نص السؤال
لماذا لا يُدخِلُ اللهُ خلقَهُ جميعًا الجنَّةَ؟
المؤلف: باحثو مركز أصول
المصدر: مركز أصول
عبارات مشابهة للسؤال
الحكمةُ مِن دخولِ بعضِ الناسِ النارَ يومَ القيامة.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
1- حقيقةُ الحياة الدنيا، والغايةُ منها:
قد بيَّن سبحانه في كتابِهِ العزيزِ الحكمةَ مِن خَلْقِهِ الخَلْقَ على الهَيْئةِ التي نَعرِفُها، متفاوِتين في كلِّ شيءٍ: خَلْقًا وخُلُقًا، عِلمًا وعمَلًا، صلاحًا وفسادًا:
فقال تعالى:
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}
[الملك: 2]
وقال تعالى:
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}
[العنكبوت: 2- 3]
وقال تعالى:
{مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}
[آل عمران: 179].
فالتمييزُ بين الخبيثِ والطيِّب، وبين الصادقِ والكاذب، وبين المؤمِنِ والمنافِق، لا يكونُ إلا بالابتلاءِ والفِتْنةِ والتمحيص، ولولا ذلك، لفاز بالجنَّةِ مَن ليس لها بأهلٍ، ولنجا مِن النارِ مَن هو لها أهلٌ:
قال اللهُ تعالى:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا}
[البقرة: 214]
وقال تعالى:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}
[آل عمران: 142].
ولذلك اقتَضَتْ حكمةُ اللهِ تعالى أنْ تُحاطَ الجنَّةُ بالمكارهِ والشدائد، والنارُ بالشهَواتِ والمَلَذَّات، كما قال النبيُّ ^:
«حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ»
متَّفَقٌ عليه؛ رواه البخاري (6487)، ومسلم (2822)؛ وهذا لفظُ مسلِم.
قال العلماء: «هذا مِن بديعِ الكلامِ وجوامِعِهِ الذي أُوتِيَهُ عليه السلامُ مِن التمثيلِ الحَسَنِ؛ فإن حِفافَ الشيءِ: جوانبُه؛ فكأنه أخبَرَ عليه السلامُ أنه لا يُوصَلُ إلى الجنَّةِ إلا بتخطِّي المَكارِهِ، وكذلك الشهَواتُ وما تَميلُ إليه النفوس، وأن اتِّباعَ الشهَواتِ يُلْقي في النارِ ويُدخِلُها، وأنه لا يَنْجو منها إلا مَن تجنَّب الشهَواتِ، وفيه تنبيهٌ على اجتنابِها». «عون المعبود» (9/ 2025).
وقد كَثُرَ في القرآنِ التصريحُ بأن اللهَ تعالى لو شاء، لَجَعَلَ الناسَ أُمَّةً واحدةً، مؤمِنةً مهتدِيةً، ولكنْ أبَتْ حكمتُهُ ذلك، واقتَضَت أن يخلُقَ للناسِ مشيئةً واختيارًا، بها يَتمايَزون، وعليها يُحاسَبون، وأقام حُجَّتَهُ عليهم بالوَحْيِ والبيان؛ فأرسَلَ الرُّسُل، وأنزَلَ الكُتُب؛ فمَنِ اتَّبَعَ هُداهُ فلا يَضِلُّ ولا يَشْقى، ومَن أعرَضَ عن ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نفسَه:
قال تعالى:
{وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}
[الأنعام: 35]
وقال تعالى:
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}
[يونس: 99]
وقال تعالى:
{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}
[السجدة: 13].
2- حِرْمانُ الجنَّةِ، ودخولُ النارِ: سببُهُ جرمُ الإنسانِ، لا ظلمٌ مِن الربِّ سبحانه:
فالرحمةُ ثابتةٌ للهِ تعالى، وهي أيضًا لا تُنافي العقابَ؛ لأن الكمالَ الإلهيَّ فيه رحمةٌ تابعةٌ للحكمةِ والعدل.
أما العقوبةُ، فهي أمرٌ على فعلٍ خاطئٍ فعَلهُ الإنسانُ، ولم يُجبَرْ عليه، وقد جعَلَ اللهُ لكلِّ إنسانٍ اختيارًا في تحديدِ مَسارِهِ وطريقِه، فاختار الكافرُ طريقَ الكفرِ، وتَرْكَ طريقِ الإيمان، فكان مِن العدلِ أن يعذِّبَهُ اللهُ تعالى على كفرِه.
3- كمالُ رحمةِ اللهِ تعالى لا يكونُ إلا إذا كانت مُتَّسِقةً مع العدلِ والحكمة، وليس مِن الحكمةِ الرحمةُ بلا قَيْد:
فتخيَّلْ أن مُجرِمًا سفَكَ دماءَ آلافِ الأبرياءِ بدونِ حقٍّ؛ فهل نعامِلُهُ بالرحمة، ونترُكُهُ ليرتكِبَ المَزيدَ مِن الجرائمِ تحت مسمَّى «العفوِ» و«الرحمةِ»، أم نعاقبُهُ ونتعامَلُ معه حسَبَ جُرمِه؟!:
العاقلُ يقولُ: «نعامِلُهُ حسَبَ جُرْمِه»:
وللهِ المَثَلُ الأعلى: أنعَمَ اللهُ على إنسان، وتفضَّل عليه، فجعَلَ له شريكًا، وتجبَّر وطَغَى، بل لربَّما سَبَّ الخالقَ - عياذًا بالله - وادَّعى له صاحبةً ووَلَدًا، وفعَلَ وفعَلَ -: أفيستحِقُّ هذا بعدَ كلِّ ما عَمِلَ الرحمةَ؟!
إن الرحمةَ في هذا الموضعِ ليست مِن الحكمةِ، وإن الناسَ يترُكون الجرائمَ خوفًا مِن العقوبة، وهذا مركوزٌ في فِطَرِهم؛ فكانتِ النارُ تحذيرًا لهم.
4- تنوُّعُ الخلقِ بين جنَّةٍ ونارٍ، وبين مؤمِنٍ وكافرٍ، هو دليلٌ على كمالِ اللهِ تعالى:
فكمالُ اللهِ في صفاتِهِ وأفعالِهِ يَقْتضي أن يكونَ لجميعِ صفاتِهِ أثرٌ مشاهَدٌ في الكون؛ إذ المعلومُ المستقِرُّ أن ظهورَ الأثرِ أكمَلُ مِن انتفائِه، واللهُ أَوْلى بكلِّ كمال؛ فهو سبحانه له الكمالُ المطلَق.
وعليه: فالناظرُ إلى صفاتٍ؛ كالقوَّةِ، والمَقْتِ، والجبَروتِ، والملَكوتِ، وشدَّةِ العقابِ، والبَطْشِ الشديدِ، والعدلِ، والحكمةِ، وغيرِها مِن صفاتِ الجلال، لا بدَّ وأن يجدَ أثَرَها في الكون.
أما أن يقتصِرَ نظَرُهُ على صفاتِ الرحمةِ والوُدِّ، وعلى نوعٍ واحدٍ مِن الصفات، وإذا ظهَرتْ آثارُ الصِّنْفِ الآخَرِ، أخَذَ يتذمَّرُ ويتأفَّفُ ويتساءَلُ -: فهذا خلَلٌ في التفكير، واضطرابٌ في الرؤية.
فلا بدَّ أن نُقِرَّ بكلِّ كمالاتِ اللهِ وصفاتِهِ التي أخبَرَ بها عن نفسِه، أو جاءت في سنَّةُ نبيِّه، أو اقتضاها العقلُ الصحيحُ الصريحُ لهذا الخالقِ العظيم.
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
كما أن الكرَمَ والرحمةَ ثابتةٌ للهِ تعالى؛ فقد ثبَتَ أيضًا كمالُهُ وعدلُهُ وحكمتُه، ونفاذُ مشيئتِهِ سبحانه.
واللهُ تعالى أراد ابتلاءَ عبادِه؛ ليتميَّزَ الصالحُ مِن السيِّئ، ومع ذلك رَحِمَهم بالرُّسُلِ والكُتُب، وبوجودِ الإمهالِ لهم عن العقوبة، وبوجودِ ما يُعِينُهم على الخير، وابتلاهم بأمورٍ أخرى كذلك.
وقد جعَلَ اللهُ لكلِّ إنسانٍ اختيارًا في تحديدِ مَسارِهِ وطريقِه؛ فاختار الكافرُ طريقَ الكفر، وتَرْكَ طريقِ الإيمان؛ فكان مِن العدلِ أن يعذِّبَهُ اللهُ تعالى على كفرِه؛ فحِرْمانُ الجنَّةِ، ودخولُ النارِ: سببُهُ جرمُ الإنسانِ، لا ظلمٌ مِن الربِّ سبحانه.
والرحمةُ لا تُنافي العقابَ؛ لأن الكمالَ الإلهيَّ فيه رحمةٌ تابعةٌ للحكمةِ والعدل؛ فإن كمالَ رحمةِ اللهِ تعالى لا يكونُ إلا إذا كانت مُتَّسِقةً مع العدلِ والحكمة، وليس مِن الحكمةِ الرحمةُ بلا قَيْد.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب:
مدارُ الشبهةِ يتضمَّنُ سؤالًا عن الحكمةِ، والذي ينبغي للمؤمِنِ أن يَعقِدَ عليه قلبَهُ: أن يُؤمِنَ بحكمةِ الله المطلَقة، وأنه كما أننا لا نُدرِكُ ذاتَهُ تعالى إدراكًا تامًّا، فكذلك لا نُدرِكُ حكمتَهُ إدراكًا تامًّا؛ لقصورِنا البشَريِّ البالغِ والمستشري.
مختصر الجواب
مختصَرُ الإجابة:
كما أن الكرَمَ والرحمةَ ثابتةٌ للهِ تعالى؛ فقد ثبَتَ أيضًا كمالُهُ وعدلُهُ وحكمتُه، ونفاذُ مشيئتِهِ سبحانه.
واللهُ تعالى أراد ابتلاءَ عبادِه؛ ليتميَّزَ الصالحُ مِن السيِّئ، ومع ذلك رَحِمَهم بالرُّسُلِ والكُتُب، وبوجودِ الإمهالِ لهم عن العقوبة، وبوجودِ ما يُعِينُهم على الخير، وابتلاهم بأمورٍ أخرى كذلك.
وقد جعَلَ اللهُ لكلِّ إنسانٍ اختيارًا في تحديدِ مَسارِهِ وطريقِه؛ فاختار الكافرُ طريقَ الكفر، وتَرْكَ طريقِ الإيمان؛ فكان مِن العدلِ أن يعذِّبَهُ اللهُ تعالى على كفرِه؛ فحِرْمانُ الجنَّةِ، ودخولُ النارِ: سببُهُ جرمُ الإنسانِ، لا ظلمٌ مِن الربِّ سبحانه.
والرحمةُ لا تُنافي العقابَ؛ لأن الكمالَ الإلهيَّ فيه رحمةٌ تابعةٌ للحكمةِ والعدل؛ فإن كمالَ رحمةِ اللهِ تعالى لا يكونُ إلا إذا كانت مُتَّسِقةً مع العدلِ والحكمة، وليس مِن الحكمةِ الرحمةُ بلا قَيْد.
الجواب التفصيلي
الجوابُ التفصيليّ:
1- حقيقةُ الحياة الدنيا، والغايةُ منها:
قد بيَّن سبحانه في كتابِهِ العزيزِ الحكمةَ مِن خَلْقِهِ الخَلْقَ على الهَيْئةِ التي نَعرِفُها، متفاوِتين في كلِّ شيءٍ: خَلْقًا وخُلُقًا، عِلمًا وعمَلًا، صلاحًا وفسادًا:
فقال تعالى:
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}
[الملك: 2]
وقال تعالى:
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}
[العنكبوت: 2- 3]
وقال تعالى:
{مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}
[آل عمران: 179].
فالتمييزُ بين الخبيثِ والطيِّب، وبين الصادقِ والكاذب، وبين المؤمِنِ والمنافِق، لا يكونُ إلا بالابتلاءِ والفِتْنةِ والتمحيص، ولولا ذلك، لفاز بالجنَّةِ مَن ليس لها بأهلٍ، ولنجا مِن النارِ مَن هو لها أهلٌ:
قال اللهُ تعالى:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا}
[البقرة: 214]
وقال تعالى:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}
[آل عمران: 142].
ولذلك اقتَضَتْ حكمةُ اللهِ تعالى أنْ تُحاطَ الجنَّةُ بالمكارهِ والشدائد، والنارُ بالشهَواتِ والمَلَذَّات، كما قال النبيُّ ^:
«حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ»
متَّفَقٌ عليه؛ رواه البخاري (6487)، ومسلم (2822)؛ وهذا لفظُ مسلِم.
قال العلماء: «هذا مِن بديعِ الكلامِ وجوامِعِهِ الذي أُوتِيَهُ عليه السلامُ مِن التمثيلِ الحَسَنِ؛ فإن حِفافَ الشيءِ: جوانبُه؛ فكأنه أخبَرَ عليه السلامُ أنه لا يُوصَلُ إلى الجنَّةِ إلا بتخطِّي المَكارِهِ، وكذلك الشهَواتُ وما تَميلُ إليه النفوس، وأن اتِّباعَ الشهَواتِ يُلْقي في النارِ ويُدخِلُها، وأنه لا يَنْجو منها إلا مَن تجنَّب الشهَواتِ، وفيه تنبيهٌ على اجتنابِها». «عون المعبود» (9/ 2025).
وقد كَثُرَ في القرآنِ التصريحُ بأن اللهَ تعالى لو شاء، لَجَعَلَ الناسَ أُمَّةً واحدةً، مؤمِنةً مهتدِيةً، ولكنْ أبَتْ حكمتُهُ ذلك، واقتَضَت أن يخلُقَ للناسِ مشيئةً واختيارًا، بها يَتمايَزون، وعليها يُحاسَبون، وأقام حُجَّتَهُ عليهم بالوَحْيِ والبيان؛ فأرسَلَ الرُّسُل، وأنزَلَ الكُتُب؛ فمَنِ اتَّبَعَ هُداهُ فلا يَضِلُّ ولا يَشْقى، ومَن أعرَضَ عن ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نفسَه:
قال تعالى:
{وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}
[الأنعام: 35]
وقال تعالى:
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}
[يونس: 99]
وقال تعالى:
{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}
[السجدة: 13].
2- حِرْمانُ الجنَّةِ، ودخولُ النارِ: سببُهُ جرمُ الإنسانِ، لا ظلمٌ مِن الربِّ سبحانه:
فالرحمةُ ثابتةٌ للهِ تعالى، وهي أيضًا لا تُنافي العقابَ؛ لأن الكمالَ الإلهيَّ فيه رحمةٌ تابعةٌ للحكمةِ والعدل.
أما العقوبةُ، فهي أمرٌ على فعلٍ خاطئٍ فعَلهُ الإنسانُ، ولم يُجبَرْ عليه، وقد جعَلَ اللهُ لكلِّ إنسانٍ اختيارًا في تحديدِ مَسارِهِ وطريقِه، فاختار الكافرُ طريقَ الكفرِ، وتَرْكَ طريقِ الإيمان، فكان مِن العدلِ أن يعذِّبَهُ اللهُ تعالى على كفرِه.
3- كمالُ رحمةِ اللهِ تعالى لا يكونُ إلا إذا كانت مُتَّسِقةً مع العدلِ والحكمة، وليس مِن الحكمةِ الرحمةُ بلا قَيْد:
فتخيَّلْ أن مُجرِمًا سفَكَ دماءَ آلافِ الأبرياءِ بدونِ حقٍّ؛ فهل نعامِلُهُ بالرحمة، ونترُكُهُ ليرتكِبَ المَزيدَ مِن الجرائمِ تحت مسمَّى «العفوِ» و«الرحمةِ»، أم نعاقبُهُ ونتعامَلُ معه حسَبَ جُرمِه؟!:
العاقلُ يقولُ: «نعامِلُهُ حسَبَ جُرْمِه»:
وللهِ المَثَلُ الأعلى: أنعَمَ اللهُ على إنسان، وتفضَّل عليه، فجعَلَ له شريكًا، وتجبَّر وطَغَى، بل لربَّما سَبَّ الخالقَ - عياذًا بالله - وادَّعى له صاحبةً ووَلَدًا، وفعَلَ وفعَلَ -: أفيستحِقُّ هذا بعدَ كلِّ ما عَمِلَ الرحمةَ؟!
إن الرحمةَ في هذا الموضعِ ليست مِن الحكمةِ، وإن الناسَ يترُكون الجرائمَ خوفًا مِن العقوبة، وهذا مركوزٌ في فِطَرِهم؛ فكانتِ النارُ تحذيرًا لهم.
4- تنوُّعُ الخلقِ بين جنَّةٍ ونارٍ، وبين مؤمِنٍ وكافرٍ، هو دليلٌ على كمالِ اللهِ تعالى:
فكمالُ اللهِ في صفاتِهِ وأفعالِهِ يَقْتضي أن يكونَ لجميعِ صفاتِهِ أثرٌ مشاهَدٌ في الكون؛ إذ المعلومُ المستقِرُّ أن ظهورَ الأثرِ أكمَلُ مِن انتفائِه، واللهُ أَوْلى بكلِّ كمال؛ فهو سبحانه له الكمالُ المطلَق.
وعليه: فالناظرُ إلى صفاتٍ؛ كالقوَّةِ، والمَقْتِ، والجبَروتِ، والملَكوتِ، وشدَّةِ العقابِ، والبَطْشِ الشديدِ، والعدلِ، والحكمةِ، وغيرِها مِن صفاتِ الجلال، لا بدَّ وأن يجدَ أثَرَها في الكون.
أما أن يقتصِرَ نظَرُهُ على صفاتِ الرحمةِ والوُدِّ، وعلى نوعٍ واحدٍ مِن الصفات، وإذا ظهَرتْ آثارُ الصِّنْفِ الآخَرِ، أخَذَ يتذمَّرُ ويتأفَّفُ ويتساءَلُ -: فهذا خلَلٌ في التفكير، واضطرابٌ في الرؤية.
فلا بدَّ أن نُقِرَّ بكلِّ كمالاتِ اللهِ وصفاتِهِ التي أخبَرَ بها عن نفسِه، أو جاءت في سنَّةُ نبيِّه، أو اقتضاها العقلُ الصحيحُ الصريحُ لهذا الخالقِ العظيم.
خاتمة الجواب
خاتِمةُ الجواب:
مدارُ الشبهةِ يتضمَّنُ سؤالًا عن الحكمةِ، والذي ينبغي للمؤمِنِ أن يَعقِدَ عليه قلبَهُ: أن يُؤمِنَ بحكمةِ الله المطلَقة، وأنه كما أننا لا نُدرِكُ ذاتَهُ تعالى إدراكًا تامًّا، فكذلك لا نُدرِكُ حكمتَهُ إدراكًا تامًّا؛ لقصورِنا البشَريِّ البالغِ والمستشري.