نص السؤال

في آياتٍ يَدْعو القرآنُ لحرِّيَّةِ الاعتقادِ؛ منها:

{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}

[البقرة: 256]

، ومنها:

{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}

[يونس: 99]

وغيرُها، وفي آياتٍ أخرى: يَدْعو لعدمِ الحرِّيَّةِ في الاعتقادِ؛ منها:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}

[التوبة: 73]

ومنها:

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}

[التوبة: 29]

؛ فهل هذا تعارُض؟

المؤلف: باحثو مركز أصول

المصدر: مركز أصول

عبارات مشابهة للسؤال

هل هناك تناقُضٌ في نصوصِ القرآنِ في موضوعِ أحكامِه؟

الجواب التفصيلي

أوَّلًا: «حرِّيَّةُ الاعتقادِ»: كلمةٌ ذاتُ مفاهيمَ مختلِفةٍ؛ تتَّسِعُ وتضيقُ وتتنوَّعُ:

فهل تَشمَلُ هذه الحرِّيَّةُ حرِّيَّةَ التعبيرِ عن ذلك الاعتقادِ أو لا؟ وهل تَشمَلُ حرِّيَّةَ الاعتقادِ في غيرِ الأمورِ الدينيَّةِ أو لا؟ وإلى أيِّ حدٍّ ومجالٍ،،، إلخ، ولا يُمكِنُ أن يستقِرَّ مجتمَعٌ في العالَمِ إلا وهو يقيِّدُ ذلك بمجموعةٍ مِن الضوابطِ قلَّت أو كَثُرَت.

ولهذا لا يصلُحُ الانسياقُ بالكلامِ خلفَ عباراتٍ محتمِلةٍ مجمَلة. ثانيًا: الآياتُ التي فَهِمَ السائلُ منها حرِّيَّةَ الاعتقادِ، لا تُفسَّرُ بمعنى «حرِّيَّةِ الاعتقادِ» المتداوَلِ في الفكرِ الغَرْبيِّ؛ بجوازِ الدخولِ والخروجِ مِن الإسلامِ وغيرِه:

بل فُسِّرَتْ بتفسيراتٍ مختلِفةٍ:

منها: أن الدِّينَ محلُّهُ القلبُ، وأن إكراهَ الناسِ على اعتناقِ الإيمانِ لا فائدةَ منه؛ لأن الإيمانَ لا بدَّ فيه مِن إيمانِ القلب، ولا أحدَ يَملِكُ القلوبَ إلا اللهُ تعالى.

ومنها: أن الإسلامَ يُبيحُ لأناسٍ غيرِ مسلِمين أن يَبْقَوْا على دينِهم بعد تبيُّنِ الرشدِ مِن الغيِّ، مع بعضِ الإجراءاتِ التي تساعِدُهم وتساعِدُ المجتمَعَ على الحفاظِ على قِيَمِهِ سليمةً؛ كالجِزْية.

ثالثًا: الآيتانِ التي ذُكِرَ فيهما القتالُ لا تتعارَضانِ مع بقاءِ بعضِ الناسِ مِن غيرِ المسلِمين على دِينِهم:

فهي إذنٌ بقتالِ المعتدِينَ؛ لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا، وقد يستمِرُّ هذا مع بقاءِ أناسٍ غيرِ مسلِمين على دِينِهم؛ لكنَّهم غيرُ معتدِين، ويؤدُّون الجِزْيةَ مثَلًا.

بل الآيةُ الثانيةُ منهما دالَّةٌ على إمكانيَّةِ البقاءِ على الاعتقادِ، مع بعضِ الإجراءاتِ؛ حيثُ ذكَرَ الجِزْيةَ في آخِرِها، والجزيةُ إنما يَدفَعُها غيرُ المسلِمِ الباقي على اعتقادِهِ:

فالآيةُ كاملةً هي:

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

[التوبة: 29]

وكذلك

قولُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}

[التوبة: 73- 74]

فهذه الآيةُ تتحدَّثُ عن المنافِقين، وسببُ نزولِها - حسَبَ أقوالِ المفسِّرين -: هو ما رواهُ مجاهِدٌ في بيانِ: {كَلِمَةَ الْكُفْرِ}، قال: قال أحدُ المنافِقين: «لَئِنْ كان ما يقُولُ محمَّدٌ حقًّا، لنحنُ شرٌّ مِن الحَمِير»، فقال له رجُلٌ مِن المؤمِنين: 

«إنَّ ما قال لَحَقٌّ، ولَأَنْتَ شَرٌّ مِن حِمَارٍ»، قال: فهَمَّ المنافِقون بقتلِه»؛ فلذلك نزَلَ

قولُهُ تعالى: {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا}

[التوبة: 74]

فكان هذا جزاءَ المنافِقين، ولا صِلةَ بين هذا وبين حرِّيَّةِ الاعتقاد؛ كما جاء في فَحْوى السؤال.

رابعًا: أن «حرِّيَّةَ الاعتقادِ» التي تَعِبَ العالَمُ كثيرًا في تقريرِها، لم نشعُرْ - نحن المسلِمين - بضراوةِ الصراعِ الذي دار مِن أجلِها:

وذلك لأننا توارَثْناها جِيلًا عن جِيلٍ، وتلَقَّيْناها في تعاليمِ دِينِنا، وتقاليدِ أسلافِنا حقيقةً لا تحتمِلُ لَغَطًا أو جَدَلًا، وكان لها تنظيمٌ في الأحكامِ المعروفةِ؛ كالجِزْيةِ، وتجنُّبِ إظهارِ المظاهرِ البارزةِ للدِّينِ المخالِفِ، وغيرِها.

إن التاريخَ يحدِّثُنا عن المذابحِ الدينيَّةِ التي طحَنَتِ الجماهيرَ في أُورُوبَّا، ويحدِّثُنا أن «حرِّيَّةَ الاعتقادِ» لم يكن لها وجودٌ خلالَ العصورِ الوُسْطى في تلك الأقطارِ التي مزَّقَتْها المنازَعاتُ الدينيَّةُ الرهيبة، حتى نهايةِ القرنِ السادسَ عشَرَ عندما صدَرَتْ قوانينُ «نانت» في فرنسا.

والحاصلُ: أن أيَّ إنسانٍ عاقلٍ يَرْتدي ثوبَ العدلِ والإنصافِ سيحكُمُ ويؤكِّدُ عند العودةِ إلى الآياتِ كاملةً: أنه لا عَلَاقةَ أبدًا بين آياتِ القتال، وبين آياتِ حرِّيَّةِ الاعتقاد. 

  وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (49)، (52).

مختصر الجواب

«حرِّيَّةُ الاعتقادِ»: كلمةٌ ذاتُ مفاهيمَ مختلِفةٍ؛ تتَّسِعُ وتضيقُ وتتنوَّعُ.

وعمومًا: فـ «الآياتُ الأُولى»: تُخبِرُ عن أن الدِّينَ محلُّه القلبُ؛ فالإكراهُ عليه لا فائدةَ فيه، ولكنَّ هذا ليس له عَلَاقةٌ بـ «الآياتِ الثانيةِ»، والتي تأمُرُ بمجاهَدةِ المعتدي الذي يحارِبُ الإسلامَ، أو يَمنَعُ مِن ظهورِه، أو يَمنَعُ الناسَ مِن الدخولِ فيه؛ وذلك لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا.

بل الآيةُ الثانيةُ منهما دالَّةٌ على إمكانيَّةِ البقاءِ على الاعتقادِ، مع بعضِ الإجراءات؛ حيثُ ذكَرَ الجِزْيةَ في آخِرِها، والجزيةُ إنما يَدفَعُها غيرُ المسلمِ الباقي على اعتقادِهِ:

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

[التوبة: 29]

فلا تعارُضَ بين الآياتِ على الإطلاق؛ فكلُّ آيةٍ لها معناها وسياقُها.

خاتمة الجواب

بجوازِ الدخولِ والخروجِ مِن الإسلامِ وغيرِه:

بل فُسِّرَتْ بتفسيراتٍ مختلِفةٍ:

منها: أن الدِّينَ محلُّهُ القلبُ، وأن إكراهَ الناسِ على اعتناقِ الإيمانِ لا فائدةَ منه؛ لأن الإيمانَ لا بدَّ فيه مِن إيمانِ القلب، ولا أحدَ يَملِكُ القلوبَ إلا اللهُ تعالى.

ومنها: أن الإسلامَ يُبيحُ لأناسٍ غيرِ مسلِمين أن يَبْقَوْا على دينِهم بعد تبيُّنِ الرشدِ مِن الغيِّ، مع بعضِ الإجراءاتِ التي تساعِدُهم وتساعِدُ المجتمَعَ على الحفاظِ على قِيَمِهِ سليمةً؛ كالجِزْية.

ثالثًا: الآيتانِ التي ذُكِرَ فيهما القتالُ لا تتعارَضانِ مع بقاءِ بعضِ الناسِ مِن غيرِ المسلِمين على دِينِهم:

فهي إذنٌ بقتالِ المعتدِينَ؛ لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا، وقد يستمِرُّ هذا مع بقاءِ أناسٍ غيرِ مسلِمين على دِينِهم؛ لكنَّهم غيرُ معتدِين، ويؤدُّون الجِزْيةَ مثَلًا.

بل الآيةُ الثانيةُ منهما دالَّةٌ على إمكانيَّةِ البقاءِ على الاعتقادِ، مع بعضِ الإجراءاتِ؛ حيثُ ذكَرَ الجِزْيةَ في آخِرِها، والجزيةُ إنما يَدفَعُها غيرُ المسلِمِ الباقي على اعتقادِهِ:

فالآيةُ كاملةً هي:

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

[التوبة: 29]

وكذلك قولُهُ تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}

[التوبة: 73- 74]

مختصر الجواب

«حرِّيَّةُ الاعتقادِ»: كلمةٌ ذاتُ مفاهيمَ مختلِفةٍ؛ تتَّسِعُ وتضيقُ وتتنوَّعُ.

وعمومًا: فـ «الآياتُ الأُولى»: تُخبِرُ عن أن الدِّينَ محلُّه القلبُ؛ فالإكراهُ عليه لا فائدةَ فيه، ولكنَّ هذا ليس له عَلَاقةٌ بـ «الآياتِ الثانيةِ»، والتي تأمُرُ بمجاهَدةِ المعتدي الذي يحارِبُ الإسلامَ، أو يَمنَعُ مِن ظهورِه، أو يَمنَعُ الناسَ مِن الدخولِ فيه؛ وذلك لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا.

بل الآيةُ الثانيةُ منهما دالَّةٌ على إمكانيَّةِ البقاءِ على الاعتقادِ، مع بعضِ الإجراءات؛ حيثُ ذكَرَ الجِزْيةَ في آخِرِها، والجزيةُ إنما يَدفَعُها غيرُ المسلمِ الباقي على اعتقادِهِ:

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

[التوبة: 29]

فلا تعارُضَ بين الآياتِ على الإطلاق؛ فكلُّ آيةٍ لها معناها وسياقُها.

الجواب التفصيلي

أوَّلًا: «حرِّيَّةُ الاعتقادِ»: كلمةٌ ذاتُ مفاهيمَ مختلِفةٍ؛ تتَّسِعُ وتضيقُ وتتنوَّعُ:

فهل تَشمَلُ هذه الحرِّيَّةُ حرِّيَّةَ التعبيرِ عن ذلك الاعتقادِ أو لا؟ وهل تَشمَلُ حرِّيَّةَ الاعتقادِ في غيرِ الأمورِ الدينيَّةِ أو لا؟ وإلى أيِّ حدٍّ ومجالٍ،،، إلخ، ولا يُمكِنُ أن يستقِرَّ مجتمَعٌ في العالَمِ إلا وهو يقيِّدُ ذلك بمجموعةٍ مِن الضوابطِ قلَّت أو كَثُرَت.

ولهذا لا يصلُحُ الانسياقُ بالكلامِ خلفَ عباراتٍ محتمِلةٍ مجمَلة. ثانيًا: الآياتُ التي فَهِمَ السائلُ منها حرِّيَّةَ الاعتقادِ، لا تُفسَّرُ بمعنى «حرِّيَّةِ الاعتقادِ» المتداوَلِ في الفكرِ الغَرْبيِّ؛ بجوازِ الدخولِ والخروجِ مِن الإسلامِ وغيرِه:

بل فُسِّرَتْ بتفسيراتٍ مختلِفةٍ:

منها: أن الدِّينَ محلُّهُ القلبُ، وأن إكراهَ الناسِ على اعتناقِ الإيمانِ لا فائدةَ منه؛ لأن الإيمانَ لا بدَّ فيه مِن إيمانِ القلب، ولا أحدَ يَملِكُ القلوبَ إلا اللهُ تعالى.

ومنها: أن الإسلامَ يُبيحُ لأناسٍ غيرِ مسلِمين أن يَبْقَوْا على دينِهم بعد تبيُّنِ الرشدِ مِن الغيِّ، مع بعضِ الإجراءاتِ التي تساعِدُهم وتساعِدُ المجتمَعَ على الحفاظِ على قِيَمِهِ سليمةً؛ كالجِزْية.

ثالثًا: الآيتانِ التي ذُكِرَ فيهما القتالُ لا تتعارَضانِ مع بقاءِ بعضِ الناسِ مِن غيرِ المسلِمين على دِينِهم:

فهي إذنٌ بقتالِ المعتدِينَ؛ لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا، وقد يستمِرُّ هذا مع بقاءِ أناسٍ غيرِ مسلِمين على دِينِهم؛ لكنَّهم غيرُ معتدِين، ويؤدُّون الجِزْيةَ مثَلًا.

بل الآيةُ الثانيةُ منهما دالَّةٌ على إمكانيَّةِ البقاءِ على الاعتقادِ، مع بعضِ الإجراءاتِ؛ حيثُ ذكَرَ الجِزْيةَ في آخِرِها، والجزيةُ إنما يَدفَعُها غيرُ المسلِمِ الباقي على اعتقادِهِ:

فالآيةُ كاملةً هي:

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

[التوبة: 29]

وكذلك

قولُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}

[التوبة: 73- 74]

فهذه الآيةُ تتحدَّثُ عن المنافِقين، وسببُ نزولِها - حسَبَ أقوالِ المفسِّرين -: هو ما رواهُ مجاهِدٌ في بيانِ: {كَلِمَةَ الْكُفْرِ}، قال: قال أحدُ المنافِقين: «لَئِنْ كان ما يقُولُ محمَّدٌ حقًّا، لنحنُ شرٌّ مِن الحَمِير»، فقال له رجُلٌ مِن المؤمِنين: 

«إنَّ ما قال لَحَقٌّ، ولَأَنْتَ شَرٌّ مِن حِمَارٍ»، قال: فهَمَّ المنافِقون بقتلِه»؛ فلذلك نزَلَ

قولُهُ تعالى: {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا}

[التوبة: 74]

فكان هذا جزاءَ المنافِقين، ولا صِلةَ بين هذا وبين حرِّيَّةِ الاعتقاد؛ كما جاء في فَحْوى السؤال.

رابعًا: أن «حرِّيَّةَ الاعتقادِ» التي تَعِبَ العالَمُ كثيرًا في تقريرِها، لم نشعُرْ - نحن المسلِمين - بضراوةِ الصراعِ الذي دار مِن أجلِها:

وذلك لأننا توارَثْناها جِيلًا عن جِيلٍ، وتلَقَّيْناها في تعاليمِ دِينِنا، وتقاليدِ أسلافِنا حقيقةً لا تحتمِلُ لَغَطًا أو جَدَلًا، وكان لها تنظيمٌ في الأحكامِ المعروفةِ؛ كالجِزْيةِ، وتجنُّبِ إظهارِ المظاهرِ البارزةِ للدِّينِ المخالِفِ، وغيرِها.

إن التاريخَ يحدِّثُنا عن المذابحِ الدينيَّةِ التي طحَنَتِ الجماهيرَ في أُورُوبَّا، ويحدِّثُنا أن «حرِّيَّةَ الاعتقادِ» لم يكن لها وجودٌ خلالَ العصورِ الوُسْطى في تلك الأقطارِ التي مزَّقَتْها المنازَعاتُ الدينيَّةُ الرهيبة، حتى نهايةِ القرنِ السادسَ عشَرَ عندما صدَرَتْ قوانينُ «نانت» في فرنسا.

والحاصلُ: أن أيَّ إنسانٍ عاقلٍ يَرْتدي ثوبَ العدلِ والإنصافِ سيحكُمُ ويؤكِّدُ عند العودةِ إلى الآياتِ كاملةً: أنه لا عَلَاقةَ أبدًا بين آياتِ القتال، وبين آياتِ حرِّيَّةِ الاعتقاد. 

  وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (49)، (52).

خاتمة الجواب

بجوازِ الدخولِ والخروجِ مِن الإسلامِ وغيرِه:

بل فُسِّرَتْ بتفسيراتٍ مختلِفةٍ:

منها: أن الدِّينَ محلُّهُ القلبُ، وأن إكراهَ الناسِ على اعتناقِ الإيمانِ لا فائدةَ منه؛ لأن الإيمانَ لا بدَّ فيه مِن إيمانِ القلب، ولا أحدَ يَملِكُ القلوبَ إلا اللهُ تعالى.

ومنها: أن الإسلامَ يُبيحُ لأناسٍ غيرِ مسلِمين أن يَبْقَوْا على دينِهم بعد تبيُّنِ الرشدِ مِن الغيِّ، مع بعضِ الإجراءاتِ التي تساعِدُهم وتساعِدُ المجتمَعَ على الحفاظِ على قِيَمِهِ سليمةً؛ كالجِزْية.

ثالثًا: الآيتانِ التي ذُكِرَ فيهما القتالُ لا تتعارَضانِ مع بقاءِ بعضِ الناسِ مِن غيرِ المسلِمين على دِينِهم:

فهي إذنٌ بقتالِ المعتدِينَ؛ لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا، وقد يستمِرُّ هذا مع بقاءِ أناسٍ غيرِ مسلِمين على دِينِهم؛ لكنَّهم غيرُ معتدِين، ويؤدُّون الجِزْيةَ مثَلًا.

بل الآيةُ الثانيةُ منهما دالَّةٌ على إمكانيَّةِ البقاءِ على الاعتقادِ، مع بعضِ الإجراءاتِ؛ حيثُ ذكَرَ الجِزْيةَ في آخِرِها، والجزيةُ إنما يَدفَعُها غيرُ المسلِمِ الباقي على اعتقادِهِ:

فالآيةُ كاملةً هي:

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

[التوبة: 29]

وكذلك قولُهُ تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}

[التوبة: 73- 74]