نص السؤال
إن اللهَ تعالى ذكَرَ في كتابِهِ اقتراحاتِ المشرِكين، ومنها:
{أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ}
[الإسراء: 93]
؛
فالقولُ بأن النبيَّ ^ بعد أن تعجَّب مِن هذا الاقتراحِ يَرْقى في السماءِ -: يناقِضُ القرآنَ الكريم.
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
هل كان الإسراءُ والمعراجُ رُؤْيَا مناميَّةً؟
الجواب التفصيلي
الإسراءُ والمعراجُ ثبَتَ بالأدلَّةِ المتواتِرة؛ وهي بلا شكٍّ مخالِفةٌ للعادةِ؛ لأنها آيةٌ بيِّنةٌ؛ فمِن الطبيعيِّ أن تكونَ مخالِفةً للعادة. ولما كانت كذلك، فإن بعضَ المعارِضين للشريعةِ أو بعضَ المتمسِّكين بنمَطِ الفلسفةِ الغربيَّةِ الماديَّةِ، لم يناسِبْهم ذلك، وقد وجَدوا شبهةً في بعضِ الآثارِ ومذاهبِ العلماءِ: ما ظنُّوا فيه مَخرَجًا في التوفيقِ بين ما جاء في خبَرِ الإسراءِ والمعراج، وبين الفلسفةِ الماديَّة. فأوَّلوا ذلك بالمنامِ مثلًا، وبأن القرآنَ أخبَرَ أن المشرِكين تحدَّوُا النبيَّ ^ بالرُّقِيِّ في السماء، فلو كان رَقَى، لَمَا قالوا ذلك. ويتبيَّنُ فسادُ ذلك القولِ مِن وجوه: 1- لم يقُلْ أحدٌ مِن أهلِ العلمِ: إن الإسراءَ والمعراجَ كان منامًا: والدليلُ على ذلك: أنه لو كان منامًا، لمَا جعَلهُ اللهُ سبحانه مِن آياتِ النبوَّةِ لنبيِّه، ولمَا أثنى على نفسِهِ بهذه المعجزةِ الباهرة؛ إذْ قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]. وينبغي أن يُعرَفَ الفرقُ بين أن يُقالَ: «كان الإسراءُ منامًا»، وبين أن يُقالَ: «كان برُوحِ النبيِّ ^ دون جسَدِه»؛ كما رُوِيَ عن بعضِ السلَف، وبينهما فرقٌ واضح: فكونُ الإسراءِ في المنامِ، يعني: لم يكن حقيقةً، بل كان حلمًا رآهُ، ويُمكِنُ أن يُفسَّرَ أو يُعبَّرَ المنامُ بأمورٍ أخرى، وليس فيه معجِزةٌ أو كرامةٌ زائدةٌ؛ فقد يرى بعضُ الناسِ ما يشابِهُ بعضَ ذلك. وأما الإسراءُ برُوحِهِ: فهو يعني: أن الإسراءَ وقَعَ فعلًا على جزءٍ مِن الإنسان، بل أشرَفِ جزءٍ منه، وهو رُوحُهُ، وأن الأرضَ والسمواتِ التي مَرَّ بها حقيقيَّةٌ، وهكذا. مع أن القولَ بكونِهِ ^ رأى الإسراءَ منامًا، لا يَنْفي أن يقَعَ بعد ذلك يقَظةً؛ لأن ثبوتَ هذا لا يعارِضُ هذا، وكان عليه السلامُ لا يَرَى رُؤْيا إلا جاءت مِثلَ فَلَقِ الصبحِ، ومجيئُها مِثلَ فَلَقِ الصبحِ، لا يَنْفي أن تكونَ منامًا، ولا العكسُ؛ فإسراؤُهُ يقَظةً ثابتٌ لا شكَّ فيه، وأما المنامُ، فإنْ وُجِدَ أو لم يُوجَدْ، لم يضُرَّ ذلك. وقد روى الإمامُ أحمدُ (1916، 3500)، والبخاريُّ (3888)، وغيرُهما، عن ابنِ عبَّاسٍ في تفسيرِ قولِهِ تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] ، قال: «هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَهَا رَسُولُ اللهِ ^ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ»، يعني: وليست برؤيا مَنامٍ، وفي لفظٍ عند أحمدَ: «شَيْءٌ أُرِيَهُ النَّبِيُّ ^ فِي الْيَقَظَةِ، رَآهُ بِعَيْنِهِ حِينَ ذُهِبَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ». وليس أصرَحَ من هذا نصٌّ، ولا أقوى منه حُجَّةٌ؛ لأن ابنَ عبَّاسٍ - وهو تَرجُمانُ القرآنِ - يفسِّرُ به الآيةَ، ويَرَى أن الإسراءَ كان في اليقَظةِ، وينقُلُ - وهو العربيُّ القُرَشيُّ الهاشميُّ الفصيح - أن كلمةَ «الرؤيا» تكونُ - وهي لغةُ القرآنِ - بمعنى «الرُّؤْية». 2- مَن يُنكِرُ الإسراءَ والمعراجَ بتأثيرِ الفلسفةِ الغربيَّةِ الماديَّةِ، يَلزَمُهُ إنكارُ ما هو مِن جنسِه: فالذين زعَموا أن الإسراءَ والمعراجَ كان بالرُّوحِ مِن المتقدِّمين، إنما استدَلُّوا بدليلٍ شرعيٍّ، وإن كان الاستدلالُ ضعيفًا. وأما الذين يزعُمون ذلك مِن المعاصِرين، فإنما يدَّعون أن نبيَّنا محمَّدًا ^ لم تكن له معجِزةٌ غيرُ القرآن، ويُنكِرون كلَّ الأخبارِ المتواتِرةِ في المعجِزات، ويظُنُّون أن الإسراءَ والمعراجَ ينافِيانِ ما اصطُلِحَ على تسميتِهِ في هذا العصرِ: بـ «العِلمِ»؛ لأن العلومَ الماديَّةَ لم تُثبِتْ قدرةَ الإنسانِ على نقلِ الأجسامِ بمِثلِ هذه الصورةِ التي حُكِيَتْ في حديثِ الإسراءِ والمعراج. ويُقالُ لهؤلاءِ: هل أنتم تؤمِنون بما حكى اللهُ في القرآنِ مِن قصَّةِ سليمانَ مع مَلِكةِ سَبَأٍ؟ فقد أخبَرَنا اللهُ سبحانه بما دار بين سليمانَ وبينها مِن المراسَلةِ، ثم قال تعالى : {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 38- 40]. فهذه حادثةٌ لا تحتمِلُ تأويلًا، استطاع فيها رجُلٌ مِن أصحابِ سليمانَ عليه السلامُ بما علَّمه اللهُ مِن الكتاب، أن ينقُلَ عرشَ المَلِكةِ مِن اليمَنِ إلى الشامِ في مِثلِ لَمْحِ البصَر، ويؤمِنُ بصحَّتِها كلُّ مسلِمٍ يصدِّقُ القرآنَ، وهي مِن نوعِ الإسراءِ والمعراجِ في نقلِ الأجسامِ؛ فيُقالُ لهؤلاءِ: «أتؤمِنون ببعضِ الكِتابِ، وتكفُرون ببعضٍ؟!». 3- ليس في القرآنِ ما يُنافي واقعةَ الإسراءِ والمعراج: فإن اقتراحَ المشرِكين في قولِهم: {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: 93] ، والذي مرَدُّهُ المبالَغةُ في الخصومةِ، والذي أجاب عنه النبيُّ ^ بالتعجُّبِ بقولِهِ: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 93] -: إنما هو اقتراحُ أن يَرْقى في السماءِ، وينزِّلَ عليهم كتابًا؛ فلا صلةَ لواقعةِ الإسراءِ والمعراجِ بذلك الاقتراحِ، لا في سياقِها الزمانيِّ والمكانيِّ، ولا في صورتِها وما جَرَى فيها مِن أحداثٍ؛ كما أن نَبْعَ الماءِ مِن بينِ أصابعِ النبيِّ ^ لا يُنافي قولَهُ تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90]. |
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال: إن قضيَّةَ الإسراءِ والمعراجِ معارِضةٌ للقرآنِ - مِن وجهةِ نظَرِ السائل - فهو يريدُ أن يصلَ إلى أن تلك الحادثةَ لم تكن إلا رُؤْيا مناميَّةً، ويَرَى أنه بذلك يُجيبُ على جميعِ ما ورَدَ مِن أخبارٍ تدُلُّ على تلك الحادثة. |
مختصَرُ الإجابة: اللهُ تعالى صرَّح في القرآنِ الكريمِ أنه أَسْرى بعبدِهِ، والعبدُ هو رُوحٌ وجسَدٌ، وهو المفهومُ في الخطابِ أوَّلًا، والأصلُ أن يكونَ ذلك في اليقَظةِ؛ إذْ لو كان منامًا، لَمَا تعجَّب منه المشرِكون. وجاءت حادثةُ الإسراءِ والمعراجِ مِن طرُقٍ متواتِرةٍ تُفيدُ العِلمَ عند الجميعِ، ولم تأتِ مِن طرُقٍ آحاديَّةٍ تُفيدُ الظنَّ عند بعضِهم. والقرآنُ الكريمُ لا يتضمَّنُ ما يُنافي قصَّةَ الإسراءِ والمعراج؛ فسياقُ آياتِ التحدِّي بالرُّقِيِّ في السماء - كما ذكَرَ السائلُ - لا عَلاقةَ لها بنفيِ حادثةِ الإسراءِ والمعراج، بل هي محاوَلاتٌ مِن أهلِ الجدَلِ الباطل، الذين لو رأَوْا بيِّنةً، لكذَّبوها، أو استمَرُّوا في طلَبِ بيِّناتٍ أخرى. أما تأويلُها بأنها رُؤْيا مناميَّةٌ، فهو مناقِضٌ للإجماع، الذي هو حجَّةٌ شرعيَّةٌ. وأما ما جاء عن بعضِ السلَفِ مِن كونِها برُوحِ النبيِّ ^ دون جسَدِهِ، فهو معنًى آخَرُ لا عَلاقةَ له بالرُّؤْيا المناميَّة. |
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية: فالإسراءُ والمعراجُ ثابتٌ في الشريعة، وليس فيهما ما يُنافي العقلَ أصلًا، وقد تقدَّمتْ صناعاتُ اليومِ بما يُشعِرُ العاقلَ بأن ذلك غيرُ مستحيلٍ عقلًا؛ فلم يَبْقَ إلا صدقُ الخبَر. والعاقلُ ينبغي عليه أن يتأمَّلَ في صدقِ القرآنِ، وصدقِ النبوَّة، فإذا عرَفَ صحَّتَهما، لم يصعُبْ عليه الإيمانُ بما فيهما. |
مختصر الجواب
مضمونُ السؤال: إن قضيَّةَ الإسراءِ والمعراجِ معارِضةٌ للقرآنِ - مِن وجهةِ نظَرِ السائل - فهو يريدُ أن يصلَ إلى أن تلك الحادثةَ لم تكن إلا رُؤْيا مناميَّةً، ويَرَى أنه بذلك يُجيبُ على جميعِ ما ورَدَ مِن أخبارٍ تدُلُّ على تلك الحادثة. |
مختصَرُ الإجابة: اللهُ تعالى صرَّح في القرآنِ الكريمِ أنه أَسْرى بعبدِهِ، والعبدُ هو رُوحٌ وجسَدٌ، وهو المفهومُ في الخطابِ أوَّلًا، والأصلُ أن يكونَ ذلك في اليقَظةِ؛ إذْ لو كان منامًا، لَمَا تعجَّب منه المشرِكون. وجاءت حادثةُ الإسراءِ والمعراجِ مِن طرُقٍ متواتِرةٍ تُفيدُ العِلمَ عند الجميعِ، ولم تأتِ مِن طرُقٍ آحاديَّةٍ تُفيدُ الظنَّ عند بعضِهم. والقرآنُ الكريمُ لا يتضمَّنُ ما يُنافي قصَّةَ الإسراءِ والمعراج؛ فسياقُ آياتِ التحدِّي بالرُّقِيِّ في السماء - كما ذكَرَ السائلُ - لا عَلاقةَ لها بنفيِ حادثةِ الإسراءِ والمعراج، بل هي محاوَلاتٌ مِن أهلِ الجدَلِ الباطل، الذين لو رأَوْا بيِّنةً، لكذَّبوها، أو استمَرُّوا في طلَبِ بيِّناتٍ أخرى. أما تأويلُها بأنها رُؤْيا مناميَّةٌ، فهو مناقِضٌ للإجماع، الذي هو حجَّةٌ شرعيَّةٌ. وأما ما جاء عن بعضِ السلَفِ مِن كونِها برُوحِ النبيِّ ^ دون جسَدِهِ، فهو معنًى آخَرُ لا عَلاقةَ له بالرُّؤْيا المناميَّة. |
الجواب التفصيلي
الإسراءُ والمعراجُ ثبَتَ بالأدلَّةِ المتواتِرة؛ وهي بلا شكٍّ مخالِفةٌ للعادةِ؛ لأنها آيةٌ بيِّنةٌ؛ فمِن الطبيعيِّ أن تكونَ مخالِفةً للعادة. ولما كانت كذلك، فإن بعضَ المعارِضين للشريعةِ أو بعضَ المتمسِّكين بنمَطِ الفلسفةِ الغربيَّةِ الماديَّةِ، لم يناسِبْهم ذلك، وقد وجَدوا شبهةً في بعضِ الآثارِ ومذاهبِ العلماءِ: ما ظنُّوا فيه مَخرَجًا في التوفيقِ بين ما جاء في خبَرِ الإسراءِ والمعراج، وبين الفلسفةِ الماديَّة. فأوَّلوا ذلك بالمنامِ مثلًا، وبأن القرآنَ أخبَرَ أن المشرِكين تحدَّوُا النبيَّ ^ بالرُّقِيِّ في السماء، فلو كان رَقَى، لَمَا قالوا ذلك. ويتبيَّنُ فسادُ ذلك القولِ مِن وجوه: 1- لم يقُلْ أحدٌ مِن أهلِ العلمِ: إن الإسراءَ والمعراجَ كان منامًا: والدليلُ على ذلك: أنه لو كان منامًا، لمَا جعَلهُ اللهُ سبحانه مِن آياتِ النبوَّةِ لنبيِّه، ولمَا أثنى على نفسِهِ بهذه المعجزةِ الباهرة؛ إذْ قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]. وينبغي أن يُعرَفَ الفرقُ بين أن يُقالَ: «كان الإسراءُ منامًا»، وبين أن يُقالَ: «كان برُوحِ النبيِّ ^ دون جسَدِه»؛ كما رُوِيَ عن بعضِ السلَف، وبينهما فرقٌ واضح: فكونُ الإسراءِ في المنامِ، يعني: لم يكن حقيقةً، بل كان حلمًا رآهُ، ويُمكِنُ أن يُفسَّرَ أو يُعبَّرَ المنامُ بأمورٍ أخرى، وليس فيه معجِزةٌ أو كرامةٌ زائدةٌ؛ فقد يرى بعضُ الناسِ ما يشابِهُ بعضَ ذلك. وأما الإسراءُ برُوحِهِ: فهو يعني: أن الإسراءَ وقَعَ فعلًا على جزءٍ مِن الإنسان، بل أشرَفِ جزءٍ منه، وهو رُوحُهُ، وأن الأرضَ والسمواتِ التي مَرَّ بها حقيقيَّةٌ، وهكذا. مع أن القولَ بكونِهِ ^ رأى الإسراءَ منامًا، لا يَنْفي أن يقَعَ بعد ذلك يقَظةً؛ لأن ثبوتَ هذا لا يعارِضُ هذا، وكان عليه السلامُ لا يَرَى رُؤْيا إلا جاءت مِثلَ فَلَقِ الصبحِ، ومجيئُها مِثلَ فَلَقِ الصبحِ، لا يَنْفي أن تكونَ منامًا، ولا العكسُ؛ فإسراؤُهُ يقَظةً ثابتٌ لا شكَّ فيه، وأما المنامُ، فإنْ وُجِدَ أو لم يُوجَدْ، لم يضُرَّ ذلك. وقد روى الإمامُ أحمدُ (1916، 3500)، والبخاريُّ (3888)، وغيرُهما، عن ابنِ عبَّاسٍ في تفسيرِ قولِهِ تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] ، قال: «هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَهَا رَسُولُ اللهِ ^ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ»، يعني: وليست برؤيا مَنامٍ، وفي لفظٍ عند أحمدَ: «شَيْءٌ أُرِيَهُ النَّبِيُّ ^ فِي الْيَقَظَةِ، رَآهُ بِعَيْنِهِ حِينَ ذُهِبَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ». وليس أصرَحَ من هذا نصٌّ، ولا أقوى منه حُجَّةٌ؛ لأن ابنَ عبَّاسٍ - وهو تَرجُمانُ القرآنِ - يفسِّرُ به الآيةَ، ويَرَى أن الإسراءَ كان في اليقَظةِ، وينقُلُ - وهو العربيُّ القُرَشيُّ الهاشميُّ الفصيح - أن كلمةَ «الرؤيا» تكونُ - وهي لغةُ القرآنِ - بمعنى «الرُّؤْية». 2- مَن يُنكِرُ الإسراءَ والمعراجَ بتأثيرِ الفلسفةِ الغربيَّةِ الماديَّةِ، يَلزَمُهُ إنكارُ ما هو مِن جنسِه: فالذين زعَموا أن الإسراءَ والمعراجَ كان بالرُّوحِ مِن المتقدِّمين، إنما استدَلُّوا بدليلٍ شرعيٍّ، وإن كان الاستدلالُ ضعيفًا. وأما الذين يزعُمون ذلك مِن المعاصِرين، فإنما يدَّعون أن نبيَّنا محمَّدًا ^ لم تكن له معجِزةٌ غيرُ القرآن، ويُنكِرون كلَّ الأخبارِ المتواتِرةِ في المعجِزات، ويظُنُّون أن الإسراءَ والمعراجَ ينافِيانِ ما اصطُلِحَ على تسميتِهِ في هذا العصرِ: بـ «العِلمِ»؛ لأن العلومَ الماديَّةَ لم تُثبِتْ قدرةَ الإنسانِ على نقلِ الأجسامِ بمِثلِ هذه الصورةِ التي حُكِيَتْ في حديثِ الإسراءِ والمعراج. ويُقالُ لهؤلاءِ: هل أنتم تؤمِنون بما حكى اللهُ في القرآنِ مِن قصَّةِ سليمانَ مع مَلِكةِ سَبَأٍ؟ فقد أخبَرَنا اللهُ سبحانه بما دار بين سليمانَ وبينها مِن المراسَلةِ، ثم قال تعالى : {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 38- 40]. فهذه حادثةٌ لا تحتمِلُ تأويلًا، استطاع فيها رجُلٌ مِن أصحابِ سليمانَ عليه السلامُ بما علَّمه اللهُ مِن الكتاب، أن ينقُلَ عرشَ المَلِكةِ مِن اليمَنِ إلى الشامِ في مِثلِ لَمْحِ البصَر، ويؤمِنُ بصحَّتِها كلُّ مسلِمٍ يصدِّقُ القرآنَ، وهي مِن نوعِ الإسراءِ والمعراجِ في نقلِ الأجسامِ؛ فيُقالُ لهؤلاءِ: «أتؤمِنون ببعضِ الكِتابِ، وتكفُرون ببعضٍ؟!». 3- ليس في القرآنِ ما يُنافي واقعةَ الإسراءِ والمعراج: فإن اقتراحَ المشرِكين في قولِهم: {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: 93] ، والذي مرَدُّهُ المبالَغةُ في الخصومةِ، والذي أجاب عنه النبيُّ ^ بالتعجُّبِ بقولِهِ: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 93] -: إنما هو اقتراحُ أن يَرْقى في السماءِ، وينزِّلَ عليهم كتابًا؛ فلا صلةَ لواقعةِ الإسراءِ والمعراجِ بذلك الاقتراحِ، لا في سياقِها الزمانيِّ والمكانيِّ، ولا في صورتِها وما جَرَى فيها مِن أحداثٍ؛ كما أن نَبْعَ الماءِ مِن بينِ أصابعِ النبيِّ ^ لا يُنافي قولَهُ تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90]. |
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية: فالإسراءُ والمعراجُ ثابتٌ في الشريعة، وليس فيهما ما يُنافي العقلَ أصلًا، وقد تقدَّمتْ صناعاتُ اليومِ بما يُشعِرُ العاقلَ بأن ذلك غيرُ مستحيلٍ عقلًا؛ فلم يَبْقَ إلا صدقُ الخبَر. والعاقلُ ينبغي عليه أن يتأمَّلَ في صدقِ القرآنِ، وصدقِ النبوَّة، فإذا عرَفَ صحَّتَهما، لم يصعُبْ عليه الإيمانُ بما فيهما. |