نص السؤال
قام عثمانُ عند جمعِهِ للمصحفِ باعتمادِ حرفٍ واحدٍ فقطْ مِن الأحرُفِ السبعةِ التي نزَلَ بها القرآنُ، وأحرَقَ البقيَّةَ؛ أَلَا يدُلُّ ذلك على أن القرآنَ ناقصٌ؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
هل فقدُ بقيَّةِ الأحرُفِ السبعةِ يُعَدُّ نقصًا في القرآنِ الكريم؟
الجواب التفصيلي
معنى الأحرُفِ السبعة:
الحكمُ على الشيءِ فرعٌ عن تصوُّرِه، وقبل أن نحكُمَ على الحادثةِ يجبُ أن نَعرِفَ معنى أحرُفِ القرآن، والأحرُفُ لها مفاهيمُ قد تختلِفُ بحسَبِ السياقِ، وسنقتصِرُ على أحدِ المفاهيمِ الموضِّحةِ للمعنى؛ فنقولُ:
القرآنُ الكريمُ الذي بين أيدينا قد يكونُ لبعضِ كلماتِهِ أحرُفٌ، أي: أوجُهٌ أخرى؛ فمثلًا:
{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}
[الحُجُرات: 6]
قرَأَها النبيُّ ^ أيضًا: «إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَثَبَّتُوا»؛ وكلاهما نزَلَ بها جبريلُ، وكلاهما يدُلُّ على معنًى صحيحٍ، ويقوِّي بعضُها بعضًا، وفيها فوائدُ كثيرةٌ فصَّلها العلماء؛ وهذا مِن بلاغةِ القرآن.
وهنا نقولُ: هذه الكلمةُ لها حرفانِ، وبعضُ كلماتِ القرآنِ (وليس كلَّها) لها ثلاثةُ أحرُفٍ، وبعضُها أكثرُ، وأقصى شيءٍ سبعةُ أحرُفٍ؛ ولهذا قال رسولُ الله ^:
«إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ»
متفَقٌ عليه: رواه البخاري (4992، 6936، 7550)، ومسلم (818).
فمثلًا قولُهُ تعالى:
{أَرْجِهْ وَأَخَاهُ}
[الأعراف: 111، الشعراء: 36]
قُرِئت: «أَرْجِهْ، أَرْجِهِ، أَرْجِهِي، أَرْجِئْهُ، أَرْجِئْهُو، أَرْجِئْهِ ...»، إلخ.
فليس المقصودُ أن هناك سبعَ قرآناتٍ، بل المقصودُ: أن أقصى حدٍّ قد يقَعُ لبعضِ الكلماتِ هو سبعةُ أحرُفٍ، وأكثرُ القرآنِ حرفٌ واحدٌ.
ماذا حدَث؟:
في أوَّلِ عهدِ الصحابةِ لم يكن هناك «نسخةٌ موحَّدةٌ»؛ فكان عددٌ مِن الصحابةِ ومَن لَحِقَهم مِن التابِعين: يكتُبون الحرفَ الذي تعلَّموه، ويكتُبون مُصحَفَهم على ذلك، وحصَلَ التالي:
1- كانت بعضُ المصاحفِ مكتوبةً بطريقةٍ لا تحتمِلُ إلا قراءةً واحدةً.
2- كانت بعضُ المصاحفِ تحتوي على آياتٍ منسوخةٍ تلاوتُها، وأصحابُ تلك المصاحفِ لا يَعلَمون أنها قد نُسِخَتْ، أو يَعلَمون ولكنهم أثبَتُوها للتفقُّه.
3- كانت مصاحفُ بعضِ الصحابةِ تحتوي على كلماتٍ تفسيريَّةٍ ليست مِن القرآنِ؛ فقد كان يكتُبُها الصحابيُّ لضبطِ المعنى.
4- بعضٌ مِن أصحابِ تلك المصاحفِ كان لدَيْهِ بعضُ السُّوَرِ فقطْ، كتَبَها أثناءَ نزولِ الوحيِ، ولم يتابِعْ ما نزَلَ بعدها مِن السُّوَر.
5- كان هناك اختلافٌ في الخطِّ والإملاءِ في بعضِ المصاحف؛ بحسَبِ عاداتِ العرَب.
6- أَضِفْ إلى ذلك: أن ترتيبَ سُوَرِ القرآنِ في المصاحفِ ذلك الوقتَ يختلِفُ أحيانًا؛ لأن ترتيبَ سُوَرِ القرآنِ لم يكن في البدايةِ نصًّا قطعيًّا عن النبيِّ ^، ولأن بعضَهم رتَّب سُوَرَ القرآنِ في مصحفِهِ الخاصِّ بحسَبِ اجتهادٍ رآه.
7- أَضِفْ إلى ذلك أيضًا: اجتهاداتٍ في مِثلِ أن «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» التي تُقرَأُ في أوَّلِ كلِّ سورةٍ، هل تُكتَبُ مرَّةً واحدةً في أوَّلِ المصحفِ فقطْ، وتُقرَأُ بدايةَ السورة؟ أو تُكتَبُ في بدايةِ كلِّ سورة؟
وأشياءُ أُخرى مِن الاختلاف.
أين المشكِلةُ؟:
المشكِلةُ: أنه لمَّا بدأ يدخُلُ في الإسلامِ أُناسٌ جُدُدٌ، وأصبَحتْ في أيدي الناسِ مصاحفُ مختلِفةٌ - وإن كانت كلُّها صحيحةً بوجهٍ مَّا - بدأ يَظهَرُ الخلافُ، خصوصًا مِن حديثي الإسلامِ وقليلي العِلْم؛ فيأتي مَن يخطِّئُ الآخَرَ، أو يشُكُّ فيما عنده مِن القرآنِ، أو لا يَدْري ماذا يَقرَأُ ويَحفَظُ ويتعلَّمُ، وأيضًا: حصَلَ خوفٌ مِن أن يأتِيَ شخصٌ ويُضيفَ شيئًا مِن عندِه، ويهابَ الناسُ أن يخطِّئوه.
ما الحَلُّ؟:
هنا رأى كبارُ الصحابةِ: أن تُوحَّدَ المصاحفُ بنسخةٍ موحَّدةٍ، وتُكتَبَ بطريقةٍ متقَنةٍ؛ تقتصِرُ على النصِّ القرآنيِّ الذي لم يُنسَخْ، وعلى الترتيبِ الأخيرِ فيما عرَضَهُ جبريلُ على النبيِّ ^، وأن يُكتَبَ القرآنُ بطريقةٍ إملائيَّةٍ موحَّدةٍ، وأن تكونَ كتابةُ الحرفِ - الذي له أكثرُ مِن وجهٍ - بطريقةٍ تَجمَعُ الأوجُهَ المختلِفةَ له، مع تقديمِ ما يوافِقُ لغةَ قُريشٍ التي نزَلَ بها القرآنُ.
فكلمةُ «فَتَبَيَّنُوا» كُتِبَتْ بدونِ نُقَطٍ - فالمصاحفُ القديمةُ بدون نُقَطٍ - فهي تحتمِلُ: «فَتَبَيَّنُوا»، وتحتمِلُ: «فَتَثَبَّتُوا»؛ فجَمَعتِ الحرفَيْن.
وكذلك:
{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ}
[الأنبياء: 112]
فهي تحتمِلُ: «قُلْ»، و«قَالَ».
وأيضًا هناك إجراءاتٌ أخرى لبعضِ الكلماتِ النوعيَّةِ يصعُبُ تفصيلُها هنا، لكنَّ المقصودَ أن المصحفَ أصبَحَ نُسْخةً موحَّدةً، والتنوُّعُ في الأحرُفِ يَعرِفُهُ أهلُ القرآن.
فجميعُ الأحرُفِ محفوظةٌ ومعروفةٌ مِن ذلك الوقتِ إلى اليومِ، (وما زال هناك صغارٌ وكبارٌ، وعرَبٌ وعجَمٌ، يَعرِفونها بإتقانٍ).
وأما سائرُ المصاحفِ التي كُتِبتْ بطريقةٍ مختلِفةٍ، أو تضمَّنتْ تفسيرًا، أو آياتٍ منسوخةً، أو ترتيبًا مختلِفًا -: فإنها تُحرَقُ لئلا يحصُلَ الاختلافُ الذي سبَقَ بيانُ خطورتِه.
وحَرْقُ المصاحفِ لا يَعْني حَرْقَ العِلمِ الذي بداخلِها؛ فهو محفوظٌ في الصدورِ، وفي السطورِ أيضًا، ولكنْ لا يُجعَلُ على شكلِ مُصحَفٍ؛ لئلا يحصُلَ اشتباهٌ واختلافٌ بين الناس.
والعمليَّةُ التي تمَّت كانت بإشرافِ خُبَراءِ القراءةِ واللغةِ مِن الصحابة، وأمامَ جَمْعٍ مِن كُبَراءِ الصحابة، وبمعرفةِ الناسِ، وفيهمُ الجَمُّ الغفيرُ مِن العارِفين بالقرآنِ، بل بالأوجُهِ الدقيقةِ منه، بل بطريقةِ أدائِهِ؛ مما يستحيلُ معه التواطُؤُ على إهمالِ كلمةٍ، أو أقلَّ مِن ذلك.
وأُرسِلتْ نسخةٌ مِن المصحَفِ الموحَّدِ - الذي يَجمَعُ أصولَ الأحرُفِ المتنوِّعةِ - إلى الأمصار، وما زال الناسُ يدرُسون القرآنَ وحروفَهُ في علومٍ خاصَّةٍ كعِلمِ القراءات، وبالتالي فليس هناك أيُّ حرفٍ مِن القرآنِ مفقودًا أصلًا.
وهذا قولٌ ظاهرٌ تدُلُّ عليه أدلَّة.
وبعضُ العلماءِ: يفسِّرُ القصَّةَ بطريقةٍ أخرى، ويَرَى أن هناك أحرُفًا تَمَّ تَرْكُها، وهي مجرَّدُ طرُقٍ للأداءِ لا يختلِفُ فيها المعنى أو الحكمُ الشرعيُّ، وإنما كانت لتيسيرِ اللهَجات.
وعلى كلا القولَيْنِ: فلا يثبُتُ علميًّا أن هناك شيئًا مِن معاني القرآنِ أو حروفِهِ الأصليَّةِ تَمَّ تَرْكُه.
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
قبل أن نحكُمَ في هذه المسألةِ لا بدَّ أوَّلًا أن نَعرِفَ ما المقصودُ بالأحرُفِ السبعة؟ وما المشكِلةُ التي وقَعتْ؟ وما الذي أُحرِقَ بالضبط؟
لأن بعضَ الناسِ يظُنُّ أن هناك شيئًا مِن القرآنِ تَمَّ إحراقُه، وأنه الآنَ لا يُعرَفُ ما فيه مِن العِلمِ والأحكام.
وهذا خطأٌ؛ فالذي أُحرِقَ إنما هي مصاحِفُ كُتِبَتْ بطريقةٍ معيَّنةٍ، أو تضمَّنتْ تفسيرًا، أو آياتٍ منسوخةً، أو ترتيبًا مختلِفًا، وبقاءُ هذه المصاحفِ بهذه الطريقةِ قد يسبِّبُ اختلافًا، وأما القرآنُ نفسُهُ، فهو محفوظٌ بحروفِهِ ومعانيهِ، بل حتى بطريقةِ أدائِه.
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
قبل أن نحكُمَ في هذه المسألةِ لا بدَّ أوَّلًا أن نَعرِفَ ما المقصودُ بالأحرُفِ السبعة؟ وما المشكِلةُ التي وقَعتْ؟ وما الذي أُحرِقَ بالضبط؟
لأن بعضَ الناسِ يظُنُّ أن هناك شيئًا مِن القرآنِ تَمَّ إحراقُه، وأنه الآنَ لا يُعرَفُ ما فيه مِن العِلمِ والأحكام.
وهذا خطأٌ؛ فالذي أُحرِقَ إنما هي مصاحِفُ كُتِبَتْ بطريقةٍ معيَّنةٍ، أو تضمَّنتْ تفسيرًا، أو آياتٍ منسوخةً، أو ترتيبًا مختلِفًا، وبقاءُ هذه المصاحفِ بهذه الطريقةِ قد يسبِّبُ اختلافًا، وأما القرآنُ نفسُهُ، فهو محفوظٌ بحروفِهِ ومعانيهِ، بل حتى بطريقةِ أدائِه.
الجواب التفصيلي
معنى الأحرُفِ السبعة:
الحكمُ على الشيءِ فرعٌ عن تصوُّرِه، وقبل أن نحكُمَ على الحادثةِ يجبُ أن نَعرِفَ معنى أحرُفِ القرآن، والأحرُفُ لها مفاهيمُ قد تختلِفُ بحسَبِ السياقِ، وسنقتصِرُ على أحدِ المفاهيمِ الموضِّحةِ للمعنى؛ فنقولُ:
القرآنُ الكريمُ الذي بين أيدينا قد يكونُ لبعضِ كلماتِهِ أحرُفٌ، أي: أوجُهٌ أخرى؛ فمثلًا:
{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}
[الحُجُرات: 6]
قرَأَها النبيُّ ^ أيضًا: «إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَثَبَّتُوا»؛ وكلاهما نزَلَ بها جبريلُ، وكلاهما يدُلُّ على معنًى صحيحٍ، ويقوِّي بعضُها بعضًا، وفيها فوائدُ كثيرةٌ فصَّلها العلماء؛ وهذا مِن بلاغةِ القرآن.
وهنا نقولُ: هذه الكلمةُ لها حرفانِ، وبعضُ كلماتِ القرآنِ (وليس كلَّها) لها ثلاثةُ أحرُفٍ، وبعضُها أكثرُ، وأقصى شيءٍ سبعةُ أحرُفٍ؛ ولهذا قال رسولُ الله ^:
«إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ»
متفَقٌ عليه: رواه البخاري (4992، 6936، 7550)، ومسلم (818).
فمثلًا قولُهُ تعالى:
{أَرْجِهْ وَأَخَاهُ}
[الأعراف: 111، الشعراء: 36]
قُرِئت: «أَرْجِهْ، أَرْجِهِ، أَرْجِهِي، أَرْجِئْهُ، أَرْجِئْهُو، أَرْجِئْهِ ...»، إلخ.
فليس المقصودُ أن هناك سبعَ قرآناتٍ، بل المقصودُ: أن أقصى حدٍّ قد يقَعُ لبعضِ الكلماتِ هو سبعةُ أحرُفٍ، وأكثرُ القرآنِ حرفٌ واحدٌ.
ماذا حدَث؟:
في أوَّلِ عهدِ الصحابةِ لم يكن هناك «نسخةٌ موحَّدةٌ»؛ فكان عددٌ مِن الصحابةِ ومَن لَحِقَهم مِن التابِعين: يكتُبون الحرفَ الذي تعلَّموه، ويكتُبون مُصحَفَهم على ذلك، وحصَلَ التالي:
1- كانت بعضُ المصاحفِ مكتوبةً بطريقةٍ لا تحتمِلُ إلا قراءةً واحدةً.
2- كانت بعضُ المصاحفِ تحتوي على آياتٍ منسوخةٍ تلاوتُها، وأصحابُ تلك المصاحفِ لا يَعلَمون أنها قد نُسِخَتْ، أو يَعلَمون ولكنهم أثبَتُوها للتفقُّه.
3- كانت مصاحفُ بعضِ الصحابةِ تحتوي على كلماتٍ تفسيريَّةٍ ليست مِن القرآنِ؛ فقد كان يكتُبُها الصحابيُّ لضبطِ المعنى.
4- بعضٌ مِن أصحابِ تلك المصاحفِ كان لدَيْهِ بعضُ السُّوَرِ فقطْ، كتَبَها أثناءَ نزولِ الوحيِ، ولم يتابِعْ ما نزَلَ بعدها مِن السُّوَر.
5- كان هناك اختلافٌ في الخطِّ والإملاءِ في بعضِ المصاحف؛ بحسَبِ عاداتِ العرَب.
6- أَضِفْ إلى ذلك: أن ترتيبَ سُوَرِ القرآنِ في المصاحفِ ذلك الوقتَ يختلِفُ أحيانًا؛ لأن ترتيبَ سُوَرِ القرآنِ لم يكن في البدايةِ نصًّا قطعيًّا عن النبيِّ ^، ولأن بعضَهم رتَّب سُوَرَ القرآنِ في مصحفِهِ الخاصِّ بحسَبِ اجتهادٍ رآه.
7- أَضِفْ إلى ذلك أيضًا: اجتهاداتٍ في مِثلِ أن «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» التي تُقرَأُ في أوَّلِ كلِّ سورةٍ، هل تُكتَبُ مرَّةً واحدةً في أوَّلِ المصحفِ فقطْ، وتُقرَأُ بدايةَ السورة؟ أو تُكتَبُ في بدايةِ كلِّ سورة؟
وأشياءُ أُخرى مِن الاختلاف.
أين المشكِلةُ؟:
المشكِلةُ: أنه لمَّا بدأ يدخُلُ في الإسلامِ أُناسٌ جُدُدٌ، وأصبَحتْ في أيدي الناسِ مصاحفُ مختلِفةٌ - وإن كانت كلُّها صحيحةً بوجهٍ مَّا - بدأ يَظهَرُ الخلافُ، خصوصًا مِن حديثي الإسلامِ وقليلي العِلْم؛ فيأتي مَن يخطِّئُ الآخَرَ، أو يشُكُّ فيما عنده مِن القرآنِ، أو لا يَدْري ماذا يَقرَأُ ويَحفَظُ ويتعلَّمُ، وأيضًا: حصَلَ خوفٌ مِن أن يأتِيَ شخصٌ ويُضيفَ شيئًا مِن عندِه، ويهابَ الناسُ أن يخطِّئوه.
ما الحَلُّ؟:
هنا رأى كبارُ الصحابةِ: أن تُوحَّدَ المصاحفُ بنسخةٍ موحَّدةٍ، وتُكتَبَ بطريقةٍ متقَنةٍ؛ تقتصِرُ على النصِّ القرآنيِّ الذي لم يُنسَخْ، وعلى الترتيبِ الأخيرِ فيما عرَضَهُ جبريلُ على النبيِّ ^، وأن يُكتَبَ القرآنُ بطريقةٍ إملائيَّةٍ موحَّدةٍ، وأن تكونَ كتابةُ الحرفِ - الذي له أكثرُ مِن وجهٍ - بطريقةٍ تَجمَعُ الأوجُهَ المختلِفةَ له، مع تقديمِ ما يوافِقُ لغةَ قُريشٍ التي نزَلَ بها القرآنُ.
فكلمةُ «فَتَبَيَّنُوا» كُتِبَتْ بدونِ نُقَطٍ - فالمصاحفُ القديمةُ بدون نُقَطٍ - فهي تحتمِلُ: «فَتَبَيَّنُوا»، وتحتمِلُ: «فَتَثَبَّتُوا»؛ فجَمَعتِ الحرفَيْن.
وكذلك:
{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ}
[الأنبياء: 112]
فهي تحتمِلُ: «قُلْ»، و«قَالَ».
وأيضًا هناك إجراءاتٌ أخرى لبعضِ الكلماتِ النوعيَّةِ يصعُبُ تفصيلُها هنا، لكنَّ المقصودَ أن المصحفَ أصبَحَ نُسْخةً موحَّدةً، والتنوُّعُ في الأحرُفِ يَعرِفُهُ أهلُ القرآن.
فجميعُ الأحرُفِ محفوظةٌ ومعروفةٌ مِن ذلك الوقتِ إلى اليومِ، (وما زال هناك صغارٌ وكبارٌ، وعرَبٌ وعجَمٌ، يَعرِفونها بإتقانٍ).
وأما سائرُ المصاحفِ التي كُتِبتْ بطريقةٍ مختلِفةٍ، أو تضمَّنتْ تفسيرًا، أو آياتٍ منسوخةً، أو ترتيبًا مختلِفًا -: فإنها تُحرَقُ لئلا يحصُلَ الاختلافُ الذي سبَقَ بيانُ خطورتِه.
وحَرْقُ المصاحفِ لا يَعْني حَرْقَ العِلمِ الذي بداخلِها؛ فهو محفوظٌ في الصدورِ، وفي السطورِ أيضًا، ولكنْ لا يُجعَلُ على شكلِ مُصحَفٍ؛ لئلا يحصُلَ اشتباهٌ واختلافٌ بين الناس.
والعمليَّةُ التي تمَّت كانت بإشرافِ خُبَراءِ القراءةِ واللغةِ مِن الصحابة، وأمامَ جَمْعٍ مِن كُبَراءِ الصحابة، وبمعرفةِ الناسِ، وفيهمُ الجَمُّ الغفيرُ مِن العارِفين بالقرآنِ، بل بالأوجُهِ الدقيقةِ منه، بل بطريقةِ أدائِهِ؛ مما يستحيلُ معه التواطُؤُ على إهمالِ كلمةٍ، أو أقلَّ مِن ذلك.
وأُرسِلتْ نسخةٌ مِن المصحَفِ الموحَّدِ - الذي يَجمَعُ أصولَ الأحرُفِ المتنوِّعةِ - إلى الأمصار، وما زال الناسُ يدرُسون القرآنَ وحروفَهُ في علومٍ خاصَّةٍ كعِلمِ القراءات، وبالتالي فليس هناك أيُّ حرفٍ مِن القرآنِ مفقودًا أصلًا.
وهذا قولٌ ظاهرٌ تدُلُّ عليه أدلَّة.
وبعضُ العلماءِ: يفسِّرُ القصَّةَ بطريقةٍ أخرى، ويَرَى أن هناك أحرُفًا تَمَّ تَرْكُها، وهي مجرَّدُ طرُقٍ للأداءِ لا يختلِفُ فيها المعنى أو الحكمُ الشرعيُّ، وإنما كانت لتيسيرِ اللهَجات.
وعلى كلا القولَيْنِ: فلا يثبُتُ علميًّا أن هناك شيئًا مِن معاني القرآنِ أو حروفِهِ الأصليَّةِ تَمَّ تَرْكُه.