نص السؤال
إذا كان اللهُ يَفعَلُ ما يشاء، ويُضِلُّ مَن يشاء، ويَهْدي مَن يشاء، في أيِّ وقتٍ شاء، فكيف يشعُرُ الإنسانُ بقِيمةِ عملِهِ في الدنيا؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
إمكانيَّةُ إضلالِ اللهِ لعبادِهِ قبل موتِهم.
لا وجودَ لضمانةِ ثباتِ الإنسانِ على طاعةِ اللهِ حتى موتِه.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
أخبَرَ اللهُ تعالى أنه إنما يعامِلُ الناسَ بكسبِهم، ويُجازيهم بأعمالِهم، ولا يخافُ المحسِنُ لدَيْهِ ظُلمًا ولا هَضمًا، ولا يخافُ بَخْسًا ولا رَهَقًا، ولا يَضيعُ عنده عملُ محسِنٍ أبدًا، ولا يَضيعُ على العبدِ مثقالُ ذرَّةٍ، ولا يُظلَمُها:
{وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}
[النساء: 40]
؛ فكيف يُضِلُّ عبادَهُ المؤمِنين؟!
ففهمُ المعنى الصحيحِ للحديثِ يُزيلُ الإشكال:
هذا الحديثُ العظيمُ الذي بين أيدينا، قد أشكَلَ على بعضِ الناسِ فيه قولُهُ ^:
«فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ»
رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643).
والجوابُ عن ذلك: أن هذا النَّصَّ في حقِّ مَن لا يَعمَلُ إخلاصًا وإيمانًا، بل يَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ فيما يَبْدُو للناس؛ كما في بعضِِ رواياتِ الحديث.
وقولُهُ: «فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ»، بيانُهُ: أن الإمامَ النوويَّ ذكَرَ الحديثَ الأوَّلَ الذي استشهَدَ به المعترِضون على شبهتِهم في كتابِ «القدَرِ»، بابِ: «كيفيَّةِ خلقِ الآدَميِّ في بطنِ أمِّه وكتابةِ رزقِهِ وأجَلِهِ وعمَلِهِ وشقاوتِهِ وسعادتِه»، وذكَرَ الحديثَ الثانيَ الذي قيَّد الأوَّلَ في نفسِ الكتابِ والباب، وكأنه رحمه الله يريدُ أن يقولَ: إن الروايةَ الثانيةَ قيَّدت المطلَقَ مِن الروايةِ الأُولى بلفظِ: «فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ».
كما جاء موضَّحًا في الحديثِ الآخَرِ الذي رواه البخاريُّ (4207)، ومسلمٌ (112)، عن سَهْلٍ، قال: الْتَقَى النَّبِيُّ ^ وَالمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَاقْتَتَلُوا، فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي المُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنَ المُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ، فَقَالَ: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: لَأَتَّبِعَنَّهُ، فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ، كُنْتُ مَعَهُ، حَتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ ^، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ»، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:
«إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ».
وأما مَن يَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حقيقةً، إخلاصًا وإيمانًا، فاللهُ تعالى أعدَلُ وأكرَمُ وأرحَمُ مِن أن يخذُلَهُ في نهايةِ عُمُرِه، بل هذا أهلٌ للتوفيقِ والتسديدِ والتثبيت؛ كما قال تعالى:
{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ}
[إبراهيم: 27].
وقال اللهُ تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
[العنكبوت: 96]
وقال تعالى:
{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}
[يوسف: 90]
وقال اللهُ تعالى:
{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}
[آل عمران: 171].
وأما كونُ الرجُلِ يَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيَسبِقُ عليه الكتابُ، فإن هذا عملُ أهلِ الجنَّةِ فيما يَظهَرُ للناس، ولو كان عملًا صالحًا مقبولًا للجنَّةِ، قد أحبَّه اللهُ ورَضِيَهُ -: لم يُبطِلْهُ عليه.
فلما كان العملُ بآخِرِهِ وخاتِمتِهِ، لم يَصبِرْ هذا العاملُ على عملِهِ حتى يَتِمَّ له، بل كان فيه آفةٌ كامنةٌ، ونُكْتةٌ خُذِلَ بها في آخِرِ عُمُرِه، فخانته تلك الآفةُ، وخذَلتْهُ هذه الداهيةُ الباطنةُ في وقتِ الحاجة، فرجَعَ بمُوجَبِها، وعَمِلتْ عملَها، ولو لم يكن هناك غشٌّ وآفةٌ، لم يَقلِبِ اللهُ تعالى إيمانَهُ، واللهُ يَعلَمُ مِن سرائرِ العبادِ ما لا يَعلَمُهُ بعضُهم مِن بعض؛ وفي ذلك يقولُ اللهُ تعالى:
{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ}
[الصف: 5]
وقال أيضًا:
{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}
[الأعراف: 146].
وسببٌ آخَرٌ لسوءِ هذه الخاتِمةِ: أن هذا العبدَ قد يكونُ مخلِصًا، ويكونُ عملُهُ صادقًا، لكنه وقَعَ في عملٍ فيما بعدُ كان سببًا لأن يَضِلَّ بعده؛ فلا يَلزَمُ أن يكونَ غيرَ مُخلِصٍ في عملِهِ السابقِ مثلًا، ثم افتضَحَ في آخِرِ حياتِه، بل قد يكونُ العبدُ مخلِصًا، ثم بسببِ عملٍ أو نيَّةٍ لاحقةٍ سيِّئةٍ فسَدتْ خاتِمتَه.
وكذلك: قد يَعمَلُ الرجُلُ عملَ أهلِ النار، وفي باطنِهِ خَصْلةٌ خفيَّةٌ مِن خصالِ الخيرِ، فتَغلِبُ عليه تلك الخَصْلةُ في آخِر عُمُرِه، فتُوجِبُ له حسنَ الخاتمة، أو يكونُ هذا محضَ تفضُّلٍ ورحمةٍ مِن اللهِ له.
ومِن هذا نخلُصُ: إلى أنه - مع علمِ اللهِ تعالى السابقِ في خلقِهِ، وكتابتِهِ لأعمالِهم - فإنه تعالى لا يعذِّبُ عبادَهُ ولا ينعِّمُهم على مجرَّدِ علمِهِ فيهم، بل بسببِ ما عَمِلتْ أيديهم، وكسَبتْ نفوسُهم.
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
كونُ الرجُلِ يَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيَسبِقُ عليه الكتابُ؛ كما جاء في الحديثِ: المقصودُ به عملُ أهلِ الجنَّةِ فيما يَظهَرُ للناس، إلا أن باطنَهُ مخالِفٌ لظاهرِهِ؛ كما ورَدَ في بعضِ رواياتِ الحديثِ الصحيحة.
ومِن أسبابِ ذلك: أنه قد تكونُ فيه آفةٌ كامنةٌ، ونُكْتةٌ خُذِلَ بها في آخِرِ عُمُرِه، فخانَتهُ تلك الآفةُ، وخذَلتْهُ هذه الداهيةُ الباطنةُ.
وسببٌ آخَرٌ لسوءِ هذه الخاتِمةِ: أن هذا العبدَ قد يكونُ مخلِصًا، ويكونُ عملُهُ صادقًا، لكنه وقَعَ في عملٍ فيما بعدُ، أو نيَّةٍ لاحقةٍ سيِّئةٍ، كانت سببًا لأن يَضِلَّ بعده، وتفسُدَ خاتمتُه.
وأما مَن يَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حقيقةً، إخلاصًا وإيمانًا، فاللهُ تعالى أعدَلُ وأكرَمُ وأرحَمُ مِن أن يخذُلَهُ في نهايةِ عُمُرِه، بل هذا أهلٌ للتوفيقِ والتسديدِ والتثبيت؛ كما قال تعالى:
{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}
[إبراهيم: 27]
وقال تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
[العنكبوت: 96].
وكذلك: قد يَعمَلُ الرجُلُ عملَ أهلِ النار، وفي باطنِهِ خَصْلةٌ خفيَّةٌ مِن خصالِ الخيرِ، فتَغلِبُ عليه تلك الخَصْلةُ في آخِرِ عُمُرِه، فتُوجِبُ له حُسْنَ الخاتمة.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
مَن يَعمَلْ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حقيقةً، إخلاصًا وإيمانًا، فاللهُ تعالى أعدَلُ وأكرَمُ وأرحَمُ مِن أن يخذُلَهُ في نهايةِ عُمُرِه، بل هذا أهلٌ للتوفيقِ والتسديدِ والتثبيت؛ كما قال تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
[العنكبوت: 69].
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
كونُ الرجُلِ يَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيَسبِقُ عليه الكتابُ؛ كما جاء في الحديثِ: المقصودُ به عملُ أهلِ الجنَّةِ فيما يَظهَرُ للناس، إلا أن باطنَهُ مخالِفٌ لظاهرِهِ؛ كما ورَدَ في بعضِ رواياتِ الحديثِ الصحيحة.
ومِن أسبابِ ذلك: أنه قد تكونُ فيه آفةٌ كامنةٌ، ونُكْتةٌ خُذِلَ بها في آخِرِ عُمُرِه، فخانَتهُ تلك الآفةُ، وخذَلتْهُ هذه الداهيةُ الباطنةُ.
وسببٌ آخَرٌ لسوءِ هذه الخاتِمةِ: أن هذا العبدَ قد يكونُ مخلِصًا، ويكونُ عملُهُ صادقًا، لكنه وقَعَ في عملٍ فيما بعدُ، أو نيَّةٍ لاحقةٍ سيِّئةٍ، كانت سببًا لأن يَضِلَّ بعده، وتفسُدَ خاتمتُه.
وأما مَن يَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حقيقةً، إخلاصًا وإيمانًا، فاللهُ تعالى أعدَلُ وأكرَمُ وأرحَمُ مِن أن يخذُلَهُ في نهايةِ عُمُرِه، بل هذا أهلٌ للتوفيقِ والتسديدِ والتثبيت؛ كما قال تعالى:
{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}
[إبراهيم: 27]
وقال تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
[العنكبوت: 96].
وكذلك: قد يَعمَلُ الرجُلُ عملَ أهلِ النار، وفي باطنِهِ خَصْلةٌ خفيَّةٌ مِن خصالِ الخيرِ، فتَغلِبُ عليه تلك الخَصْلةُ في آخِرِ عُمُرِه، فتُوجِبُ له حُسْنَ الخاتمة.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
أخبَرَ اللهُ تعالى أنه إنما يعامِلُ الناسَ بكسبِهم، ويُجازيهم بأعمالِهم، ولا يخافُ المحسِنُ لدَيْهِ ظُلمًا ولا هَضمًا، ولا يخافُ بَخْسًا ولا رَهَقًا، ولا يَضيعُ عنده عملُ محسِنٍ أبدًا، ولا يَضيعُ على العبدِ مثقالُ ذرَّةٍ، ولا يُظلَمُها:
{وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}
[النساء: 40]
؛ فكيف يُضِلُّ عبادَهُ المؤمِنين؟!
ففهمُ المعنى الصحيحِ للحديثِ يُزيلُ الإشكال:
هذا الحديثُ العظيمُ الذي بين أيدينا، قد أشكَلَ على بعضِ الناسِ فيه قولُهُ ^:
«فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ»
رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643).
والجوابُ عن ذلك: أن هذا النَّصَّ في حقِّ مَن لا يَعمَلُ إخلاصًا وإيمانًا، بل يَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ فيما يَبْدُو للناس؛ كما في بعضِِ رواياتِ الحديث.
وقولُهُ: «فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ»، بيانُهُ: أن الإمامَ النوويَّ ذكَرَ الحديثَ الأوَّلَ الذي استشهَدَ به المعترِضون على شبهتِهم في كتابِ «القدَرِ»، بابِ: «كيفيَّةِ خلقِ الآدَميِّ في بطنِ أمِّه وكتابةِ رزقِهِ وأجَلِهِ وعمَلِهِ وشقاوتِهِ وسعادتِه»، وذكَرَ الحديثَ الثانيَ الذي قيَّد الأوَّلَ في نفسِ الكتابِ والباب، وكأنه رحمه الله يريدُ أن يقولَ: إن الروايةَ الثانيةَ قيَّدت المطلَقَ مِن الروايةِ الأُولى بلفظِ: «فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ».
كما جاء موضَّحًا في الحديثِ الآخَرِ الذي رواه البخاريُّ (4207)، ومسلمٌ (112)، عن سَهْلٍ، قال: الْتَقَى النَّبِيُّ ^ وَالمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَاقْتَتَلُوا، فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي المُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنَ المُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ، فَقَالَ: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: لَأَتَّبِعَنَّهُ، فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ، كُنْتُ مَعَهُ، حَتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ ^، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ»، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:
«إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ».
وأما مَن يَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حقيقةً، إخلاصًا وإيمانًا، فاللهُ تعالى أعدَلُ وأكرَمُ وأرحَمُ مِن أن يخذُلَهُ في نهايةِ عُمُرِه، بل هذا أهلٌ للتوفيقِ والتسديدِ والتثبيت؛ كما قال تعالى:
{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ}
[إبراهيم: 27].
وقال اللهُ تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
[العنكبوت: 96]
وقال تعالى:
{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}
[يوسف: 90]
وقال اللهُ تعالى:
{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}
[آل عمران: 171].
وأما كونُ الرجُلِ يَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيَسبِقُ عليه الكتابُ، فإن هذا عملُ أهلِ الجنَّةِ فيما يَظهَرُ للناس، ولو كان عملًا صالحًا مقبولًا للجنَّةِ، قد أحبَّه اللهُ ورَضِيَهُ -: لم يُبطِلْهُ عليه.
فلما كان العملُ بآخِرِهِ وخاتِمتِهِ، لم يَصبِرْ هذا العاملُ على عملِهِ حتى يَتِمَّ له، بل كان فيه آفةٌ كامنةٌ، ونُكْتةٌ خُذِلَ بها في آخِرِ عُمُرِه، فخانته تلك الآفةُ، وخذَلتْهُ هذه الداهيةُ الباطنةُ في وقتِ الحاجة، فرجَعَ بمُوجَبِها، وعَمِلتْ عملَها، ولو لم يكن هناك غشٌّ وآفةٌ، لم يَقلِبِ اللهُ تعالى إيمانَهُ، واللهُ يَعلَمُ مِن سرائرِ العبادِ ما لا يَعلَمُهُ بعضُهم مِن بعض؛ وفي ذلك يقولُ اللهُ تعالى:
{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ}
[الصف: 5]
وقال أيضًا:
{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}
[الأعراف: 146].
وسببٌ آخَرٌ لسوءِ هذه الخاتِمةِ: أن هذا العبدَ قد يكونُ مخلِصًا، ويكونُ عملُهُ صادقًا، لكنه وقَعَ في عملٍ فيما بعدُ كان سببًا لأن يَضِلَّ بعده؛ فلا يَلزَمُ أن يكونَ غيرَ مُخلِصٍ في عملِهِ السابقِ مثلًا، ثم افتضَحَ في آخِرِ حياتِه، بل قد يكونُ العبدُ مخلِصًا، ثم بسببِ عملٍ أو نيَّةٍ لاحقةٍ سيِّئةٍ فسَدتْ خاتِمتَه.
وكذلك: قد يَعمَلُ الرجُلُ عملَ أهلِ النار، وفي باطنِهِ خَصْلةٌ خفيَّةٌ مِن خصالِ الخيرِ، فتَغلِبُ عليه تلك الخَصْلةُ في آخِر عُمُرِه، فتُوجِبُ له حسنَ الخاتمة، أو يكونُ هذا محضَ تفضُّلٍ ورحمةٍ مِن اللهِ له.
ومِن هذا نخلُصُ: إلى أنه - مع علمِ اللهِ تعالى السابقِ في خلقِهِ، وكتابتِهِ لأعمالِهم - فإنه تعالى لا يعذِّبُ عبادَهُ ولا ينعِّمُهم على مجرَّدِ علمِهِ فيهم، بل بسببِ ما عَمِلتْ أيديهم، وكسَبتْ نفوسُهم.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب - توصية:
مَن يَعمَلْ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حقيقةً، إخلاصًا وإيمانًا، فاللهُ تعالى أعدَلُ وأكرَمُ وأرحَمُ مِن أن يخذُلَهُ في نهايةِ عُمُرِه، بل هذا أهلٌ للتوفيقِ والتسديدِ والتثبيت؛ كما قال تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
[العنكبوت: 69].