المذكورةُ لا تدُلُّ سوى على تعنُّتِ المشرِكين في طلَبِ معجِزاتٍ زائدةٍ عن تلك التي رأَوْها؛ وهذا ظاهرُ الدَّلالةِ على عِنادِهم ولَجاجِهم وكفرِهم.

وأيضًا: فإن إتيانَهُ ^ بكلِّ ما يُطلَبُ منه مِن الآياتِ المقترَحةِ، ليس مِن شرطِ رسالتِه، وليس مِن شرطِ رسالاتِ الأنبياءِ السابِقين.

خاتمة الجواب

إن أصحابَ الخطابِ (العَقْلانيِّ .. زعمًا!) في تناوُلِهم لأحاديثِ المعجِزاتِ بالاستشكالاتِ والاعتراضات، مدفوعون بأغراضٍ غيرِ موضوعيَّةٍ، 

يأتي على رأسِها تبرُّمُهم المعروفُ مِن النصوصِ الدينيَّةِ التي ظنُّوا أن ظواهرَها تناقِضُ دَلالةَ الحسِّ والعقل، وقد جرى في مطلعِ القرنِ العشرين الميلاديِّ مناقَشاتٌ في هذه المسألةِ، 

ويحسُنُ مراجَعةُ كتابِ: «القولُ الفصلُ بين الذين يؤمِنون بالغيبِ، والذين لا يؤمِنون» لمصطفى صبري التُّوقاديّ.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

إن هذه الشبهةَ تقومُ على خلَلٍ في فهمِ بعضِ الآياتِ القرآنيَّة، وعلى موقفٍ منحرِفٍ من السنَّةِ والإجماع، 

والجوابُ عنها يحتاجُ إلى بيانِ مرتبةِ المصادرِ التي أثبَتَتْ للنبيِّ ^ آياتٍ سوى القرآن، 

 كما تحتاجُ إلى بيانِ الفهمِ الصحيحِ للآياتِ التي استدَلَّ بها مُثِيرو هذه الشبهة.

مختصَرُ الإجابة:

مِن آياتِ النبيِّ ^ الواردةِ في السنَّةِ: ما نُقِلَ بالتواتُرِ، وأجمَعتْ عليه الأمَّةُ، والآياتُ الكثيرةُ التي نقَلَتْها الأحاديثُ الثابتةُ الصحيحةُ، لم تكن غايةُ إظهارِها تحدِّيَ المشرِكين، 

وبيانَ عجزِهم، كما كان حالُ المعجِزاتِ مع الأنبياءِ السابِقين؛ وهذا الفرقُ ينقُضُ دعوى الأخذِ مِن الأُمَمِ السابقة،

 والقرآنُ نفسُهُ قد ورَدَ فيه ذِكرُ بعضِ الآياتِ الخوارِقِ والمعجِزاتِ غيرِ القرآنِ؛ مثلُ: الإسراءِ إلى بيتِ المَقدِس، وانشقاقِ القمَر، أما المنعُ الواردُ في القرآن،

 فإنما هو للآياتِ المقترَحةِ مِن المشرِكين؛ وذلك لحِكَمٍ وأسباب، وليس منعًا لمطلَقِ الآياتِ أو المعجِزات.

ومِن الأسبابِ المبيِّنةِ لعدمِ تلبيةِ اقتراحاتِ المشرِكين: عدمُ الجَدْوى وخُلُوُّ الفائدةِ مِن ذلك؛ إذ إن المعجِزةَ الواحدةَ كافيةٌ في إزالةِ العُذْر، وإقامةِ الحُجَّة.

كما أن هؤلاءِ المشرِكين لو أُجِيبوا لكلِّ ما طلَبوهُ، ثمَّ لم يؤمِنوا وكذَّبوا -: لأوجَبَ ذلك حصولَ هلاكِهم واستئصالِهم.

كما أن تكرُّرَ حصولِ المعجِزاتِ، واستمرارَها، وكثرتَها -: يَقدَحُ في أصلِ معناها، وهو خَرْقُ العادةِ المستقِرَّةِ، ويُزيحُ وظيفتَها، وهي الإعجاز.

فالآياتُ المقترَحةُ المذكورةُ لا تدُلُّ سوى على تعنُّتِ المشرِكين في طلَبِ معجِزاتٍ زائدةٍ عن تلك التي رأَوْها؛ وهذا ظاهرُ الدَّلالةِ على عِنادِهم ولَجاجِهم وكفرِهم.

وأيضًا: فإن إتيانَهُ ^ بكلِّ ما يُطلَبُ منه مِن الآياتِ المقترَحةِ، ليس مِن شرطِ رسالتِه، وليس مِن شرطِ رسالاتِ الأنبياءِ السابِقين.

الجواب التفصيلي

ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:

1- مِن آياتِ النبيِّ ^ الواردةِ في السنَّةِ: ما نُقِلَ بالتواتُرِ، وأجمَعتْ عليه الأُمَّة:

ومُثِيرو هذه الشبهةِ لا يفرِّقون بين ما كان منقولًا مِن تلك المعجِزاتِ بالأسانيدِ الأُحاديَّةِ الصحيحةِ أو الضعيفةِ، وما كان منها متواتِرًا؛ فكلُّ ذلك في نظَرِهم لا أصلَ له.

ويجبُ أن يُعلَمَ أن اللهَ عصَمَ هذه الأمَّةَ أن تجتمِعَ على ضلالة، وإنما يكونُ إجماعُها بأن يسلِّمَ غيرُ العالِمِ للعالِمِ؛ إذْ غيرُ العالِمِ لا يكونُ له قولٌ، وإنما القولُ للعالِمِ؛

 فكما أن مَن لا يَعرِفُ أدلَّةَ الأحكامِ لا يُعتَدُّ بقولِه؛ فمَن لا يَعرِفْ طرُقَ العِلمِ بصحَّةِ الحديثِ، لا يُعتَدُّ بقولِه، بل على كلِّ مَن ليس بعالِمٍ أن يتَّبِعَ إجماعَ أهلِ العلم.

وقد حصَلَ العلمُ الضروريُّ اليقينيُّ لأهلِ العلمِ بوقوعِ آياتٍ للنبيِّ ^ غيرِ القرآن؛ كنَبْعِ الماءِ مِن أصابعِه، وتكثيرِ الطعام، وحَنِينِ الجِذْع.

إن الأخبارَ الواردةَ عن النبيِّ ^ قد يَرِدُ على نقَلةِ الواحدِ منها منفرِدًا احتمالُ الخطأِ والسهوِ أو الكَذِبِ، أما إذا جُمِعَ بعضُها إلى بعضٍ، فإن هذا الاحتمالَ يؤولُ إلى الانتفاءِ، 

حتى إنها لَتَرْقى مِن سبيلِ الظنِّ الغالبِ إلى سبيلِ القطعِ؛ إذْ مِن المعلومِ أن حصولَ العلمِ في القلبِ بموجَبِ التواتُرِ مثلُ حصولِ الشِّبَعِ والرِّيِّ، وكلُّ واحدٍ مِن الأنباءِ يُفيدُ قدرًا مِن الاعتقادِ،

فإذا تعدَّدَتِ الأخبارُ وقَوِيَتْ، أفادتِ العِلمَ؛ إما للكثرةِ، وإما للقوَّةِ، وإما لمجموعِهما، وأحاديثُ المعجِزاتِ إذا جُمِعَت، تبيَّن تواتُرُها، وانتفاءُ احتمالِ السهوِ والخطأِ والكذبِ على رُوَاتِها.

وهذا ينقُضُ دعوى رواجِ تلك الأكاذيبِ على المحدِّثين مِن جهةِ الذين دخَلوا الإسلامَ مِن أهلِ الكتاب.

2- دعوى الاستمدادِ مِن الأممِ السابقةِ منقوضةٌ بأن الآياتِ الكثيرةَ التي نقَلَتْها الأحاديثُ الثابتةُ الصحيحةُ، لم تكن غايةُ إظهارِها تحدِّيَ المشرِكينَ، وبيانَ عجزِهم:

فإن النبيَّ ^ لم يَجعَلْها حجَّةً على رسالتِهِ؛ كما هو حالُ المعجِزاتِ مع الأنبياءِ السابِقين، وحدوثُها كان في سياقاتٍ محدَّدةٍ، وقد وقَعَ مُعظَمُها في الحِقْبةِ المدنيَّةِ بين المسلِمين أهلِ اليَقينِ؛

 لترسيخِ الإيمانِ في قلوبِهم، أو لضروراتٍ معيَّنةٍ؛ مثلُ: تكثيرِ الطعام، ونَبْعِ الماءِ مِن بينِ يدَيْهِ الشريفتَيْن، وحَنينِ الجِذْع، وردِّهِ عينَ قتادةَ بنِ النُّعْمان، وغيرِها.

أما كفَّارُ مكَّةَ، فقد أعجَزَهم بالقرآن، وتحدَّاهم أن يأتوا بمِثلِه، وهو القائلُ عليه السلامُ:

«مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ،وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ»؛

رواه البخاري (4981، 7274)، ومسلم (239).

3- الآياتُ التي تَحْكي مطالَباتِ المشرِكين المستمِرَّةَ بأن يأتِيَهُمُ النبيُّ ^ بمعجِزةٍ، مع عدمِ استجابتِهِ لذلك، لا تدُلُّ على أن آيةَ الرسولِ ^ الوحيدةَ هي القرآنُ:

بل قد جاء النبيُّ ^ بالآياتِ الخوارقِ والمعجِزاتِ غيرِ القرآنِ، وقد ورَدَ ذِكرُ بعضِها في القرآنِ نفسِه؛ مثلُ: الإسراءِ إلى بيتِ المَقدِس، وانشقاقِ القمَر.

4- المنعُ الواردُ في القرآنِ إنما هو للآياتِ المقترَحةِ مِن المشرِكين؛ وذلك لحِكَمٍ وأسبابٍ، وليس منعًا لمطلَقِ الآياتِ أو المعجِزات:

ومِن الأسبابِ المبيِّنةِ لعدمِ تلبيةِ اقتراحاتِ المشرِكين: عدمُ الجَدْوى وخُلُوُّ الفائدةِ مِن ذلك؛ إذ إن المعجِزةَ الواحدةَ كافيةٌ في إزالةِ العُذْر، وإقامةِ الحُجَّة؛

 فلا معنى مِن تحقيقِ اقتراحاتِهم الكثيرةِ؛ مع تحقُّقِ اليقينِ بعدمِ استجابتِهم، فإذا حصَلتِ الدَّلالةُ الواحدةُ، فقد تمكَّن المكلَّفُ مِن الوصولِ إلى المطلوب، فلو كان غرضُهُ طلَبَ الحقِّ،

 لاكتفى بتلك الدَّلالةِ؛ فحيثُ لم يكتَفِ بها، وطلَبَ الزائدَ عليها، عَلِمْنا أن ذلك الطلَبَ مِن بابِ العنادِ واللَّجاج، فلم تكن إجابتُها واجبةً،

 ونظيرُهُ

قولُهُ تعالى:

{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

[العنكبوت: ٥٠ - ٥١]

؛ فبكَّتَهُم بما في القرآنِ مِن الدَّلالةِ الشافية.

كما أنهم لو أُجِيبوا لكلِّ ما طلَبوهُ، ثمَّ لم يؤمِنوا وكذَّبوا -: لأوجَبَ ذلك حصولَ هلاكِهم واستئصالِهم.

كما أن تكرُّرَ حصولِ المعجِزاتِ، واستمرارَها، وكثرتَها -: يَقدَحُ في أصلِ معناها، وهو خَرْقُ العادةِ المستقِرَّةِ، ويُزيحُ وظيفتَها، وهي الإعجاز.

فالآياتُ المقترَحةُ المذكورةُ لا تدُلُّ سوى على تعنُّتِ المشرِكين في طلَبِ معجِزاتٍ زائدةٍ عن تلك التي رأَوْها؛ وهذا ظاهرُ الدَّلالةِ على عِنادِهم ولَجاجِهم وكفرِهم؛

حتى إن المَوْلى عزَّ وجلَّ حذَّرهم مِن مشاكَلةِ بني إسرائيلَ في سؤالِهم رؤيةَ اللهِ جَهْرةً؛ كما في

قولِهِ تبارك وتعالى:

{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}

[البقرة: ١٠٨].

وأما أن يأتيَ ^ بكلِّ ما يُطلَبُ منه مِن الآياتِ المقترَحةِ، فذاك ليس مِن شرطِ رسالتِه، وليس مِن شرطِ رسالاتِ الأنبياءِ السابِقين.

خاتمة الجواب

إن أصحابَ الخطابِ (العَقْلانيِّ .. زعمًا!) في تناوُلِهم لأحاديثِ المعجِزاتِ بالاستشكالاتِ والاعتراضات، مدفوعون بأغراضٍ غيرِ موضوعيَّةٍ، 

يأتي على رأسِها تبرُّمُهم المعروفُ مِن النصوصِ الدينيَّةِ التي ظنُّوا أن ظواهرَها تناقِضُ دَلالةَ الحسِّ والعقل، وقد جرى في مطلعِ القرنِ العشرين الميلاديِّ مناقَشاتٌ في هذه المسألةِ، 

ويحسُنُ مراجَعةُ كتابِ: «القولُ الفصلُ بين الذين يؤمِنون بالغيبِ، والذين لا يؤمِنون» لمصطفى صبري التُّوقاديّ.