نص السؤال

كيف يُمكِنُ الجمعُ بين هاتَيْنِ الآيتَيْنِ:

{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}

[النساء: 78- 79]

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

كيف نَجمَعُ بين قولِنا: «ما مِن شيءٍ يُصيبُ الإنسانَ إلا وهو مقدَّرٌ عند الله»، وبين قولِنا: «إن الشرَّ الذي يُصيبُ الإنسانَ يكونُ بسببِ عملِهِ السيِّئ»؟ هل ما أقومُ به مِن الخطأِ يكونُ بسببِ تقديرِ اللهِ، أم بسببِ ذنوبي؟

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

أوَّلًا: كيفيَّةُ التعامُلِ مع آيِ القرآن:

أما توهُّمُ التعارُضِ بين الآيتَيْنِ:

{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}

[النساء: 78- 79]

 ففَهْمُ هذه الآياتِ فهمًا صحيحًا يستدعي أمرَيْن:

أوَّلُهما: النظرُ إليها في السياقِ الذي ورَدَت فيه؛ إذ لا يستقيمُ ولا يَصِحُّ فهمُها وهي منعزِلةٌ عن سياقِها الخاصِّ.

وثانيهما: النظرُ إليها وَفْقَ المنظومةِ القرآنيَّةِ العامَّة، أو بعبارةٍ أخرى: النظرُ إليها نظرةً كليَّةً عامَّةً، وضِمنَ إطارِ الآياتِ القرآنيَّةِ الأخرى؛ فآياتُ الكتابِ يَشهَدُ بعضُها لبعضٍ، ويؤيِّدُ بعضُها بعضًا.

وانطلاقًا مِن هذَيْنِ الأمرَيْنِ: نستطيعُ التوفيقَ بين ما قد يَظهَرُ مِن تعارُضِ في الآياتِ التي نحن بصدَدِها.

ثانيًا: تطبيقُ قواعدِ النظرِ الصحيحِ في آيِ القرآنِ يُزيلُ شبهةَ التعارُضِ بينها:

وعلى هذا: فمعنى الآيةِ الكريمةِ:

{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}

[النساء: 78]

أي: أن كلَّ ما أصاب الناسَ مِن خيرٍ أو شرٍّ، أو ضُرٍّ أو نَفْعٍ، أو شدَّةٍ أو رخاءٍ، فمِن عندِ الله، لا يَقدِرُ على ذلك غيرُه، ولا يُصيبُ أحدًا سيِّئةٌ ونقمةٌ إلا بتقديرِه، ولا يَنالُ أحدًا رخاءٌ ونِعْمةٌ إلا بمشيئتِه؛ فالجميعُ بقضاءِ اللهِ وقدَرِه، وهو نافذٌ في البَرِّ والفاجر، والمؤمِنِ والكافر.

وفي هذا إعلامٌ مِن اللهِ لعبادِه، وتقريرٌ لحقيقةٍ، مُفادُها: أن مفاتحَ الأشياءِ كلَّها بيدِهِ سبحانه، لا يَملِكُ شيئًا منها أحدٌ غيرُه.

أما قولُهُ تعالى:

{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}

[النساء: 79]

أي: ما أصابَكَ - يا ابنَ آدمَ - مما يسُرُّكَ مِن رخاءٍ ورزقٍ، فهو مِن اللهِ تفضَّل به عليك، وما أصابَكَ مما يسوؤُكَ مِن شدَّةٍ ومشقَّةٍ وأذًى ومكروهٍ، فمِن نفسِك، أي: بسببِ ذنبٍ اكتسَبَتْهُ نفسُك.

وبهذا المعنى جاء أيضًا قولُهُ تعالى:

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

[آل عمران: 165]

وقولُهُ:

{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}

[الشورى: 30]

فحاصلُ المعنى هنا: ما أصابَكَ أيُّها المؤمِنُ مِن خِصْبٍ ورخاءٍ، وصحَّةٍ وسلامةٍ، وغِنًى ونِعْمةٍ وسَرَّاءَ، فبفضلِ اللهِ عليك، وإحسانِهِ إليك، وما أصابَكَ مِن جَدْبٍ وشِدَّةٍ، ومرَضٍ وسُقْمٍ، فبذنبٍ أتَيْتَهُ، وإثمٍ اقتَرَفْتَهُ، وعمَلٍ كسَبْتَهُ؛ فعُوقِبْتَ عليه.

فآياتُ سورةِ النساءِ تقرِّرُ حقيقةً مُهِمَّةً، حاصلُها: أن اللهَ سبحانه هو المقدِّرُ لكلِّ ما يقَعُ في الكونِ؛ فما يقَعُ في الكونِ مِن خيرٍ، فهو بتقديرِه، وما يقَعُ مِن شرٍّ، فهو بتقديرِهِ أيضًا، لكنَّه تعالى - وهو العليمُ الحكيم - يقدِّرُ الخيرَ والشرَّ والنفعَ والضرَّ لسببٍ؛ فما أصابَكَ أيُّها الإنسانُ مِن خيرٍ، فهو بتقديرِ الله، وبسببٍ مِن أعمالِكَ الصالحة، وما أصابَكَ مِن شَرٍّ، فهو بتقديرِ الله، وبسببِ ذنوبِكَ الطالحة، ولا يَظلِمُ ربُّكَ أحدًا.

إذن: الحسنةُ والسيِّئةُ كلتاهما بتقديرِ اللهِ تعالى؛ وهذا معنى:

{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}

[النساء: 78]

أي: بتقديرِهِ تعالى، لكنَّ الحسنةَ هي مِن فضلِ اللهِ تعالى على عبادِهِ؛ وهذا معنى:

{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ}

[النساء: 79]

أما السيِّئةُ، فسببُها فِعلُ العبدِ؛ كما قال تعالى:

{وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}

[النساء: 79]

أي: بسببِ فِعْلِكَ؛ فإضافةُ السيِّئةِ إلى العبدِ مِن إضافةِ الشيءِ إلى سببِهِ، لا إلى مقدِّرِه، أما إضافةُ الحسنةِ والسيِّئةِ إلى اللهِ، فهي مِن بابِ إضافةِ الشيءِ إلى مقدِّرِهِ ومُوجِدِهِ سبحانه.

وقد يقولُ الإنسانُ: «ربَّما أكونُ ملتزِمًا، وأَعمَلُ كلَّ الواجبات، ثم يَقلِبُ اللهُ قلبي، دون ذنبٍ ‏مني»؛ وهذا خطأٌ؛ فإن اللهَ تعالى لا يُضيعُ أجرَ مَن أحسَنَ عملًا، وما هو بظلَّامٍ للعبيد.‏

ولا يكونُ سوءُ الخاتِمةِ - عياذًا باللهِ مِن ذلك - إلا لأهلِ التفريطِ والتقصير، أو لأهلِ الاجتهادِ ‏المدخولِ الذي صاحَبَهُ رياءٌ وسُمْعةٌ؛ لأن اللهَ أعلمُ بالنيَّات.‏ 

مختصر الجواب

مختصَرُ الإجابة:

بالنسبةِ لقولِهِ سبحانه:

{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}

[النساء: 79]

فالمرادُ به: أن النِّعَمَ تكونُ مِن اللهِ على العبدِ، وأن المصائبَ والمَكارِهَ هي بسببٍ مِن العبدِ بعصيانِهِ، وشرورِ نفسِه، وليس المرادُ بها: أن النِّعَمَ بتقديرٍ مِن الله، وأن المصائبَ والشرورَ ليست بتقديرِ الله؛ فإن هذا لم يقل به أحدٌ مِن أهلِ العلم.

وأما معنى قولِهِ تعالى:

{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}

[النساء: 78]

فالمرادُ: أن كلَّ ما أصاب الناسَ مِن خيرٍ أو شرٍّ، أو ضُرٍّ أو نَفْعٍ، أو شدَّةٍ أو رخاءٍ، فمِن عندِ الله، لا يَقدِرُ على ذلك غيرُه، ولا يُصيبُ أحدًا سيِّئةٌ ونقمةٌ إلا بتقديرِه، ولا يَنالُ أحدًا رخاءٌ ونِعْمةٌ إلا بمشيئتِه؛ فالجميعُ بقضاءِ اللهِ وقدَرِه، وهو نافذٌ في البَرِّ والفاجر، والمؤمِنِ والكافر.

فلا تنافِيَ البتَّةَ بين كونِ المقاديرِ كلِّها - ما كان منها خيرًا للعبد، وما كان شرًّا للعبد - بتقديرِ اللهِ تعالى، ومِن خلقِه، وأن ما أصاب العبدَ مِن الشرور، فهو بسببٍ منه؛ بعصيانِهِ، وخبثِ نفسِه.

فآياتُ سورةِ النساءِ تقرِّرُ حقيقةً مُهِمَّةً، حاصلُها: أن اللهَ سبحانه هو المقدِّرُ لكلِّ ما يقَعُ في الكونِ؛ فما يقَعُ في الكونِ مِن خيرٍ، فهو بتقديرِهِ سبحانه، وما يقَعُ مِن شرٍّ، فهو بتقديرِهِ أيضًا، لكنَّه تعالى - وهو العليمُ الحكيم - يقدِّرُ الخيرَ والشرَّ والنفعَ والضرَّ لسببٍ؛ فما أصابَكَ أيُّها الإنسانُ مِن خيرٍ، فهو بتقديرِ الله، وبسببٍ مِن أعمالِكَ الصالحة، وما أصابَكَ مِن شَرٍّ، فهو بتقديرِ الله، وبسببِ ذنوبِكَ الطالحة، ولا يَظلِمُ ربُّكَ أحدًا.

والواجبُ على المسلِمِ: أن يؤمِنَ بتقديرِ اللهِ تعالى للمقاديرِ كلِّها، وأن يَحمَدَ اللهَ ويشكُرَهُ على النعمة؛ لأنه سبحانه هو المتفضِّلُ بها، وأن يتوبَ ويستغفِرَ إذا أصابَتهُ المصيبةُ؛ لأنها وقَعتْ بسببِ ذنوبِه، ومَعاصيهِ هو.

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

الإنسانُ قد يتَّجِهُ ويحاوِلُ تحقيقَ الخيرِ بالوسائلِ التي أرشَدَ اللهُ إليها، بَيْدَ أن تحقُّقَ الخيرِ فعلًا، لا يَتِمُّ إلا بمشيئةِ اللهِ وقدرتِه، وكذلك: فإن الإنسانَ قد يتَّجِهُ إلى تحقيقِ السُّوءِ، أو يَفعَلُ ما مِن شأنِهِ إيقاعُ السُّوءِ، ولكنَّ وقوعَ السوءِ فعلًا ووجودَهُ لا يَتِمُّ إلا بمشيئةِ اللهِ وقدرتِه.

مختصر الجواب

مختصَرُ الإجابة:

بالنسبةِ لقولِهِ سبحانه:

{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}

[النساء: 79]

فالمرادُ به: أن النِّعَمَ تكونُ مِن اللهِ على العبدِ، وأن المصائبَ والمَكارِهَ هي بسببٍ مِن العبدِ بعصيانِهِ، وشرورِ نفسِه، وليس المرادُ بها: أن النِّعَمَ بتقديرٍ مِن الله، وأن المصائبَ والشرورَ ليست بتقديرِ الله؛ فإن هذا لم يقل به أحدٌ مِن أهلِ العلم.

وأما معنى قولِهِ تعالى:

{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}

[النساء: 78]

فالمرادُ: أن كلَّ ما أصاب الناسَ مِن خيرٍ أو شرٍّ، أو ضُرٍّ أو نَفْعٍ، أو شدَّةٍ أو رخاءٍ، فمِن عندِ الله، لا يَقدِرُ على ذلك غيرُه، ولا يُصيبُ أحدًا سيِّئةٌ ونقمةٌ إلا بتقديرِه، ولا يَنالُ أحدًا رخاءٌ ونِعْمةٌ إلا بمشيئتِه؛ فالجميعُ بقضاءِ اللهِ وقدَرِه، وهو نافذٌ في البَرِّ والفاجر، والمؤمِنِ والكافر.

فلا تنافِيَ البتَّةَ بين كونِ المقاديرِ كلِّها - ما كان منها خيرًا للعبد، وما كان شرًّا للعبد - بتقديرِ اللهِ تعالى، ومِن خلقِه، وأن ما أصاب العبدَ مِن الشرور، فهو بسببٍ منه؛ بعصيانِهِ، وخبثِ نفسِه.

فآياتُ سورةِ النساءِ تقرِّرُ حقيقةً مُهِمَّةً، حاصلُها: أن اللهَ سبحانه هو المقدِّرُ لكلِّ ما يقَعُ في الكونِ؛ فما يقَعُ في الكونِ مِن خيرٍ، فهو بتقديرِهِ سبحانه، وما يقَعُ مِن شرٍّ، فهو بتقديرِهِ أيضًا، لكنَّه تعالى - وهو العليمُ الحكيم - يقدِّرُ الخيرَ والشرَّ والنفعَ والضرَّ لسببٍ؛ فما أصابَكَ أيُّها الإنسانُ مِن خيرٍ، فهو بتقديرِ الله، وبسببٍ مِن أعمالِكَ الصالحة، وما أصابَكَ مِن شَرٍّ، فهو بتقديرِ الله، وبسببِ ذنوبِكَ الطالحة، ولا يَظلِمُ ربُّكَ أحدًا.

والواجبُ على المسلِمِ: أن يؤمِنَ بتقديرِ اللهِ تعالى للمقاديرِ كلِّها، وأن يَحمَدَ اللهَ ويشكُرَهُ على النعمة؛ لأنه سبحانه هو المتفضِّلُ بها، وأن يتوبَ ويستغفِرَ إذا أصابَتهُ المصيبةُ؛ لأنها وقَعتْ بسببِ ذنوبِه، ومَعاصيهِ هو.

الجواب التفصيلي

الجوابُ التفصيليّ:

أوَّلًا: كيفيَّةُ التعامُلِ مع آيِ القرآن:

أما توهُّمُ التعارُضِ بين الآيتَيْنِ:

{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}

[النساء: 78- 79]

 ففَهْمُ هذه الآياتِ فهمًا صحيحًا يستدعي أمرَيْن:

أوَّلُهما: النظرُ إليها في السياقِ الذي ورَدَت فيه؛ إذ لا يستقيمُ ولا يَصِحُّ فهمُها وهي منعزِلةٌ عن سياقِها الخاصِّ.

وثانيهما: النظرُ إليها وَفْقَ المنظومةِ القرآنيَّةِ العامَّة، أو بعبارةٍ أخرى: النظرُ إليها نظرةً كليَّةً عامَّةً، وضِمنَ إطارِ الآياتِ القرآنيَّةِ الأخرى؛ فآياتُ الكتابِ يَشهَدُ بعضُها لبعضٍ، ويؤيِّدُ بعضُها بعضًا.

وانطلاقًا مِن هذَيْنِ الأمرَيْنِ: نستطيعُ التوفيقَ بين ما قد يَظهَرُ مِن تعارُضِ في الآياتِ التي نحن بصدَدِها.

ثانيًا: تطبيقُ قواعدِ النظرِ الصحيحِ في آيِ القرآنِ يُزيلُ شبهةَ التعارُضِ بينها:

وعلى هذا: فمعنى الآيةِ الكريمةِ:

{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}

[النساء: 78]

أي: أن كلَّ ما أصاب الناسَ مِن خيرٍ أو شرٍّ، أو ضُرٍّ أو نَفْعٍ، أو شدَّةٍ أو رخاءٍ، فمِن عندِ الله، لا يَقدِرُ على ذلك غيرُه، ولا يُصيبُ أحدًا سيِّئةٌ ونقمةٌ إلا بتقديرِه، ولا يَنالُ أحدًا رخاءٌ ونِعْمةٌ إلا بمشيئتِه؛ فالجميعُ بقضاءِ اللهِ وقدَرِه، وهو نافذٌ في البَرِّ والفاجر، والمؤمِنِ والكافر.

وفي هذا إعلامٌ مِن اللهِ لعبادِه، وتقريرٌ لحقيقةٍ، مُفادُها: أن مفاتحَ الأشياءِ كلَّها بيدِهِ سبحانه، لا يَملِكُ شيئًا منها أحدٌ غيرُه.

أما قولُهُ تعالى:

{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}

[النساء: 79]

أي: ما أصابَكَ - يا ابنَ آدمَ - مما يسُرُّكَ مِن رخاءٍ ورزقٍ، فهو مِن اللهِ تفضَّل به عليك، وما أصابَكَ مما يسوؤُكَ مِن شدَّةٍ ومشقَّةٍ وأذًى ومكروهٍ، فمِن نفسِك، أي: بسببِ ذنبٍ اكتسَبَتْهُ نفسُك.

وبهذا المعنى جاء أيضًا قولُهُ تعالى:

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

[آل عمران: 165]

وقولُهُ:

{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}

[الشورى: 30]

فحاصلُ المعنى هنا: ما أصابَكَ أيُّها المؤمِنُ مِن خِصْبٍ ورخاءٍ، وصحَّةٍ وسلامةٍ، وغِنًى ونِعْمةٍ وسَرَّاءَ، فبفضلِ اللهِ عليك، وإحسانِهِ إليك، وما أصابَكَ مِن جَدْبٍ وشِدَّةٍ، ومرَضٍ وسُقْمٍ، فبذنبٍ أتَيْتَهُ، وإثمٍ اقتَرَفْتَهُ، وعمَلٍ كسَبْتَهُ؛ فعُوقِبْتَ عليه.

فآياتُ سورةِ النساءِ تقرِّرُ حقيقةً مُهِمَّةً، حاصلُها: أن اللهَ سبحانه هو المقدِّرُ لكلِّ ما يقَعُ في الكونِ؛ فما يقَعُ في الكونِ مِن خيرٍ، فهو بتقديرِه، وما يقَعُ مِن شرٍّ، فهو بتقديرِهِ أيضًا، لكنَّه تعالى - وهو العليمُ الحكيم - يقدِّرُ الخيرَ والشرَّ والنفعَ والضرَّ لسببٍ؛ فما أصابَكَ أيُّها الإنسانُ مِن خيرٍ، فهو بتقديرِ الله، وبسببٍ مِن أعمالِكَ الصالحة، وما أصابَكَ مِن شَرٍّ، فهو بتقديرِ الله، وبسببِ ذنوبِكَ الطالحة، ولا يَظلِمُ ربُّكَ أحدًا.

إذن: الحسنةُ والسيِّئةُ كلتاهما بتقديرِ اللهِ تعالى؛ وهذا معنى:

{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}

[النساء: 78]

أي: بتقديرِهِ تعالى، لكنَّ الحسنةَ هي مِن فضلِ اللهِ تعالى على عبادِهِ؛ وهذا معنى:

{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ}

[النساء: 79]

أما السيِّئةُ، فسببُها فِعلُ العبدِ؛ كما قال تعالى:

{وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}

[النساء: 79]

أي: بسببِ فِعْلِكَ؛ فإضافةُ السيِّئةِ إلى العبدِ مِن إضافةِ الشيءِ إلى سببِهِ، لا إلى مقدِّرِه، أما إضافةُ الحسنةِ والسيِّئةِ إلى اللهِ، فهي مِن بابِ إضافةِ الشيءِ إلى مقدِّرِهِ ومُوجِدِهِ سبحانه.

وقد يقولُ الإنسانُ: «ربَّما أكونُ ملتزِمًا، وأَعمَلُ كلَّ الواجبات، ثم يَقلِبُ اللهُ قلبي، دون ذنبٍ ‏مني»؛ وهذا خطأٌ؛ فإن اللهَ تعالى لا يُضيعُ أجرَ مَن أحسَنَ عملًا، وما هو بظلَّامٍ للعبيد.‏

ولا يكونُ سوءُ الخاتِمةِ - عياذًا باللهِ مِن ذلك - إلا لأهلِ التفريطِ والتقصير، أو لأهلِ الاجتهادِ ‏المدخولِ الذي صاحَبَهُ رياءٌ وسُمْعةٌ؛ لأن اللهَ أعلمُ بالنيَّات.‏ 

خاتمة الجواب

خاتِمةُ الجواب - توصية:

الإنسانُ قد يتَّجِهُ ويحاوِلُ تحقيقَ الخيرِ بالوسائلِ التي أرشَدَ اللهُ إليها، بَيْدَ أن تحقُّقَ الخيرِ فعلًا، لا يَتِمُّ إلا بمشيئةِ اللهِ وقدرتِه، وكذلك: فإن الإنسانَ قد يتَّجِهُ إلى تحقيقِ السُّوءِ، أو يَفعَلُ ما مِن شأنِهِ إيقاعُ السُّوءِ، ولكنَّ وقوعَ السوءِ فعلًا ووجودَهُ لا يَتِمُّ إلا بمشيئةِ اللهِ وقدرتِه.