نص السؤال

أَلَا تدُلُّ معجِزاتُ عيسى التي ذكَرَها القرآنُ، ووَصْفُهُ بأنه كلمة الله، ورُوحٌ مِن اللهِ، على ما تقولُ به النصرانيَّةُ مِن ألوهيَّةِ عيسى عليه السلامُ؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

ما هي نظرةُ القرآنِ لعيسى عليه السلام؟ 

  ما معنى: {وَرُوحٌ مِنْهُ}؟

الجواب التفصيلي

مضمونُ السؤال:

زعَمَ النصارى أن كونَ المسيحِ عليه السلامُ: «رُوحًا مِن الله» - كما ورَدَ في القرآن - يدُلُّ على ألوهيَّتِهِ؛ حيثُ إن إطلاقَ «رُوحِ اللهِ» عليه هي خاصِّيَّةٌ امتاز بها المسيحُ عليه السلامُ دون غيرِه، وذكَروا أنه لا معنَى لكونِهِ «رُوحًا مِن اللهِ»: غيرُ أنه الأُقْنُومُ الثاني مِن الثالوث، وأنه مرسَلٌ مِن قِبَلِ أبيه، وأنه مِثلُهُ؛ لأن كلمةَ «مِنْهُ» الواردةَ في القرآنِ الكريمِ

في قولِهِ:

{وَرُوحٌ مِنْهُ}

[النساء: 171]

تقتضي البعضيَّةَ، أي: أنه جزءٌ منه؛ فالمسيحُ مِن الله، وهو رُوحُ الله؛ إذَنْ هو إلهٌ.

مختصَرُ الإجابة:

عيسى المسيحُ عليه السلامُ هو عبدُ اللهِ ورسولُه، والقرآنُ يكفِّرُ في آياتٍ عِدَّةٍ: مَن يُثبِتُ بُنُوَّةَ المسيحِ للهِ تعالى أو ألوهيَّتَهُ.

وهذا فرقٌ كبيرٌ بين الإسلامِ والنصرانيَّة؛ فإن خَلْقَ عيسى عليه السلام يُشبِهُ خَلْقَ آدمَ؛ فقد خصَّه اللهُ سبحانه بأنه «رُوحٌ مِنْهُ»، وقد كان خلقُهما بنفخِ رُوحِ اللهِ فيهما؛ فكما أن آدمَ ليس إلهًا بنفخِ الروحِ فيه، فكذلك عيسى ليس إلهًا بنفخِ الروحِ فيه، والمرادُ بـ «رُوحِ الله» هنا: الروحُ التي خلَقَها اللهُ لخلقِ آدَمَ ولخلقِ عيسى؛ عليهما السلام.

والإضافاتُ للهِ تعالى الواردةُ في الوحيِ - بأسلوبِ الإضافةِ؛ كما في «كلمة الله»، أو باستعمالِ حرفِ «مِن»؛ كما في «رُوح منه» - نوعان:

الأوَّلُ: إضافةُ الصفةِ للموصوفِ؛ مثلُ: رحمةِ اللهِ وعِزَّتِه، ومغفرةٍ مِن الله، ورحمةٍ منه، وصفاتُ اللهِ غيرُ مخلوقة، ومِن هذا النوعِ: قولُ اللهِ تعالى عن المسيحِ: إنه «كلمةُ الله»

في قولِهِ:

{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ}

[النساء: 171]؛

فـ «كلمةُ الله» هنا، أي: «كُنْ»؛ والمرادُ: أن عيسى عليه السلامُ خُلِقَ بكلمةِ «كُنْ»، ولم يكن عيسى هو الكلمةَ؛ فإن عيسى مخلوقٌ، وكلمةُ اللهِ غيرُ مخلوقة؛

كما قال تعالى:

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}

[آل عمران: 59].

والثاني: إضافةُ المخلوقِ للخالقِ إضافةَ تشريفٍ وتكريم؛ مثلُ: بيتِ الله، وناقةِ اللهِ، وقولِهِ: {جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]؛ ومِن هذا النوعِ: إضافةُ الرُّوحِ للهِ تعالى في وصفِ عيسى عليه السلامُ في قولِهِ: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ}، وكذلك: إضافةُ الرُّوحِ للهِ تعالى في وصفِ آدمَ عليه السلامُ في قولِهِ: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29]، وتكونُ «مِن» في قولِهِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ}: لابتداءِ الغاية، لا للتبعيض.

وليس في الوحيِ إضافةٌ بمعنى إضافةِ الابنِ، أو الولَدِ؛ تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.

 الجوابُ التفصيليّ:

وصفُ عيسى عليه السلامُ بأنه رُوحٌ مِن الله، لا يدُلُّ على ألوهيَّتِهِ، كما تدَّعي النصارى، والقرآنُ نطَقَ بالعدلِ في عيسى عليه السلامُ، ودلَّ على أنه عبدُ اللهِ ورسولُه.

ويجبُ معرفةُ معنى وصفِ عيسى عليه السلامُ في القرآنِ: بأنه كلمةُ اللهِ تعالى التي ألقاها إلى مَريَمَ، ورُوحٌ منه، وحَمْلُ مثلِ هذه المتشابِهاتِ على المحكَماتِ، وينتهي الإشكالُ الواردُ في السؤالِ بتأمُّلِ ما يلي:

 أوَّلًا: لو تأمَّلْنا الآياتِ التالية، لوَجَدْناها تناقِضُ ما ورَدَ في السؤالِ مِن أن القرآنَ قد أثبَتَ ألوهيَّةَ المسيحِ عليه السلامُ:

فاللهُ تعالى يقولُ:

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}

[المائدة: 72].

وقال تعالى:

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}

[التوبة: 30]،

وغيرَها مِن الآياتِ التي تُثبِتُ خلافَ ما ورَدَ في السؤال.

ثانيًا: ما معنى وصفِ عيسى عليه السلامُ في القرآنِ بأنه «كلمةُ الله»؟:

فقد وصَفَ القرآنُ الكريمُ عيسى في عدَّةِ آياتٍ بأنه «كلمةُ اللهِ»، فقالت النصارى: «إن كلمةَ اللهِ مِن ذاتِ الله»، ونحن نَرُدُّ عليهم بعدَّةِ وجوهٍ، منها:

1- «الكلمةُ» هنا مِن بابِ إضافةِ الصفةِ إلى الموصوف، ومعنى الآيةِ على هذا: أن كلمةَ اللهِ - التي هي صفتُهُ - ألقاها إلى مَريَمَ؛ لتَحمِلَ بعيسى، وهذه الكلمةُ هي: «كُنْ»، وليس «عيسى» هو «كُنْ»، وإنما خُلِقَ عيسى بـ «كُنْ»؛ فقد أرسَلَ اللهُ سبحانه جِبرِيلَ عليه السلامُ بـ «الكلمةِ» إلى مَريَمَ، فنفَخَ فيها بإذنِ الله، فكان عيسى بإذنِ الله، أي: أنه ناشئٌ عن الكلمةِ التي هي: «كُنْ»؛ فكان.

2- قد تكونُ «كلمتُهُ» مِن بابِ إضافةِ المخلوقِ إلى الخالقِ؛ تشريفًا له، وتكريمًا، أي: أن عيسى عليه السلامُ آيةٌ مِن آياتِ اللهِ المخلوقة؛ فـ «الكلمةُ» قد تكونُ بمعنى: «الآيةِ»؛ بدليلِ

قولِهِ تعالى:

{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

[لقمان: 27]

، أي: آياتُهُ التي تدُلُّ عليه،

وكذلك قولُهُ تعالى عن مَريَمَ:

{وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا}

[التحريم: 12]

 ويؤيِّدُ ذلك قولُهُ تعالى:

{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً}

[المؤمنون: 50].

وبذلك كلِّه يتَّضِحُ أن تفسيرَهم لـ «الكلمةِ» بأنها جزءٌ مِن الذاتِ، لا يُمكِنُ لعقلٍ أن يُجيزَهُ؛ كما أن اللغةَ والسياقَ القرآنيَّ لا يساعِدانِ عليه.

ثالثًا: يفسِّرُ النصارى أن عيسى «رُوحٌ مِن اللهِ»، بمعنى: أنه مِن ذاتِ الله، أي: جزءٌ مِن الله، ويقولون: «إن الآيةَ تدُلُّ على ذلك؛ لأن «مِن» للتبعيض»؛ حسَبَ قولِهم.

وللجوابِ عن ذلك نذكُرُ ما ورَدَ في أسفارِ النصارى مِن إضافةِ «رُوحِ اللهِ» إلى «غيرِ المسيح»، ونذكُرُ معنى ما ورَدَ في الآيةِ الكريمةِ: معنى «الرُّوحِ»، ومعنى «مِنْهُ»:

الأوَّلُ: ما ورَدَ في أسفارِ النصارى مِن إضافةِ «رُوحِ اللهِ» إلى «غيرِ المسيحِ عليه السلامُ»؛ حيثُ أضافها القومُ إلى كثيرٍ مِن الأنبياءِ، وأهلِ رُومِيَّةَ؛ كما في النصوصِ الآتيةِ الواردةِ في أسفارِهم: «ولَبِسَ رُوحُ اللهِ زكريَّا»، «وأَجعَلُ رُوحِي في داخِلِكم»، «إنْ كان رُوحُ اللهِ ساكنًا فيكم».

والنصارى أنفُسُهم يوافِقون على عدمِ ألوهيَّةِ جميعِ مَن أُضِيفَتْ إليهم «رُوحُ الله»؛ كالأنبياء، وأن هذه الإضافةَ إضافةُ تشريفٍ وتكريم، وليست إضافةَ حلولٍ حقيقيٍّ؛ وهذا اعترافٌ منهم بعدمِ التلازُمِ بين إضافةِ الرُّوحِ للمخلوقِ والقولِ بالحلول.

ثمَّ إن أَشْعِيَاءَ فسَّر في أسفارِهم المقصودَ بـ «رُوحِ اللهِ» تفسيرًا يُزيلُ الغموضَ والشبهةَ، ويَدفَعُ حُجَّةَ النصارى وزَعْمَهم ألوهيَّةَ المسيحِ عليه السلامُ بهذا؛ فقال: «ويَحُلُّ عليه رُوحُ الربِّ: رُوحُ الحِكْمةِ والفهمِ، رُوحُ المَشُورةِ والقوَّةِ، رُوحُ المعرفةِ ومخافةِ الربِّ، ولذَّتُهُ تكونُ في مخافةِ الربِّ؛ فلا يَقْضي بحسَبِ نظَرِ عَيْنَيْه، ولا يحكُمُ بحسَبِ سمعِ أُذُنَيْه، بل يَقْضي بالعدلِ للمساكينِ، ويحكُمُ بالإنصافِ لبائسي الأرضِ، ويَضرِبُ الأرضَ بقضيبِ فَمِه، ويُميتُ المنافِقَ بنَفْخةِ شفَتَيْه، ويكونُ البِرُّ مِنطَقةَ مَتْنَيْه، والأمانةُ مِنطَقةَ حَقْوَيْه؛ فيسكُنُ الذئبُ مع الخَرُوف، ويربُضُ النَّمِرُ مع الجَدْيِ، والعِجْلُ والشِّبْلُ والمسمَّنُ معًا، وصَبِيٌّ صغيرٌ يسُوقُها».

فلقد فسَّر أشعياءُ «الرُّوحَ» بمعنى: الحِكْمةِ، والفهمِ، والمشورةِ، والقوَّةِ، والمعرفةِ، ومخافةِ الربِّ، ولم يفسِّرْها بـ «الأُقْنُومِ الثالثِ»، وبـ «كونِ المسيحِ عليه السلامُ: ابنَ إلهٍ، أو إلهًا».

الثاني: معنى «الرُّوحِ» في قولِ اللهِ تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]:

1- أنه مِن خَلْقِهِ، وأُضيفَتِ الرُّوحُ إلى اللهِ تعالى إضافةَ تشريفٍ وتكريمٍ؛ مثلُ: بيتِ الله، وناقةِ الله.

2- أنه نَفْخةٌ منه؛ لأن عيسى قد حدَثَ نتيجةً لنَفْخِ جبريلَ عليه السلامُ في جَيْبِ دِرْعِ مَريَمَ، بأمرٍ مِن اللهِ تعالى؛ فجاءت نِسبتُهُ إلى أنه رُوحٌ مِن الله.

الثالثُ: معنى كلمةِ «مِنِ» المذكورةِ في الآيةِ، هي لابتداءِ الغايةِ، وليست للتبعيضِ؛ كما يظُنُّون؛ 

كما في قولِهِ عزَّ وجلَّ:

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}

[الإسراء: 1]،

وقولِهِ عن آدَمَ:

{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}

[الحجر: 29]،

وقولِهِ:

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}

[الجاثية: 13]؛

ففي كلِّ ذلك «مِنْ» لابتداءِ الغاية، وليست للتبعيض.

وإذا ظهَرَ معنى قولِهِ تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ}، وأنها الروحُ المخلوقةُ التي بها حياةُ الأجسادِ، وأن إضافتَها إلى اللهِ – بالإضافةِ، أو بـ «مِن» - إنما هي إضافةُ تشريفٍ وتكريمٍ -: فمعنى

قولِهِ:

{وَرُوحٌ مِنْهُ}

[النساء: 171]

، أي: مِن خلقِهِ، أي: أن عيسى عليه السلامُ مِن خلقِ الله، وليس هو اللهَ، أو إلهًا مع الله.

وقد جاء في تفسيرِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ}، أي: أرسَلَ اللهُ جِبرِيلَ، فنفَخَ في دِرْعِ مَريَمَ، فحمَلتْ بإذنِ الله، وهذه الإضافةُ للتفضيل، وإن كانت جميعُ الأرواحِ مِن خلقِهِ تعالى.

وقيل: قد يُسمَّى مَن تَظهَرُ الأشياءُ العجيبةُ على يدَيْه: «رُوحًا»، ويُضافُ إلى «الله»، فيُقالُ: هذا رُوحٌ مِن اللهِ، أي: مِن خلقِه.

وقد خلَقَ اللهُ سبحانه في عيسى عليه السلامُ الحياةَ بغيرِ واسطةِ النُّطْفةِ، كما أبدَعَ الحياةَ في آدَمَ عليه السلامُ؛ كما دَلَّ عليه

قولُهُ تعالى:

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}

[آل عمران: 59]؛

ففي هذا الإطلاقِ: إشارةٌ إلى آيةِ اللهِ في خَلْقِ عيسى عليه السلامُ، كما هي في حقِّ آدَمَ عليه السلام.

فإذا كان خَلْقُ عيسى عليه السلامُ عجيبًا، فإن خَلْقَ آدَمَ عليه السلامُ وحَوَّاءَ أعجَبُ مِن خَلْقِه:

فإن عيسى عليه السلامُ خُلِقَ مِن أُنْثَى بلا ذَكَرٍ، وخُلِقت حَوَّاءُ مِن ضِلَعِ آدَمَ عليه السلامُ، أي: مِن ذكَرٍ بلا أُنْثَى، فخَلْقُها كان أعجَبَ مِن خلقِ المسيحِ عليه السلامُ في بطنِ مَريَمَ، وخَلْقُ آدَمَ مِن غيرِ ذكَرٍ ولا أُنْثَى، أعجَبُ مِن هذا، وأعجبُ مِن ذاك.

فلهذا شبَّه اللهُ خَلْقَ عيسى المسيحِ عليه السلامُ بخَلْقِ آدَمَ عليه السلامُ، مع أنه أعجَبُ مِن خلقِ المسيحِ عليه السلامُ، فإذا كان اللهُ قادرًا على أن يخلُقَ مِن ترابٍ، والترابُ ليس مِن جنسِ البَدَنِ، أفلا يَقدِرُ أن يخلُقَهُ مِن امرأةٍ مِن جنسِ بدَنِ الإنسان؟! فقد خلَقَ اللهُ آدَمَ مِن ترابٍ، ثم قال له: {كُنْ}؛ فكان لمَّا نفَخَ اللهُ فيه مِن رُوحِه، فكذلك المسيحُ عليه السلامُ، نفَخَ فيه مِن رُوحِهِ، وقال له: {كُنْ}؛ فكان، ورغمَ ذلك: لم يكن آدمُ عليه السلامُ بما نفَخَ اللهُ فيه مِن رُوحِهِ: إلهًا، بل كلُّهُ ناسوتٌ، أي: بشَرٌ؛ فكذلك عيسى عليه السلامُ، كلُّه ناسوتٌ، ليس فيه لاهوتٌ، أي: ألوهيَّةٌ.

الرابعُ: أنه لو كانت هذه الآيةُ دليلًا على معتقَداتِ النصارى، وكانت «مِنْ» فيها للتبعيضِ، لا لابتداءِ الغايةِ -: لكان آدَمُ عليه السلامُ إلهًا أيضًا؛ لأن القرآنَ وصَفَهُ بنفسِ ما وصَفَ به عيسى؛ قال اللهُ: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29]، وكذلك الناسُ جميعًا ينطبِقُ عليهم ذلك؛ فقد خلَقَ اللهُ الإنسانَ، ثم سوَّاه، ونفَخَ فيه مِن رُوحِه، وكذلك: كان كلُّ ما في السمواتِ وما في الأرضِ آلهةً، وأجزاءً مِن اللهِ - تعالى اللهُ عن ذلك علُوًّا كبيرًا! - كما في قولِهِ تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13]، وبطلانُ هذا التصوُّرِ يُفْضي إلى بطلانِ استدلالِ النصارى بالآيةِ الكريمة.

والصحيحُ في معنى الآياتِ: أنه مِن خلقِهِ، ومِن عندِهِ:

قال المفسِّرون: «قولُهُ في الآيةِ والحديثِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ}،

كقولِهِ:

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}

[الجاثية: 13]

، أي: مِن خلقِه، ومِن عندِه، وليست «مِنْ» للتبعيضِ؛ كما تقولُهُ النصارى، بل هي لابتداءِ الغاية؛ كما في الآيةِ الأخرى، وهو أنه مخلوقٌ مِن رُوحٍ مخلوقةٍ، وأضيفتِ «الرُّوحُ» إلى «اللهِ» على وجهِ التشريف، كما أضيفت «الناقةُ» و«البيتُ» إلى «اللهِ» في قولِهِ: {هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ}، وفي قولِهِ: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ}». اهـ. «تفسيرُ ابنِ كَثيرٍ» (2/ 478).

وإذا اعتقَدَ النصارى أن معنى «مِنْهُ» في هذه الآيةِ، لا يَلزَمُ منه التبعيضُ، وأن جميعَ هذه الأشياءِ ليست أجزاءً منه سبحانه، بل هي خلقٌ مِن مخلوقاتِه، فكذلك يَلزَمُهم نفسُ القولِ في حقِّ المسيحِ عليه السلامُ في قولِهِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171].

وبذلك يَلزَمُهم أيضًا أن يعترِفوا: بأن المسيحَ عليه السلامُ هو خَلْقٌ مِن خلقِ الله، ومِن عندِه، وليس جزءًا مِن الربِّ، ولا هو اللهَ تعالى.

وبذلك يكونُ المعنى: أن جميعَ هذه الأشياءِ الموجودةِ في السمواتِ والأرضِ مخلوقةٌ للهِ عزَّ وجَلَّ، مملوكةٌ له؛ سبحانه وتعالى.

إن ألوهيَّةَ عيسى وَهْمٌ مِن أوهامِ النصارى؛ فالإسلام يُبطِلُ عقيدةَ التثليثِ عند النصارى، ويُبطِلُ ألوهيَّةَ عيسى وأُمِّه؛

قال تعالى:

{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}

[المائدة: 75]؛

فالإلهُ لا يأكُلُ ولا يَشرَبُ، ولا يَلِدُ ولا يُولَدُ، بل هو الغنيُّ عما سواه؛ فكيف يكونُ عيسى وأمُّهُ إلهَيْن؟!

فالحاصلُ: أنه - ومِن كلِّ ما سبَقَ مِن أدلَّةٍ -: يتبيَّنُ ضعفُ هذه الدعوى، ويتأكَّدُ أن الحقَّ سيَبْقى جليًّا ظاهرًا، يجدُهُ بكلِّ بساطةٍ مَن يتَّجِهُ إليه.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (63).

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

زعَمَ النصارى أن كونَ المسيحِ عليه السلامُ: «رُوحًا مِن الله» - كما ورَدَ في القرآن - يدُلُّ على ألوهيَّتِهِ؛ حيثُ إن إطلاقَ «رُوحِ اللهِ» عليه هي خاصِّيَّةٌ امتاز بها المسيحُ عليه السلامُ دون غيرِه، وذكَروا أنه لا معنَى لكونِهِ «رُوحًا مِن اللهِ»: غيرُ أنه الأُقْنُومُ الثاني مِن الثالوث، وأنه مرسَلٌ مِن قِبَلِ أبيه، وأنه مِثلُهُ؛ لأن كلمةَ «مِنْهُ» الواردةَ في القرآنِ الكريمِ

في قولِهِ:

{وَرُوحٌ مِنْهُ}

[النساء: 171]

تقتضي البعضيَّةَ، أي: أنه جزءٌ منه؛ فالمسيحُ مِن الله، وهو رُوحُ الله؛ إذَنْ هو إلهٌ.

مختصَرُ الإجابة:

عيسى المسيحُ عليه السلامُ هو عبدُ اللهِ ورسولُه، والقرآنُ يكفِّرُ في آياتٍ عِدَّةٍ: مَن يُثبِتُ بُنُوَّةَ المسيحِ للهِ تعالى أو ألوهيَّتَهُ.

وهذا فرقٌ كبيرٌ بين الإسلامِ والنصرانيَّة؛ فإن خَلْقَ عيسى عليه السلام يُشبِهُ خَلْقَ آدمَ؛ فقد خصَّه اللهُ سبحانه بأنه «رُوحٌ مِنْهُ»، وقد كان خلقُهما بنفخِ رُوحِ اللهِ فيهما؛ فكما أن آدمَ ليس إلهًا بنفخِ الروحِ فيه، فكذلك عيسى ليس إلهًا بنفخِ الروحِ فيه، والمرادُ بـ «رُوحِ الله» هنا: الروحُ التي خلَقَها اللهُ لخلقِ آدَمَ ولخلقِ عيسى؛ عليهما السلام.

والإضافاتُ للهِ تعالى الواردةُ في الوحيِ - بأسلوبِ الإضافةِ؛ كما في «كلمة الله»، أو باستعمالِ حرفِ «مِن»؛ كما في «رُوح منه» - نوعان:

الأوَّلُ: إضافةُ الصفةِ للموصوفِ؛ مثلُ: رحمةِ اللهِ وعِزَّتِه، ومغفرةٍ مِن الله، ورحمةٍ منه، وصفاتُ اللهِ غيرُ مخلوقة، ومِن هذا النوعِ:

قولُ اللهِ تعالى عن المسيحِ: قولُ اللهِ تعالى عن المسيحِ: إنه «كلمةُ الله» في قولِهِ:

{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ}

[النساء: 171]

؛ فـ «كلمةُ الله» هنا، أي: «كُنْ»؛ والمرادُ: أن عيسى عليه السلامُ خُلِقَ بكلمةِ «كُنْ»، ولم يكن عيسى هو الكلمةَ؛ فإن عيسى مخلوقٌ، وكلمةُ اللهِ غيرُ مخلوقة؛

كما قال تعالى:

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}

[آل عمران: 59].

والثاني: إضافةُ المخلوقِ للخالقِ إضافةَ تشريفٍ وتكريم؛ مثلُ: بيتِ الله، وناقةِ اللهِ،

وقولِهِ:

{جَمِيعًا مِنْهُ}

[الجاثية: 13]؛

ومِن هذا النوعِ: إضافةُ الرُّوحِ للهِ تعالى في وصفِ عيسى عليه السلامُ في قولِهِ: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ}، وكذلك: إضافةُ الرُّوحِ للهِ تعالى في وصفِ آدمَ عليه السلامُ

في قولِهِ:

{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}

[الحجر: 29]،

وتكونُ «مِن» في قولِهِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ}: لابتداءِ الغاية، لا للتبعيض.

وليس في الوحيِ إضافةٌ بمعنى إضافةِ الابنِ، أو الولَدِ؛ تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:

زعَمَ النصارى أن كونَ المسيحِ عليه السلامُ: «رُوحًا مِن الله» - كما ورَدَ في القرآن - يدُلُّ على ألوهيَّتِهِ؛ حيثُ إن إطلاقَ «رُوحِ اللهِ» عليه هي خاصِّيَّةٌ امتاز بها المسيحُ عليه السلامُ دون غيرِه، وذكَروا أنه لا معنَى لكونِهِ «رُوحًا مِن اللهِ»: غيرُ أنه الأُقْنُومُ الثاني مِن الثالوث، وأنه مرسَلٌ مِن قِبَلِ أبيه، وأنه مِثلُهُ؛ لأن كلمةَ «مِنْهُ» الواردةَ في القرآنِ الكريمِ

في قولِهِ:

{وَرُوحٌ مِنْهُ}

[النساء: 171]

تقتضي البعضيَّةَ، أي: أنه جزءٌ منه؛ فالمسيحُ مِن الله، وهو رُوحُ الله؛ إذَنْ هو إلهٌ.

مختصَرُ الإجابة:

عيسى المسيحُ عليه السلامُ هو عبدُ اللهِ ورسولُه، والقرآنُ يكفِّرُ في آياتٍ عِدَّةٍ: مَن يُثبِتُ بُنُوَّةَ المسيحِ للهِ تعالى أو ألوهيَّتَهُ.

وهذا فرقٌ كبيرٌ بين الإسلامِ والنصرانيَّة؛ فإن خَلْقَ عيسى عليه السلام يُشبِهُ خَلْقَ آدمَ؛ فقد خصَّه اللهُ سبحانه بأنه «رُوحٌ مِنْهُ»، وقد كان خلقُهما بنفخِ رُوحِ اللهِ فيهما؛ فكما أن آدمَ ليس إلهًا بنفخِ الروحِ فيه، فكذلك عيسى ليس إلهًا بنفخِ الروحِ فيه، والمرادُ بـ «رُوحِ الله» هنا: الروحُ التي خلَقَها اللهُ لخلقِ آدَمَ ولخلقِ عيسى؛ عليهما السلام.

والإضافاتُ للهِ تعالى الواردةُ في الوحيِ - بأسلوبِ الإضافةِ؛ كما في «كلمة الله»، أو باستعمالِ حرفِ «مِن»؛ كما في «رُوح منه» - نوعان:

الأوَّلُ: إضافةُ الصفةِ للموصوفِ؛ مثلُ: رحمةِ اللهِ وعِزَّتِه، ومغفرةٍ مِن الله، ورحمةٍ منه، وصفاتُ اللهِ غيرُ مخلوقة، ومِن هذا النوعِ:

قولُ اللهِ تعالى عن المسيحِ: قولُ اللهِ تعالى عن المسيحِ: إنه «كلمةُ الله» في قولِهِ:

{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ}

[النساء: 171]

؛ فـ «كلمةُ الله» هنا، أي: «كُنْ»؛ والمرادُ: أن عيسى عليه السلامُ خُلِقَ بكلمةِ «كُنْ»، ولم يكن عيسى هو الكلمةَ؛ فإن عيسى مخلوقٌ، وكلمةُ اللهِ غيرُ مخلوقة؛

كما قال تعالى:

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}

[آل عمران: 59].

والثاني: إضافةُ المخلوقِ للخالقِ إضافةَ تشريفٍ وتكريم؛ مثلُ: بيتِ الله، وناقةِ اللهِ،

وقولِهِ:

{جَمِيعًا مِنْهُ}

[الجاثية: 13]؛

ومِن هذا النوعِ: إضافةُ الرُّوحِ للهِ تعالى في وصفِ عيسى عليه السلامُ في قولِهِ: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ}، وكذلك: إضافةُ الرُّوحِ للهِ تعالى في وصفِ آدمَ عليه السلامُ

في قولِهِ:

{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}

[الحجر: 29]،

وتكونُ «مِن» في قولِهِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ}: لابتداءِ الغاية، لا للتبعيض.

وليس في الوحيِ إضافةٌ بمعنى إضافةِ الابنِ، أو الولَدِ؛ تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.

الجواب التفصيلي

مضمونُ السؤال:

زعَمَ النصارى أن كونَ المسيحِ عليه السلامُ: «رُوحًا مِن الله» - كما ورَدَ في القرآن - يدُلُّ على ألوهيَّتِهِ؛ حيثُ إن إطلاقَ «رُوحِ اللهِ» عليه هي خاصِّيَّةٌ امتاز بها المسيحُ عليه السلامُ دون غيرِه، وذكَروا أنه لا معنَى لكونِهِ «رُوحًا مِن اللهِ»: غيرُ أنه الأُقْنُومُ الثاني مِن الثالوث، وأنه مرسَلٌ مِن قِبَلِ أبيه، وأنه مِثلُهُ؛ لأن كلمةَ «مِنْهُ» الواردةَ في القرآنِ الكريمِ

في قولِهِ:

{وَرُوحٌ مِنْهُ}

[النساء: 171]

تقتضي البعضيَّةَ، أي: أنه جزءٌ منه؛ فالمسيحُ مِن الله، وهو رُوحُ الله؛ إذَنْ هو إلهٌ.

مختصَرُ الإجابة:

عيسى المسيحُ عليه السلامُ هو عبدُ اللهِ ورسولُه، والقرآنُ يكفِّرُ في آياتٍ عِدَّةٍ: مَن يُثبِتُ بُنُوَّةَ المسيحِ للهِ تعالى أو ألوهيَّتَهُ.

وهذا فرقٌ كبيرٌ بين الإسلامِ والنصرانيَّة؛ فإن خَلْقَ عيسى عليه السلام يُشبِهُ خَلْقَ آدمَ؛ فقد خصَّه اللهُ سبحانه بأنه «رُوحٌ مِنْهُ»، وقد كان خلقُهما بنفخِ رُوحِ اللهِ فيهما؛ فكما أن آدمَ ليس إلهًا بنفخِ الروحِ فيه، فكذلك عيسى ليس إلهًا بنفخِ الروحِ فيه، والمرادُ بـ «رُوحِ الله» هنا: الروحُ التي خلَقَها اللهُ لخلقِ آدَمَ ولخلقِ عيسى؛ عليهما السلام.

والإضافاتُ للهِ تعالى الواردةُ في الوحيِ - بأسلوبِ الإضافةِ؛ كما في «كلمة الله»، أو باستعمالِ حرفِ «مِن»؛ كما في «رُوح منه» - نوعان:

الأوَّلُ: إضافةُ الصفةِ للموصوفِ؛ مثلُ: رحمةِ اللهِ وعِزَّتِه، ومغفرةٍ مِن الله، ورحمةٍ منه، وصفاتُ اللهِ غيرُ مخلوقة، ومِن هذا النوعِ: قولُ اللهِ تعالى عن المسيحِ: إنه «كلمةُ الله»

في قولِهِ:

{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ}

[النساء: 171]؛

فـ «كلمةُ الله» هنا، أي: «كُنْ»؛ والمرادُ: أن عيسى عليه السلامُ خُلِقَ بكلمةِ «كُنْ»، ولم يكن عيسى هو الكلمةَ؛ فإن عيسى مخلوقٌ، وكلمةُ اللهِ غيرُ مخلوقة؛

كما قال تعالى:

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}

[آل عمران: 59].

والثاني: إضافةُ المخلوقِ للخالقِ إضافةَ تشريفٍ وتكريم؛ مثلُ: بيتِ الله، وناقةِ اللهِ، وقولِهِ: {جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]؛ ومِن هذا النوعِ: إضافةُ الرُّوحِ للهِ تعالى في وصفِ عيسى عليه السلامُ في قولِهِ: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ}، وكذلك: إضافةُ الرُّوحِ للهِ تعالى في وصفِ آدمَ عليه السلامُ في قولِهِ: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29]، وتكونُ «مِن» في قولِهِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ}: لابتداءِ الغاية، لا للتبعيض.

وليس في الوحيِ إضافةٌ بمعنى إضافةِ الابنِ، أو الولَدِ؛ تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.

 الجوابُ التفصيليّ:

وصفُ عيسى عليه السلامُ بأنه رُوحٌ مِن الله، لا يدُلُّ على ألوهيَّتِهِ، كما تدَّعي النصارى، والقرآنُ نطَقَ بالعدلِ في عيسى عليه السلامُ، ودلَّ على أنه عبدُ اللهِ ورسولُه.

ويجبُ معرفةُ معنى وصفِ عيسى عليه السلامُ في القرآنِ: بأنه كلمةُ اللهِ تعالى التي ألقاها إلى مَريَمَ، ورُوحٌ منه، وحَمْلُ مثلِ هذه المتشابِهاتِ على المحكَماتِ، وينتهي الإشكالُ الواردُ في السؤالِ بتأمُّلِ ما يلي:

 أوَّلًا: لو تأمَّلْنا الآياتِ التالية، لوَجَدْناها تناقِضُ ما ورَدَ في السؤالِ مِن أن القرآنَ قد أثبَتَ ألوهيَّةَ المسيحِ عليه السلامُ:

فاللهُ تعالى يقولُ:

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}

[المائدة: 72].

وقال تعالى:

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}

[التوبة: 30]،

وغيرَها مِن الآياتِ التي تُثبِتُ خلافَ ما ورَدَ في السؤال.

ثانيًا: ما معنى وصفِ عيسى عليه السلامُ في القرآنِ بأنه «كلمةُ الله»؟:

فقد وصَفَ القرآنُ الكريمُ عيسى في عدَّةِ آياتٍ بأنه «كلمةُ اللهِ»، فقالت النصارى: «إن كلمةَ اللهِ مِن ذاتِ الله»، ونحن نَرُدُّ عليهم بعدَّةِ وجوهٍ، منها:

1- «الكلمةُ» هنا مِن بابِ إضافةِ الصفةِ إلى الموصوف، ومعنى الآيةِ على هذا: أن كلمةَ اللهِ - التي هي صفتُهُ - ألقاها إلى مَريَمَ؛ لتَحمِلَ بعيسى، وهذه الكلمةُ هي: «كُنْ»، وليس «عيسى» هو «كُنْ»، وإنما خُلِقَ عيسى بـ «كُنْ»؛ فقد أرسَلَ اللهُ سبحانه جِبرِيلَ عليه السلامُ بـ «الكلمةِ» إلى مَريَمَ، فنفَخَ فيها بإذنِ الله، فكان عيسى بإذنِ الله، أي: أنه ناشئٌ عن الكلمةِ التي هي: «كُنْ»؛ فكان.

2- قد تكونُ «كلمتُهُ» مِن بابِ إضافةِ المخلوقِ إلى الخالقِ؛ تشريفًا له، وتكريمًا، أي: أن عيسى عليه السلامُ آيةٌ مِن آياتِ اللهِ المخلوقة؛ فـ «الكلمةُ» قد تكونُ بمعنى: «الآيةِ»؛ بدليلِ

قولِهِ تعالى:

{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

[لقمان: 27]

، أي: آياتُهُ التي تدُلُّ عليه،

وكذلك قولُهُ تعالى عن مَريَمَ:

{وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا}

[التحريم: 12]

 ويؤيِّدُ ذلك قولُهُ تعالى:

{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً}

[المؤمنون: 50].

وبذلك كلِّه يتَّضِحُ أن تفسيرَهم لـ «الكلمةِ» بأنها جزءٌ مِن الذاتِ، لا يُمكِنُ لعقلٍ أن يُجيزَهُ؛ كما أن اللغةَ والسياقَ القرآنيَّ لا يساعِدانِ عليه.

ثالثًا: يفسِّرُ النصارى أن عيسى «رُوحٌ مِن اللهِ»، بمعنى: أنه مِن ذاتِ الله، أي: جزءٌ مِن الله، ويقولون: «إن الآيةَ تدُلُّ على ذلك؛ لأن «مِن» للتبعيض»؛ حسَبَ قولِهم.

وللجوابِ عن ذلك نذكُرُ ما ورَدَ في أسفارِ النصارى مِن إضافةِ «رُوحِ اللهِ» إلى «غيرِ المسيح»، ونذكُرُ معنى ما ورَدَ في الآيةِ الكريمةِ: معنى «الرُّوحِ»، ومعنى «مِنْهُ»:

الأوَّلُ: ما ورَدَ في أسفارِ النصارى مِن إضافةِ «رُوحِ اللهِ» إلى «غيرِ المسيحِ عليه السلامُ»؛ حيثُ أضافها القومُ إلى كثيرٍ مِن الأنبياءِ، وأهلِ رُومِيَّةَ؛ كما في النصوصِ الآتيةِ الواردةِ في أسفارِهم: «ولَبِسَ رُوحُ اللهِ زكريَّا»، «وأَجعَلُ رُوحِي في داخِلِكم»، «إنْ كان رُوحُ اللهِ ساكنًا فيكم».

والنصارى أنفُسُهم يوافِقون على عدمِ ألوهيَّةِ جميعِ مَن أُضِيفَتْ إليهم «رُوحُ الله»؛ كالأنبياء، وأن هذه الإضافةَ إضافةُ تشريفٍ وتكريم، وليست إضافةَ حلولٍ حقيقيٍّ؛ وهذا اعترافٌ منهم بعدمِ التلازُمِ بين إضافةِ الرُّوحِ للمخلوقِ والقولِ بالحلول.

ثمَّ إن أَشْعِيَاءَ فسَّر في أسفارِهم المقصودَ بـ «رُوحِ اللهِ» تفسيرًا يُزيلُ الغموضَ والشبهةَ، ويَدفَعُ حُجَّةَ النصارى وزَعْمَهم ألوهيَّةَ المسيحِ عليه السلامُ بهذا؛ فقال: «ويَحُلُّ عليه رُوحُ الربِّ: رُوحُ الحِكْمةِ والفهمِ، رُوحُ المَشُورةِ والقوَّةِ، رُوحُ المعرفةِ ومخافةِ الربِّ، ولذَّتُهُ تكونُ في مخافةِ الربِّ؛ فلا يَقْضي بحسَبِ نظَرِ عَيْنَيْه، ولا يحكُمُ بحسَبِ سمعِ أُذُنَيْه، بل يَقْضي بالعدلِ للمساكينِ، ويحكُمُ بالإنصافِ لبائسي الأرضِ، ويَضرِبُ الأرضَ بقضيبِ فَمِه، ويُميتُ المنافِقَ بنَفْخةِ شفَتَيْه، ويكونُ البِرُّ مِنطَقةَ مَتْنَيْه، والأمانةُ مِنطَقةَ حَقْوَيْه؛ فيسكُنُ الذئبُ مع الخَرُوف، ويربُضُ النَّمِرُ مع الجَدْيِ، والعِجْلُ والشِّبْلُ والمسمَّنُ معًا، وصَبِيٌّ صغيرٌ يسُوقُها».

فلقد فسَّر أشعياءُ «الرُّوحَ» بمعنى: الحِكْمةِ، والفهمِ، والمشورةِ، والقوَّةِ، والمعرفةِ، ومخافةِ الربِّ، ولم يفسِّرْها بـ «الأُقْنُومِ الثالثِ»، وبـ «كونِ المسيحِ عليه السلامُ: ابنَ إلهٍ، أو إلهًا».

الثاني: معنى «الرُّوحِ» في قولِ اللهِ تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]:

1- أنه مِن خَلْقِهِ، وأُضيفَتِ الرُّوحُ إلى اللهِ تعالى إضافةَ تشريفٍ وتكريمٍ؛ مثلُ: بيتِ الله، وناقةِ الله.

2- أنه نَفْخةٌ منه؛ لأن عيسى قد حدَثَ نتيجةً لنَفْخِ جبريلَ عليه السلامُ في جَيْبِ دِرْعِ مَريَمَ، بأمرٍ مِن اللهِ تعالى؛ فجاءت نِسبتُهُ إلى أنه رُوحٌ مِن الله.

الثالثُ: معنى كلمةِ «مِنِ» المذكورةِ في الآيةِ، هي لابتداءِ الغايةِ، وليست للتبعيضِ؛ كما يظُنُّون؛ 

كما في قولِهِ عزَّ وجلَّ:

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}

[الإسراء: 1]،

وقولِهِ عن آدَمَ:

{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}

[الحجر: 29]،

وقولِهِ:

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}

[الجاثية: 13]؛

ففي كلِّ ذلك «مِنْ» لابتداءِ الغاية، وليست للتبعيض.

وإذا ظهَرَ معنى قولِهِ تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ}، وأنها الروحُ المخلوقةُ التي بها حياةُ الأجسادِ، وأن إضافتَها إلى اللهِ – بالإضافةِ، أو بـ «مِن» - إنما هي إضافةُ تشريفٍ وتكريمٍ -: فمعنى

قولِهِ:

{وَرُوحٌ مِنْهُ}

[النساء: 171]

، أي: مِن خلقِهِ، أي: أن عيسى عليه السلامُ مِن خلقِ الله، وليس هو اللهَ، أو إلهًا مع الله.

وقد جاء في تفسيرِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ}، أي: أرسَلَ اللهُ جِبرِيلَ، فنفَخَ في دِرْعِ مَريَمَ، فحمَلتْ بإذنِ الله، وهذه الإضافةُ للتفضيل، وإن كانت جميعُ الأرواحِ مِن خلقِهِ تعالى.

وقيل: قد يُسمَّى مَن تَظهَرُ الأشياءُ العجيبةُ على يدَيْه: «رُوحًا»، ويُضافُ إلى «الله»، فيُقالُ: هذا رُوحٌ مِن اللهِ، أي: مِن خلقِه.

وقد خلَقَ اللهُ سبحانه في عيسى عليه السلامُ الحياةَ بغيرِ واسطةِ النُّطْفةِ، كما أبدَعَ الحياةَ في آدَمَ عليه السلامُ؛ كما دَلَّ عليه

قولُهُ تعالى:

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}

[آل عمران: 59]؛

ففي هذا الإطلاقِ: إشارةٌ إلى آيةِ اللهِ في خَلْقِ عيسى عليه السلامُ، كما هي في حقِّ آدَمَ عليه السلام.

فإذا كان خَلْقُ عيسى عليه السلامُ عجيبًا، فإن خَلْقَ آدَمَ عليه السلامُ وحَوَّاءَ أعجَبُ مِن خَلْقِه:

فإن عيسى عليه السلامُ خُلِقَ مِن أُنْثَى بلا ذَكَرٍ، وخُلِقت حَوَّاءُ مِن ضِلَعِ آدَمَ عليه السلامُ، أي: مِن ذكَرٍ بلا أُنْثَى، فخَلْقُها كان أعجَبَ مِن خلقِ المسيحِ عليه السلامُ في بطنِ مَريَمَ، وخَلْقُ آدَمَ مِن غيرِ ذكَرٍ ولا أُنْثَى، أعجَبُ مِن هذا، وأعجبُ مِن ذاك.

فلهذا شبَّه اللهُ خَلْقَ عيسى المسيحِ عليه السلامُ بخَلْقِ آدَمَ عليه السلامُ، مع أنه أعجَبُ مِن خلقِ المسيحِ عليه السلامُ، فإذا كان اللهُ قادرًا على أن يخلُقَ مِن ترابٍ، والترابُ ليس مِن جنسِ البَدَنِ، أفلا يَقدِرُ أن يخلُقَهُ مِن امرأةٍ مِن جنسِ بدَنِ الإنسان؟! فقد خلَقَ اللهُ آدَمَ مِن ترابٍ، ثم قال له: {كُنْ}؛ فكان لمَّا نفَخَ اللهُ فيه مِن رُوحِه، فكذلك المسيحُ عليه السلامُ، نفَخَ فيه مِن رُوحِهِ، وقال له: {كُنْ}؛ فكان، ورغمَ ذلك: لم يكن آدمُ عليه السلامُ بما نفَخَ اللهُ فيه مِن رُوحِهِ: إلهًا، بل كلُّهُ ناسوتٌ، أي: بشَرٌ؛ فكذلك عيسى عليه السلامُ، كلُّه ناسوتٌ، ليس فيه لاهوتٌ، أي: ألوهيَّةٌ.

الرابعُ: أنه لو كانت هذه الآيةُ دليلًا على معتقَداتِ النصارى، وكانت «مِنْ» فيها للتبعيضِ، لا لابتداءِ الغايةِ -: لكان آدَمُ عليه السلامُ إلهًا أيضًا؛ لأن القرآنَ وصَفَهُ بنفسِ ما وصَفَ به عيسى؛ قال اللهُ: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29]، وكذلك الناسُ جميعًا ينطبِقُ عليهم ذلك؛ فقد خلَقَ اللهُ الإنسانَ، ثم سوَّاه، ونفَخَ فيه مِن رُوحِه، وكذلك: كان كلُّ ما في السمواتِ وما في الأرضِ آلهةً، وأجزاءً مِن اللهِ - تعالى اللهُ عن ذلك علُوًّا كبيرًا! - كما في قولِهِ تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13]، وبطلانُ هذا التصوُّرِ يُفْضي إلى بطلانِ استدلالِ النصارى بالآيةِ الكريمة.

والصحيحُ في معنى الآياتِ: أنه مِن خلقِهِ، ومِن عندِهِ:

قال المفسِّرون: «قولُهُ في الآيةِ والحديثِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ}،

كقولِهِ:

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}

[الجاثية: 13]

، أي: مِن خلقِه، ومِن عندِه، وليست «مِنْ» للتبعيضِ؛ كما تقولُهُ النصارى، بل هي لابتداءِ الغاية؛ كما في الآيةِ الأخرى، وهو أنه مخلوقٌ مِن رُوحٍ مخلوقةٍ، وأضيفتِ «الرُّوحُ» إلى «اللهِ» على وجهِ التشريف، كما أضيفت «الناقةُ» و«البيتُ» إلى «اللهِ» في قولِهِ: {هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ}، وفي قولِهِ: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ}». اهـ. «تفسيرُ ابنِ كَثيرٍ» (2/ 478).

وإذا اعتقَدَ النصارى أن معنى «مِنْهُ» في هذه الآيةِ، لا يَلزَمُ منه التبعيضُ، وأن جميعَ هذه الأشياءِ ليست أجزاءً منه سبحانه، بل هي خلقٌ مِن مخلوقاتِه، فكذلك يَلزَمُهم نفسُ القولِ في حقِّ المسيحِ عليه السلامُ في قولِهِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171].

وبذلك يَلزَمُهم أيضًا أن يعترِفوا: بأن المسيحَ عليه السلامُ هو خَلْقٌ مِن خلقِ الله، ومِن عندِه، وليس جزءًا مِن الربِّ، ولا هو اللهَ تعالى.

وبذلك يكونُ المعنى: أن جميعَ هذه الأشياءِ الموجودةِ في السمواتِ والأرضِ مخلوقةٌ للهِ عزَّ وجَلَّ، مملوكةٌ له؛ سبحانه وتعالى.

إن ألوهيَّةَ عيسى وَهْمٌ مِن أوهامِ النصارى؛ فالإسلام يُبطِلُ عقيدةَ التثليثِ عند النصارى، ويُبطِلُ ألوهيَّةَ عيسى وأُمِّه؛

قال تعالى:

{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}

[المائدة: 75]؛

فالإلهُ لا يأكُلُ ولا يَشرَبُ، ولا يَلِدُ ولا يُولَدُ، بل هو الغنيُّ عما سواه؛ فكيف يكونُ عيسى وأمُّهُ إلهَيْن؟!

فالحاصلُ: أنه - ومِن كلِّ ما سبَقَ مِن أدلَّةٍ -: يتبيَّنُ ضعفُ هذه الدعوى، ويتأكَّدُ أن الحقَّ سيَبْقى جليًّا ظاهرًا، يجدُهُ بكلِّ بساطةٍ مَن يتَّجِهُ إليه.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (63).